المدخل لدراسة العلوم القانونية
الباب الأول: القاعدة القانونية في عموميتها
تشكل القواعد الدينية هي الأخرى مصدرا للعديد من القواعد القانونية في الدول الأوربية ، حيث نجدها مكرسة في القوانين الجنائية وقوانين الأسرة .
وقد ساهم في ذلك التقارب الذي تتميز به هذه القواعد من حيث خاصيتي الجزاء والإلزام ، أي أن الإجبارية موجودة في القواعد الدينية كذلك ، ويترتب على مخالفتها جزاء حقيقي ، كالجزاء المقرر القاعدة القانونية . وإذا كان جزاء مخالفة القاعدة القانونية دنيويا ، فإن جزاء مخافة قاعدة دينية مقرر في الحياة الأخروية والدنيوية معأ . ومن الأمثلة على الجزاء الدنيوي عند المسيحيين عقوبة الإبعاد من حظيرة المؤمنين ، والحرمان من شعائر التأبين .. ويترتب على هاتين العقوبتين الحرمان من الزواج أمام الكنيسة ومن مراسيم التأبين يوم موته .
لكن هذا التقارب القائم بين القاعدة القانونية والقاعدة الدينية في الدول الأوربية لا ينفي وجود فوارق و اختلافات في ما بينها . حيث نجد أن الجهة المختصة بإصدار العقوبة في القانون هي الدولة ، أما العقوبة الدينية فهي تصدر عن المحاكم الكنسية .
ورغم القطيعة التي تمت بين الكنيسة والدولة في بداية القرن ور ، فمازالت هناك علاقة ترابط وتأثير خاصة في علاقات الزواج التي ما زالت عند الأوربيين مختلطة بين الزواج المدني والزواج الكنسي .
المبحث الثاني : العلاقة بين الدين والدولة في الدول الإسلامية
إن القراءة الجغرافية العلاقة القانون والأخلاق والدين في الدول الإسلامية تبين أن مجموعة من الدول تبنت في البداية تعاليم الدين الإسلامي ، لكنها عمدت فيما بعد إلى إقصائه من مصادرها . ومن تلك الدول نجد ألبانيا التي استبعدت الشريعة الإسلامية وعوضتها بالمذهب الماركسي اللينيني ، أما تركيا فقد كانت دولة إسلامية محضة إبان الحكم العثماني ، ومع مجيء كمال أتاتورك تم تغريبها حيث تبنت سنة 1926 القانون السويسري ، مما أدى إلى سيادة قانون علماني فصل الدين عن الدولة . ومن مظاهر ذلك وضعها لقانون مدني علماني .
وترتب عن إدخال المفاهيم الأوربية الغربية في قوانينها تضرر مجموعة من المؤسسات من أهمها الأحوال الشخصية حيث منع الطلاق ، وتم إقرار المساواة في الإرث ، ومنع تعدد الزوجات ..وبعد عقود من الزمن ستتراجع حدة علمانية القوانين التركية لتعود تدريجيا التعاليم الدينية إلى القواعد القانونية بعد صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم .
وفي مقابل هاتين التجربتين قامت بعض الدول بإصلاحات جزئية دون أن تفصل الدين عن الدولة ، كالنموذج التونسي الذي قام بإصلاحات تشريعية في اتجاه علمنة بعض المؤسسات القانونية كالزواج ، حيث منع تعدد الزوجات إلا أنها احتفظت بالمبادئ الأساسية للفقه الإسلامي . وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى مجلة الالتزامات والعقود التونسية التي صدرت سنة 1896 ، والتي مزجت بين الفقه الإسلامي والقوانين اللاتينية الجرمانية أما بالنسبة للمغرب ، فقد كانت الشريعة الإسلامية وأحكام المذهب المالكي هما السائدين قبل الحماية ، لكنه خلال دخول هذه الأخيرة ساد التشريع بمفهومه الأوربي العصري ، حيث تم إقرار مجموعة من المدونات الشهيرة كقانون الالتزامات والعقود والقانون التجاري وظهير التحفيظ العقاري .
ما نصيب الشريعة الإسلامية من المدونات الفرنسية بالمغرب ؟