قاعدة التطهير الناتجة عن التحفيظ العقاري

الأثر التطهيري للرسم العقاري

قاعدة التطهير الناتجة عن التحفيظ العقاري




يلعب العقار دورا مهما في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، فهو يساهم في تنمية العالمين الحضري والقروي ورفع القدرة الإنتاجية للمجتمع، من هنا تظهر أهمية تثبيت الملكية العقارية ومدى انعكاساتها على التنمية الشاملة،[1] إذ أن تقنية تنظيم رسوم الملكية من طرف العدول تحت رقابة القضاة الشرعيين لم تكن كافية لتوحي الثقة بين المتعاملين في المجال العقاري، رغم التنظيمات العديدة التي أدخلت على كيفية تحرير تلك الرسوم وضبطها،[2] حيث أنه كثيرا ما تثار الشكوك حول صحتها وكثيرا ما تنظم هذه الرسوم نتيجة تواطؤ بين مالك غير شرعي وشهود زور، وكثيرا ما يعتريها النقص في بياناتها، أو تكون عرضة للضياع أو السرقة، مما يضع مشاكل لا حد لها في وجه القضاة لفظ النزاعات الطارئة بشأنها،[3] لذا كانت الضرورة ملحة لإيجاد نظام أكثر دقة من النظام السابق، كان له دور مهم في إعطاء الملكية العقارية وضعا أكثر استقرار وثقة في التعامل.
ويتمثل هذا النظام في ظهير 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) الذي وضع من خلاله المشرع قواعد تكسب إنشاء ونقل الملكية العقارية والحقوق العينية العقارية التصرف فيها، ضمانا أكثر قوة، ذلك أنها قد تدمج الملكية العقارية في الحياة الاقتصادية وتساهم في استقرار المعاملات، وتسهيل الحصول على القروض، الشيء الذي ينعكس إيجابا على مالية الأفراد خاصة والاقتصاد الوطني بصفة عامة.[4]
وهو الشيء الذي كرسه الظهير المذكور، هذا الأخير الذي يقوم على مبادئ الشهر العيني المستمدة من نظام "تورانس" الأسترالي،[5] والذي أصبح الإطار القانوني الذي يبين الحقوق العينية والارتفاقات الواقعة على العقارات المحفظة، الأمر الذي أدى إلى وضع اللبنات الأساسية لإقرار ضمانات قوية لا غنى عنها في بلد يسعى إلى إقرار مبدأ استقرار المعاملات.[6]
وبالرغم من الاستغلال الاستعماري لهذه التقنية، فإنها برهنت على أهميتها، مما جعل المغرب المستقل يحافظ عليها.[7]
وحتى يحقق العقار الدور المنوط به في تنمية المشاريع الاقتصادية والمساهمة في جلب الرساميل الاستثمارية كان لابد أن يتمحور حول قاعدة صلبة تجعل المتعامل بشأنه في مأمن من أي مطالبة لاحقة، وهو ما تحقق من خلال سن المشرع المغربي لمبدأ التطهير المنصوص في الفصلين 2 و62 من ظهير التحفيظ العقاري، الذي أقر من خلالهما نهائية الرسم العقاري وعدم الاعتراف بالحقوق غير المضمنة به.
هذه القاعدة وإن كانت تبدو – نظريا – ضرورة لابد منها، لتأمين مصالح الأشخاص من الترامي والاحتلال، فإن القضاء والفقه لم تكن له نظرة موحدة بخصوصها، مما يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي إلى حد كان المشرع المغربي موفقا بإقراره لقاعدة التطهير؟ وما مدى شرعيتها؟
وسنتناول هذا الموضوع من خلال مبحثين، نضمن في الأول مجال تطبيق قاعدة التطهير على أن نخصص الثاني لموقفي الفقه والقضاء من هذه القاعدة.

المبحث الأول: مجال تطبيق قاعدة التطهير تشريعا


تمر مسطرة التحفيظ بإجراءات معقدة تنتهي في جميع الأحوال بقرار صادر عن السيد المحافظ بتأسيس الرسم العقاري يتم من خلاله نقل العقار من نظام العقارات غير المحفظة إلى نظام العقارات المحفظةـ ليصبح هذا الرسم ذات مناعة مطلقة، غير أنه لاعتبارات تتعلق بالمنفعة العامة نجد بعض القوانين تدخل استثناءات إذ لا تسري قاعدة التطهير على بعض الأنظمة العقارية الخاصة.

المطلب الأول: الإطار التشريعي لقاعدة التطهير

لعل من أهم آثار التحفيظ العقاري تلك التي ورد النص عليها ضمن مقتضيات الفصلين 2 و62 من ظهير التحفيظ العقاري (12 غشت 1913).
فقد نص الفصل 2 من الظهير المومأ إليه أعلاه على ما يلي:
"يترتب عن التحفيظ إقامة رسم الملكية مسجل بكناش عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة الغير المضمنة بالكناش العقاري".[8]
ونص الفصل 62 من نفس الظهير على أن:
"إن رسم الملك له صفة نهائية ولا يقبل الطعن وهو يكشف نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية أو التكاليف العقارية الكائنة على العقار، وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المسجلة".[9]
من خلال هذين الفصلين، نستنتج أنه يترتب على قرار التحفيظ تطهير العقار من جميع الحقوق السابقة على التحفيظ واكتساب رسم الملك صفة نهائية غير قابلة لأي طعن كيفما كان نوعه.
ومن تم فإن جميع الحقوق العينية المتعلقة بالعقار والتي لم يعلن عنها خلال جريان مسطرة التحفيظ تعتبر كأن لم تكن ولا يمكن لأصحابها الاحتجاج بها وعليهم أن يتحملوا تبعة إهمالهم خاصة وأن عملية التحفيظ لا تنجز إلا بعد سلسلة من الإجراءات يصاحبها الإشعار والإعلان.[10]
وهذا يعني أن رسم الملكية يشكل دليلا قاطعا على حق الملكية، إذ يعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتكاليف العقارية المترتبة على العقار وإن للتقييدات المضمنة به بعد التحفيظ قوة مطلقة.[11]
وهكذا يمكن القول بأن كل صلة بين العقار المحفظ وبين ماضيه قبل التحفيظ قد انتهت والمالك الذي حفظ العقار على اسمه يعتبر مالكا للعقار اعتمادا على الأثر القانوني الناتج عن قرار التحفيظ ولو لم يكن المالك متوفرا على أي حجة، بل حتى ولو تمكن من التحفيظ عن طريق الغش والتزوير والتدليس.
وتجدر الإشارة إلى أن الصفة النهائية لرسم الملكية تشمل الأرض المحفظة وما عليها من منشآت وأغراس ولا يمكن للغير أن يطالب بملكية هذه الأبنية والأغراس إلا إذا ذكر ذلك في الرسم العقاري.[12]
فإذا كان الفصل 62 من ظهير التحفيظ العقاري صريح النص على أن رسم الملك له صفة نهاية ولا يقبل الطعن فإن الفصل 64 من نفس الظهير صريح النص كذلك على أنه لا يمكن إقامة دعوى في العقار بسبب حق وقع الإضرار به جراء التحفيظ.
ويتبين من فحوى الفصلين المذكورين أن المحكمة إن كان ليس باستطاعتها إلغاء قرار المحافظ القاضي بتأسيس الرسم العقاري، فبإمكانها الحكم بالتعويض لفائدة من تضرر من تأسيس الرسم العقاري، حيث يمكن لكل من يهمه الأمر وفي حالة التدليس فقط أن يقيموا دعوى شخصية على مرتكب التدليس بأداء التعويض.[13]
وهكذا تتجلى مختلف صور الدعاوى التي يكون في إمكان المتضرر من التحفيظ ممارستها بحسب الأحوال وذلك كما يلي:
  • أولا: دعوى استرداد ما دفع بدون وجه حق؛
  • ثانيا: دعوى التعويض ضد المالك أو طالب التحفيظ؛
  • ثالثا: دعوى التعويض ضد الدولة أو موظفي المحافظة العقارية.
وعليه سنتناول مختلف هذه الطرق التي يستطيع المضرور سلوكها للحصول على تعويض عن الضرر اللاحق به من جراء حرمانه من الحق العيني الذي لم يعد باستطاعته المطالبة به.
أولا: دعوى استرداد ما دفع بدون وجه حق:
ينص الفصل 70 من قانون الالتزامات والعقود على أنه "يجوز استرداد ما دفع لسبب مستقبل لم يتحقق أو لسبب كان موجودا ولكنه زال".
ويمكن إعمال هذا الفصل في حال مشتري العقار الذي دفع الثمن لكن البائع حفظ العقار على اسمه ففقد المشتري حق المطالبة بملكية العقار وبما أن قاعدة التطهير تمول دون أن يطالب مشتري العقار بحقه عينيا يصبح من حقه فقط أن يطالب باسترداد الثمن لأن السبب الذي من أجله دفع الثمن لم يتحقق.[14]وفضلا عن هذا يمكنه المطالبة بالتعويض لجبر الضرر اللاحق به عند الاقتضاء كأن يكون فوت عليه فرصة شراء عقار آخر مثلا، أو ارتفعت قيمة العقار أو أن البائع عمد عن سوء نية إلى تحفيظ العقار باسمه بعد أن تصرف فيه مستغلا غياب المشتري أو عدم درايته بإجراءات التحفيظ، ورغم ذلك لا يحق للمضرور أن يطالب بالتعويض في حالة كون السبب في ضياع حقه خطأ منه أو إهماله.[15]
وقد لا يستطيع الشخص الذي فقد حقه من جراء التحفيظ أن يلجأ إلى دعوى الاسترداد في حالة عدم وجود عقد بيع يقتضي استرداد الثمن وبالتالي لا يبقى أمامه إلا أن يسلك طريق دعوى الإثراء بلا سبب مستندا في ذلك على الفصلين 66 و67[16] من قانون الالتزامات والعقود.

ثانيا: دعوى التعويض ضد المالك أو طالب التحفيظ:
بالرجوع إلى مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 64 نجدها تنص على عدم إمكانية الادعاء على عقار وقع الإضرار بصاحبه من جراء عملية التحفيظ ويمكن للمتضرر في حالة التدليس[17] رفع دعوى شخصية للتعويض ضد مرتكب التدليس.
ويلاحظ أن المشرع كان حكيما عندما نص في الفصل 64 على مقاضاة مرتكب التدليس وليس طالب التحفيظ، لأن هذا الأخير ليس مدلسا في جميع الأحوال وكمثال على ذلك قد يفوت العقار قبل تحفيظه من مشتر لآخر، هذا الأخير الذي قد يكون حسن نية، ومن ثم يجب مقاضاة المدلس وليس طالب التحفيظ.
وهذا ما أكد عليه المجلس الأعلى في قرار عدد 2420 الصادر بتاريخ 14 شتنبر 2005 الذي جاء في: "بمقتضى الفصل 64 من المرسوم المؤرخ في 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري لا يمكن إقامة دعوى في العقار بسبب حق وقع الإضرار به من جراء التحفيظ، ويمكن لمن يهمهم الأمر وفي حالة التدليس فقط أن يقيموا على مرتكب التدليس دعوى شخصية بأداء التعويضات، والمحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه عندما صرفت النظر عن تطبيق مسطرة الزور الفرعي في المستند الذي اعتمده المدعيات في إنشاء رسم الملك المتعلق بمحل النزاع بعلة أن رسم الملك المذكور له صفة نهاية لا يقبل الطعن وهو يكشف نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتكاليف العقارية المثقل بها العقار وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المسجلة ولم يبق أمام المتضرر إلا حق إقامة دعوى التعويض تكون قد بنت قضاءها على أساس صحيح".

ثالثا: دعوى التعويض ضد الدولة أو موظفي المحافظة العقارية:
نظم المشرع المغربي هذه المسؤولية[18] في بعض نصوص قانون الالتزامات والعقود ولاسيما في الفصلين 79 و80[19] اللذين من خلالهما تعرض لمختلف الأخطاء المرتكبة وتم توزيعها بين الدولة في حالة الأخطاء المصلحية والمرفقة، وبين الموظفين الإداريين – المحافظ واحد من هؤلاء الموظفين – في التدليس والخطأ الجسيم.
كما أن المحافظ العقاري مسؤول أيضا مسؤولية شخصية في إطار الفصل 97[20] من ظهير 9 رمضان 1331.
في حالة ارتكابه إحدى الأخطاء الواردة تعدادها في هذا الفصل.

المطلب الثاني: الاستثناءات الواردة على قاعدة التطهير

يترتب على التحفيظ التطهير من كل حق عيني واكتساب رسم الملكية الصفة النهائية، لكن ترد على هذه القاعدة بعض الاستثناءات إذ توجد حالات لا تطبق فيها هذه القاعدة وذلك لاعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة، فتبقى الحقوق العينية المتضررة من التحفيظ قائمة حيث يمكن الطعن فيها من قبل الغير واعتبارها كأن لم تكن.
ونتعرض فيما يلي لأهم هذه الحالات الاستثنائية وهي: الأملاك العامة (أولا) العقارات المحبسة تحبيسا عموميا (ثانيا) الحقوق المكتسبة على المياه العمومية (ثالثا) الحقوق المنجمية (رابعا) الأراضي السلالية أو الجموع (خامسا).
أولا: الأملاك العامة: فحسب ظهير فاتح يوليوز 1914 المنظم والمحدد للأملاك العامة الذي تم تعديله بظهير 8 نونبر 1919 فإن هذه الأملاك لا تقبل التفويت ما لم يقع إخراجها من الملك العام بكيفية قانونية، والأملاك العامة هي الأملاك المخصصة للاستعمال العمومي أو لتسيير مرفق عام وهي لذلك غير قابلة للتصرف فيها، ولا يمكن لأي شخص أن يحفظ ملكا عاما على اسمه وإن حصل التحفيظ فعلا فليس من شأنه أن يطهر العقار ولا يترتب عليه ثبوت ملكية التحفيظ بصفة نهائية.[21]
كما أن الملك العمومي لا يمكن اكتساب ملكيته بطريق التقادم طبقا للفصل الرابع من ظهير فاتح يوليوز 1914[22]، بمعنى أن حيازته مهما طالت لا تجعل العقار ملكا للحائز وإن استطاع تحفيظه.[23]

ثانيا: الأملاك المحبسة[24] تحبيسا عموميا:
إن الأملاك المحبسة تحبيسا عموميا شأنها شأن الأملاك العامة لا يجوز التصرف فيها ولا تقبل التفويت طبقا لمقتضيات ظهير 7 يوليوز 1914، ولا يمكن اكتساب ملكيتها عن طريق التقادم.[25] فلو أن شخصا تحايل بإقامة وثيقة تملك للعقار المحبس وقام بتحفيظه باسمه ثم تبين أن هذا الملك هو محبس فإنه من الواجب على إدارة الأوقاف أن تباشر إلغاء إجراءات التحفيظ واسترجاع العقار المغصوب.[26]
وهذا ما أكدته المادة 54[27] من مدونة الأوقاف الجديدة،[28] حيث أكدت على ضرورة حماية الوقف من صرامة التطهير، خصوصا وأن الأملاك المحبسة يتعلق بها حق الله تعالى، وحق الغائب، وكما هو سائد في العرف القانوني فالغائب لا حيازة عليه، لأن الإعلام في التحفيظ يفترض علم المعني مع سكوته، هذا السكوت الذي يعتبر تنازلا منه عن حقه، وهو الشيء الذي لا يفترض في ناظر الأوقاف، إذ أن سكوته لا يعتد به، بل حتى ولو أقر ذلك فإقراراه لا يعتد به لأنه إقرار على الغير والإقرار على الغير لا يعتد به في مواجهة المقر عليه، طبقا لما هو سائد في العرف القانوني، بشأن الإقرار.[29]
ثالثا: الحقوق المكتسبة على المياه العمومية:
تعتبر المياه العمومية من الأملاك العامة حيث لا يجوز التصرف فيها ولا يمكن اكتساب حقوق عليها عن طريق التقادم طبقا لمقتضيات المادة الأولى من القانون رقم 10.95[30] الصادر بتاريخ 5 يوليوز 1995 والذي دخل حيز التنفيذ في 16 غشت 1995 الذي جاء فيها: "الماء ملك عام ولا يمكن أن يكون محل تملك خاص".
على أن المشرع رغم كون المياه من الأملاك العامة احتفظ للأفراد والجماعات بالحقوق المكتسبة عليها من القديم وسمح لأصحاب هذه الحقوق أن يثبتوا حقوقهم هذه في مواجهة وزارة الأشغال العمومية نتيجة مسطرة إدارية خاصة أو نتيجة مراجعة قضائية، وما لم تتبع هذه المسطرة الإدارية أو المراجعة القضائية، فلا يمكن الادعاء باكتساب أي حق على المياه العامة.[31]
ومن هنا نستنتج أن المياه شأنها في ذلك شأن الأملاك العامة لا تتأثر بقرارات التحفيظ.
رابعا: الحقوق المنجمية:[32]
تخضع الحقوق المنجمية لظهير 16 أبريل 1991 وكذا ظهير 18 يونيو 1958، وتمنح هذه الحقوق لمن له امتياز استثمار المادة المنجمية وتعتبر هذه الحقوق غير منقولة وبالتالي تخضع للتحفيظ.
والتحفيظ الذي ينتهي بمنح رسم منجمي لا تسبقه مسطرة شبيهة بمسطرة التحفيظ العقاري بل يقتصر دور المحافظ هنا على منح الرسم استنادا على الامتياز أو الرخصة دون القيام بأي إجراء.[33]
ومن هنا فالأسلوب المعتمد في منح هذا الرسم لا علاقة له بمسطرة التحفيظ العقاري وعليه فإنه لا يكتسب مناعة ولا يحوز حجية التطهير، ولذا فإن مثل هذا الرسم إذا تبين منه أنه تجاوز المساحة العقارية التي يحتويها الرسم المنجمي فإن هذا التجاوز يعاد النظر فيه فتصحح مساحة الأرض موضوع الرسم المنجمي وترد إلى الحدود الصحيحة، وعلى العكس من ذلك إذا تضمن الرسم مساحة أقل من مساحة الأرض محل الامتياز فإن صاحب حق الاستثمار له الحق في أن يطالب بتصحيح الرسم لتتساوى مساحة الأرض مع مساحة الامتياز.

خامسا: أراضي الجموع:[34]
ينص الفصل الرابع من ظهير 27 أبريل 1919 المتعلق بتنظيم الوصاية على الأراضي السلالية على أنه: "أراضي الجموع لا تمتلك عن طريق التقادم ولا تقبل التصرف فيها ولا الحجز عليها".
ومن خلال هذا النص فإذا ما تم تحفيظ عقار وتبين بعد ذلك بأن الأمر يتعلق بأرض جماعية فإن الضرورة تقتضي تغيير اسم المالك بواسطة تقييد جديد دون حاجة إلى إلغاء الرسم العقاري وذلك بناء على حكم نهائي في الموضوع.

=>  وخلاصة القول في العقارات المذكورة إعلان لا تخضع لقاعدة التطهير المنصوص عليها في الفصلين 2 و62 من ظهير التحفيظ العقاري الصادر بتاريخ 12 غشت 1913، حيث يمنع على أي شخص تحفيظ إحدى العقارات باسمه لأنها غير قابلة للتصرف فيها كما أنها لا تكسب عن طريق التقادم.


المبحث الثاني: موقف القضاء والفقه من قاعدة التطهير


إن القضاء بمختلف درجاته لم يستقر على موقف واحد في توجهاته، فتارة يعتمد التطبيق الحرفي للفصلين 2 و62 وتارة أخرى يخرج عن المبدأ بإدخال بعض التليينات للتخفيف من حدتها.
أما في أوساط الفقه قد أثار جدال كبير بخصوص مدى شرعية قاعدة التطهير، ففي الوقت الذي ذهب البعض إلى اعتبارها مقتضيات ظالمة، ومخالفة بشكل واضح لقواعد الشريعة الإسلامية، ذهب البعض الآخر إلى اعتبارها قاعدة مشروعة اقتضتها الضرورة لتأمين مصالح الناس من الترامي والاحتلال.
وهذا ما سنتناوله في المطالب الموالية على الشكل التالي:
المطلب الأول: موقف القضاء.
المطلب الثاني: موقف الفقه.

المطلب الأول: موقف القضاء من الأثر التطهيري للرسم العقاري

إن القضاء المغربي ومنذ دخول ظهير التحفيظ العقاري حيز التطبيق لم يستقر على موقف موحد في اجتهاداته، من حيث مدى شمول قاعدة التطهير للكل أن أنها تستثني بعض الأشخاص، فقد عرف العمل القضائي خلال المرحلة الاستعمارية وما بعدها عدة انعطافات في توجهاته، ففي الوقت الذي ذهبت بعض المحاكم إلى التخفيف من حدة الأثر التطهيري المنصوص عليه في الفصلين 2 و62 (الفقرة الأولى) ذهبت في بعضها الآخر إلى تعميمه على الجميع بدون استثناء (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: التوجه القضائي المخفف من حدة التطهير:

هذا الاجتهاد القضائي تغاضى عن حرفية الفصلين 2 و62 من ظهير التحفيظ العقاري، مقلصا من مبدأ الأثر التطهيري بإدخال بعض الاستثناءات عليها ويظهر ذلك جليا من خلال قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالرباط سنة 1926، وتتلخص وقائعه، في أن شخص يملك عقارا مناصفة مع شريكه تقدم بمطلب تحفيظ، غير أنه اقتصر على تحفيظه باسمه فقط دون الإشارة إلى شريكة، وبعد استنفاد جميع إجراءات التحفيظ، قام المحافظ على الأملاك العقارية بتحفيظ العقار باسم طالب التحفيظ.
فقام بعد ذلك الشريك الثاني بطلب قصد تسجيل حقه على العقار، فاستجابت محكمة الاستئناف للطلب بالاعتراف للشريك بحقه وأكدت على أن التحفيظ لا ينال من حق الشريك.[35]
وهو الأمر الذي أكدته نفس المحكمة مرة أخرى في قرارها الصادر سنة 1934، حيث أقرت أن 
لا تحول دون مطالبة الخلف الخاص بحقوقهم الضائعة والمستمدة من عقد سابق على التحفيظ، شرط أن لا تؤثر هذه الالتزامات على الحقوق التي منحها المالك المقيد للغير بعد التحفيظ، بمعنى أن يكون العقار المحفظ لا زال بيد طالب التحفيظ الأول.[36]
وفي نفس الاتجاه صارت محكمة الاستئناف بسطات في قرار لها صادر بتاريخ 26 ماي 1987[37] حيث أكدت أنه لإن كان التطهير يتناول الحقوق التي يدعيها أشخاص من الغير لا تربطهم أي رابطة بطالب التحفيظ فإن ذلك لا يحول دون تمكين المشترين بصفتهم خلفا خاصا من المطالبة بتقييد الالتزامات المتعلقة بالعقار المحفظ والمستمدة من عقد سابق على التحفيظ.
وهذا الموقف هو الذي كرسه المجلس الأعلى بقرار صادر عنه بجميع غرفه بتاريخ 29 دجنبر 1999[38] حيث خلص إلى أن مشتري العقار من نفس طالب التحفيظ الذي تحول مطلبه إلى رسم عقاري خلفا خاصا لا يواجه كالخلف العام بقاعدة التطهير المنصوص عليها في الفصل 62 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري.[39]
وقد جاء في قرار آخر للمجلس الأعلى سنة 2002[40] بأن الرسم العقاري المستخرج عن طريق التجزئة لا يتمتع بالحصانة المنصوص عليها في الفصلين 2 و62 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري اللذين يضفيان الصفة النهائية والقطعية على رسم التمليك، بل يكون قابلا للتغير وخاضعا لمقتضيات الفصلين 69 و91 من نفس الظهير كسائر التقييدات اللاحقة لإنشاء الرسم العقاري.
هذا بالإضافة إلى قرار آخر جد حديث صادر عن نفس المجلس سنة 2007[41] الذي جاء فيه: "لما كان الوعد بالبيع حق شخصي لموعود له إزاء الواعد فإنه لا يخضع لمقتضيات الفصلين[42] 83 و84[43] من ظهير التحفيظ العقاري وبذلك فهو غير مشمول بقاعدة التطهير المنصوص عليها في الفصل 2 من ظهير التحفيظ المذكور التي تظل قاعدة خاصة بالحقوق العينية العقارية القابلة للتسجيل في الرسم العقاري، ولا تتعداها للحقوق الشخصية الملقاة على المالك للعقار المراد تحفيظه، والتي تظل ملزمة له ولو حفظ العقار الموعود بيعه، أو كانت هذه الحقوق قد نشأت قبل التحفيظ.[44]
فمن خلال هذا التوجه القضائي يظهر أن نهائية الرسم العقاري، وإن كانت تجعل العقار مطهرا، فإنها لا تنال من حقوق الغير حسن النية وخصوصا الخلف الخاص.[45]
إلا أننا نرى أنه لإن كانت ضرورة المجتمع في الفترة الاستعمارية تقتضي استثناء المتضرر الذي لم يدل بحقوقه أثناء جريان مسطرة التحفيظ، لكون أغلب المغاربة آنذاك، خصوصا بالبوادي – كانوا يجهلون التحفيظ العقاري وخطورة أثره التطهيري، إضافة على كون جميع العقود كانت تبرم باللغة الفرنسية – وإن كان أحد أطرافها مغربيا – وفي حالة النزاع يتم التقاضي بشأنها أمام قضاة فرنسيين يعقدون جلساتهم ويصدرون أحكامهم بالفرنسية، فإنه لم يعد لهذا الاستثناء مبررا في الوقت الحالي، سيما مع تجدر ثقافة التحفيظ العقاري في المجتمع المغربي، بحيث مر عليه ما يقارب قرن من الزمن، ومع انتشار العولمة،[46] التي أدت إلى تسهيل الحصول على المعلومة، بل الأدهى من ذلك أنها لا تتلاءم ونية المشرع المغربي الذي يطمح إلى تعميم نظام التحفيظ العقاري، وتأمين السوق العقارية التي تعد المحرك الأساسي لدواليب الاقتصاد الوطني. كما أن مشروع قانون 07.14 أبقى على مبدأ التطهير بالرغم من الانتقادات اللاذعة الموجهة إليه من قبل الفقه إيمانا منه بأن كل محاولة لإلغاء الفصلين 2 و62 من ظهير التحفيظ العقاري ستؤدي حتما إلى هدم نظام التحفيظ العقاري برمته.
وهذا الاتجاه هو الذي صار فيه الاجتهاد المطبق لحرفية الفصلين 2 و62 والذي سنتناوله في القفرة الموالية.

الفقرة الثانية: التوجه القضائي المتمسك بقاعدة التطهير

بتتبعنا للاجتهادات القضائية الصادرة في هذا الاتجاه نجد أنه بمجرد صدور قرار المحافظ على الأملاك العقارية بتأسيس رسم الملك يصبح هذا القرار ساريا تجاه الكافة دون إمكانية التمييز بينما إذا كان هذا القرار يستثني الخلف الخاص أو غيره من المتعاملين مع طالب التحفيظ، بل إن القضاء المغربي – ممثلا في محكمة الاستئناف بالرباط – ذهب أبعد من ذلك واعتبر أن قاعدة التطهير تسري حتى على القاصرين الذين قام عمهم بتحفيظ العقار باسمه لوحده[47] وهو نفس المنحى الذي صارت عليه محكمة النقض الفرنسية ومن بعدها المجلس الأعلى بعد تأسيسه سنة 1957 حيث جاء في إحدى قراراته: "التحفيظ يطهر العقار من كافة الحقوق التي قد يدعي بها قبل التحفيظ ولا تكون مسجلة بالرسم العقاري. لا يمكن أن تقام دعوى عينية عقارية بالمخارجة التي كانت قائمة وقت عملية التحفيظ لم يقع التعرض وإنما يمكن أن تقام بها دعوى تعويض إذا تبث تدليس في عملية التحفيظ.[48]
بل وقد ذهب المجلس الأعلى إلى حد القول: " لا يمكن الاحتجاج بعقد الشراء الذي أبرم قبل التحفيظ ولم يقع الإدلاء به أثناء مسطرة التحفيظ؟
التحفيظ يطهر العقار من كل تكليف سابق طبقا لمقتضيات الفصلين 2 و62 من ظهير 12 غشت 1913".[49]
هذا ناهيك عن قرار آخر صادر عن نفس المجلس سنة 2007 أكد فيه بأن الحق الذي نشأ قبل تحفيظ العقار يطهر منه إذا لم يودع المالك الجديد الوثائق اللازمة لدى المحافظة العقارية للتقييد في السجل العقاري حيث جاء في هذا القرار ما يلي: "انتقال الحق العيني بين أحياء أثناء مسطرة التحفيظ من جديد في اسم المالك الجديد أو إيداعه الوثائق اللازمة لدى المحافظة العقارية للتقييد في سجل التعرضات، وإعطائها أثر التسجيل من تاريخ هذا التقييد يوم التحفيظ، وفي حالة ما تم تحفيظ العقار ولم يكن من أجرى التصرف له بحق واجب التسجيل قد أودع وثائق انتقال الحق له، ولم تقيد على الكيفية المذكورة لا ينشأ لفائدته أي أثر لحق عيني قبل سلفه المحفظ له لأنه حق نشأ قبل تحفيظ العقار وطهره التحفيظ منه".[50]
هكذا يظهر أن القضاء المغربي عرف عدة انعطافات في توجهاته بشأن مدى شمول قاعدة التطهير للكل أم إدخال بعض الاستثناءات بشأنها، وهو الأمر الذي لا يسعفنا للقول بأن المحاكم المغربية وفية لموقف واحد في هذا الصدد، ففي الوقت الذي اعتقد فيه بعض الفقه – خصوصا الرافض لنهائية الرسم العقاري – بأن القضاء المغربي أخذ مبدءا عاما استثنى من خلاله الخلف الخاص الذي تلقى الحق مباشرة من طالب التحفيظ دون أن يتمكن من تسجيله أثناء سريان مسطرة التحفيظ من خلال القرار الصادر عن المجلس الأعلى بغرفة مجتمعة بتاريخ 29 دجنبر 1999، نجده تراجع عن موقفه من خلال القرارات التي أشرنا إليها أعلاه، وهذا ما نأسف له، إذ كيف بمؤسسة بل وبهرم قضائي يعول عليه في توحيد رأى محاكم الموضوع يعرف تضاربا في آرائه ولم يستقر على موقف موحد وقار يحسم من خلاله النقاش بشأن هذه القاعدة.[51]

المطلب الثاني: موقف الفقه من الأثر التطهيري للرسم العقاري

فإذا كان من المسلم به أن التطبيق الحرفي للفصلين 2 و62 من الظهير المذكور قد يضيع الحقوق على أصحابها الذين لم يمارسوا حقهم في التعرض فإن هذا المبرر – في نظرنا – غير كاف للمس بنهائية الرسم العقاري الذي سيجعل طالب التحفيظ غير مطمئن على حقوقه ومن تم يحق لنا التساؤل عن جدوى الدخول في نظام التحفيظ العقاري إذا لم تكن حقوق صاحب العقار في مأخذ عن أي مطالبة لاحقة.
فبينما يرى جانب من الفقه بأنها ضرورية ولا غنى عن وجودها، (الفقه المؤيد)، يرى جانب آخر بأنه آن الأوان لإلغائها أو إدخال بعض الاستثناءات للتخفيف من صرامتها (الفقه المعارض).

الفقرة الأولى: الفقه المؤيد لقاعدة التطهير

خلافا للاتجاه الفقهي المنادي بضرورة التخفيف من حدة الأثر التطهيري للتحفيظ العقاري يوجد اتجاه مناصر لهذا المبدأ ينادي بضرورة تطبيقه كيفما كانت النتائج الحاصلة وأن حدوث ضرر لمالك حق عقاري طهر بالتحفيظ لم يكن كاف لاستبعاد هذا المبدأ، ونمثل لهذا الاتجاه بالأستاذ محمد أحمد بونبات الذي يقول في هذا الصدد: "... وإنما قلنا أن لرسم التمليك صفة نهائية غير قابلة للرجوع عنها مما يجعل لهذا الرسم الثبات والاستقرار استنادا إلى مبدأ التطهير الذي يعطي لرسم التمليك حجية قانونية قاطعة، فإن هذا المبدأ في اعتقادنا وجب التدعيم والتأييد مهما كانت المضار الناجمة على تطبيقه عند حصول ضرر لمالك حق عيني ظهر أنه ضحية التحفيظ.

فالعيب ليس في مبدأ التطهير وإنما هو في التطبيق المعيب لإجراءات التحفيظ وسوء النية والتدليس، وقد تكون بمثابة أعمال معاقب عليها في القانون الجنائي، ولا زلنا نؤيد مبدأ التطهير المانح لرسم التمليك تلك الصفة النهائية، ولا نرى مع القائلين بوضع استثناءات للطابع النهائي لقرار المحافظ بتأسيس الرسم العقاري، حيث سيصبح بالإمكان الطعن في هذا القرار إذا تبين أنه بني على تدليس أو استعمال الزور، لأن هدم مبدأ التطهير في اعتقادنا سيعرض الملكية العقارية حتما إلى عدم الاستقرار فنقترح الإبقاء على الصفة النهائية للرسم العقاري حتى لا تتكاثر قضايا الزور المفتعل أو التدليس إن تم هدم مبدأ التطهير النهائي ويضيف الأستاذ أن منع الزور وتدليس سيء النية أولى بالاعتبار من حرمة الملك العقاري،[52] وهو نفس التوجه الذي صار فيه الدكتور مأمون الكزبري الذي يؤيد الصفة المطلقة لمبدأ التطهير المنصوص عليه في الفصلين 2 و62 ففي نظره فالمقتضيات المنصوص عليها في الفصلين أعلاه مطلقة لا تتسع للتمييز بين الغير وبين الخلف الخاص لطالب التحفيظ، ثم إن المشرع قصد إذا أقر مبدأ التطهير أن تكون لقيود السجل العقاري مناعة تامة وفسح المجال للخلف الخاص في أن يطعن بهذه القيود لسبب سابق على التحفيظ من شأنه أن يدخل خلال على هذه المناعة التي أرادها القانون مطلقة .
أضف إلى ذلك أن عملية التحفيظ ترافقها وسائل عديدة من الإشهار والعلانية وأن الخلف الخاص الذي يبقى ساكتا عن حقه رغم هذه الوسائل ولا يحرك ساكنا، أقل من يقال فيه أنه مهمل وأن عليه أن يتحمل وزر إهماله.[53]

الفقرة الثانية: الفقه المعارض من الأثر التطهيري للرسم العقاري

من خلال تفحصنا لآراء هذا الاتجاه نجد أن بعض الفقه قد واجه قاعدة التطهير بقوة، فمن بين المتشددين في هذا الصدد من يذهب إلى القول بأن المقتضيات المضمنة في الفصلين 2 و62 هي مقتضيات ظالمة وأنه كان وراء إقرارها السياسة الاستيطانية للحماية الفرنسية بالمغرب والتي سهلت للفرنسيين والأجانب الحصول على عقارات بتحفيظها عن طريق سن الفصلين المذكورين، حيث يكون بمنأى عن دعاوى الاستحقاق فيما بعد، وعليه فلابد من إعادة النظر فيهما بكيفية تحترم مبادئ العدل والإنصاف.[54]
في حين نجد البعض الآخر يذهب في نفس التوجه، ويؤكد أن الإبقاء على قاعدة التطهير يتسم بالعبثية والنفاق وفيه ضرب لمبادئ الشريعة الإسلامية.[55]
إذ أن هذه القاعدة لا تتلاءم مع واقع المجتمع المغربي وأن السبب في إقرارها هو تسهيل الاستيطان وتملك الأجانب للأراضي بالمغرب نظرا لصعوبة تطبيق القانون المغربي وجهله من قبل المستعمر، لذا فهو ينادي بضرورة استبعاد هذا القانون وتعويضه بقانون آخر ليخلص إلى ضرورة إحلال مفهوم جديد لقاعدة التطهير يتلاءم وخصوصية المجتمع المغربي.[56]
أما البعض الآخر فينادي بضرورة إدخال بعض الاستثناءات على قاعدة التطهير خصوصا في حالة ثبوت تزوير أو تدليس أثناء عملية التحفيظ بحيث ينبغي وضع استثناءات لمبدأ نهائية الرسم العقاري حتى لا يستفيد مستعمل التزوير أو التدليس من هذا المبدأ و إلا اعتبر ذلك بمثابة نزع الملكية وتعدي على حقوق الغير وفيه خروج عن مبدأ العدالة والإنصاف، كما أنه لا ينبغي أن يكون هذا المبدأ متنافيا مع المبدأ المقرر في الدستور المغربي والذي يقضي بأن حق الملكية مضمون وفقا للفصل 15[57] من الدستور.
وهو نفس الرأي الذي تتبناه أستاذتنا وفاء الصالحي، حيث أكدت أكثر من مرة على ضرورة الحد من الأثر التطهيري المنصوص عليه في الفصلين 2 و62 معتبرة أنه لم يعد لهما مبرر بعد الاستقلال وأن قواعد العدالة والإنصاف تقتضي تعديلهما.[58]

هكذا يظهر أن مشرع ظهير 9 رمضان 1331 قد اقر مبدءا لا استثناء له،[59] والمتمثل في قاعدة التطهير الناتجة عن التحفيظ العقاري، المنصوص عليها في الفصلين 2 و62 وأكد ذلك من خلال الفصل 64 الذي منع بموجبه إقامة أي دعوى بسبب حق وقع الإضرار به من جراء التحفيظ، إلا أن العمل القضائي بمختلف درجاته وإن كان يذهب في بعض توجهاته في مسار المشرع وانسجاما مع نيته عن طريق التقيد بهذه القاعدة كما هو منصوص عليها تشريعيا، فإنه يتحفظ من الأثر التطهيري في توجهات أخرى محاولا التخفيف من صرامة هذه القاعدة.
أما الفقه فقد تأرجحت آراءه بين مناد بضرورة الإبقاء عليها وبين رافض لإطلاقيتها بل ووجودها ككل.
وهذا ما نستكشف معه أن الإبقاء على قاعدة التطهير لإن كان من شأنه أن يؤدي إلى ضياع حقوق كل من لم يبادر إلى التعرض أثناء مسطرة التحفيظ، فإن إلغاءها أو إدخال بعض التعديلات عليها سيؤدي إلى الحد من فعالية التحفيظ العقاري بكامله، إذ أن كل محاولة للتخفيف من حدتها سيؤدي إلى سحب الثقة من هذا النظام الذي يعد ملاذ كل راغب في الاطمئنان على ملكيته العقارية، وبالتالي ضعف الائتمان العقاري وعرقلة رهانات الاستثمار، الأمر الذي قد يؤثر على السوق العقارية، مما سينعكس سلبا على الاقتصاد الوطني بكامله.
وهذا ما انتهى بنا على القول بأن قاعدة التطهير وإن كانت قد تبدو غير عادلة في بعض تطبيقاتها، فإننا نعتبرها شر لابد منه في نظام التحفيظ العقاري، الذي يدور وجودا وعدما مع قاعدة اسمها تطهير العقار.
ومن تم فإننا وإن كنا نسلم بكون إقرار الأثر التطهيري للتحفيظ العقاري قد يؤيد إلى ضياع الحقوق على أصحابها في أحيان – تبدو نادرة – فيجب أن لا يؤدي بنا هذا الأمر إلى المس بنهائية الرسم العقاري لغاية أرادها المشرع.
لذلك فالتماشي مع عدم شرعية قاعدة التطهير واعتبارها قاعدة ظالمة سيؤدي بنا – وبدون شك – إلى القول بأن نظام التحفيظ العقاري في مجمله نظاما ظالما، وهو ما لا ينسجم والمزايا التي حققها هذا النظام.

من انجاز الطلبة:
عبدالعاطي مصلح
عزيز المحريري
حسناء ندير

ماستر الدراسات العقارية والتعمير سطات السنة الدراسية 2010\2011
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-