قانـون التأميـن دراسة تحليلية على ضوء مدون التأمينات المغربية الجديدة

قانون التأمين المغربي


    قانـون التأميـن دراسة تحليلية على ضوء مدون التأمينات المغربية الجديدة              


قانـون التأميـن


دراسة تحليلية على ضوء مدون التأمينات المغربية الجديدة


إعداد ذ. فـؤاد معـلال



                             



موجه إلى طلبة السداسية الخامسة من مسلك القانون الخاص/فوج أ



السنة الجامعية

2020/2021



مقدمــة

أولا ـ بروز الحاجة إلى التأمين وأهميته

      التأمين مصدر أمان واطمئنان من حيث أنه يهدف إلى جعل الإنسان في مأمن من المخاطر، والآفات التي تهدده.

      فالإنسان يواجه في حياته اليومية عددا كبيرا من المخاطر غير المتوقعة تختلف قي طبيعتها وتتفاوت في خطورتها. منها ما يرتبط بحياته العادية (حوادث متعددة المصادر، مرض ...) ومنها ما يرتبط بنشاطه المهني تبعا لنوع ذلك النشاط.

     ولقد سعى الإنسان دائما إلى الاحتماء من هذه المخاطر بوسائل متعددة بدأت بالادخار الفردي وبالتضامن العائلي أو العشائري أو القبلي، وانتهت بابتداع نظام التأمين.

     من هنا كان التأمين وسيلة مبتدعة لتوقي العواقب المالية للمخاطر التي تصيب الإنسان، بحيث عوض أن يترك هذا الأخير يتحملها لوحده أو يتحملها في إطار التضامن العائلي أو القبلي الذي يظل متسما بمحدوديته ـ بالنظر إما لقلة عدد الأشخاص الذين يحصل بينهم التوزيع أو لكون أن هؤلاء إنما يساهمون في التخفيف من عواقب الخطر فقط بحيث يترك الجزء الأعظم منه على عاتق من انصب عليه ـ يتدخل التأمين ليتولى مبدئيا تحمل تلك العواقب محل من انصب عليه الخطر.

    ويكتسي التأمين أهمية كبيرة في وقتنا الحاضر بسبب ما رافق التطور التكنولوجي من ازدياد في المخاطر ومن اشتداد في عواقبها. وهو قد أصبح أحد الأدوات الأساسية في الاقتصاديات الحديثة، يحتاط بواسطته الشخص من الأخطار التي تهدده في شخصه أو أمواله أو تلك التي قد يتسبب فيها للغير، فيوفر له الاطمئنان الذي يجعله يتاجر، ويستثمر، ويشيد، ويصنع، ويعيش حياته من دون خوف.

    وتبعا لذلك فقد أصبح عقد التأمين من أكثر العقود التجارية انتشارا في الوقت الحاضر، وأصبحت شركات التأمين من أكبر الشركات وأضخمها في الاقتصاديات الحديثة، تساهم بدور كبير في تنشيط الاقتصاد الوطني، إما بشكل مباشر عن طريق الاستثمارات التي تقوم بها، أو بشكل غير مباشر عن طريق تشجيع التجارة، والاستثمار بتوفيرها غطاء للمستثمرين من المخاطر التي تهددهم.

    وبالنظر لما للتأمين من أهمية فقد أولاه المشرع الكثير من العناية تمثلت في تنظيمه للعلاقة بين المؤمن والمؤمن له، وفي تحديده لوسائل بسط الدولة لمراقبتها على مؤسسات التأمين. من هنا فقد كان للتأمين ارتباط بكل من القانون الخاص (عقد التأمين) والقانون العام ( مراقبة الدولة).

    ومن ثم فإن تدخل الدولة في التأمين يتم على مستويين:

1 ـ  على مستوى  العلاقة  بين  المؤمن  والمؤمن له، لتفادي فرض الأول، من  موقع  القوة  الذي  يتواجد فيه،  شروطا  تعسفية على الثاني، أو إعطاؤه ضمانات  أقل  مما يجب.

2 ـ  على مستوى تسيير مؤسسات التأمين ذاتها: عن طريق فرض أحكام خاصة على هذه الأخيرة أن تتبعها في ضبط  حساباتها، وفي تقدير التزاماتها، وفي الوفاء بهذه الالتزامات، وعن طريق بسط مراقبتها المالية على هذه  المؤسسات  ضمانا  لحقوق المؤمن  لهم وحماية للاقتصاد الوطني.


ثانيا ـ تحديث التشريع المغربي المتعلق بالتأمين

         لقد عرف التشريع المغربي المتعلق بالتأمين تحولا جذريا في السنين الأخيرة تحقق بصدور مدونة التأمينات لسنة 2002، والتي جرى تعديلها وتتميمها بمقتضى القانون رقم 39.05 المؤرخ ب 14 فبراير 2006، ثم القانون رقم 59.13 المؤرخ في 25 أغسطس 2016، والذي أحدث بموجبه نظام التأمين التكافلي، إضافة إلى فرض إجبارية التأمين على أوراش البناء والمسؤولية المدنية العشرية، ثم القانون رقم 110.14 المؤرخ في 25 أغسطس 2016 المتعلق بإحداث نظام لتغطية عواقب الوقائع الكارثية.

         ويأتي وضع مدونة للتأمينات في إطار البرنامج العام المسطر من قبل السلطات العمومية المغربية مند بداية التسعينات من القرن العشرين والذي يستهدف إصلاح المنظومة التشريعية المغربية المتعلقة بالتجارة والأعمال وذلك بقصد تحديثها وملائمتها مع تشريعات شركاء المغرب الاقتصاديين الأساسيين خاصة الاتحاد الأوربي الذي تربطنا به اتفاقية شراكة دخلت حيز التنفيذ سنة 2010. 

         كما يأتي من الزاوية الاقتصادية في إطار البرنامج الحكومي الهادف إلى تحديث وتفعيل آليات القطاع المالي المغربي الذي يعتبر التأمين أحد أهم مكوناته. خاصة بعد الأزمة الخطيرة التي شهدها القطاع في الربع الأخير من القرن الماضي والتي بدأت بوضع خمس شركات تأمين تحت الوصاية المباشرة للدولة في أواسط الثمانينات قبل إعلان تصفيتها في أواسط التسعينات بما رافق ذلك من ضياع حقوق المستفيدين وخاصة ضحايا حوادث السير الذين فرضت عليهم الدولة قبول الحصول فقط على نصف التعويضات المحكوم لهم بها من قبل القضاء ، وهو ما كان سببا في فقد الرقابة التي تمارسها الدولة على القطاع لمصداقيتها. فبدا من تم من الضروري إعادة النظر في القوانين العديدة المنظمة للقطاع والاستعاضة عنها بنص جديد واحد يضع الإطار القانوني والتقني الكفيل بتحصين القطاع، الإطار الذي من شأنه أن يقي مكتسباته ويحمي المؤمن لهم.

         وهكذا فقد جاءت مدونة التأمينات لتحقق من الناحية الشكلية جمع شتات النصوص القانونية المغربية المتعلقة بالتأمين التي صدرت على امتداد 75 سنة (بين1920 إلى1975) والتي كانت في مجملها من وضع المستعمر، وكانت، بالنظر لكثرتها، تعرف مقتضياتها كثيرا من التضارب، كما كانت صياغتها القانونية، خاصة الترجمة العربية منها، تتسم بركاكة واضحة.

           وجاءت من ناحية المضمون لتجدد القوانين القديمة المتقادمة وتحدثها من منظور استيعاب التغييرات والتقنيات الجديدة التي طرأت على صناعة التأمين، وذلك بقصد توفير الحماية للطرف الضعيف في العقد الذي هو المؤمن له، ولتمكين المقاولات من الآليات القانونية التي هي في حاجة إليها لتأطير منتجاتها وعملياتها، ولتمكين الجهات المختصة من آليات سهلة وفعالة للمراقبة عن طريق تبني صيغة جديدة للمراقبة تستوعب التقنيات الجديدة.                      

          وعموما يمكننا القول أن مدونة التأمينات الجديدة قد عملت على تدارك نقائص النصوص القديمة خاصة على المستويات التالية:

          ـ على مستوى الإطار القانوني لمقاولات التأمين وإعادة التأمين الذي أصبح في حاجة لتبني آليات للوقاية المالية ضمانا لحقوق سواء المؤمن لهم أو الأغيار أخذا بعين الاعتبار الجوانب التقنية والمالية للتأمين.

          ـ على مستوى السند القانوني للإطار التعاقدي ـ أي المقتضيات المنظمة لعقد التأمين ـ والذي ظل جامدا مند وضعه سنة 1934، فلم يأخذ بعين الاعتبار التحولات التي عرفها مجال الاكتتاب في التأمين. مما حال دون تنمية بعض أنواع الـتأمين وترك البعض الآخر يتداول من دون إطار قانوني ملائم.

          ـ  على مستوى الضمانات المالية، التي وإن كانت تعكس عموما الضوابط المتعارف عليها دوليا، فإنها لم تعد كافية وأصبحت في حاجة لتبني بعض المفاهيم الجديدة للملائمة ضمانا لوقاية إضافية للمؤمن لهم وللمستفيدين .

         هذه المدونة عرفت بعد وضعها سنة 2002 تعديلات متتالية، كان أهمها تعديلين أحدثا سنة 2016:

        * الأول منهما جرى بموجب القانون رقم 59.13 الذي أدخل تعديلات على المدونة تتعلق بثلاثة جوانب وهي:

•  المراجعة الفنية لبعض الأحكام الاحترازية ؛

•  فرض إلزامية بعض التأمينات على البناء؛

•  وضع إطار قانوني للتأمين التكافلي.

        ولقد كان لهذا التعديل على الخصوص الفضل - إضافة إلى فرض إجبارية التأمين على أوراش البناء والمسؤولية المدنية العشرية -  في تبني نظام التأمين التكافلي، الذي هو نظام للتأمين يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، يقوم على التعاون والتعاضد بين المشتركين، وفق نظام، مبني على عقد التبرع، ينبذ الربا والعمل بنظام الفوائد، ويتجنب خاصية الغرر والاحتمالية التي تميز التأمين التقليدي المقتبس عن الغرب، واللذان يتعارضان مع أحكام الشريعة.

       * والثاني جرى بموجب القانون رقم 110.14 المحدث لنظام تغطية عواقب الوقائع الكارثية، يجمع في نفس الوقت بين نظام تأميني لصالح الأشخاص المتوفرين على عقود تأمين ممن أمن على هذه الوقائع، ونظام تضامني لصالح الأشخاص الطبيعيين الذين لا يتمتعون بأي تغطية.

          هذا، وقد تم بالموازاة مع إعادة النظر في مدونة التأمينات إحداث هيئة جديدة مستقلة لمراقبة قطاع التأمين هي "هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي"، تتولى مراقبة الأشخاص الخاضعين للقانون العام والخاص، باستثناء الدولة، الذين يقومون بممارسة أو تدبير:

عمليات التأمين أو إعادة التأمين، وكذا عرض هذه العمليات الخاضعة لمدونة التأمينات؛

عمليات التقاعد؛

الإيرادات المستحقة في إطار القانون المتعلق بالتعويض عن حوادث السير، والقانون المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل؛

التأمين الإجباري الأساسي عن المرض.

      ويراهن المشرع على هذه الهيئة لتدارك القصور في المراقبة الذي أبانت عنه مديرية التأمين والاحتياط الاجتماعي التابعة لوزارة المالية والاقتصاد، والذي تجسد من خلال الاضطرار إلى تصفية خمسة شركات تأمين سنة 1995، أصبحت في حالة توقف عن الأداء.

     

♣♣♣♣♣♣♣♣♣♣♣♣♣♣♣♣♣♣♣


ثالثا ـ خطة الدراسة


    نرتئي دراسة التأمين من خلال ثلاثة محطات، نبدأ في الأولى منها بتحديد مفهومه، وفي الثانية ندرس الأداة القانونية التي تحركه وهي عقد التأمين، وفي الأخيرة نتعرف على الأحكام الخاصة بأهم نوع فيه ألا وهو التأمين من الأضرار.


    من هنا فإننا سوف نقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة أبواب:


ـ باب  أول      :   نخصصه  لمفهوم التأمين

ـ باب  ثاني      :   نخصصه  لعقد التأمين  بصفة  عامة

ـ باب  ثالث     :   نخصصه  للتأمين  من الأضرار.


الباب الأول

مـفـهـوم الـتـأمـيـن

          إن ضبط مفهوم التأمين يقتضي منا بيان الفكرة التي تقوم عليها هذه التقنية المركبة (الفصل الأول) وذلك قبل حصر الأركان التي تقوم عليها (الفصل الثاني).


الفصل الأول 

 مضمـون فكرة التأميـن

    سنقوم من خلال هذا الفصل بالتعريف بالتأمين وبيان نشأته وتطوره في مبحث أول، ثم نقوم ببيان أنواعه في مبحث ثاني.


المبحث الأول

تعريف التأمين ونشأته وتطوره 

أولا ـ تعريف التأمين وعقد التأمين وعملية التأمين

         عرفت مدونة التأمينات المغربية عقد التأمين بأنه:"اتفاق بين المؤمن والمكتتب من أجل تغطية خطر ما. ويحدد هذا الاتفاق التزاماتهما المتبادلة".

         ويؤاخذ على هذا التعريف، اختزاله لعقد التأمين في تغطية الخطر، ومن ثم، عدم عكسه للعناصر الأخرى الأساسية لهذا العقد، حيث تفادى الصعوبات التي يطرحها التعريف على هذا المستوى بالتوقف فقط عند محل العقد، الذي هو "تغطية خطر ما"، مع الالتفاف على المشكل عن طريق استعمال تعبير فضفاض يصدق على كل عقد، وهو:" ويحدد هذا الاتفاق التزاماتهما المتبادلة".

          وقد وقع خلاف في الفقه حول مدى وجوب استناد تعريف عقد التأمين على الأسس الفنية التي تقوم عليها عملية التأمين، من منطلق أن تجاهلها يختزل التأمين في العلاقة التعاقدية التي تجمع المؤمن بالمكتتب، في حين أن وراء تلك العلاقة عملية فنية هي التي تعطي للعقد بعده الحقيقي.

          وفي اعتقادنا، لفهم التأمين، يجب التمييز بين أمور ثلاثة، إن كانت تتداخل فيما بينها على المستوى العملي، فإنها تختلف من حيث هي، أي من حيث مضمونها.

        هذه الأمور هي التأمين ـ L’assurance ـ، وعقد التأمين ـ Le contrat d’assurance ـ، وعملية التأمين ـ L’opération d’assurance ـ.

        ذلك أن عقد الـتأمين ما هو في الحقيقة إلا التجسيد القانوني للعلاقة الناشئة بين المؤمن والمؤمن له بشأن عملية تأمين محددة، فهو يشكل أساس تلك العملية، هذه الأخيرة التي تندرج بدورها في نشاط أعم ألا وهو الـتأمين.


         1 ـ التأمين

         فالتأمين هو نشاط تختص به مقاولة للتأمين منظمة لهذا الغرض، يقوم على ضمان (تغطية) المخاطر ـ Les risques ـ التي تتهدد الغير. 

        فمقاولة التأمين، تزاول نشاطا تجاريا، يتمثل في التأمين على المخاطر التي تهدد الأشخاص والمؤسسات. ولكي تكون قادرة على مواجهة تلك المخاطر، يجب أن تكون منظمة على نحو يجعلها دائما قادرة ماليا على الوفاء بالتزاماتها تجاه المؤمن لهم. وهذا التنظيم يتخذ وجهين:

        الأول يتمثل في مراقبة لصيقة للسلطات العمومية (من خلال هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي)، تنطلق من بداية تأسيس المقاولة، وترافقها أثناء تعاطيها لنشاطها، إلى أن تنحل لأي سبب كان. والهدف من هذه المراقبة، أساسا حماية المؤمن لهم والمستفيدين من التأمين، عن طريق التحقق من أن المقاولة قادرة في كل وقت على الوفاء بالتزاماتها اتجاههم. 

        والثاني، يتمثل في إلزام مقاولات التأمين بتكوين احتياطيات مالية تقنية كافية تضمن وفاءها بالتزاماتها العقدية، إضافة إلى التوفر على مبلغ من الأموال الذاتية (Marge de solvabilité) يؤهلها لمواجهة مخاطر العجز عن الوفاء بتلك الالتزامات. وهذا ما يفسر أن المقاولات الحاصلة على اعتماد خاص من الهيئة هي التي يمكنها مزاولة نشاط التأمين.


          2 ـ عملية التأمين

          تشكل عملية التأمين الجانب الفني أو التقني في التأمين. ويقصد بها مجموع الخطوات التقنية والمالية التي يكون على المؤمن أن يعتمدها من أجل التعاطي لنشاطه. ويجب عدم خلطها مع التأمين كنشاط، كما حددناه أعلاه. وتتمثل في قيام المؤمن بإدارة عملية التعاون أو التعاضد بين مجموعة من المؤمن لهم لمواجهة الأخطار التي تلحق بعضهم، وفق قواعد علمية تقوم على الإحصاء وضبط التوقعات.

          فهذا العنصر ينظر إلى العملية التأمينية من جوانبها التقنية. وهو حاضر بقوة في الشق من مدونة التأمينات الذي يهتم برقابة الدولة على مؤسسات التأمين.

         فالتأمين يتطلب بطبيعته تجميع مجموعة من الأشخاص يساهمون مجتمعين في تغطية المخاطر التي تلحق بعضهم بواسطة الأقساط أو الاشتراكات التي يدفعونها، والمؤمن يقوم فقط بإدارة عملية التعاضد بشكل علمي، فيتولى تجميع مخاطر متعددة وفقد قواعد الإحصاء، ويقوم بالمقاصة بينها على نحو يمكنه، بعد استخلاص المصاريف، من استعمال مجموع الأقساط المحصل عليها في دفع المبالغ المستحقة للمؤمن لهم المصابين بالخطر.


          3 ـ عقد التأمين

        يتمثل في قيام علاقة تعاقدية بين المؤمن والمؤمن له،  تفترض أن خطرا ما يهدد المؤمن له، فيقوم المؤمن بتغطيته، عن طريق التعهد بدفع أداء محدد له أو للمستفيد في حالة تحققه، نظير قسط أو اشتراك يدفعه له المؤمن له.

        فهذا العنصر يتعلق فقط بالعلاقة الثنائية القائمة بين المؤمن والمؤمن له،  فيحدد التزامات كل منهما تجاه الآخر، دون الالتفات للطريقة التي يعمل بها التأمين من الناحية التقنية، لأنها لا علاقة لها بالعقد في حد ذاته. فيكون عقد التأمين، من ثم، الأداة القانونية التي تفعل عملية التأمين في بعدها الثنائي بين المؤمن له والمؤمن، وبه يتحقق نشاط مقاولة التأمين في السوق.

       ونحن مع الفقه الذي يرى أن العناصر القانونية لعقد التأمين لا دخل لها بالوسائل التقنية التي يتم اعتمادها لإعمال العقد. 

       وإذا كانت الكثير من القواعد القانونية المنظمة لعقد التأمين تفرضها بالفعل اعتبارات تقنية كما سنرى لاحقا، فالأمر يتعلق هنا، في الحقيقة، بعناصر خارجية كان من الضروري أن يتفاعل معها العقد بحكم التفاعل المفروض قيامه عادة بين ما هو قانوني وما هو تقني.

        استنادا إلى كل ذلك يمكننا أن نعرف عقد التأمين بأنه اتفاق يلتزم بمقتضاه أحد الطرفين، وهو المؤمن، اتجاه الطرف الآخر، الذي هو المكتتب، نظير أقساط أو اشتراكات يلتزم هذا الأخير بأدائها، بتغطية خطر معين، عن طريق دفع أداء محدد للمكتتب أو للمستفيد في حالة تحقق ذلك الخطر.

           وقد سعينا من خلال هذا التعريف، إضافة إلى إبراز أطراف العقد والعناصر الأساسية التي يقوم عليها، أن نميز ضمن التزامات المؤمن بين التزامه بتغطية الخطر الذي وهو التزام مطلق غير معلق على شرط، يقضي بضمان المؤمن للخطر المحدد مدة العقد، والتزام بدفع مبلغ التأمين يتحقق عند وقوع الخطر المؤمن منه، وهو التزام معلق على شرط تحقق الواقعة المؤمن منها.


ثانيا ـ نـشـأة الـتأمـين وتطـوره


    1 ـ على الـمـسـتوى الخــارجـي

    غالبية الفقه الحديث متفق على أن أول صورة للتأمين بمعناه الفني ظهرت مع ظهور التأمين البحري في نهاية العصور الوسطى بسبب رواج التجارة البحرية بين بلدان ومدن حوض البحر الأبيض المتوسط. وقد عرف أول نشأة له في إيطاليا أوائل القرن 14، وكان على الخصوص تأمينا على الأشياء: تأمين السفينة والبضائع المنقولة عليها.         

          أما التأمين البري فلم يظهر إلى الوجود إلا في القرن 17 عقب الحريق المهول الذي أصاب مدينة لندن الإنجليزية سنة 1666، والذي أدى إلى ظهور شركات عديدة للتأمين على الحريق قبل أن ينتشر هذا النوع من التأمين في باقي الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية.    

    ولم يكتسب التأمين على الحياة الصبغة الشرعية إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بعد أن أصبح بالإمكان تحديد درجة احتمال الوفاة، وتحديد أقساط التأمين على أسس علمية وفنية دقيقة، ووفقا لجداول إحصائية. أما قبل ذلك فقد كان يعتبر غير مشروع باعتباره يتضمن مضاربة على حياة الإنسان.

    ولقد ظهر التأمين على المسؤولية كنتيجة للتطور الصناعي باكتشاف البخار في أوربا، وبداية عصر الآلة الميكانيكية وتطور وسائل النقل وما صاحب كل ذلك من كثرة الحوادث التي تلحق الغير، مثل الحوادث التي تصيب العمال في المعامل، أو تلك التي تصيب مستعملي الطرق وغيرها.

    وفي القرن العشرين عرف التأمين تطورا هائلا، إذ تغلغل في مختلف نواحي الحياة، وأصبح يقترن بمختلف الأنشطة، فتعددت أنواعه (كالتأمين الجوي، وتأمينات النقل المختلفة، والتأمين من السرقة، والتأمين عن مخاطر الحروب) بما فيها التأمينات الاقتصادية ( تأمين الاستثمار، تأمين الديون، تأمين الصادرات...) وانتشر تبعا لذلك الالتجاء إلى التأمين من قبل كافة الأوساط الاجتماعية والاقتصادية نظرا للفوائد التي أبان عنها، إلى أن سار إجباريا في العديد من المجالات كما هو الشأن في التأمين على السيارات، أو التأمين على القنص.


    2 ـ عـلـى الـمسـتوى الـداخـلـي

     لم يبدأ العمل بالتأمين بمفهومه الحديث في المغرب إلا في نهاية القرن التاسع عشر، أما قبل ذلك فلم يكن المغاربة يعرفون التأمين بسبب تشبثهم بمبادئ أغلب فقهاء الشريعة الإسلامية الذين يحرمون التأمين على أساس أنه نوع من أنواع المقامرة والغرر.

        وبذلك فإنه أول ما ظهر التأمين في المغرب كان سنة 1879 على يد فرع للشركة المسماة "الإسبانية" بطنجة، وكانت مختصة في التأمين البحري، تلاها بعد ذلك إنشاء شركتين ألمانيتين مختصتين في نفس القطاع هما"مانهايم" سنة 1886 و"لويد الألمانية" سنة 1893. وقد كانت هذه الشركات تمارس نشاطها في أهم الموانئ المغربية بواسطة وكلائها المتعددين.

    أما التأمين البري فيذهب بعض الفقه إلى أنه دخل إلى المغرب ابتداء من سنة1883 على يد الشركتين الفرنسيتين:" الإصلاح" و "المركزية".

    وفي سنة 1916 تأسست أول شركة مغربية للتأمين بطنجة أطلق عليها اسم "المغرب" إلا أنها لم تعمر طويلا إذ توقفت عن العمل مع نهاية الحرب العالمية الأولى.

    وفي هذه الفترة كذلك وبالضبط في 19 مارس 1919 صدر قانون التجارة البحرية المغربي الذي جاء بعدة مقتضيات منظمة للتأمين البحري (الفصول من 354 إلى 390).

    وبتاريخ 28 نوفمبر 1934 ( 20 شعبان 1353) أصدر السلطان ظهيرا فوض فيه للصدر الأعظم ضبط شؤون كل ما يتعلق بالضمان (التأمين).

         وفي نفس التاريخ أصدر الصدر الأعظم قرارا منظما لعقد التأمين البري استنبطت أغلب أحكامه من قانون التأمين الفرنسي الصادر في 13 يوليو 1930.

    وأثناء الحرب العالمية الثانية ظهرت عدة شركات تأمين فرنسية بالمغرب نتيجة فرار رؤوس الأموال من فرنسا عقب الاحتلال الألماني لها، فتأسست في الفترة ما بين 1941 و 1951،  23 شركة تأمين من أصل فرنسي.

    إلا أن أول شركة تأمين تأسست برأسمال مغربي هي الشركة الملكية المغربية للتامين التي تأسست سنة 1950.

    وبحصول المغرب على استقلاله ارتفع عدد شركات التأمين الأجنبية العاملة فيه، وتطور سوق التأمين تطورا ملحوظا بسبب تبني برامج التنمية الاقتصادية في البلاد مع ما يترتب على ذلك من ازدياد الحاجة للتأمين، وبدأت الدولة تمارس رقابتها عليه بفرض تنظيمات قانونية.    

         وهكذا فقد اتخذت السلطات المغربية في بداية الستينات عدة تدابير أنهت بواسطتها نظام الممثليات والوكالات الموروث عن عهد الحماية مما أدى إلى تجميع مؤسسات التأمين، فأصبحت 54 شركة بعدما كانت تبلغ 230.

            وتعزز هذا المسار بظهور قانون المغربة في 2 مارس 1973، حيث أصبح رأسمال شركات التأمين مغربيا، وأطرها مغاربة.

            وبتطور قطاع التأمين في المغرب صدرت عدة تشريعات كان الهدف منها تنظيم هذا القطاع وبسط الدولة لرقابتها عليه، وأهم هذه التشريعات:

ـ القرار الوزيري المؤرخ في10 نوفمبر 1915 المنظم لمزاولة مهنة " مؤمن".

ـ القرار الوزيري المؤرخ في 28 نوفمبر 1934(20 شعبان 1353) المنظم لعقد التأمين البري.

ـ ظهير 8 يوليو 1937 (29 ربيع الثاني 1356) المتعلق بأداء المصاريف والتعويضات المستوجبة بعد وقوع حوادث السير، وبعقود التأمين المتعلقة بالمسؤولية المدنية لملاكي السيارات.

ـ القرار الوزيري المؤرخ في 25 مارس 1941 بشأن تأمين الأمتعة التي تقع حيازتها.

ـ القرار الوزيري المؤرخ في 6 سبتمبر 1941 الموحد لمراقبة الدولة على مؤسسات التأمين وإعادة التأمين.

ـ قرار 20 مارس 1942، بشأن مراقبة محتويات عقود التأمين وآثارها على المتعاقدين وبالأخص المتضررين منهم.

ـ ظهير 22 فبراير 1955 بشأن تكوين صندوق أموال الضمان يستفيد منها بعض المصابين بحوادث السير.

ـ قرار23 فبراير1955 بشأن تطبيق ظهير 22 فبراير1955 حول صندوق الضمان.

ـ ظهير 20 أبريل 1960 بشأن إنشاء شركة مركزية لتأمين المؤمن.

ـ قرار وزير المالية والاقتصاد الوطني المؤرخ في 30 ديسمبر 1960 بشأن اللجنة الاستشارية للتأمين الخصوصي.

ـ قرار 25 يناير 1965 بشأن الشروط النموذجية العامة لعقد تأمين السيارات.

ـ ظهير 20 أكتوبر 1969 بشأن التأمين الإجباري للسيارات.

ـ قرار 21 أكتوبر 1969 بشأن تأمين المرور عبر الحدود. 

       فأضحت التشريعات المغربية المتعلقة بالتأمين مع مرور الوقت من الكثرة والتشعب، مما أصبح معه من الصعب على المهتم والدارس تحديد القاعدة القانونية الواجبة التطبيق. هذا ناهيك عن أن قدم هذه النصوص ما فتئ أن أصبح يطرح مشكل ملاءمتها سواء مع التحولات التي عرفها القطاع على أرض الواقع، أو مع التشريعات الحديثة المقارنة بهدف استيعاب التشريع المغربي للتأمين للمفاهيم والآليات الجديدة التي برزت مع تطور القطاع، والمتعلقة سواء بالإطار القانوني المنظم لمقاولة التأمين، أو بآليات الملاءمة المنتهجة دوليا لتحصين الجوانب التقنية والمالية للنشاط، أو بالإطار القانوني المنظم للعلاقة العقدية بين مؤسسة التأمين وزبائنها.

       فاستجابة لكل ذلك قام المشرع المغربي بإعادة النظر في هذه النصوص فأصدر مدونة التأمينات الجديدة لسنة 2000 التي تحققت بها عملية جمع وتحديث التشريعات المنظمة للقطاع، على الأقل فيما يتعلق بالتأمينات البرية التي هي موضوع هذه المدونة وبالتالي موضوع  دراستنا.

المبحث الثاني 

أنــواع الـتأمـيــن

        أدى انتشار التأمين وتغلغله في مختلف نواحي الحياة إلى تعدد صوره بشكل جعل من الصعب حصر كل أنواعه. وقد أدى هذا إلى تعدد التقسيمات التي وضعها الفقه، إلا أن التقسيم الذي يتفق عليه الشراح هو تقسيمه من ناحية الشكل ومن ناحية الموضوع.


أولا ـ أنواع التأمين من حيث الشكل 

    ينقسم التأمين من حيث الشكل إلى تأمين تعاوني، وتأمين بقسط ثابت:

        1 ـ التأمين التعاضدي  L’assurance mutuelle

    ويطلق عليه كذلك التأمين التعاوني. ويقوم به في المغرب "الشركات التعاضدية للتأمين" وهي شركات لا تستهدف الربح، تضمن لأعضائها، ويدعون شركاء، مقابل دفع اشتراك ثابت أو متغير، تحمل مخاطر معينة تهددهم (المادة 173 الفقرة الأولى البند1).  

       ويتميز هذا النوع من التأمين.

    أ ـ  بأن كل عضو فيه يقوم بدور المؤمن والمؤمن له في نفس الوقت. لذلك فإن التأمين التعاوني لا يهدف إلى تحقيق الربح لأعضائه، وإنما إلى توزيع الأضرار التي تلحق بعضهم على مجموع المنخرطين.

         ب ـ أن "اشتراك التأمين" الذي يدفعه الأعضاء يمكن أن يكون متغيرا تبعا لنسبة تحقق المخاطر المؤمن منها. فإذا زادت التعويضات عن الأقساط المدفوعة طولب الأعضاء بتغطية الفرق، والعكس بالعكس.

    ج ـ انطلاقا من أن هذا النوع من التأمين لا يقوم على تحقيق الربح، فإن فائض المداخيل التي تحققه "الشركة التعاضدية للتأمين" يجب أن يوزع على أعضائها وفق شروط يجب أن يحددها نظامها الأساسي بعد تكوين الاحتياطيات والمخصصات وتسديد الاقتراضات (المادة 173 ـ البند 2).

         د ـ  قيام التضامن  بين المنخرطين فيه، إذ أن الموسر منهم يتحمل نصيب المعسر. بمعنى أنه عند تحقق الخطر، وتجاوز مبلغ التعويضات قيمة الاشتراكات، فإن الموسرين من المنخرطين يتحملون تغطية الفرق عوض المعسرين منهم. وبالنظر لخطورة هذه الخاصية التي قد تثني البعض عن الإقبال على هذا النوع من التأمين، فقد جرت الممارسة على تحديد حد أقصى لمبلغ الاشتراك الذي يمكن مطالبة العضو به. كما أن تعاضديات التأمين اعتادت الاحتياط لهذا الأمر عن طريق فرض اشتراكات مرتفعة نسبيا لتفادي العودة لمطالبة الأعضاء بمبالغ إضافية، وفي حالة حصول فائض فإنها تلجأ إلى تكوين احتياطي عوض إعادة توزيعه على الأعضاء، وبذلك يمكنها مواجهة المخاطر غير العادية. ومن هنا فإن التأمين التعاضدي قد اقترب من التأمين بقسط ثابت من حيث أنه نادرا ما يقع في الوقت الحالي تغيير الاشتراك الذي يدفعه العضو، فاكتسب ذلك الاشتراك خصائص القسط الثابت.


    2 ـ  التأميـن التجاري أو بقسـط ثابـت

    يتخذ المؤمن في هذا النوع من التأمين شكل شركة مساهمة، وهو يسعى إلى تحقيق الربح عن طريق الاتجار في التأمين فيقوم بإجراء المقاصة بين المخاطر عن طريق توزيع تكاليفها المالية على المؤمن لهم في شكل أقساط سنوية ثابتة يحددها باللجوء إلى الإحصائيات وضبط التوقعات، وعند تحقق الخطر يكون عليه أن يدفع مبلغ التأمين دون أي إمكانية بالرجوع على المؤمن لهم بأقساط تكميلية مهما كان الفارق بين التعويضات المدفوعة والأقساط المحصل عليها .

    من هنا يختلف التأمين بقسط ثابت عن التأمين التعاوني من حيث أن الأول تقوم به شركات مساهمة تسعى إلى تحقيق الربح، وتتوفر على رأسمال يحدد القانون حده الأدنى، وأقساط التأمين فيها أقساط ثابتة، في حين أن الثاني تقوم به الشركات التعاضدية للتأمين التي لا تسعى إلى تحقيق الربح تتوفر كذلك على رأسمال يحدد القانون حده الأدنى، والمنخرطون فيها هم الذين يقومون بتأمين أنفسهم فيضطلعون في نفس الوقت بدور المؤمن والمؤمن  له.


3 – التأمين التكافلي

       هو البديل الإسلامي عن التأمين التقليدي الذي يؤاخذ عليه البعض قيامه على الغرر والجهالة، واعتماده على الربا ونظام الفوائد في إدارة بعض أوجهه، مما يجعله محرما من وجهة نظر الشريعة الإسلامية.

      ويقترب التأمين التكافلي من التأمين التعاضدي، من حيث قيامه على نفس الخصائص، إلا أنه يختلف عنه في أنه لا يدار وفق أسس التأمين التقليدي، فهو لا يحتاج إلى رأسمال، لأنه يوكل إدارته واستثماره مقابل أجر، إلى شركة متخصصة مستقلة عن المشتركين، تتولى تدبيره وفق نظام الحساب، ووفق قواعد الشريعة الإسلامية، كما أنه موجه للعموم، وليس لفئة محددة كما في التأمين التعاضدي.

      ولقد اعتمد المشرع المغربي هذه الصيغة من التأمين في تعديله لمدونة التأمينات سنة 2016، بهدف تنشيط قطاع التأمين في المغرب، من خلال تشجيع الولوج إليه من قبل الفئات التي لها تحفظ على التأمين التقليدي.

      فالتأمين التكافلي مبني على نظام التبرع الذي يطهره من الغرر والجهالة والرهان، وهو يقوم على مشاركة الأشخاص الذين يتهددهم خطر معين، في "حساب التأمين التكافلي"، من خلال دفع اشتراكات على سبيل التبرع، ومن هذه الاشتراكات وعائداتها، يتم إصلاح الأضرار التي يتعرض لها المشتركون المتكافلون نتيجة تحقق المخاطر المضمونة، وما يتحقق من فائض، بعد التعويضات والمصاريف واقتطاع الاحتياطات، يعاد توزيعه عليهم.

        وإدارة هذا الحساب وفق ما بيناه أعلاه، يكون على سبيل الوكالة مقابل عمولة لحساب المشتركين، من قبل مقاولة تأمين تكافلي مستقلة، بما يتوافق وأحكام الشريعة الإسلامية.       

        ويختلف التأمين التكافلي عن التأمين التجاري في:

        أ ـ  اختلاف المرجعية، من حيث أن التكافلي تتم في إطاره الأعمال والعمليات وفق أحكام الشريعة الإسلامية، على خلاف التجاري الذي يتم وفق التشريعات والأعراف الوضعية الغربية، بما في ذلك العمل بنظام الفوائد، وكون العلاقة العقدية تقوم على الغرر والاحتمال، لكون طرفي العلاقة لا يعرفان أثناء التعاقد ما سيأخذان مقابل ما يعطيان.

       ب ـ اختلاف أسس العلاقة القانونية، لكون أن التأمين التكافلي، يقوم على أساس عقود التبرع في الفقه الإسلامي، من حيث اشتراك كل مستفيد في تحمل المخاطر عند وقوعها، في حين أن عقد التأمين التجاري، هو عقد معاوضة قائم على احتمال وقوع الخطر، فهو عقد بيع للأمان من مخاطر قد تقع وقد لا تقع.

        ج ـ اختلاف الوضع المالي للاشتراكات، من حيث أنها في التأمين التجاري تأتي في شكل أقساط تمثل ثمن التغطية، فتسقط في ملكية شركة التأمين عند أدائها، أما في التأمين التكافلي فالاشتراكات تكون منفصلة عن رأسمال الشركة المدبرة لهذا التأمين، ولا تكون مملوكة لها، وإنما يتشكل منها صندوق للتكافل (حساب التأمين التكافلي)، يستعمل في تغطية التعويضات والمصاريف، وإذا كان هناك عجز يتم تغطيته بواسطة "تسبيق تكافلي" تؤديه مقاولة التأمين المعهود إليها بتسيير هذا التأمين، من دون أن يترتب عنه أية فائدة، على أن تسترده من الفوائض المالية المستقبلية المحققة فيه (المادة الأولى من المدونة)، وإذا كان هناك فائض فيعاد توزيعه عليهم.

      وسنعرض لملامح هذا التأمين بشكل أكثر تفصيلا لاحقا ضمن عقد التأمين.

ثانيا ـ أنواع التأمين من حيث الموضوع

    إذا نظرنا إلى التأمين من حيث موضوعه فإننا نجده ينقسم من ناحية إلى تأمين   اجتماعي، وتأمين خاص، ومن ناحية ثانية إلى تأمين بري وتأمين جوي، وتأمين بحري،  ومن ناحية ثالثة إلى تأمين من الأضرار، وتأمين على الأشخاص.


    1 ـ التأمين الاجتماعي والتأمين الخاص

        أ ـ التأمين الاجتماعي هو الذي يهدف إلى حماية مصالح الطبقة العاملة، فيحميها من إصابات العمل، ومن المرض، والعجز والشيخوخة والبطالة... الخ. لذلك فهو يقوم على فكرة التضامن الاجتماعي، ومن ثم يساهم فيه إلى جانب العمال المعنيين بالأمر مباشرة، أرباب العمل والدولة التي تتولى أمر تنظيمه، وإدارته، ومراقبته، وهو لا يخضع لأحكام عقود التأمين الخاصة، والحيز الطبيعي لدراسته هو قانون الشغل.


        ب ـ  أما التأمين الخاص فهو الذي يعقده الشخص لحماية مصلحة خاصة به. والغالب فيه أنه اختياري يحتاط به الفرد للمستقبل ويتحمل فيه المؤمن له بنفسه أقساط التأمين، وتقوم به شركات التأمين بالأقساط الثابتة أو الشركات التعاضدية للتأمين، وهو إما أن يكون تأمينا بحريا، أو بريا، أو جويا.


    2 ـ التأمين البحري والتأمين الجوي والتأمين البري

    أساس هذا التقسيم هو طبيعة الأخطار المؤمن منها:

    أ ـ  فالتأمين  البحري: هو الذي يهدف إلى تغطية المخاطر التي تهدد  السفينة نفسها، كالحريق أو الغرق، أو تهدد حمولتها أو تهددهما معا. وهو من نوع التأمين على الأشياء، لذلك فهو لا يشمل المخاطر التي تهدد ركاب السفينة أو طاقمها. والقانون المنظم لهذا النوع من التأمين هو قانون التجارة البحرية، خاصة الفصول من 354 إلى 390 المنظمة لعقد التأمين البحري، ودراسته تدخل في القانون البحري وليس في قانون التأمين.


    ب ـ  والتأمين  الجوي هو الذي يهدف إلى تغطية مخاطر النقل الجوي بكافة أنواعها سواء المخاطر التي تهدد الطائرة نفسها، أو حمولتها من بضائع وأمتعة وأشخاص، أو المخاطر التي تهدد السطح من جراء النقل  الجوي. وهو يخضع لأحكام التأمين البري مع وجوب مراعاة أحكام الاتفاقيات الدولية. ودراسته تدخل في القانون الجوي.


    ج ـ  أما التأمين  البري:  فهو  كل ما لا يدخل في أي نوع من أنواع  التأمين الأخرى التي سبق الحديث عنها، ولقد كان منظما بقرار 20 شعبان 1353 الموافق ل : 28 نوفمبر 1934  المقتبس في غالبيته من القانون الفرنسي لـ: 13 يوليو  1930 ، وأصبح الآن منظما بمقتضى مدونة التأمينات لسنة 2002 . وهذا النوع من التأمين هو الذي يشكل موضوع دراستنا في هذا المؤلف.

    وينقسم التأمين البري إلى تأمين من الأضرار وتأمين على الأشخاص.


    3 ـ التأمين من الأضرار والتأمين على الأشخاص

    لقد تبنى المشرع المغربي هذا التقسيم للتأمين البري في مدونة التأمينات، فخصص القسم الثاني من الكتاب الأول المتعلق بعقد التأمين لتنظيم:"تأمينات الأضرار" والقسم الثالث لتنظيم:"تأمينات الأشخاص".

         ومنطلق هذا التقسيم أن هدف التأمين حماية الإنسان من المخاطر التي تهدده. والمخاطر هذه إما أن تهدد الإنسان في أمواله فيكون الهدف من التأمين عليها جبر الأضرار الناتجة عن تحققها، فالتأمين إذن هنا هو تأمين من الأضرار. أو أن المخاطر تلك تهدد الإنسان في سلامته الجسدية أي في شخصه فيكون الهدف من التأمين عليها تغطية العواقب الناتجة عن تحققها، فالتأمين إذن هنا تأمين على الأشخاص.


        أ ـ التأمين من الأضرار

         لم يعرف المشرع المغربي التأمين من الأضرار في مدونة التأمينات الجديدة، واكتفى بتنظيمه من حيث أحكامه العامة في الباب الأول من القسم الذي خصصه لتأمينات الأضرار، ومن حيث الأحكام الخاصة بكل نوع من أنواعه في الأبواب اللاحقة من ذلك القسم (المواد من 39 إلى 64).

       ويمكننا أن نعرف التأمين من الأضرار بأنه التأمين الذي يهدف تغطية المخاطر التي تهدد المؤمن له في ذمته المالية. وقد اصطلح على تسميته ب: "التأمين من الأضرار" لكون أن المخاطر التي تشملها التغطية في هذا النوع من التأمين تمس دائما الذمة المالية للمؤمن له، فيكون الغرض من تغطيتها إصلاح الأضرار التي تنتج عن تحقق تلك المخاطر، فالتأمين إذن هو تأمين من الأضرار.

    ومن هنا كان التأمين من الأضرار يتميز بأنه ذو طبيعة تعويضية محضة،  لذلك فإن استحقاق مبلغ التأمين  فيه يتوقف على وقوع  الضرر كما أنه يكون بمقدار ما حصل من ضرر. وهذا ما أكد عليه المشرع في المادة 39 من مدونة التأمينات الجديدة عندما قال:"إن التأمين المتعلق بالأموال هو عقد تعويض ..." 

    ولما كان التأمين من الأضرار يشمل فقط تغطية المخاطر التي تهدد المؤمن له في ذمته المالية، وانطلاقا من أن تلك المخاطر إما أن تأتي في شكل أضرار تلحق الأشياء التي تدخل في تكوين تلك الذمة أو تأتي في شكل تعويضات ومصاريف يتحملها المؤمن له عقب الرجوع عليه من قبل الغير بدعوى المسؤولية فإنه يتفرع إلى شقين: التأمين على الأشياء والتأمين من المسؤولية.


    ـ فالتأمين على الأشياء: هو الذي يهدف إلى تغطية المخاطر التي من شأنها أن تصيب أشياء معينة بخسائر. مثل التأمين على الحريق أو على السرقة أو على  المحاصيل الزراعية، أو التأمين على الديون.

         ويتميز هذا النوع من التأمين بانحصاره بين شخصين هما المؤمن والمؤمن له.


    ـ أما التأمين من المسؤولية: فهو الذي يقوم على تأمين المؤمن له من الأضرار التي تلحقه نتيجة مطالبة الغير له بالتعويض. لذلك فإن الهدف منه هو أن يقوم المؤمن بتغطية التكاليف الناتجة عن تلك المطالبة. ومن هنا فإن الخطر الذي يغطيه هذا التأمين ليس هو الضرر اللاحق بالغير، بل الخسارة اللاحقة بالذمة المالية للمؤمن له نتيجة مطالبته بالتعويض عن ذلك الضرر. ومن ثم فإن الأصل أن المؤمن لا يعوض الضحية ولكن يعوض المؤمن له، إلا أن المشرع المغربي أعطى للمضرور بمقتضى المادة 61 من مدون التأمينات الجديدة الحق  في إقامة دعوى مباشرة يمارسها ضد المؤمن . وهو نفس ما قرره في حوادث السير (المادة 129 من مدونة التأمينات). لذلك فإن التأمين من المسؤولية يفترض وجود ثلاثة أشخاص: المؤمن والمؤمن له والغير المصاب.


        ب ـ  التأمين على الأشخاص هو تأمين يغطي الأخطار التي تهدد شخص المؤمن له وليس أمواله مثل الأخطار التي تهدده في حياته أو سلامة جسمه أو قدرته على العمل.

    وبمقتضى هذا التأمين يتعهد المؤمن بأن يدفع للمؤمن له أو إلى شخص آخر معين في العقد مبلغا معينا من المال، أو إيرادا مرتبا عند تحقق الواقعة المؤمن منها، مقابل أقساط دورية يقوم المؤمن له بدفعها.

          وتشمل تأمينات الأشخاص تغطية الأخطار المتوقف حدوثها على بقاء المؤمن له على قيد الحياة أو وفاته وكذا الأمومة والتأمينات ضد المرض والعجز والزمانة (المادة الأولى من مدونة التأمينات ـ 13)

    ويتميز التأمين على الأشخاص بأنه ليس تأمينا تعويضيا بل جزافيا، إذ أن مبلغ التأمين يحدد فيه في عقد التأمين باتفاق بين المؤمن والمؤمن له (المادة 65 من مدونة التأمينات)  فيستحق من تم بمجرد تحقق الواقعة المؤمن منها . وهذا يعني أن استحقاق مبلغ التأمين فيه لا يتوقف على حصول الضرر.

        وينقسم التأمين على الأشخاص إلى مجموعتين مختلفتين: التأمينات على الحياة في مجموعة أولى والتأمين من الإصابات في مجموعة ثانية.


    ـ  فالتأمينات على الحياة: تشمل كافة التأمينات التي ترتبط بمدة حياة الإنسان. وبمقتضاها يضمن المؤمن أداء تعويضات يتوقف تسديدها على بقاء المؤمن له على قيد الحياة أو وفاته وذلك مقابل دفعات مالية تسدد مرة واحدة أو بصفة دورية (المادة 1 ـ الفقرة 31).

       فإذا اتفق على أن يستحق مبلغ التأمين عند وفاة المؤمن له سمي بالتأمين لحال الوفاة، وفي هذه الحالة يكون شخص ثالث هو المستفيد. أما إذا وقع الاتفاق على أن يستحق عند بقاء المؤمن له حيا بعد مدة معينة من الزمن سمي بالتأمين لحال البقاء،  وكان المؤمن له هو المستفيد.

    ويسمى بالتأمين المختلط إذا اتفق على أن يستحق مبلغ التأمين عند تحقق أحد الواقعتين السابقتين.

         وتتميز التأمينات على الحياة بأنها طويلة الأمد، وأنها تدار وفق نظام الرسملة    ـ Capitalisation ـ القائم على إيداع الجزء الأكبر من الأقساط التي يدفعها المؤمن له في حساب خاص به، ومع مرور المدة تتجمع تلك الأقساط وتضاف إليها الفوائد فتصبح رأسمالا يعاد إلى صاحبه المؤمن له أو إلى المستفيد عند تحقق الواقعة المؤمن منها.


    ـ أما التأمين من الإصابات فهو الذي يتعهد بموجبه المؤمن بأداء مبلغ محدد للمؤمن له أو إلى المستفيد، عند وقوع حوادث معينة تهدد المؤمن له في جسمه، يكون من شأنها أن تؤدي إلى وفاته أو إصابته بعجز دائم أو مؤقت، كلي أو جزئي. وغالبا ما ينضاف إلى الالتزام الأساسي بأداء مبلغ التأمين تعهد المؤمن بتغطية مصاريف الاستشفاء وغيرها من المصاريف الناتجة عن تحقق الحادثة المؤمن منها.

        ويلاحظ أنه غالبا ما يعقد التأمين من الإصابات في إطار عقود التأمين الجماعية التي يكتتبها شخص معنوي أو رئيس مقاولة لفائدة الأشخاص المنتمين إلى مؤسسته من أجل تغطية الأخطار التي تهددهم بمناسبة ذلك الانتماء (مؤسسات التعليم، الجمعيات والنوادي الرياضية، المقاولات الاقتصادية ...)

        ويشمل هذا النوع من التأمين تأمين المرض، وهو الذي يتعهد فيه المؤمن، مقابل الأقساط التي يتعهد المؤمن له بدفعها، بأداء مبالغ معينة إلى هذا الأخير في حالة إصابته بمرض أو حادث معين تعوضه عن فقد مورد العيش الناتج بسبب العجز عن العمل الحاصل بسبب ذلك، إضافة إلى تغطية كامل أو جزء من مصاريف التطبيب والعلاج.


الفصل الثاني 

  أركان التأميــــــــن

    يقوم التأمين على أركان ثلاثة هي الخطر المؤمن منه وقسط التأمين ومبلغ التأمين. وهذه أركان لازمة لقيام التأمين سواء من الناحية الفنية أو من الناحية القانونية.

    وسنتناول كل ركن من هذه الأركان في مبحث مستقل.


المبحث الأول

الخطـر المؤمـن منـه

أولا ـ تعريف الخطر المؤمن منه 

    يمكن تعريف الخطر بأنه حادثة محتملة الوقوع لا يتوقف تحققها على إرادة أي من المتعاقدين، وهي إذا تحققت تمس حقوق المؤمن له المالية وغير المالية.

    والخطر هو الركن الرئيسي في التأمين، إذ الغرض من هذا الأخير هو تأمين شخص من خطر يهدده، لذلك فإن الخطر يدور مع التأمين وجودا وعدما، فحيث لا خطر لا تأمين.

    وللخطر في مفهوم التأمين مدلولا أوسع من مدلوله المألوف إذ هو ليس دائما كارثة (sinistre ) بل قد يكون حادثا سعيدا كما في التأمين على الأولاد حيث يتقاضى المؤمن له مبلغ التأمين كلما رزق بولد، أو كما في التأمين على الحياة لحال البقاء الذي رأيناه سابقا.


ثانيا ـ شروط الخطر المؤمن منه 

    الخطر، باعتباره ركنا في التأمين لابد أن يستوفي ثلاثة شروط حتى يمكن   التأمين منه، وهذه الشروط هي:

ـ أن يكون حادثا احتماليا.

ـ ألا يتوقف تحققه على محض إرادة أحد المتعاقدين.

ـ أن يكون مشروعا، غير مخالف للنظام العام.


    1 ـ كون الخطر حادثا احتماليا

    إن عنصر الاحتمال عنصر جوهري في التأمين، إذ يجب أن يكون الخطر المؤمن منه غير محقق الوقوع، إلا أنه يجب ألا يكون مستحيلا.


    أ ـ  فالخطر يجب أن يكون غير محقق الوقوع: أي أن حدوثه غير محتم (مثل  الحريق  أو السرقة)، وإذا كان محتما فيجب أن يكون تاريخ وقوعه غير معروف كما هو الشأن في التأمين على الوفاة  مثلا.


    ب ـ  إلا أنه يجب ألا يكون الخطر مستحيلا: لأنه إذا كان مستحيل الوقوع فإن محل التأمين سيكون مستحيلا، ويكون العقد الواقع عليه، بالتالي، باطلا. 

            والخطر يكون مستحيلا إذا كان الشيء المؤمن عليه قد هلك كليا وقت إبرام العقد أو إذا لم يعد معرضا للخطر المراد التأمين منه.

           وهكذا فإذا هلك الشيء الواقع عليه التأمين من الحريق، مثلا، قبل إبرام العقد، فإن خطر الحريق يصبح مستحيلا بالنسبة لذلك الشيء ما دام أنه لم يعد موجودا، ويصبح، من ثم، محل التأمين منعدما، فيبطل العقد تبعا لذلك، ويكون على المؤمن أن يرد إلى المؤمن له ما قبضه من أقساط بعد خصم المصاريف المؤداة من قبله ـ أي المؤمن ـ (المادة 50 من مدونة التأمينات).

    وهذا الحكم يسري حتى ولو كان كل من الطرفين يجهل وقت إبرام العقد أن الخطر قد زال أو قد تحقق، إذ أن الخطر في هذه الحالة يكون خطرا ظنيا، والتأمين على مثل هذا الخطر يقع باطلا عملا بمقتضيات المادة 50.

    غير أنه إذا قامت الاستحالة بعد إبرام العقد، وهو ما يحصل عند هلاك الشيء المؤمن عليه كليا بسبب آخر غير الخطر المؤمن منه، كما إذا تهدم المنزل المؤمن عليه من الحريق بفعل الفيضان، فإن العقد ينفسخ بقوة القانون، وهنا كذلك يكون على المؤمن أن يعيد للمؤمن له جزء قسط التأمين المتعلق بالمدة لتي لم يعد التأمين قائما فيها (المادة 46 من المدونة).


         2 ـ عدم توقف تحقق الخطر على إرادة أحد المتعاقدين

    إذا توقف تحقق الخطر على محض إرادة أحد الطرفين، فإن ذلك يعني أنه ليس خطرا محتملا، وبانعدام عنصر الاحتمال يكون عقد التأمين باطلا. لذلك فلابد أن يكون أمر تحقق الخطر متروكا لمحض الصدفة. أما إذا كان متوقفا على إرادة المؤمن فإنه سيحول دون تحققه لكي لا يدفع مبلغ التأمين. وإذا كان متوقفا على إرادة المؤمن له، فقد سعى إلى تحقيقه لكي يحصل على ذلك المبلغ. وهذا يتعارض مع أهداف التأمين. من هنا لم يكن من الجائز أن يؤمن المؤمن له على خطئه المتعمد، وإن كان يجوز له أن يؤمن على خطئه غير المتعمد.

        أ ـ  عدم  جواز التأمين على الخطأ المتعمد للمؤمن له: فلا يجوز التأمين على الخطأ المتعمد للمؤمن له لما فيه من تدبير لوقوع الخطر، وبالتالي نزعا لصفة الاحتمال عن هذا الأخير. فقد ورد في الفقرة الثانية من المادة 17 من مدونة التأمينات الجديدة:"...غير أن المؤمن لا يتحمل، رغم كل اتفاق مخالف، الخسائر والأضرار الناتجة عن خطأ متعمد أو تدليسي للمؤمن له."

        وتطبيقا لهذا المبدأ لو أن شخصا أمن على أموال ثم تعمد تحقيق الخطر بالنسبة إليها، فإنه لا يستحق مبلغ التأمين، لأنه من شروط الخطر أن يترك للصدفة.

    ومبدأ عدم جواز التأمين عن الخطأ المتعمد للمؤمن له هو من النظام العام يسري رغم كل اتفاق مخالف، كما أنه مبدأ عام يسري على كافة أنواع عقود التأمين.

        والمقصود بالخطأ المتعمد في إطار التأمين، تعمد المؤمن له إحداث الخطر والضرر المؤمن منه.


        ب ـ  جواز التأمين على الخطأ غير المتعمد للمؤمن له: أجاز المشرع  صراحة التأمين على الخطأ غير المتعمد للمؤمن له، إذ جاء في الفقرة الأولى من المادة  17 المشار إليها أعلاه :" يتحمل المؤمن الخسائر والأضرار الناتجة عن الحادث الفجائي أو الناتجة عن خطأ المؤمن له ..."

          والمقصود بخطأ المؤمن له هنا الخطأ غير المتعمد، إذ أن الفقرة الثانية من نفس المادة استطردت قائلة:"غير أن المؤمن لا يتحمل، رغم أي اتفاق مخالف، الخسائر والأضرار الناتجة عن خطأ متعمد أو تدلسي للمؤمن له." مما يفيد ضمنا أن الخطأ المشار إليه في الفقرة الأولى هو الخطأ غير المتعمد.

    والخطأ غير المتعمد هو كل خطأ يصدر عن المؤمن له عن إهمال أو تهور، أي بدود قصد، لا فرق بين الخطأ اليسير والخطأ الجسيم. 

    والسبب وراء هذه الإجازة أن الكثير من الحوادث التي تطرأ في الحياة اليومية يكون سببها الإهمال وعدم التبصر. والمثال الساطع على ذلك حوادث السير، لذلك فقد كان من شأن منع التأمين على مثل هذه الحوادث إفقاد التأمين كثيرا من فوائده ومزاياه.


    3 ـ أن يكون الخطر مشروعا، غير مخالف للنظام العام وحسن الآداب

    إذ يجب ألا يكون الخطر المؤمن منه ناشئا عن نشاط غير مشروع، أي نشاط مخالف للنظام العام وحسن الآداب.

    وهكذا فإنه لا يجوز التأمين على الأخطار الناشئة عن التهريب أو الاتجار في المخدرات أو التأمين على بيوت الدعارة ودور القمار.

         وكذلك لا يجوز التأمين من الغرامات المالية أو من المصادرة أو غيرها من العقوبات الزجرية لمخالفة ذلك لمبدأ شخصية العقوبة.


ثالثا ـ تحديد الخطر المؤمن منه

    سبق القول أن الخطر يعتبر ركنا أساسيا في التأمين. من هنا وجب تحديد الخطر الذي يضمنه المؤمن تحديدا دقيقا حتى يعرف كل من المؤمن والمؤمن له ما له من حقوق، وما عليه من التزامات.

    وعادة ما يتحدد الخطر بتحديد طبيعته (حريق، سرقة،  وفاة...) وتحديد المحل الذي يقع عليه (دكان، منزل، سيارة، شخص معين...)

        وهذا التحديد قد يكون على سبيل التخصيص، فيحدد خطر واحد كالسرقة مثلا، أو تحدد أخطار متعددة كالسرقة والحريق والمسؤولية كما في التأمين على السيارات.  وقد يكون على سبيل التعميم حيث يتم التأمين على جميع المخاطر الناجمة عن نشاط معين دون تخصيص كما في التأمين البحري حيث تؤمن السفينة على الحريق والغرق والانفجار والقرصنة والتصادم...

      وعند تحديد الخطر المؤمن منه قد يعمد المتعاقدان إلى استثناء بعض حالات هذا الخطر، فلابد في هذه الحالة من أن يكون الاستثناء واضحا ومحددا بدقة، إذ لا يمكن استخلاصه عن طريق الاستنتاج أو الافتراض.


المبحث الثاني

قـسـط الـتـأمـيـن

أولا ـ تعريف القسط

    عرف المشرع قسط التأمين بأنه:"مبلغ مستحق على مكتتب عقد التأمين مقابل ضمانات يمنحها المؤمن"(المادة الأولى ـ الفقرة 38). ويمكننا أن نعرفه نحن بأنه المقابل المالي الذي يلتزم المؤمن له بدفعه للمؤمن نظير تحمل هذا الأخير تبعة الخطر المؤمن منه.

    ويشكل القسط أو الاشتراك، الركن الثاني في التأمين الذي لا ينعقد إلا بوجود محل لالتزام المؤمن له، ألا وهو القسط.

    والقسط إذا كان يعتبر ضرورة قانونية في التأمين فهو كذلك ضرورة فنية فيه، إذ من مجموع الأقساط التي يدفعها المؤمن لهم يتكون الرصيد المشترك الذي يمكن المؤمن من الوفاء بالتزامه بدفع مبلغ التأمين عن طريق المقاصة بين الأخطار. من هنا كان من الضروري أن يكون مجموع الأقساط المحصل عليها من المؤمن لهم من خطر معين كافيا لتغطية الأخطار المتوقع تحققها بالنسبة إليهم، وهذا يفرض على المؤمن أن يعمل على إيجاد التناسب بين كل قسط على حدة والخطرالذي يتعلق به.


ثانيا ـ تحديد القسط 

    تتحدد قيمة القسط بالنسبة لكل خطر على حدة وفقا لمبدأ تناسب القسط مع الخطر. لذلك فإن كل تغيير يطرأ على الخطر سواء في اتجاه الزيادة أو النقصان يستوجب مبدئيا مراجعة القسط في نفس الاتجاه.

     ويدخل في تكوين قسط التأمين الذي يتحمله المؤمن له، أي القسط التجاري، عنصرين، هما: المبلغ المالي المجرد الذي يقابل الخطر ويسمى القسط الصرف، والنفقات والتكاليف التي تتحملها مؤسسة التأمين، وتسمى علاوات القسط.


    1 ـ القسط الصرف  

    عرف المشرع القسط الصرف بأنه:" مبلغ يمثل تكلفة الخطر المراد تغطيته، كما تم احتسابه وفقا للقواعد "الأكتوارية" اعتمادا على الإحصائيات المتعلقة بهذا الخطر" (المادة الأولى ـ الفقرة 39 من مدونة التأمينات). 

       فيكون القسط الصرف من تم، ذلك الجزء من القسط التجاري الذي يمثل القيمة الحسابية للخطر المؤمن منه كما تم تحديده وفق قوانين الإحصاء، والذي تنضاف إليه علاوات القسط ليتشكل القسط التجاري الواجب دفعه.

        ودون أن نخوض في المبادئ الفنية التي يتم بالاستناد إليها احتساب قيمة القسط الصرف، يمكننا أن نقول أنه يتحكم في تحديده عوامل متعددة أهمها: درجة احتمال الخطر ومدى جسامته، ومدة التأمين، وسعر الفائدة.


        أ ـ درجة احتمال الخطر ومدى جسامته 

           المقصود بدرجة احتمال الخطر فرص الخطر في التحقيق. وتحدد تلك الدرجة بالاستناد إلى الأساسين الفنيين اللذين يقوم عليهما التأمين، وهما تقدير الاحتمالات ـ calcul des probabilités ـ وقانون الكثرة ـ  La loi des grands nombres ـ بحيث إذا أفادت الإحصائيات، مثلا، بأنه من بين ألف حريق يؤمن عليها في السنة، تتحقق خمس حالات حريق فإن ذلك يعني أن درجة احتمال الخطر هي خمسة على 1000. وإذا افترضنا أن مبلغ التأمين الذي قدر المؤمن أن عليه أن يدفعه إلى المؤمن لهم الذين يتحقق الخطر بنسبة إليهم هو 1000 درهم عن كل حريق، فإن ذلك يعني أن مجموع التعويضات المتوقع تأديتها في التأمين من الحريق بالنسبة لهذا المؤمن هي 5000 درهم. ولما كان الرصيد المشترك المجمع من الأقساط يجب أن يكون كافيا لتغطية التعويضات المتوقعة، فإن المبلغ الذي يجب أن يؤديه كل مؤمن له قسطا صرفا للتأمين في السنة هو خمسة دراهم. فيكون الرصيد المجمع من الأقساط وهو 5000 درهم مساويا لقيمة مجموع التعويضات. 

    أما مدى جسامة الخطر فالمقصود بها مقدار الأضرار المتوقع حصولها عقب تحقق الخطر المؤمن منه، لأن تحقق الخطر قد يؤدي إلى هلاك الشيء المؤمن عليه هلاكا كليا، وقد لا يؤدي إلى هلاكه إلا بشكل جزئي، فيكون بالتالي من الضروري تحديد متوسط الضرر الناتج عن كل خطر متحقق وذلك عن طريق قسمه مجموع التعويضات المؤذاة في السابق عن خطر معين مؤمن منه على عدد الحوادث التي تحققت بالفعل.


        ب ـ مدة التأمين 

         هي المدة التي يضمن خلالها المؤمن الخطر المؤمن منه، وعادة ما تكون سنة حتى يمكن ضبط نتائج التوقعات وتصحيحها عند الضرورة. وكلما تضاعفت الوحدة الزمنية كلما تضاعف القسط الصرف. غير أن هناك بعض أنواع التأمين التي تتحدد فيها المدة بالاستناد إلى اعتبارات مغايرة كما في التأمين من مخاطر النقل البحري حيث تتحدد المدة بالوقت الذي تستغرقه عملية النقل.


        ج ـ سعر الفائدة

             هو عامل آخر له دوره في تحديد القسط الصرف. ذلك أن المؤمن عادة ما يوظف المبالغ المستخلصة من الأقساط، أي الرصيد المشترك، في أوجه الاستثمار المختلفة، مما يدر عليه ربحا تقدره شركات التأمين في السعر الجاري للفائدة، أي السعر المتعامل به في السوق بالنسبة للفائدة البنكية. ولما كان المؤمن إنما يدير عملية التعاون التبادلي لحساب مجموع المؤمن لهم وكانت، من تم، الأموال المستثمرة أموال هؤلاء فإن عليه عند تحديد القسط الصرف أن يخصم منه مبلغا بمقدار سعر الفائدة، وهو ما يقابل نصيب المؤمن له من تلك الأرباح .

    2 ـ علاوات القسط 

    يدخل في تحديد القسط التجاري ـ أو "اشتراك التأمين" في التأمين التعاضدي ـ بالإضافة إلى القسط الصرف مجموع النفقات التي تتحملها المؤسسة المؤمنة. فهذه  النفقات، بالإضافة إلى أرباح عملية التأمين بالنسبة للتأمين التجاري، يشارك المؤمن له  في تغطيتها.

    وأهم النفقات التي تشكل علاوات القسط:

        أ ـ  نفقات  إبرام  العقود

        ب ـ  نفقات تحصيل الأقساط

        ج ـ  نفقات الإدارة 

              د ـ  الضرائب.

المبحث الثالث

مـبـلـغ الـتـأمـيـن

أولا  ـ  تعريـف  مبلـغ التأميـن 

    مبلغ التأمين هو المبلغ الذي يلتزم المؤمن بأدائه إلى المؤمن له أو إلى المستفيد في حالة تحقق الخطر المؤمن منه، وهو يقابل التزام المؤمن له بدفع القسط.

    والأصل أن يكون مبلغ التأمين تعويضا ماليا، إلا أنه قد يتخذ أشكالا أخرى كأن يكون تعويضا عينيا (إصلاح السيارة مثلا) أو خدمات يؤديها المؤمن (التدخل في دعوى المسؤولية للدفاع عن المؤمن  له).

ثانيا ـ تحديد مبلغ التأمين 

    يختلف تحديد مبلغ التأمين باختلاف نوع التأمين، من تأمين على الأشخاص، إلى تأمين من الأضرار.

    1 ـ تحديد مبلغ التأمين في التأمين على الأشخاص

     في التأمين على الأشخاص يتحدد مبلغ التأمين في العقد باتفاق بين المؤمن والمؤمن له (المادة 65 من المدونة) لذلك فهو ليست له صفة تعويضية وإنما هو من طبيعة جزافية اتفاقية تستلزم أن يدفع المؤمن المبلغ المتفق عليه، بغض النظر عن حدوث الضرر أو عدم حدوثه، وبغض النظر عن مقدار الضرر في حالة حدوثه، فمجرد تحقق الخطر المؤمن منه يجعل المبلغ المتفق عليه مستحقا. ومن هنا وتأكيدا لذلك نعته المشرع ب:"المبلغ المؤمن عليه".

          ويترتب على انتفاء الصفة التعويضية عن المبلغ المؤمن عليه في التأمين على الأشخاص مجموعة من النتائج نجملها فيما يأتي:

        أ ـ  للمؤمن له أن يجمع بين مبلغ التأمين وبين التعويض الذي قد  تقضي له به المحكمة قبل الغير المسؤول عن الضرر الذي لحقه لاختلاف الأساس في استحقاق كل منهما، فمبلغ التأمين أساسه اتفاقي (عقد التأمين) أما التعويض فأساسه دعوى المسؤولية عن العمل غير المشروع .

        ب ـ  للمؤمن له أن يعقد أكثر من عقد تأمين عن نفس الخطر المؤمن منه، وفي هذه الحالة تستحق كافة مبالغ التأمين عند تحقق الخطر .

        ج ـ لا يحق للمؤمن أن يرجع على الغير المتسبب في الضرر لافتقاد  ذلك الرجوع  للسند القانوني، إذ أن مصدر التزام المؤمن هو الاتفاق أي العقد القائم بينه وبين المؤمن له وليس الفعل الضار الصادر عن الغير .


    2 ـ   تحديد مبلغ التأمين في التأمين من الأضرار

    سبق أن قلنا أن التأمين من الأضرار يتسم بطابعه التعويضي المحض، لذلك فإن تحديد مبلغ التأمين فيه يتم بالاستناد إلى الضرر اللاحق بالمؤمن له. ومن هنا فالمشرع سماه "تعويض التأمين" تأكيدا على طابعه التعويضي.

    وهذا يعني أن التزام المؤمن بدفع تعويض التأمين للمؤمن له أو للضحية يتوقف على حدوث الضرر من ناحية، ويتحدد بمقدار ما حصل من ضرر من  ناحية ثانية.  

         ولقد نصت مدونة التأمينات الجديدة صراحة على قاعدة تناسب تعويض التأمين مع الضرر في الفقرة الأولى من المادة 39 عندما قالت:" إن التأمين المتعلق بالأموال هو عقد تعويض. ولا يمكن للتعويض المستحق على المؤمن لفائدة المؤمن له أن يتجاوز قيمة الشيء المؤمن عليه وقت الحادث."

    ويترتب على الصفة التعويضية للتأمين من الأضرار مجموعة من النتائج كذلك نجملها فيما يأتي:

    أ ـ أن مقدار التعويض لا يحدد مسبقا في العقد لعدم إمكانية التعرف على ما قد يحصل للمؤمن له من ضرر.

    ب ـ إذا تعددت عقود التأمين بالنسبة لنفس الخطر لدى مؤمنين متعددين، فلا يمكن للمؤمن له أن يحصل من مجموع هذه العقود إلا على ما يكفل له إصلاح ما أصابه من ضرر نتيجة تحقق الخطر المؤمن منه (م 4/ الفقرة3).

        ج ـ إذا كان القسط المدفوع في التأمين أقل من القيمة الحقيقية للشيء المؤمن عليه، فإن المؤمن ليس ملزما بالتعويض إلا بنسبة تناسب القسط المدفوع مع قيمة الشيء (المادة 43).

    د ـ إذا كان هناك مسؤول عن حصول الضرر للمؤمن له فلا يمكن لهذا الأخير أن يجمع بين تعويض التأمين وبين التعويض عن المسؤولية، وإنما يحل المؤمن بعد دفع التعويض محل المؤمن له في دعواه قبل المسؤول (م47).

الباب الثاني

         عقد التأمين هو الأداة القانونية التي تنظم علاقة المؤمن بعملائه. وهو منظم الآن في الكتاب الأول من مدونة التأمينات الجديدة (المواد من 1 إلى 114) الذي أعاد المشرع النص فيه على جل مقتضيات القرار الوزيري ل:28  نوفمبر 1934 المتعلق بعقد التأمين البري مع إعادة النظر في الصياغة وإدخال تعديلات وتجديدات قصد تدقيق وضبط شروط الاكتتاب مع الأخذ بعين الاعتبار التحولات الحاصلة في ميدان التأمين.

    غير أنه لما كان عقد التأمين من عقود القانون المدني فإنه يخضع لأحكام العقد العامة المنصوص عليها في قانون الالتزامات والعقود، بالإضافة إلى خضوعه إلى الأحكام الخاصة الواردة في مدونة التأمينات الجديدة.

    وللإلمام بعقد التأمين يجب دراسة الخصائص التي يقوم عليها وبيان كيفية تكوينه، والآثار التي تترتب عليه، ومن ثم فإننا سندرس عقد التأمين في أربعة فصول على النحو التالي:

    الفصل الأول : خصائص عقد التأمين.

    الفصل  الثاني: تكوين عقد  التأمين .

    الفصل  الثالث: آثار عقد التأمين.

الفصل الأول

خـصائـص عقـد التأميـن

    يتميز عقد التأمين بعدة خصائص سواء من حيث تكوينه أو من حيث مضمونه أو من حيث تنفيذه.


المبحث الأول 

  خصائص عقد التأمين  من حيث تكوينه

    يتميز عقد التأمين من حيث تكوينه بأنه عقد رضائي وبأنه من عقود الإذعان.


أولا ـ عقد التأمين عقد رضائي

    عقد التأمين من العقود الرضائية. فهو ينعقد بمجرد توافق إرادتي طرفيه، أي توافق الإيجاب بالقبول. فلا يحتاج انعقاده إلى إفراغ التراضي في شكل معين كما هو الشأن بالنسبة للعقود الشكلية، ولا يشترط في تكوينه القيام بعمل معين يجعل منه عقدا عينيا كدفع القسط الأول مثلا.

    وعلى الرغم من أن المادة 11 (الفقرة 1) من مدونة التأمينات نصت على أنه:"يجب أن يحرر عقد التأمين كتابة"، فإن الكتابة هنا مشترطة للإثبات وليس ليس للانعقاد. والدليل على ذلك أن هذه المادة وردت في باب تحت عنوان:"إثبات عقد التأمين وأشكال العقود وطرق انتقالها". وهذا يجعل من الكتابة هنا شرط إثبات وليس شرط انعقاد.

    إلا أن عقد التأمين قد يصبح عقدا شكليا أو عينيا بإرادة طرفيه، وذلك إذا اتفقا مثلا على ألا ينعقد إلا بوروده كتابة، أو اشترطا لانعقاده تسديد القسط الأول.

ثانيا ـ عقد التأمين عقد إذعان

    عقد التأمين عقد إذعان، لكون أن المؤمن يفرض في الغالب شروطه على المؤمن لهم، فيعد تلك الشروط في شكل نماذج مطبوعة (عقود نمطية) يعرضها على الناس كافة، وليس لهؤلاء إلا الانضمام إلى ما يعرض عليهم أو رفضه دون أية مناقشة.

        وهذا الامتياز الذي يتمتع به المؤمن يجد مصدره في موقع القوة الاقتصادية الذي يوجد فيه، والذي من شأنه أن يؤدي إلى اختلال التوازن التعاقدي بين الطرفين تبعا لاختلال التوازن الاقتصادي بينهما. ومن هنا جاء تدخل المشرع بتنظيمه للتأمين، حيث سعى إلى حماية المؤمن له من كل تعسف قد يلحقه في هذا المجال باعتباره طرفا ضعيفا في العلاقة التعاقدية. ومن هنا كذلك جاءت القاعدة التي تقضي بتفسير شروط العقد الغامضة لمصلحة المؤمن له.


المبحث الثاني 

 خصائص عقد التأمين من حيث مضمونه

    يتميز عقد التأمين من حيث مضمونه ـ أي من حيث الالتزامات التي تترتب عليه ـ بكونه عقد ملزم للجانبين، وبأنه عقد معاوضة وعقد احتمالي.


 أولا ـ عقد التأمين عقد ملزم للجانبين

    يرتب عقد التأمين التزامات متبادلة على طرفيه. لذلك فهو ملزم للجانبين المتعاقدين معا. فالمؤمن له يتعهد بدفع الأقساط وبتقديم البيانات المتعلقة بالخطر وبالإخطار عن وقوع الخطر، والمؤمن يلتزم بدفع مبلغ التأمين عند تحقق الخطر وبدفع نفقات توقي الضرر. فكل من الطرفين تقع عليه التزامات محددة ناتجة عن العقد وكلاهما يعطي مقابلا لما يأخذ. ولا يقدح في ذلك أن تنفيذ المؤمن لالتزامه هو أمر احتمالي. فالتزامات أطرافه المتبادلة تنشأ بمجرد التعاقد. وليس من شأن الصفة الاحتمالية للعقد أن تنفي عنه صفته التبادلية التي تثبت له منذ نشوئه. ناهيك عن أن العقد يعطي للمؤمن له الأمان مقابل القسط الذي يدفعه فينعم طول مدة العقد بالطمأنينة، متأكدا أنه عند حدوث الخطر سيجد من يدفع له مقابل التأمين.


ثانيا ـ عقد التأمين عقد معاوضة 

    فكل من طرفي عقد التأمين يأخذ مقابلا لما يعطيه. المؤمن يحصل على أقساط التأمين في مقابل تغطية الخطر التي يوفرها للمؤمن له. وهذا الأخير يحصل على ضمان الخطر الذي يهدده مقابل القسط الذي يدفعه. فهناك إذن تبادل في المنافع بين طرفيه.


ثالثا ـ عقد التأمين عقد احتمالي

    ويظهر ذلك من أنه أثناء التعاقد لا يعرف كل من طرفيه مقدار ما يأخذ ومقدار ما يعطي. فذلك يتوقف على أمر مستقبلي هو حدوث الخطر أو عدم حدوثه. فاحتمال الكسب أو الخسارة قائم عند إبرام العقد في  جانب طرفيه، وتحديد من سيكسب منهما أو  يخسر يتوقف على الحظ  والصدفة.

    غير أنه إذا كان عقد التأمين عقدا احتماليا من الناحية القانونية فهو ليس كذلك من الناحية التقنية، فقد سبق أن بينا أن التأمين عملية علمية دقيقة تقوم على المقاصة بين المخاطر وفقا لقوانين الإحصاء بحيث تكاد تختفي فيها صفة الاحتمال إذا نظر إليها في مجموعها وليس في جزئياتها (كل عقد على حدة).

         وطابع الاحتمال هذا هو الذي جعل غالبية فقهاء الشريعة يعتبرون عقد التأمين من عقود الغرر والجهالة، مما يجعله محرما. وهو ما كان وراء إرساء تأمين إسلامي يتوافق وأحكام الشريعة، ألا وهو التأمين التكافلي، الذي اعتمده المشرع المغربي في تعديل سنة 2016.

        ولنزع طابع الاحتمال والجهالة على هذا العقد، اعتمد التأمين التكافلي تقنيتين: بناء العقد على التبرع، باشتراط نص العقد على أن المشترك يدفع الاشتراك على سبيل التبرع – فالعقد إذن ليس عقد معاوضة، وبالتالي الاحتمال لا دخل له في العقد ـ، وجعل إدارة "حساب التأمين التكافلي"، الممثل للرصيد المشترك بين المشتركين، والذي يجري تمويله من الاشتراكات ومن إيراداتها، مستقلة عن المشتركين، حيث يعهد بذلك إلى مقاولة تأمين متخصصة تديره وكالة عنهم بمقابل أجرة، وفق أحكام الشريعة الإسلامية بالابتعاد عن الربا ونظام الفوائد. مما يبعد الاحتمال بالنسبة لمقاولة التأمين، ما دام أنها تحصل فقط على عمولتها المحددة مسبقا عن إدارتها لحساب التأمين التكافلي، من دون احتمال حصولها لا على ربح ولا تحملها خسارة.

الفرع الثالث 

 خصائص عقد التأمين من حيث تنفيذه

        يتميز عقد التأمين من حيث تنفيذه بأنه من العقود الزمنية، وأنه من عقود حسن النية.


أولا ـ عقد التأمين عقد زمني

    عقد التأمين هو من العقود الزمنية لأنه يعقد لمدة معينة يستغرقها تنفيذه. ومن ثم  فالزمن يلعب دورا مهما في تحديد ما يترتب على عاتق طرفيه من التزامات.

    فالمؤمن يلتزم بضمان الخطر المؤمن منه لمدة زمنية معينة. والمؤمن له يلتزم، في مقابل ذلك، بدفع أقساط التأمين، إما مجزأة على فترات زمنية منتظمة تغطي تلك المدة، وإما دفعة واحدة يراعى في تقديرها المدة المتعاقد عليها. وحتى في هذه الحالة الأخيرة يترتب على المؤمن له التزام مستمر بعدم الزيادة في جسامة الخطر المؤمن منه.

    وينتج على اعتبار عقد التأمين من العقود الزمنية أن فسخ العقد بسبب عدم تنفيذ أحد طرفيه لالتزاماته، أو انفساخه لاستحالة ذلك التنفيذ ـ كما إذا هلك الشيء المؤمن عليه من السرقة بفعل الحريق ـ لا يسري بأثر رجعي بل من تاريخ الفسخ أو الإفساخ، حيث لا يمكن للمؤمن له أن يطالب باسترجاع الأقساط التي دفعها والمستحقة عن المدة السابقة لذلك التاريخ.


ثانيا ـ عقد التأمين من عقود حسن النية     

     كافة العقود تتطلب حسن النية في تنفيذها. غير أن عقد التأمين يتميز بأن حسن النية يلعب دورا في انعقاده وفي تنفيذه أكبر من الدور الذي يلعبه في أي عقد آخر.

    فعند انعقاده يجب أن يتحلى المؤمن له بحسن النية في تصريحاته المتعلقة بالخطر المزمع التأمين منه، لأن قبول المؤمن التأمين عليه يتوقف على البيانات التي يدلي بها المؤمن له فوجب أن تكون تلك البيانات متسمة بالصدق والنزاهة.

    وعند تنفيذ العقد على المؤمن له أن يمتنع عن كل ما من شأنه زيادة الخطر المؤمن منه، وعليه أن يخطر المؤمن بكل ظرف يؤدي إلى زيادة درجة احتمال حدوثه أو زيادة درجة جسامته. كما أن على المؤمن بدوره أن يتحلى بحسن النية في تنفيذ التزامه بالتعويض في حالة تحقق الخطر. وقد رتب المشرع على هذا الالتزام بشقيه   جزاءات صارمة قد تصل إلى سقوط الحق في التأمين كما سنرى لاحقا.


الفصل الثاني

تكويـن عقـد التأمين

    ينعقد عقد التأمين من الناحية القانونية بتوفر سائر أركانه مثله مثل كافة العقود. إلا أن إبرامه من الناحية العملية  يقتضي  المرور  بمجموعة  من المراحل  علينا الإلمام  بها. لذلك فإننا سندرس في مبحث أول كيفية إبرام عقد التأمين من الناحية القانونية على أن ندرس في مبحث ثاني كيفية إبرامه من الناحية العملية.



المبحث الأول 

 إبرام عقد التأمين من الناحية القانونية    

 يشترط لإبرام عقد التأمين من الناحية القانونية توافر سائر أركان الانعقاد التي هي الرضاء والأهلية والمحل والسبب.

    غير أنه لما كان يتعدد المتدخلون في العملية التأمينية، فإنه علينا أن نحدد أولا من يعتبر منهم طرفا في عقد التأمين قبل أن ندرس أركان عقد التأمين.

المطلب الأول

طرفـا عقـد التأميـن

    طرفا عقد التأمين هما المؤمن والمؤمن له.


الفرع الأول

الـمـؤمــــــن

     المؤمن هو مقاولات التأمين المسموح لها بمباشرة عمليات التأمين، وغالبا ما تتخذ شكل شركة مساهمة، غير أنها قد تتخذ شكل "شركة تعاضدية". ولا تثير هذه الأخيرة صعوبة خاصة، إذ أن كل عضو فيها يعتبر مؤمنا ومؤمنا له.

    وممارسة التأمين في المغرب يتطلب الحصول على الاعتماد من هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي.

   ولقد حصر المشرع تأمين الأخطار الموجودة في المغرب والأشخاص المقيمين به وكذلك المسؤوليات المرتبطة بتلك الأخطار والأشخاص بواسطة عقود تكتتبها وتديرها مقاولات التأمين المعتمدة بالمغرب، هذا ما لم تكن هناك اتفاقيات دولية مصادق عليها ومنشورة، تلقي التزامات محددة مخالفة على المغرب (م 162/فقرة 1، من المدونة).

        غير أنه، وفي غياب قيود تضعها مثل هذه الاتفاقيات، فإنه يمكن أن يستثنى من هذا القيد، بعد موافقة من هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، تأمينات الطيران والتأمينات البحرية، لاسيما إذا لم تتوفر تغطية للمخاطر المرتبطة بها في المغرب. وكذا كل خطر لا تتوفر تغطيته لدى مقاولة تأمين معتمدة في المغرب (م 162/فقرة 2).

        وتقوم مقاولات التأمين بعرض عمليات التأمين على العموم إما مباشرة أو بواسطة وسطاء أو سعاة للتأمين. (المادتان 289 و290 من المدونة)


أولا ـ عرض عمليات التأمين مباشرة من قبل شركة التأمين 

           على خلاف النص القديم الذي لم يكن يجيز لشركة التأمين عرض عمليات التأمين مباشرة على الجمهور إلا في حالات ضيقة، فإن المدونة الجديدة سمحت بذلك العرض وقيدته فقط بوجوب الحصول على إذن مسبق من الإدارة.(المادة 289/1 و2)


ثانيا ـ عرض عمليات التأمين من قبل وسطاء التأمين

    يتألف وسطاء التأمين من شركات السمسرة ومن وكلاء التأمين:

         1 ـ شركات السمسرة في التأمين

          على خلاف النص القديم الذي كان يفتح باب السمسرة في التأمين أمام كل شخص ذاتي أو اعتباري فإن مدونة التأمينات الجديدة حصرت ذلك في "شركات السمسرة في التأمين" المعتمدة من قبل هيئة المراقبة (المادة 291) على أن تتخذ شكل شركة مساهمة أو شركة ذات مسؤولية محدودة (المادة 299 ـ الفقرة الثانية). وهذا تدبير قصد به المشرع تطهير قطاع السمسرة في التأمين الذي عرف تجاوزات كثيرة دفعت السلطات المختصة إلى تعليق منح التراخيص فيه مند سنوات عديدة .

         وتملك شركة السمسرة في التأمين أضيق السلطات التي يملكها وسطاء التأمين، إذ الأصل أن تقتصر مهمتها على التوسط في إبرام العقد. فتقوم بالبحث على العملاء، الذين تعتبر وكيلة عنهم لدى مقاولة التأمين فيما يتعلق بإسناد تغطية الأخطار(م 297/1)، وتعرض عليهم التأمين الذي يناسبهم وفق الشروط التي تكون قد حددتها شركة التأمين التي انتصبت للوساطة لديها مقابل عمولة، والعملاء هم الذين يتعاقدون مباشرة مع شركة التأمين. 

         وقد تتمتع شركة السمسرة في التأمين ببعض الصلاحيات تتعلق بتنفيذ العقد، مثل تسليم وثيقة التأمين إلى المؤمن له بعد الحصول عليها من المؤمن، وكذلك تسلم البيانات من المؤمن لهم أثناء سريان العقد من أجل تسليمها إلى شركة التأمين. لكن متى كان لها سلطة قبض القسط لفائدة هذه الأخيرة فإنها تعتبر ممثلة لها كذلك. (م 297/1)

          أما بشأن تسلم شركات السمسرة لتعويضات الحوادث من شركة التأمين لأجل دفعها إلى أصحابها المؤمن لهم فقد استوجب فيه المشرع الحصول على توكيل خاص من شركة التأمين(المادة 298) وواضح أن هدف المشرع من ذلك هو تحصين شركات السمسرة من التلاعبات التي سقط فيها السماسرة فيما سبق حيث كان العديد منهم يتسلم التعويضات ويماطل في دفعها إلى أصحابها. من هنا فالمشرع إذ اشترط التوكيل الخاص فقد قصد بذلك تحميل شركات التأمين المسؤولية عن تلك التعويضات تجاه المستفيدين . 

         هذا، وقد خول المشرع للبنوك و لبريد المغرب القيام بعرض التأمين (م 306 تأمينات)، حيث اعترف لها بإمكانية ممارسة الوساطة في التأمين وفق أحكام  سمسرة التأمين، وذلك بعد الحصول على اعتماد من السلطة المختصة، وذلك في إطار السعي لتوسيع سوق التأمين في المغرب، من خلال تقوية شبكة التوزيع بفاعلين يتمتعون بملاءة كافية وانتشار جغرافي. غير أنه حصر ذلك في تأمينات الأشخاص، والإسعاف، والقرض (م 306/3)،


    2 ـ وكـلاء التأميـن 

          وكلاء التأمين هم الأشخاص الذاتيون أو المعنويون الذين  يتوفرون على توكيل خاص من شركة التأمين، ليعرضوا على العموم، مقابل عمولة، عمليات التأمين لحساب هذه الأخيرة. (المواد 291 و292 و309) وعقد توكيلهم هو الذي يحدد نطاق وطبيعة العمليات التي يقومون بها لحساب الشركة.(المادة 293)

        وعندما يكون وكيل التأمين شخصا معنويا، فإن عليه أن يتخذ شكل شركة مساهمة أو شركة ذات مسؤولية محدودة. (المادة 295 ـ الفقرة الأولى)

    ويمكن التمييز بين نوعين من أعوان التأمين انطلاقا من السلطات التي يخولها لهم عقد التوكيل: فهناك الوكيل المفوض، وهناك المندوب ذو التوكيل العام.

         أ ـ  فالوكيل المفوض: هو الذي يخوله عقد توكيله سلطة التفاوض مع الزبائن، ويعطي له صلاحية تعديل شروط عقد التأمين ومد مدته وإنهائه.

         ب ـ  أما المندوب ذو التوكيل العام: فهو الذي لا يخوله عقد توكيله سلطة التعاقد مع الزبائن إلا وفق الشروط العامة المحددة من قبل  الشركة.


ثالثا ـ عرض عمليات التأمين من قبل "سعاة التأمين"  

    "سعاة التأمين" هم الأشخاص الذاتيون المأجورون الذين تنتدبهم شركات التأمين أو وسطاء التأمين للسعي لإبرام عقود التأمين، فيقومون بزيارات اعتيادية لأماكن السكنى أو العمل أو للأماكن العمومية للدعاية للاكتتاب في عقود التأمين، وهم لا يتوفرون على صفة وسيط التأمين.(المادة 290)

    ويلاحظ أن مزاولة مهنة ساعي التأمين تتوقف على الحصول على بطاقة مهنية من شركة أو وسيط التأمين لمدة سنة قابلة للتجديد.

الفرع الثاني

المــؤمـــن لـــه    

    هو في الغالب، وخاصة في التأمين على الأضرار، يجمع بين صفات ثلاثة:


    1 ـ صفة المكتتب أو المتعاقد: وهو الذي يبرم عقد التأمين سواء لحسابه أو لحساب الغير فيلتزم من تم بتنفيذ الالتزامات الناشئة عنه، وخاصة تسديد القسط، والمقابلة لالتزامات المؤمن.(الفقرة 43 من المادة 1)


    2  ـ  صفة المؤمن له: وهو الشخص الذي  يتهدده الخطر المؤمن  منه سواء في أماله أو في شخصه .( الفقرة 46 من المادة 1)


    3 ـ  صفة  المستفيد: وهو الشخص الذي يعينه مكتتب التأمين ليستحق له مبلغ   التأمين عند تحقق الخطر المؤمن منه.(الفقرة 42 من المادة 1)

         غير أنه قد تتفرق هذه الصفات بين أشخاص متعددين. وغالبا ما يكون ذلك في التأمين على الأشخاص. ويتحقق ذلك في أحد الصور التالية.

    ـ عندما يكون المكتتب والمستفيد شخصا واحدا والمؤمن له شخصا آخر، وذلك   كأن يؤمن شخص لصالحه على حياة مدينه، بحيث يكون الدائن هو في نفس الوقت المكتتب والمستفيد من مبلغ التأمين عند وفاة مدينه ويكون هذا الأخير هو المؤمن له.

    ـ عندما يكون المكتتبت هو المؤمن له ويكون المستفيد شخصا آخر، وذلك كما في التأمين على الحياة الذي يعقده شخص لفائدة أولاده.

    ـ عندما يكون المكتتب شخص والمؤمن له والمستفيد شخصا آخر، كما في التأمين على البضاعة الذي يعقده البائع لمصلحة المشتري، حيث يكون البائع هو المكتتبت والمشتري الذي أصبحت البضاعة في ملكه هو المؤمن له والمستفيد في نفس الوقت.

    ـ عندما تتفرق الصفات الثلاثة على أشخاص مختلفين، كما في تأمين الشخص على حياة أبيه لمصلحة أولاده، حيث يكون هو المكتتب، وأبوه هو المؤمن له، وأبناؤه هم المستفيدون.


المطلب الثاني 

  أركـان عقد التأميـن

    يتطلب عقد التأمين لانعقاده توفر الأركان القانونية العامة المتطلبة في التعاقد: وهي التراضي والأهلية والمحل والسبب. غير أنه لما كان محل عقد التأمين هو الخطر، ومحل التزام المؤمن هو دفع مبلغ التأمين، فإننا نحيل على ما سبق أن قلناه بشأنهما بالحيز الخاص بذلك ضمن أركان التأمين.

    وبالنسبة لركن السبب في عقد التأمين فإنه ليس هناك ما يميزه عن السبب في النظرية العامة للالتزامات لذلك فلا حاجة لنا للوقوف عنده في هذه الدراسة.

    ومن ثم فإننا سنقتصر هنا على دراسة ركني التراضي والأهلية.


الفرع الأول   

التراضي في عقد التأمين

أولا ـ وجوب حصول التراضي

    ينعقد عقد التأمين بحصول التراضي بين طرفيه، أي بتوافق الإيجاب مع   القبول، وهو ما يحصل عمليا بانضمام مكتتب التأمين إلى الشروط التي يعرضها عليه المؤمن عادة في شكل عقد نموذجي مطبوع مقدما. ومن هنا جاءت خاصية الإذعان التي يتميز بها عقد التأمين.

         ويشترط المشرع المغربي (المادة 11 من المدونة) تحرير عقد التأمين كتابة وبحروف بارزة، لا فرق بين أن يكون موثقا أو عرفيا. والكتابة مشترطة هنا، كما سبق القول، للإثبات وليس للانعقاد. ومن هنا كان عقد التأمين ينعقد بمجرد تراضي طرفيه. غير أنه لا مانع من أن يتفق المتعاقدان على تحريره في محرر رسمي (موثق) فيتحول إلى عقد شكلي لا ينعقد إلا بتحريره كتابة في وثيقة رسمية.


ثانيا ـ كون التراضي صحيحا

    لكي ينعقد العقد صحيحا يجب أن يكون التراضي فيه سليما أي غير مشوب بعيب من عيوب الإرادة.

    وتنطبق على عقد التأمين المبادئ العامة المتعلقة بسلامة إرادة طرفيه من عيوب الإرادة، وإلا كان قابلا للإبطال لمصلحة من عيبت إرادته، إلا فيما يتعلق بالكتمان أو التصريح الكاذب من قبل المؤمن له الذي تعامل معه المشرع بشكل مخالف. 

    فإذا كان ينذر أن يشوب إرادة المؤمن له عيب من عيوب الرضا، فإن المؤمن   على خلاف ذلك كثيرا ما يسقط في الغلط أو التدليس. ويرجع ذلك إلى طبيعة عقد التأمين الذي باعتباره ينصب على التأمين على خطر مستقبلي يتعلق بالمؤمن له ، فإن تعبير المؤمن عن إرادته بشأن ذلك يتوقف على المعلومات التي يقدمها له المؤمن له. من هنا ففي الحالات التي يدلي فيها هذا الأخير بتصريحات كاذبة أو يخفي معلومات تؤدي إلى تغيير موضوع الخطر أو تنقص من أهميته في نظر المؤمن، فإن إرادة هذا الأخير تكون قد عيبت. هذا في إطار العلاقة العقدية الضيقة بين المؤمن والمؤمن له . لكن إذا أخدنا بعين الاعتبار الجانب التقني الذي تقوم عليه العملية التأمينية فإننا سنجد أن الكتمان والتصريح الكاذب من قبل المؤمن له، له تأثير يتعدى العلاقة العقدية بين طرفي العقد، ويمتد إلى المس بإدارة عملية التعاون بين مجموع المؤمن لهم، والتي من المفروض أن يحرص المؤمن على تحقيقها بكفاءة، من حيت أن ذلك الكتمان والتصريح الكاذب يؤديان إلى بث البلبلة في توقعات المؤمن بشأن احتمالات تحقق الخطر وتكلفته. من هنا فقد تعامل المشرع مع ذلك بشكل مخالف إذ اعتبر أن العقد يكون باطلا إذا كان المؤمن له سيئ النية (المادة 30) وأعطى  للمؤمن الخيار بين الإبقاء على العقد مع الزيادة في القسط أو فسخ العقد إذا كان المؤمن له حسن النية(المادة 31).


الفرع الثاني 

  الأهلية في عقد التأمين

    لما كان يشترط في المؤمن أن يكون شركة مساهمة أو شركة تعاضدية للتأمين فإن الأهلية لا تثار إلا بالنسبة للمؤمن له.

    ويكفي لإبرام عقد التأمين أن تتوفر في المؤمن له أهلية الإدارة.  ومن تم فإذا كان يجوز للبالغ الراشد أن يبرم عقد التأمين لكونه تتوفر فيه أهلية التبرع والتصرف فبالأحرى أهلية الإدارة، فإنه يجوز للقاصر الذي يبلغ 12 سنة من العمر متى كان مأذونا له بإدارة أمواله إبرام هذا العقد. أما إذا كان غير مأذون له، فإن العقد الذي يبرمه يكون قابلا للإبطال لمصلحته بناء على طلبه أو طلب وليه ما لم يجزه الولي أو القاصر بعد حصوله على الإذن بالا دارة أو بلوغه سن الرشد.

    وللولي أو الوصي أن يعقدا التأمين لحساب القاصر لأنهما يملكان حق الإدارة.


المبحث الثاني

إبرام عقد التأمين من الناحية العملية

         بالرغم من أن عقد التأمين عقد إذعان فإنه غالبا ما يسبق إبرامه بحث وتقصي، تم مفاوضات قد تطول أو تقصر، وذلك بهدف اتخاذ المكتتب قرار التأمين على الخطر، واتخاذ المؤمن كذلك قرار تغطية ذلك الخطر، مع ما يرتبط بذلك من تقدير للخطر المراد التأمين عليه من قبل المؤمن لأجل التعرف على القسط المناسب له، وهو ما يسعى المؤمن له كذلك للتعرف عليه لاتخاذ قراره بالتأمين.

    من هنا يمر إبرام عقد التأمين من الناحية العملية بعدة مراحل قد تبدأ باطلاعه على إعلانات إشهارية تدفعه للتأمين، فيسعى لإبرام العقد عن طريق تقديم اقتراح التأمين، فإذا قبله المؤمن سلم له مجموعة وثائق لإخباره بشروط التغطية، فإذا رغب المؤمن له في التعاقد على أساس تلك الشروط وقبل المؤمن ذلك سلم له هذا الأخير في الغالب مذكرة تغطية مؤقتة في انتظار تحرير بوليصة التأمين وتسليم المؤمن له شهادة التأمين. إلا أنه قد يحصل، بعد تحرير ذلك العقد وتسليم شهادة التأمين للمؤمن له، أن يتفق المتعاقدان على إدخال بعض التعديلات على العقد الأصلي فينشأ بذلك ملحق بوليصة التأمين.

    وهكذا فإن المراحل التي قد يمر منها إبرام عقد التأمين من الناحية العملية هي:

    1 ـ تحفيز المؤمن له على التأمين بواسطة إعلانات إشهارية؛

         2 ـ اقتراح التأمين؛

             3 ـ إخبار المكتتب بشروط التعاقد؛

         4 ـ مذكرة التغطية المؤقتة؛

     5 ــ بوليصة التأمين (رفقة شهادة التأمين في بعض الأحيان)؛

         6 ـ  ملحق بوليصة التأمين.

         المراحل الثلاثة الأولى هي مراحل تمهيدية تسبق إبرام العقد، الغرض منها تنوير طرفي التعاقد بشأن محل التغطية وشروطها، على خلاف المراحل المتبقية التي ترتبط بإبرام عقد التأمين، فتجسد هذا الأخير، أو تتعلق بتعديله.


المطلب الأول

المرحلة التمهيدية لإبرام عقد التأمين

        هي المرحلة التي تسبق إبرام عقد التأمين، ويكون الغرض منها الاستفسار وأخذ المعلومات من أجل اتخاذ قرار إبرام العقد من قبل الطرفين، ويدخل فيها استمالة الجمهور عن طريق الإعلانات الإشهارية، وتقديم اقتراح التأمين، وإخبار المكتتب بشروط التعاقد.

الفرع الأول

استمالة الجمهور بواسطة الإعلانات الإشهارية

          كثيرا ما تلجأ شركات التأمين إلى استمالة الجمهور بواسطة إعلانات إشهارية، تعلنها إما في شكل ملصقات أو مطويات أو إعلانات صحفية أو وصلات إشهارية، إذاعية أو تلفزية أو في وسائل الاتصال الحديثة، تضمنها معطيات بشأن عقود التأمين. بعض هذه المعطيات تتعلق بشروط التعاقد التي تقترحها، فيستند الجمهور على هذه المعطيات للاكتتاب في عقود التأمين، فيطرح التساؤل حينئذ: ما القيمة القانونية لتلك الإعلانات على مستوى إثبات شروط التعاقد؟، في الحالات التي لا تنص الوثائق التعاقدية ذاتها على نفس الامتيازات والشروط.

       هذا، ويجب أخذ مصطلح "إعلانات إشهارية" هنا بمفهومها الواسع الذي يشمل كل وسيلة استمالة تلجأ إليها شركة التأمين، بما فيها تسليم وثائق تجارية للزبون مثل مستند طلبيات ـ Bon de commande ـ لصائق -Etiquette- أو فاتوراتـFacture ـ، وتعليق الأثمنة، وتوجيه دوريات  -Circulaire-إلى الزبائن، كذلك المعطيات المضمنة في الكاتالوغاتـCataloguesـ أو المثبتة على وسائل التلفيفـEmballage ـ وكذلك الإعلانات الموجهة إلى الجمهور بواسطة الفاكس أو البريد الإلكتروني أو الأنترنيت.

        هذه الإعلانات الإشهارية استقر الاجتهاد القضائي الفرنسي المعاصر على الاعتداد بها في تحديد شروط التعاقد، وذلك في إطار دعم الحماية التي يسعى لتوفيرها للمستهلك، بحيث كلما ثبت أن المكتتب تعاقد على أساس ما عرض عليه من شروط في الإعلانات الإشهارية فإن هذه الأخيرة ترجح على ما دونها من شروط، سواء وردت في أنظمة داخلية لشركة التأمين أو في العقد ذاته.


الفرع الثاني

 اقـتـراح الـتأميـن

Proposition d’assurance

    

          جرت الممارسة على أن المؤمن هو الذي يسعى إلى البحث على المؤمن لهم بواسطة وسطاء وسعاة لحثهم على التأمين. فإذا كانت لمكتتب التأمين رغبة في التعاقد، فإن الوسيط يسلمه استمارة لتعبئتها وتوقيعها وإعادتها إليه، تنصب على مجموعة معلومات، يحددها المؤمن، يكون في حاجة إليها للتعرف على الخطر المطلوب التأمين عليه، ويقوم الوسيط بإرسال تلك الاستمارة إلى شركة التأمين لدراستها.

         وقد عرف المشرع المغربي اقتراح التأمين بأنه :" محرر يسلمه المؤمن أو من يمثله إلى مؤمن له محتمل والذي يجب على هذا الأخير أن يدرج فيه المعلومات اللازمة لتمكين المؤمن من تقييم الخطر المراد تغطيته ومن تحديد شروط تلك التغطية"(م 1/فقرة 8 من المدونة).

    فاقتراح التأمين إذن هو محرر، يأتي في شكل استمارة تصريح بالخطر، معدة مسبقا من قبل المؤمن، يسلمها هذا الأخير أو من يمثله إلى المكتتب المحتمل للإجابة على مجموعة أسئلة تتعلق على الخصوص بالخطر المراد التأمين عليه، من حيث أوصافه والظروف المحيطة به، وبمبلغ التأمين الذي على المؤمن أن يدفعه في حالة تحقق الخطر، وبمعلومات عن المؤمن له.

        وتأتي استمارة التصريح بالخطر في قسمين: قسم أول يأتي في شكل أسئلة موجهة للمكتتب، عليه أن يجيب عليها كتابة، وقسم ثاني موالي، يطلب منه فيه الإقرار بصحة المعلومات الواردة في القسم الأول.

    والغرض من اقتراح التأمين، تمكين المؤمن من التعرف بدقة على الخطر المراد التأمين عليه حتى يكون بإمكانه تقييمه، وتقرير ما إذا كان يقبل التأمين عليه أم لا، وفي حالة قبوله ذلك التأمين تحديد شروط التغطية بما فيها القسط أو الأقساط الواجب دفعها.

         ويجب أن تكون الأسئلة الواردة في استمارة التصريح بالخطر، التي تشكل اقتراح التأمين، بالوضوح والدقة الكافيين، اللذين يمكنان المكتتب من الإجابة عليها كذلك بالوضوح والدقة اللازمين. من هنا فقد قرر القضاء الفرنسي أنه لا يمكن للمؤمن أن يحتج بعدم دقة تصريح المكتتب أو عدم صحته متى تبث أن غموض وعدم دقة الأسئلة الواردة في استمارة التصريح الموضوعة من قبل المؤمن كان لها دخل في ذلك. 

    فإذا وافق المؤمن على اقتراح التأمين فإنه يشعر المؤمن له بذلك، ويسلمه بيانا للمعلومات أو مشروعا للعقد يبين له فيه الشروط التي يقبل بالاستناد إليها التأمين على ذلك الخطر. وعلى هذا الأخير حينئذ أن يتقدم بإيجاب بات لإبرام العقد. وهذا يعني أن اقتراح التأمين لا يعتبر في حد ذاته إيجابا، كما أن موافقة المؤمن عليه لا يعتبر قبولا، فهو بمثابة طلب معلومات عن التأمين، لا يعكس في هذه المرحلة مضمن إرادة أي من الطرفين. وهذا ما تؤكده المادة العاشرة (الفقرة الثانية) من مدونة التأمينات التي جاء فيها:" لا يلزم اقتراح التأمين لا المؤمن له ولا المؤمن، ولا تثبت التزاماتهما المتبادلة إلا بواسطة عقد التأمين".  

    لكن متى تم إبرام العقد فإنه تصبح لاقتراح التأمين أهمية كبيرة لأنه يعتبر الوثيقة الأساسية التي يرجع إليها لتحديد جميع البيانات المقدمة عن الخطر المؤمن عليه، ويعتبر بالتالي حجة على المؤمن له.

         غير أنه، في غير التأمينات على الحياة، إذا تعلق الاقتراح بتمديد مدة عقد تأمين قائم أو تعديله أو استئناف العمل من جديد بعقد تم توقيفه، وكان قد تم إرساله بواسطة رسالة مضمونة، فإنه يعد مقبولا  من طرف المؤمن إذا لم يرفضه خلال عشرة أيام من توصله به (الفقرة الثالثة والرابعة من المادة 10). 

    

الفرع الثالث  

إخبار المكتتب بشروط التعاقد

        حماية للمؤمن له، الذي يوجد في موقع ضعف بسبب الطابع الإذعاني لعقد التأمين، أوجبت مدونة التأمينات الجديدة على المؤمن قبل إبرام عقد التأمين، أن يسلم لمكتتب التأمين نسخة من مشروع العقد أو بيانا إخباريا يبين شروط التغطية (الفقرة الأولى من المادة 10). 

        وهذا التزام جديد اقتبسه المشرع المغربي من القانون الفرنسي الغرض منه توفير وسيلة إخبار للمكتتب بشأن شروط التعاقد دعما لموقف المؤمن له في عقد التأمين.

        ولقد عمد المشرع المغربي إلى والتوسيع من وسائل إخبار المكتتب بالشروط التي يقترحها المؤمن للتعاقد في تعديل 2016، إذ بعد أن كانت المادة 10 (فقرة أولى) من المدونة تحصر ذلك في بيان للمعلومات يبين على الخصوص الضمانات، والاستثناءات المتعلقة بها، وسعر هذه الضمانات، والتزامات المؤمن له، أضاف تعديل 2016 "نسخة من مشروع العقد يتضمن السعر". 

       فأصبحت المادة العاشرة توجب على مقاولة التأمين أن تسلم للمكتتب إما نسخة من مشروع العقد يتضمن السعر، أو بيانا للمعلومات يبين على الخصوص الضمانات، والاستثناءات المتعلقة بها، وسعر هذه الضمانات، والتزامات المؤمن له على شركة التأمين.

      فيكون المشرع قد ترك للمؤمن أن يختار بين هاتين الوسيلتين الإخباريتين، غير أن طبيعة العلاقة مع المكتتب قد تفرض على المؤمن وسيلة بعينها دون الأخرى.

      بالنسبة لنسخة من مشروع العقد، فالمقصود به العقد بكافة مكوناته كما يقترحه المؤمن على المكتتب مع ملحقاته، بما في ذلك، كما أكد المشرع على ذلك، السعر، أي قيمة القسط أو الاشتراك. وهذا يفترض أن تكون المفاوضات  بين الطرفين قد وصلت إلى مرحلة متقدمة، تحددت لهما معها ملامح الاتفاق على التأمين، إنما الصيغة المكتوبة لمكونات الاتفاق لا زالت غامضة بالنسبة للمكتب، الذي يكون في حاجة إلى وثيقة مكتوبة تحدد له مكونات العقد،  حتى يكون بإمكانه تفحصها ودراستها ـ عند الضرورة بمساعدة مستشار ـ للتأكد من أنها تعكس ما تم الاتفاق عليه وذلك قبل وضع توقيعه عليها. وهذا يصدق على الخصوص على تأمين المقاولات ـ L’assurances des entreprises ـ بحكم توفر هذه الأخيرة على الهيكلة الضرورية التي تمكنها من إجراء مراقبة حقيقية على العقد، على خلاف بيان المعلومات الذي يلائم أكثر التأمينات الخاصة الأخرى.

        أما بيان المعلومات، فهو كذلك وثيقة مكتوبة، يجب أن تبين على الخصوص الضمانات، والاستثناءات المتعلقة بها، وسعر هذه الضمانات، والتزامات المؤمن له، فهو يختلف، كما هو واضح عن مشروع العقد، من حيث أنه ينصب فقط على بعد جوانب العقد، إنما هي الجوانب الأساسية التي تهم في الغالب المكتتب، وهي الضمانات أي حدود التغطية، من حيث الخطر المؤمن منه، والاستثناءات التي لا تشملها التغطية، والسعر، والالتزامات التي سيرتبها العقد على عاتق المكتتب.      

       والغرض من هذا البيان هو تمكين المؤمن له من التعرف على الشروط التي سيتعاقد على أساسها حتى يمكنه أن يعبر عن إرادته عن بينه واختيار.

       وسواء مشروع العقد أو بيان المعلومات، فهما يعتبران، من حيت قيمتهما القانونية على مستوى انعقاد العقد، مجرد أدوات إخبارية وتقديم معلومات في هذه المرحلة التمهيدية، لا قيمة إلزامية لهما تجاه أي من الطرفين، فهما لا يعتبران لا إيجابا ولا قبولا، ولا يعبران عن إرادة الطرفين في التعاقد، لأنه كما سنرى لاحقا، بعد ذلك، على المكتتب أن يتقدم بإيجاب بات للتعاقد على أساس مشروع العقد أو بيان المعلومات، وهذا ما يعتبر إيجابا، والمؤمن غير ملزم بالقبول، من منطلق أنه هو الذي أصدر مشروع العقد أو البيان الإخباري، وإنما يبقى حرا في القبول أو الرفض. غير أنه متى تم إبرام العقد فإنهما يعدان قرينة على الشروط التي تم التعاقد على أساسها متى كانت بوليصة التأمين ذاتها لا تكفي لتحديد تلك الشروط. وهي قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها بأي دليل كتابي آخر.

      ويلاحظ أن مدونة التأمينات لم تنص على أي جزاء خاص يترتب على إخلال المؤمن بتسليم مشروع العقد أو بيان المعلومات هذا، لذلك فإنه يجب الرجوع في نظرنا بشأن ذلك للقواعد العامة. فما دام أن الغرض من هذا البيان هو تمكين المكتتب من التعبير عن رضاه عن بينة بشأن إبرام عقد التأمين، فإنه يبقى له أن يثبت أن عدم تسليمه تلك البيانات أوقعه في غلط أو تدليس ويطلب إبطال العقد بالاستناد إلى ذلك. كما يمكنه أن يثبت أن ضررا لحقه نتيجة ذلك ويستند لقواعد المسؤولية التقصيرية ـ ما دام أن الإخلال يتعلق بمرحلة لم يكن العقد قد انعقد فيها بعد ـ للمطالبة بالتعويض. 

المطلب الثاني

مرحلة التعاقد

     متى حصل الاتفاق بين المؤمن والمكتتب على إبرام عقد التأمين، فإنه في الغالب يسلم المؤمن مذكرة تغطية مؤقتة إلى المكتتب في انتظار إعداد بوليصة التأمين وشهادة التأمين، وإذا نشأت الحاجة إلى إعادة النظر في العقد فإن ذلك يتم بواسطة ملحق للبوليصة.

الفرع الأول

مذكرة التغطية المؤقتة

Note de couverture

    متى تلقى مكتتب التأمين رد المؤمن بالموافقة على التأمين، يكون عليه أن يتقدم بإيجاب يطلب فيه إبرام العقد، فإذا وافقه المؤمن على ذلك، تم حينئذ إبرام عقد التأمين.

        فلا يعتبر عقد التأمين منعقدا، إذن، بين المؤمن والمكتتب، إلا متى تم الاتفاق بينهما على شروط التعاقد، وعبر كلاهما على موافقته على الالتزام بتلك الشروط. إذ بحسب المادة العاشرة (الفقرة الثانية) من المدونة:"لا يلزم اقتراح التأمين لا المؤمن له ولا المؤمن. ولا تثبت التزاماتهما المتبادلة إلا بواسطة عقد التأمين." 

       غير أنه نظرا إلى أن تحرير بوليصة التأمين، وتسليم المؤمن شهادة التأمين إلى المؤمن له قد يستغرق بعض الوقت، فقد أجاز المشرع للطرفين إثبات التزاماتهما المتبادلة بواسطة مذكرة تغطية مؤقتة (م 11/الفقرة 2، المدونة).

          فمذكرة التغطية المؤقتة، هي وثيقة مكتوبة يصدرها المؤمن ويسلمها للمكتتب لإثبات قيام عقد التأمين، في الحالات التي يتعذر فيها إصدار بوليصة التأمين على الفور.  

          وقد ضاق مجال هذه المذكرة كثيرا في الوقت الحالي، إذ أن تطور المعلوميات ووسائل الطباعة مع انتشار العقود النمطية في التأمين أصبح يسمح بإصدار بوليصة التأمين في وقت قصير حاليا، ولكن مع ذلك فقد تنشأ الحاجة إليها في بعض الحالات، كما في حالة عرض عمليات التأمين من قبل وسطاء التأمين، عندما لا يملك الوسيط سلطة التوقيع على البوليصة، أو كما هو الشأن في التأمينات عن المخاطر الكبرى (مخاطر النقل الجوي والبحري) أو تأمينات المقاولة، عندما يوافق المؤمن مبدئيا على التأمين ولكن تستغرق المفاوضات بشأن شروط التغطية وقتا طويلا، ولكن يكون المكتتب في حاجة لوثيقة تثبت تأمينه للخطر.

          وبالنسبة للقيمة القانونية لمذكرة التغطية المؤقتة على مستوى إثبات قيام العقد، فيجب التمييز بين حالتين تظهران من خلال صيغة المذكرة ذاتها. 

         فإذا كانت المذكرة تفيد حصول اتفاق نهائي بين الطرفين على التأمين، فإنها تعتبر حجة على إبرام عقد التأمين، ومن ثم فهي تثبت تغطية المؤمن للخطر المؤمن منه إلى حين تسليمه بوليصة أو شهادة التأمين إلى المؤمن له، وتقوم مقام العقد النهائي في مطالبة كل من المتعاقدين للأخير بتنفيذ التزاماته. كما أن وقت سريانها الذي يتحدد بالتاريخ المعين فيها أو بتاريخ تسلمها من قبل المؤمن له في حالة عدم تعيين تاريخ السريان بالاتفاق، يعتبر هو تاريخ سريان العقد النهائي.

          أما إذا ظهر من خلال صيغة المذكرة أنها تفيد موافقة المؤمن المبدئية على التأمين، في انتظار موافقته النهائية على تغطية الخطر، وأن المؤمن قبل، في انتظار ذلك، توفير تغطية لفترة زمنية مؤقتة تنتهي بانتهاء المدة المحددة في المذكرة، فإن هذه الأخيرة تعتبر حينئذ حجة على قيام تلك التغطية المؤقتة، بحيث إذا انقضت تلك المدة دون أن تصدر البوليصة، انتهت التغطية.

         هذا، ومتى صدرت البوليصة فإنها تنسخ مبدئيا المذكرة، غير أنه عند قيام التعارض بينهما، فإنه، ما لم يقم دليل على حصول اتفاق بين الطرفين على شروط جديدة، يجب ترجيح المذكرة المؤقتة لأنه على أساسها بني عقد التأمين.

    ولم يشترط المشرع المغربي شكلا معينا ترد عليه مذكرة التغطية المؤقتة، واكتفى بالنص على ضرورة ورودها في وثيقة مكتوبة، وهو ما يستفاد ضمنا من نصه في الفقرتين الأولى والثانية من المادة 11 من المدونة على وجوب تحرير عقد التأمين كتابة ووجوب إثبات كل إضافة أو تغيير فيه بواسطة ملحق مكتوب. وواضح أنه يكتفى فيها بذكر البيانات الأساسية المتعلقة بالخطر، ومبلغ التأمين وقسط التأمين، ومدة العقد، أما البيانات والشروط التفصيلية فتترك للعقد النهائي. هذا مع العلم أن مشروع العقد أو بيان المعلومات المسلم للمؤمن له يحدد شروط التغطية.

         وترد مذكرة التغطية المؤقتة موقعة من قبل المؤمن فقط. أما رضا المؤمن له فيدل عليه أما مقترح التأمين الموقع عليه من طرفه في حالة تقديمه كتابة، وأما تسلمه المذكرة المؤقتة ودفعه القسط في حالة طلبه التأمين شفويا.


الفرع الثاني

  بوليصة وشهادة التأميـن

Police et attestation d’assurance

أولا ـ تعاريف

      بوليصة التأمين هي التسمية التي اعتمدتها مدونة التأمينات الجديدة لنعث ما كان يسمى في إطار قرار 1934 بوثيقة التأمين، وكما هو واضح فهي مستمدة من التسمية الفرنسية الشائعة  « La police d’assurance »، ولعل المشرع سعى من وراء ذلك إلى تكريس هذا الاصطلاح، باعتباره هو الشائع في الممارسة، للدلالة على عقد التأمين.

     ولتحديد بوليصة التأمين يجب مقابلتها ببعض المفاهيم القانونية المرتبطة بها، وهي شهادة التأمين، وعقد التأمين.


       1 ـ بوليصة وشهادة التأمين

        فإذا كان كلاهما يأتي في شكل مستند مكتوب يعده المؤمن، في الغالب في شكل نموذج مطبوع، للدلالة على قيام عقد التأمين، ولتحديد التزامات أطرافه، فإنهما يختلفان سواء في شكلهما أو في مضمونهما.

        ذلك أن بوليصة التأمين هي وثيقة تجسد عقد التأمين وتبين شروطه العامة والخاصة (الفقرة11 من المادة الأولى من مدونة التأمين)، فتأتي، من ثم، لتتضمن، بشكل مفصل، شروط العقد. في حين أن شهادة التأمين هي الوثيقة التي يسلمها المؤمن للمكتتب لإثبات وجود التأمين (الفقرة 29 من المادة الأولى)، فترد، من ثم، بشكل مختصر بحيث لا تتضمن كافة شروط التعاقد وإنما الأساسي منها. 

        ويظهر الفرق بينهما حتى على مستوى الشكل من حيث أن البوليصة غالبا ما ترد في صفحات متعددة، ترد عليها الشروط بشكل مفصل ومسترسل في بنود مرقمة، في حين أن الشهادة ترد على صفحة واحدة، تتضمن في خانات، البعض فقط من البيانات الأساسية التي يتم استخراجها من البوليصة، مما يعني أن البوليصة هي الأصل، وأن الشهادة إنما تستخرج منها لتمكين المكتتب من وثيقة تثبت توفره على التأمين، يمكنه الإدلاء بها، بما في ذلك للسلطات العمومية للدلالة على أنه أجرى التأمين، في التأمينات الإجبارية.

        كل هذا يعني أن تسليم المؤمن لشهادة التأمين للمكتتب يكون مقرونا بتسليمه بوليصة التأمين.


         2 ـ بوليصة التأمين وعقد التأمين

         فعقد التأمين هو الاتفاق القائم بين المؤمن والمكتتب من أجل تغطية خطر ما والذي يحدد التزاماتهما المتبادلة (الفقرة 30 من المادة الأولى من المدونة)، وهو عقد رضائي ينعقد بمجرد توافق إرادة المؤمن والمكتتب على إجراء التأمين وفق شروط محددة. في حين أن البوليصة هي الوثيقة التي تجسد في الغالب عقد التأمين وتبين شروطه العامة والخاصة (الفقرة11 من المادة الأولى).

        فالفرق بين البوليصة وعقد التأمين واضح من حيث أن العقد هو الأساس لكونه يعني الاتفاق الرضائي بين المؤمن والمكتتب والذي يحدد التزاماتهما المتبادلة، والذي لا يشترط لانعقاده الكتابة، لكن لا بد من الإدلاء بدليل كتابي لإثباته. في حين أن البوليصة هي الوثيقة التي تجسد في الغالب ذلك العقد بشكل مكتوب فتتضمن من تم الشروط التي تم الاتفاق عليها، غير أنها لا تعتبر شرطا لقيام العقد باعتباره من العقود الرضائية، لذلك فعند غيابها يعتبر العقد مع ذلك قائما إذا وجد أي دليل كتابي آخر يثبت ذلك. وحتى مع وجود البوليصة، فهي لا تمثل بالضرورة العقد في كافة مكوناته، إذ يمكن إثبات خلاف ما تتضمنه بأي دليل كتابي آخر.


ثانيا ـ مشتملات بوليصة التأمين

       لقد اهتم المشرع المغربي بتنظيم بوليصة التأمين من أوجه عديدة، باعتبارها أداة تجسيد عقد التأمين، والوثيقة الأساس التي تنظم العلاقة بين المؤمن والمكتتب في الممارسة.

        ومن منطلق الطابع الإذعاني لعقد التأمين، فقد حرص المشرع على إخضاع بوليصة التأمين لمراقبة قبلية حتى قبل تسويقها، بقصد التحقق من استيفائها للشروط القانونية شكلا ومضمونا، كما تطلب فيها شروطا شكلية وجوهرية، قصد منها التصدي لبعض أوجه التعسف التي تطبعها في الممارسة.


          1 – إخضاع البوليصة للمراقبة القبلية   

     جرت الممارسة على أن تقوم شركات التأمين بوضع نماذج مطبوعة لعقود التأمين بصورة مسبقة لكل فرع من فروع التأمين التي تستغلها، لذلك فقد أوجب القانون عليها إرسال نموذج كل عقد تأمين، تعتزم إصداره لأول مرة، إلى هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، داخل أجل عشرة أيام من إصداره، لأجل المصادقة عليه من قبل الهيئة، التي يمكنها أن تتطلب إرساله، حتى قبل إصداره إذا ما ارتأت ضرورة لذلك، كما يمكنها فرض إرسال كل وثيقة أخرى ذات طابع تعاقدي أو إشهاري (م 247).

        ولقد خول القانون لهذه الهيئة مراقبة احترام تلك العقود للضوابط القانونية المتعلقة سواء بالشكل أو المضمون، وأن تلزم شركة التأمين بتغيير محتوى تلك العقود أو بسحبها (المادة 247 من المدونة) كما يخولها أن تحدد الشروط النموذجية العامة للعقود، وأن تحدد الشروط التي يمنع أو يجب إدراجها في عقود التأمين (المادة 248).


        2 – تركيبة بوليصة التأمين

       لقد اكتفى المشرع بتنظيم محتوى البوليصة بفرض تضمينها بيانات محددة، مع بعض المتطلبات الشكلية، ولم يهتم بمكوناتها التي غالبا ما تتعدد، فتأتي في شكل مجموعة وثائق وملحقات، حيث في الغالب نجد وثيقة تتضمن الشروط العامة والخاصة، ترفق بها ملحقات تتعلق بمقتضيات تكميلية.

     لذلك ففي غياب التعريف القانوني سنكتفي برسم الخطوط العامة لبوليصة التأمين.

     فبوليصة التأمين تأتي في شكل وثيقة (أو مجموعة وثائق) مكتوبة، تضم طائفتين من الشروط: شروط عامة وأخرى خاصة.


      الشروط العامة هي تلك المقتضيات العامة التي تشترك فيها كل عقود التأمين التي هي من نفس الفرع، وغالبا ما تكون مطبوعة في نماذج. وهي التي تحدد نوع الخطر المؤمن عليه والشروط العامة لتغطيته كما يعرضها المؤمن على عموم الجمهور، فتشكل أرضية مشتركة بين جميع المؤمن لهم بالنسبة لذلك الفرع من التأمين، تعمل ما لم توجد استثناءات في الشروط الخاصة. وانطلاقا منها يتم في الغالب إعداد بيان المعلومات المتعلق بشروط التغطية الذي سبق لنا رؤيته.

            

     أما الشروط الخاصة فهي تلك المقتضيات الخاصة بكل عقد تأمين على حدة، والتي تسمح بتفرده وربطه بخصوصيات كل تغطية. وقد كان يتم إقحامها قديما في البوليصة بالآلة الكاتبة أو بخط اليد، والآن غالبا ما يتم ذلك بطريقة إلكترونية من خلال الحاسوب. وتتعلق هذه الشروط على الخصوص بتحديد الخطر المؤمن منه، وحدود التغطية، ومدة العقد والمبلغ المؤمن عليه وأقساط التأمين، والمكتتب والمستفيد عند الاقتضاء.

       3 – البيانات الإلزامية للبوليصة

    لقد أوجب المشرع المغربي أن يكون عقد التأمين (البوليصة إذن) مكتوبا بحروف بارزة (م11/فلقرة 1)، وأن يؤرخ في اليوم الذي تم فيه الاكتتاب وأن يتضمن الشروط العامة والخاصة، ويتضمن على الخصوص:

    ـ اسم وموطن الأطراف المتعاقدة؛

         ـ الأشياء المؤمن عليها والأشخاص المؤمن لهم؛

         ـ طبيعة الأخطار المضمونة؛

         ـ التاريخ الذي يبتدئ فيه ضمان الخطر ومدة صلاحية هذا الضمان؛ 

         ـ مبلغ الضمان الذي يلتزم به المؤمن؛

         ـ قسط أو اشتراك التأمين؛

         ـ شرط الامتداد الضمني إذا تم التنصيص عليه؛

         ـ حالات وشروط تمديد العقد أو فسخه أو انتهاء آثاره؛ 

         ـ التزامات المؤمن له عند لاكتتاب فيما يخص التصريح بالخطر وبالتأمينات الأخرى التي تغطي نفس الخطر؛

        ـ شروط وكيفية التصريح الواجب القيام به في حالة وقوع حادث؛ 

        ـ الآجال التي يتم داخلها أداء التعويض أو رأس المال أو الإيراد؛

        ـ المسطرة والقواعد المتعلقة بتقييم الأضرار من أجل تحديد مبلغ التعويض بالنسبة للتأمينات غير تأمينات المسؤولية (المادة 12).

         زيادة على ذلك، فإن المدونة نصت على أن شروط العقد التي تنص على حالات بطلان عقد التأمين، أو على حالات سقوط الحق، أو تنص على الاستثناءات أو حالات انعدام التأمين، لا تكون صحيحة إلا إذا أشير إليها بحروف جد بارزة على البوليصة (م 14). مما يعني أنه بالنسبة إلى هذه الشروط، بالنظر إلى خطورتها لأنها تؤدي إلى تعطيل التغطية تماما، يجب أن تكون مكتوبة على بوليصة التأمين بحروف أكثر بروزا من حروف كتابة الشروط الأخرى، حتى تثير انتباه المكتتب، وإلا فإنها تعد باطلة. 

      وينتج عن ذلك أنه لا يجوز أن يدرج أي مقتضى يتعلق ببطلان العقد، أو بسقوط الحق، أو بانعدام التأمين، أو باستثناء من التغطية في الشروط الخصوصية لعقود التأمين، وإلا اعتبر باطلا..

          كذلك، أوجبت المدونة أن يتم التذكير في عقد التأمين بالأحكام القانونية المتعلقة بقاعدة النسبية (م 43)، إذا كانت هذه القاعدة قابلة للتطبيق بقوة القانون ولم تستبعد بنص صريح في العقد، وأن يتم التذكير كذلك بالأحكام المتعلقة بتقادم الدعاوى الناشئة عن عقود التأمين. كما أوجبت تضمين كافة عقود التأمين شرطا يقضي بانفساخ عقود التأمين المكتتبة لدى مقاولة التأمين بقوة القانون في حالة سحب الاعتماد منها، وذلك على الساعة الثانية عشرة زوالا من اليوم العشرين الموالي لتاريخ نشر قرار سحب الاعتماد بالجريدة الرسمية (م 13 بعد تعديل سنة 2006).

        وبالنسبة لمدة العقد (التي هي مدة سريان التغطية)، فيجب أن تحدد في البوليصة، وتكون مكتوبة بحروف بارزة جدا، وإلا اعتبر العقد مكتتبا لسنة واحدة (م 6).

        وإذا كانت المدة تفوق سنة واحدة، وجب التذكير بها بحروف جد بارزة أعلى توقيع المكتتب، وإلا أمكن لهذا الأخير أن يفسخ العقد رغم كل شرط مخالف، عند انقضاء كل سنة بواسطة إخطار يوجهه للمؤمن، مدته ثلاثون يوما. 

        وحماية للمؤمن له من كل ارتباط طويل بعقد التأمين، فقد خول له المشرع، بالنسبة لكل عقد تأمين تفوق مدته سنة، مع مراعاة ما هو مقرر بالنسبة لعقد التأمين على الحياة، الذي هو في الغالب عقد طويل الأمد بطبيعته، أن ينسحب من العقد عند انصرام مدة سنة، بواسطة إخطار يوجهه للمؤمن، تعادل مدته على الأقل الأجل الأدنى المنصوص عليه في العقد. وهذا الحق أوجب المشرع أن يتم التنصيص عليه في كل عقد تأمين، علما بأنه مقرر للمؤمن كذلك، بواسطة إخطار يوجهه للمؤمن له. ويجب أن تتراوح مدة الحد الأدنى للإخطار، والتي يجب التنصيص عليها في العقد، ما بين ثلاثين وتسعون يوما.

         وفي جميع حالات إنهاء العقد هذه، على المؤمن أن يرجع للمكتتب الجزء من القسط المتعلق بالمدة التي لم تعد فيها التغطية قائمة.

        كل هذا مع مراعاة ما نصت عليه المدونة بالنسبة للعقود الخاصة ببعض التأمينات التي نظمتها، بما فيها عقد التأمين على الحياة، والتي أوجبت تضمينها عدة بيانات إضافية تستجيب لطبيعة تلك العقود.

    وهذه ليست إلا البيانات الإلزامية التي نص عليها المشرع، لذلك  فليس هناك ما يمنع من إضافة بيانات أخرى يتفق عليها المتعاقدان، مثل كيفية التصريح بالمتغيرات المتعلقة بالخطر، أو طريقة الإخطار بوقوع الخطر، أو ميعاد تسوية مبلغ التأمين.

         وقد حرص المشرع المغربي على ضبط البيانات الواجب تضمينها في عقد التأمين كما أكد على ضرورة ورودها بحروف بارزة حماية للمؤمن له حتى يكون على بينة من الشروط التي يتعاقد على أساسها، وبالتالي على بينة من الالتزامات والحقوق التي يرتبها العقد عليه أو له. 

          غير أنه يلاحظ أن مدونة التأمينات الجديدة لم تنص على الجزاء المترتب على تخلف أحد هذه البيانات أو بعضها، لذلك ففي اعتقادنا، باعتبار عقد التأمين عقدا رضائيا والكتابة مشترطة فيه للإثبات فقط، فإنه لا يمكن القول بأنه يترتب على تخلف البيانات الإلزامية بطلان العقد، وإنما يختلف الجزاء بحسب نوع الشرط المتخلف. فإذا كان شرطا أساسيا يترتب على تخلفه اختلال العقد ككل، مثل نوع الخطر المؤمن منه أو مبلغ القسط أو مدة العقد...فإن العقد لا يعتبر مبرما لأنه لم يكتمل بعد الاتفاق على شروطه الأساسية، إذ بحسب المادة 10 (فقرة 2) فإن عقد التأمين لا يعتبر منعقدا بين المؤمن والمكتتب إلا متى تم الاتفاق بينهما على شروط التعاقد وعبر كلاهما على موافقته على الالتزام بتلك الشروط. أما إذا كان البيان المتخلف ثانويا مثل البيان المتعلق بالتزامات المؤمن له عند الاكتتاب فيما يخص التصريح بالخطر، أو شروط وكيفية التصريح الواجب القيام به في حالة وقوع حادث ... فباعتبار أن تخلفها لا يؤثر على قيام العقد، لأنها من الآثار البديهية لعقد التأمين تنشأ بقوة القانون وحتى من دون اشتراط،، فإنه لا يترتب على تخلفها أي أثر على مستوى قيام العقد، ولكن يمكن أن يترتب على ذلك إعطاء المؤمن له الحق في طلب إبطال العقد، وفق القواعد العامة، إذا ما أثبت أن عدم ذكر تلك البيانات أو عدم إيرادها بحروف أكثر بروزاـ بالنسبة للبيانات التي أوجب القانون فيها ذلك ـ أوقعه في غلط أو استغله المؤمن للتدليس عليه. كما يمكنه أن يثبت أن عدم ذكر تلك البيانات، وإن لم يعب إرادته، تسبب له في ضرر، يمكنه المطالبة بالتعويض عنه بناء على قواعد المسؤولية العقدية.


ثالثا ـ بوليصة التأمين وسيلة إثبات لعقد التأمين

         الأصل أن بوليصة التأمين ليست إلا وسيلة لإثبات العقد وليست شرطا لانعقاده، لذلك فلا مانع من إثبات عقد التأمين، باعتباره من العقود الرضائية، بأي دليل كتابي آخر كالمراسلات المتبادلة أو البرقية الصادرة من المؤمن إلى المؤمن له بقبول طلب التأمين. هذا في العلاقة بين المؤمن والمؤمن له، أما بالنسبة للغير، وخاصة المتضرر المستفيد في التأمين من المسؤولية، فباعتبار أنه ليس طرفا في العقد، ويصعب عليه بالتالي الإدلاء بدليل كتابي على قيامه في دعواه المباشرة ضد المؤمن، فإننا نرى أنه يجب العمل بما يقرره القضاء الفرنسي من جواز إثباته بكافة الوسائل بما فيها القرائن والشهود.

       وانطلاقا من كون بوليصة التأمين مجرد  وسيلة إثبات، فإنه حتى مع وجودها، يمكن للمؤمن إثبات عدم قيام التغطية لأي سبب من الأسباب. وهذا الإثبات يمكن أن يتم بأية وسيلة. فعقد التأمين كما رأينا سابقا عقد زمني يمكن أن يطرأ عليه ما يؤثر على استمرار التغطية الناشئة عنه. لذلك فمجرد وجود بوليصة أو شهادة التأمين لا يعني بالضرورة قيام التغطية التي قد تزول بسبب فسخ العقد أو انفساخه مثلا. 


رابعا ـ تفسير بوليصة التأمين

         قد يطرح عقد التأمين مشكلة على مستوى تفسيره في الحالات التي تكون الشروط المضمنة فيه غامضة أو متضاربة. ففي هذه الحالة يخضع عقد التأمين لقواعد تفسير العقد العامة، من حيت أن لقضاء الموضوع سلطة تقديرية مطلقة في ذلك، غير انه باعتبار عقد التأمين من العقود الرضائية فإن على القاضي أن يعطي الأولوية في تحديد مضمونه إلى ما قصدته الإرادة الحقيقية لأطرافه وليس إلى المعنى الظاهر لألفاظه. فيقوم القاضي بالبحث في أدوات التعاقد التي استند إليها العقد من اقتراح التأمين واستمارة التصريح بالخطر ومذكرة التغطية المؤقتة وبوليصة التأمين وملحق عقد التأمين ...على ما سعت إليه إرادة الأطراف.

        فإذا كانت الشروط الواردة في العقد واضحة ودقيقة،فإنها لا تحتمل إي تفسير حينئذ، ويجب إعمالها على حالها، ولا يمكن للقاضي أن يتجاهلها أو يعدل فيها ولو من منطلق تحقيق العدالة. 

       أما إذا كانت تلك الشروط غامضة أو متضاربة، فيختلف الحل حسب الحالات:

      ـ فإذا كان أحدها واضحا والآخر غامضا، رجح الشرط الواضح. 

      ـ إذا كان هناك تعارض بين الشروط العامة وبين مضمنات الوثائق الأخرى الملحقة بها: الشروط الخاصة، الملحقات، مذكرة التغطية... فإن هذه الأخيرة هي التي ترجح.

     ـ ترجح كذلك الشروط المكتوبة بخط اليد أو بالآلة الكاتبة، في حالة تعارضها مع الشروط المطبوعة. لأنها تعتبر شروطا خاصة تستجيب لطلب خاص للمكتتب. 

        ـ عند تعارض نسخة العقد المسلمة إلى المكتتب مع تلك التي احتفظ بها المؤمن فإن الأولى هي التي ترجح. ذلك أن المؤمن هو الذي يعد العقد، فإذا لم يستطع أن يثبت وجود سبب للتعارض بين الوثيقتين يبرر وجهة نظره، اعتد بالنسخة المدلى بها من قبل المكتتب.

        ـ إذا لم تسعف شروط التعاقد في تبيان اتفاق الأطراف فإن التعارض أو الغموض يفسر لمصلحة المؤمن له لأن العقد هنا عقد إذعان، والقاعدة في هذه العقود أن تفسير شروط العقد يكون لمصلحة الطرف الضعيف الذي هو هنا المؤمن له، ناهيك عن العقد هنا هو من وضع المؤمن فيتحمل من تم باعتباره مهني متخصص تبعات تقصيره .       

الفرع الثالث 

  ملحـق بوليصة التأميـن

L’avenant

    قد يتفق المؤمن والمؤمن له على إدخال تعديلات أو إضافات على عقد التأمين الأصلي، مثل تغطية مخاطر جديدة، أو تغيير شخص المستفيد، أو تعديل بعض الشروط، في هذه الحالة أو جب القانون أن يتم ذلك كتابة في مستند موقع من الأطراف يسمى "الملحق" ( المادة 11 ـ الفقرة الثانية ـ من المدونة).

    ويعتبر ملحق بوليصة التأمين جزءا لا يتجزأ من العقد الأصلي فتسري عليه نفس الأحكام سواء من حيث الشكل أو من حيث  المضمون، كما أنه يخضع في كتابته  لنفس الشروط التي يخضع لها العقد  الأصلي . 

       وكما هو الشأن بالنسبة للبوليصة فإن الملحق يعتبر فقط وسيلة لإثبات التعديلات التي ارتضى الأطراف إدخالها على عقد التأمين. من هنا ففي حالة تخلفه يمكن إثبات تلك التعديلات بأية وسيلة كتابية أخرى . 

    والأصل أن التعديلات الواردة  في الملحق لا تبدأ  في السريان  إلا  من تاريخ  إجرائها، غير أنه قد يتفق المتعاقدان على تطبيقها بأثر رجعي، وهو ما يحصل عادة عندما ينصب الملحق على توضيح شروط  وردت غامضة في العقد أو تدارك شرط سقط سهوا منه، أو تغيير المستفيد في عقد التأمين على الحياة مثلا.

    وفي حالة وجود تعارض بين الشروط الواردة في البوليصة وتلك الواردة في الملحق، فإن هذه الأخيرة هي التي ترجح لأنها تعتبر ناسخة لها.

الفصل الثالث

آثـار عـقـد الـتـأمـيــن

    عقد التأمين عقد ملزم للجانبين معا، المؤمن والمؤمن له، لذلك فإننا سندرس على التوالي التزامات المؤمن له ثم التزامات المؤمن.

المبحث الأول  

 التزامـات المؤمـن لـه

    يترتب على المؤمن  له مجموعة من الالتزامات بمقتضى عقد التأمين حددتها المادة 20 في:

         1 ـ  دفع قسط التأمين أو الاشتراك في المواعيد المتفق عليها؛

         2 ـ أن يصرح بالضبط عند إبرام العقد بكل الظروف المعروفة لديه والتي من شأنها أن تمكن المؤمن من تقدير الأخطار التي يتحملها؛

        3 ـ بأن يوجه إلى المؤمن في الآجال المحددة في العقد، التصريحات التي قد تكون ضرورية للمؤمن من أجل تحديد مبلغ قسط التأمين، إذا كان هذا القسط متغيرا؛

        4 ـ بأن يصرح للمؤمن، طبقا للمادة 24 ، بالظروف المنصوص عليها في بوليصة التأمين والتي ينتج عنها تفاقم الخطر؛

       5 ـ بأن يشعر المؤمن بكل حادث من شأنه أن يؤدي إلى إثارة ضمان المؤمن،  وذلك بمجرد علمه به وعلى أبعد تقدير خلال الخمسة أيام الموالية لوقوعه.

        فلندرس هذه الالتزامات بشيء من التفصيل: 


المطلب الأول

  دفع قسط التأمين 

    يلزم المؤمن له بدفع قسط التأمين (أو الاشتراك في التأمين التعاضدي) الذي هو المقابل المالي لتغطية الخطر. ويتم احتساب القسط بالاستناد إلى مبدأ  تناسب القسط مع الخطر، لذلك فكل تغيير يطرأ على الخطر بالزيادة أو النقصان  يتبعه  تغيير مبلغ القسط  في نفس الاتجاه.

    ويقع على المؤمن له دفع القسط بمجرد انعقاد العقد، فإذا امتنع، أجبر على ذلك قضائيا. ونرى أن ندرس أحكام الالتزام بدفع القسط قبل التطرق لجزاء الإخلال بدفعه.


أولا ـ أحكـام الالتزام بدفـع القسـط

    1 ـ ميعاد دفع قسط التأمين

    يدفع القسط في الميعاد المتفق عليه في عقد التأمين، وعلى أكثر تقدير خلال العشرة أيام الموالية لتاريخ استحقاقه (المادة 21ـ الفقرة 2). وقد يتفق المتعاقدان على أن  العقد لا  يبدأ  في السريان إلا من وقت دفع القسط الأول،  كما أن المؤمن قد يلجأ  إلى تقسيم القسط  السنوي  ليستحق على دفعات تسهيلا على المتعاملين.

    وغالبا ما يتم الوفاء بالقسط مقدما في بداية كل فترة جديدة للتأمين، ويدفع القسط الأول عند إبرام العقد.

    وإذا دفع المؤمن له القسط السنوي في بداية السنة ثم انتهى عقد التأمين لأي سبب من الأسباب قبل انقضاء السنة كان من حقه مطالبة المؤمن بإعادة الجزء من القسط الذي يقابل الفترة التي لم يعد فيها التأمين  قائما، ذلك أن المشرع المغربي قد أخذ بمبدأ قابلية القسط  للتجزئة خلافا  لبعض التشريعات الأخرى.


    2 ـ مكان دفع قسط التأمين

    يؤدى قسط التأمين بموطن المؤمن أو الوكيل الذي عينه لهذا الغرض ما لم ينص العقد على خلاف ذلك (المادة 21 ـ الفقرة 1).  لذلك فإن المؤمن له هو الذي عليه أن يسعى لأداء القسط في ذلك الموطن عند حلول الأجل المتفق عليه. ويمكن للطرفين الاتفاق على الوفاء بالقسط في أي محل يختارانه، مثل موطن المؤمن له أو موطن نائبه.

         وليس المقصود بموطن المؤمن مقره الاجتماعي فقط بل فروعه ومكاتبه. 

        كذلك ليس المقصود بوكيل المؤمن وكلاء التأمين فقط بل السماسرة كذلك عندما ترخص لهم شركة التأمين تحصيل الأقساط لفائدتها، حيت أن ذلك يبرئ ذمة الزبائن الذين يمثلونهم (المادة 297).


    3 ـ كيفيـة الوفـاء بالقسـط

    الأصل أن يحصل الوفاء نقدا، غير أنه يمكن أن يكون بأية وسيلة أخرى يقبلها المؤمن، مثل الشيك أو الكمبيالة أو حوالة بريدية. غير أن ذمة المؤمن له لا تبرأ في مثل هذه الحالات إلا بقبض مبلغها من قبل المؤمن.

    كما أن الوفاء قد يتم بواسطة المقاصة إذا توفرت شروطها. إذ يمكن للمؤمن أن يخصم قيمة القسط من مبلغ التأمين. ويمكنه كذلك حجز مبلغ التأمين تحت يده إلى حين استيفاء القسط المستحق من المؤمن  له.

    أما إثبات الوفاء بالقسط، فيتم وفق القواعد العامة للإثبات، وغالبا ما يتم بواسطة الإيصال الذي يسلمه المؤمن إلى المؤمن له، إلا أنه يمكن أن يتم بالنسبة للقسط الذي لا يتجاوز مبلغه 10.000 درهما عن طريق البينة والقرائن.

         وتعتبر حيازة المؤمن له شهادة التأمين قرينة على الوفاء بالقسط.


ثانيا ـ جـزاء عدم الوفاء بالقسـط

        بالنظر لاختلاف طبيعة التأمين على الحياة عن باقي أنواع التأمين الأخرى، فقد ميز المشرع بينهما في الجزاء.


          1 ـ جزاء عدم الوفاء بالقسط في التأمينات غير التأمين على الحياة

    في كافة التأمينات غير التأمين على الحياة، إذا امتنع المؤمن له عن دفع قسط التأمين أو تأخر في دفعه عن الموعد الذي حدده القانون، الذي هو عشرة أيام من حلول أجل استحقاقه، وجب إتباع مسطرة خاصة بعقد التأمين نصت عليها المدونة بقصد وضع جزاء أكثر مرونة من الجزاء الذي تقضي به القواعد العامة، والمتمثل في المطالبة قضائيا بالتنفيذ الجبري، أو بالفسخ مع التعويض، لما ينطوي عليه هذا الجزاء من حماية غير كافية للمؤمن الذي يكون عليه أن يسلك طريق الدعوى القضائية مع بقائه ملزما بتغطية الخطر إلى حين الفصل في الدعوى، مما يهدده في كل وقت بوقوع الخطر، في حين أنه لم يحصل على ثمن التغطية.

        هذا الجزاء نصت عليه المادة 21 من المدونة التي أوجبت البدء بتوجيه إنذار بالوفاء إلى المؤمن له، فإذا مضت مدة عشرين يوما دون أداء، يحق للمؤمن أن يوقف الضمان، فإذا انقضت مدة عشرة أيام أخرى من تاريخ توقيف الضمان، أصبح من حق المؤمن إما فسخ العقد أو المطالبة القضائية بتنفيذه.

     فمراحل جزاء عدم أداء القسط هي:1 ـ الإنذارـ 2 ـ  توقيف الضمان ـ 3 ـ فسخ العقد أو المطالبة القضائية بالتنفيذ.

    1 ـ 1 ـ مرحلـة الإنـذار     

         وتبدأ بعد مرور عشرة أيام من تاريخ حلول أجل استحقاق القسط أو الاشتراك، حيث على المؤمن أن يوجه إنذارا بالأداء، بواسطة رسالة مضمونة، إلى المؤمن له أو إلى الشخص المكلف بالأداء، في آخر موطن له معروف لدى المؤمن. وإذا كان موطنه خارج المغرب، ترفق الرسالة بطلب إشعار بالتوصل (م 22). وينتج الإنذار كافة آثاره القانونية حتى ولو غير المؤمن له أو الشخص المكلف بأداء القسط محل إقامته دون أن يشعر المؤمن بذلك.

    ويجب أن يتضمن الإنذار البيانات التالية:

أ ـ  التنصيص فيه صراحة على أنه موجه كإنذار؛

ب ـ التذكير بمبلغ  قسط التأمين (أو الاشتراك) وتاريخ استحقاقه؛

ج ـ تضمينه نص المادة 21 من المدونة التي تحدد الجزاء المترتب على عدم الوفاء حتى يكون المؤمن له على علم بالنتائج المترتبة على الإنذار.

    وعلى المؤمن له أو الشخص المكلف أن يبادر إلى الوفاء بالقسط المستحق خلال عشرين يوما من تاريخ إرسال الإنذار الذي يستخلص من تأشيرة مصلحة البريد، وذلك في موطن المؤمن بالرغم من كل اتفاق مخالف، غير أنه إذا كان لإنذار موجها خارج المغرب فإن أجل العشرين يوما يضاعف – يصبح 40 يوما - (م 21 الفقرة 2 و5).

          1 ـ2 ـ مرحلـة توقيـف الضمـان

    إذا لم يتم الوفاء بالقسط خلال عشرين يوما من تاريخ الإنذار، من دون احتساب يوم توجيهه، فإن للمؤمن أن يوقف الضمان، فلا يعود ملزما بالتغطية بالرغم من بقاء المؤمن له ملزما بدفع القسط. فتنحصر من تم آثار هذا التوقيف في تحلل المؤمن من تغطية الخطر مع بقاء العقد قائما بين طرفيه.

         ولم يحدد المشرع المدة التي يستغرقها توقيف الضمان مما يعني أنها مدة مفتوحة، وأجل العشرة أيام الذي نصت عليه المادة 21 يتعلق بالأجل الذي يصبح بعده من حق المؤمن فسخ العقد بعد توقيف الضمان. وهذا يعني أن آثار توقيف الضمان تظل سارية إلى أن يدفع المؤمن له القسط موضوع الإنذار، أو يمارس المؤمن حق فسخ العقد، أو تنتهي مدة العقد .

        وإذا كان القسط السنوي مجزأ وقرر المؤمن توقيف الضمان ـ بعد توجيه الإنذار بطبيعة الحال ـ بسبب عدم وفاء المؤمن له بأحد أجزاء القسط، فإن آثار ذلك التوقيف تظل سارية إلى غاية انصرام الفترة المتبقية من سنة التأمين (المادة 21 ـ فقرة 2) فلا يكون المؤمن، من تم، ملزما بتكرار مسطرة الإنذار بالنسبة لكل جزء من القسط.

       وبالرغم من أن مدونة التأمينات لم تلزم المؤمن صراحة بإخطار المؤمن له بتوقيف الضمان، فإننا نعتقد أن عليه أن يخطره بذلك بأية وسيلة كانت حتى يكون المؤمن له على بينة من الأمر، ذلك أن توقيف الضمان هو خيار تركه المشرع للمؤمن، وممارسة هذا الخيار يستوجب في تقديرنا إخطار المؤمن له إذ لا يكفي أن يتخذ المؤمن القرار مع نفسه.

    فإذا دفع المؤمن له القسط المستحق مع مصاريف المتابعة والتحصيل قبل فسخ العقد من قبل المؤمن عاد الضمان إلى السريان ابتداء من ظهر (الثانية عشرة زوالا) اليوم الموالي  للأداء (المادة 21 ـ فقرة 4).


         1 ـ3 ـ مرحلـة الفسـخ أو المطالبـة القضائيـة

    بانقضاء مدة عشرة أيام من تاريخ توقيف الضمان (أي ثلاثين يوما من تاريخ الإنذار) يصبح من حق المؤمن أن يختار بين طريقين: إما المطالبة بفسخ العقد، وإما المطالبة القضائية بالتنفيذ.

    فإذا اختار الفسخ، فإن عليه أن يوجه إلى المؤمن له رسالة مضمونة يخطره فيها بفسخ العقد. وينتج الفسخ آثاره في هذه الحالة في نهاية اليوم الثلاثين الموالي لتاريخ توجيه الإنذار. أي عند نهاية مهلة العشرة أيام من توقيف الضمان والتي يصبح بعدها من حق المؤمن مباشرة حق الفسخ.

        غير أنه إذا كان الإنذار موجها خارج المغرب، فإن الفسخ لا ينتج آثاره إلا في نهاية اليوم الخمسين الموالي لتاريخ توجيهه (المادة 23 ـ فقرة 2).

        أما إذا اختار المؤمن المطالبة القضائية بتنفيذ العقد، فإنه يكون عليه عندئذ أن يلجأ إلى المحكمة لمطالبة المؤمن له بدفع القسط المستحق مع المصاريف، ويمكنه أن يطالبه بالتعويض كذلك إذا كان هناك ما يوجبه.

        وإذا لم يسلك المؤمن أي من الخيارين، ظل الضمان موقوفا إلى أن يدفع المؤمن له القسط أو تنقضي مدة العقد.


         2 ـ جزاء عدم الوفاء بالقسط في التأمين على الحياة 

         انطلاقا من الطبيعة الخاصة للتأمين على الحياة، باعتباره، وعلى خلاف التأمينات الأخرى، يقوم على مفهوم الرسملة، أي تجميع الأقساط التي يدفعها المؤمن له بصفة دورية على امتداد سنين عديدة، وإضافة الأرباح المحققة من استثمارها إلى الرأسمال الناتج عن ذلك، حتى إذا ما تحققت الواقعة المؤمن منها دفع للمستفيد مبلغ التأمين في شكل رأسمال أو إيراد دوري، يكون قد روعي في تحديده مند البداية قيمة الأقساط والأرباح المتوقعة من استغلالها، فإنه لم يكن بالإمكان إخضاع عدم أداء الأقساط فيه إلى الجزاء العام الذي قرره المشرع بالنسبة لباقي التأمينات، لأن ذلك يعني تمكين المؤمن من فسخ العقد والاحتفاظ من تم بالرأسمال الذي جمعه لحساب المؤمن له، وهو ما لا يقبله العقل. من هنا فقد لاءم المشرع ذلك الجزاء مع طبيعة هذا النوع من التأمينات.

        فمن ناحية، قرر أنه لا يمكن للمؤمن إجبار المكتتب على أداء القسط (م 85). ومرد هذه القاعدة أن المكتتب، إذ يعقد التأمين على الحياة، فذلك كتدبير توقعي إرادي حر، يستهدف به الادخار احتياطا للمستقبل من الفقر والعوز. من هنا فعقده والاستمرار فيه يتوقف على قدرات المكتتب المالية، فيجب من تم أن يظل هذا الأخير حرا في ذلك.

        فينحصر من تم الجزاء، إذا لم يؤد قسط أو جزء منه داخل العشرة أيام من استحقاقه، في توجيه المؤمن إلى المكتتب رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل يخبره بأنه بعد انتهاء أجل عشرين يوما من تاريخ توجيه هذه الرسالة، فإن عدم الأداء يؤدي إما إلى فسخ العقد في حالة انعدام أو عدم كفاية قيمة استرداد رأس المال أو الإيراد المضمون، وإما تخفيض رأس المال أو الإيراد ذاك. (المادة 86)


المطلب الثاني 

 التصريحات المتعلقة بالخطر

    بحسب المادة 20 من المدونة  فإن على المؤمن له أن"... يصرح عند إبرام العقد بكل الظروف المعروفة لديه والتي من شأنها أن تمكن المؤمن من تقدير الأخطار التي يتحملها"، وأن "... يوجه إلى المؤمن في الآجال المحددة في العقد، التصريحات التي قد تكون ضرورية للمؤمن من أجل تحديد مبلغ قسط التأمين إذا كان هذا القسط متغيرا"، وأن "... يصرح للمؤمن... بالظروف المنصوص عليها في بوليصة التأمين والتي ينتج عنها تفاقم الأخطار".

       وبالنظر إلى أن موضوع هذه التصريحات ليس واحدا، كما أن الجزاء المترتب على الإخلال بها ليس واحدا، فإننا نقترح التعرض بداية للتصريحات المتعلقة بظروف الخطر قبل دراسة تلك المتعلقة بتحديد القسط المتغير.


الفرع الأول

 التصريحات المتعلقة بظروف الخطر

    لندرس بداية مضمون هذه التصريحات قبل التعرض للجزاءات المترتبة على الإخلال بها.

الغصن الأول 

مضمون التصريحات المتعلقة بظروف الخطر

        يقع على عاتق المؤمن له تقديم نوعين من التصريحات تتعلق بظروف الخطر المؤمن منه: فهناك بيانات عليه أن يصرح بها وقت إبرام العقد وأخرى عليه أن يصرح بها أثناء سريانه.


أولا ـ البيانات الواجب التصريح بها وقت إبرام العقد

    لكي يستطيع المؤمن التعرف على الخطر المطلوب منه التأمين عليه، ويقرر، من ثم، ما إذا كان يقبل التأمين عليه أم لا، وفي حالة قبوله، لكي يستطيع تحديد القسط على أساس سليم يتناسب ودرجة احتمال الخطر وجسامته، يجب على المؤمن له أن يصرح أثناء إبرام عقد التأمين بجميع البيانات التي من شأنها إعطاء المؤمن فكرة كاملة وصادقة عن ظروف الخطر المزمع التأمين عليه.

          فعلى خلاف القاعدة العامة في التعاقد التي تحمل كل واحد من المتعاقدين مسؤولية التحري عما سيتعاقد عليه، فإن طبيعة عقد التأمين ـ من حيت أنه ينصب على تغطية خطر يلتصق بالمؤمن له، وهو بالتالي من له القدرة على التعرف على الظروف التي تحف به ـ جعلت المشرع يحمل المؤمن له مسؤولية التصريح للمؤمن بالظروف التي من شأنها تمكين المؤمن من تقدير المخاطر التي يتحمل تغطيتها.

    والبيانات التي يكون على المؤمن له أن يصرح بها وقت إبرام العقد هي تلك التي تكون ضرورية لتمكين المؤمن من تقدير الخطر شريطة أن تكون معلومة لديه.

    فالتزام المؤمن له من هذه الناحية ينحصر في التصريح بالبيانات التي تمكن المؤمن من اتخاذ قراره بشأن التأمين أو بشأن القسط عن بينة وإدراك، أي تلك التي لها اعتبار في تقدير المؤمن للخطر، وبالتالي للقسط. وبحسب القضاء الفرنسي فإن المعيار في تحديد البيانات التي يكون على المؤمن له أن يصرح بها يكون لمدى تأثيرها على قرار المؤمن، بحيث إذا لم يصرح بها كان من شأن ذلك أن يعدل فكرة المؤمن عن الخطر.

    وهذه البيانات إما أن تتعلق بمعلومات موضوعية عن الخطر المؤمن منه، وهي التي تتناول صفاته الجوهرية التي يتم تحديد القسط على أساسها، وإما أن تتعلق بمعلومات شخصية عن المؤمن عليه، أو الحوادث التي سبق له أن ارتكبها، أو مدى حرصه وعنايته بالشيء المؤمن عليه...

    وما على المؤمن له التصريح به هو المعلومات المعروفة لديه، أما تلك التي يجهلها فهو لا يسأل عن عدم ذكرها. غير أنه يلاحظ أن هذا الالتزام يشمل كذلك البيانات التي كان عليه أن يعلم بها لو بذل العناية اللازمة التي يبذلها الرجل المعتاد، وإلا كان مقصرا وتحمل نتائج تقصيره.

           ويتم عمليا التصريح بالظروف المتعلقة بالخطر عن طريق الإجابة على مجموعة أسئلة مكتوبة يحتوي عليها اقتراح التأمين مع تنبيه المؤمن له إلى ضرورة التصريح بكل ظرف يعلمه لم يرد بشأنه سؤال في الاقتراح.


ثانيا ـ البيانات الواجب التصريح بها أثناء سريان العقد

        1 ـ مضمـون هذه البيانـات

     كذلك على المؤمن له أن يصرح للمؤمن بما يستجد من ظروف أثناء سريان العقد، ينتج عنها تفاقم الخطر.

    والمقصود بتفاقم الخطر، كل تغيير يطرأ بعد إبرام العقد يكون من شأنه الزيادة في نسبة احتمال تحقق الخطر أو الزيادة في جسامة الأضرار الناشئة عنه.

    والسبب وراء إلزام المؤمن له بالتصريح بالظروف المستجدة هو أنها ينتج عنها تفاقم الخطر، وهذا التفاقم يؤدي إلى جعل التزام المؤمن بالضمان أشد عبئا، وهو ما كان ليقبل تغطية ذلك الخطر لو كانت تلك الظروف موجودة أثناء التعاقد، أو على الأقل ما كان ليقبل التأمين بنفس القسط أو بنفس الشروط.

         وما يلزم المؤمن له بالتصريح به هي الظروف المستجدة التي لها اتصال بما هو منصوص عليه في بوليصة التأمين. فالعقد قد بني في البداية على أساس ما صرح به المؤمن له من ظروف تتعلق بالخطر المؤمن منه، إذن فالذي يعني المؤمن التعرف عليه هي الظروف المستجدة التي تغير من المعطيات التي يتوفر عليها بشأن الخطر. 

    وتقدير ما إذا كانت الظروف مشددة للخطر أم لا مسألة موضوعية تترك إلى قاضي الموضوع.


        2 ـ كيفية التصريح بها

         إذا كانت الظروف المستجدة التي ينتج عنها تفاقم الخطر قد حصلت بفعل المؤمن له نفسه، بحيث لو أنه كانت الوضعية الجديدة موجودة وقت إبرام العقد لما تعاقد المؤمن أو لتعاقد بقسط أعلى، وجب على المؤمن له أن يصرح مسبقا للمؤمن بحالة التفاقم بواسطة رسالة مضمونة.(المادة 24 ـ فقرة 1)

         وإذا تفاقمت الأخطار دون فعل المؤمن له، بحيث كانت الظروف المستجدة خارجة عن إرادته، وجب عليه أن يصرح بها بواسطة رسالة مضمونة في أجل ثمانية أيام من علمه بها.(المادة 24 ـ فقرة 2) 


         3 ـ موقف المؤمن من الظروف المستجدة 

         متى وقع التصريح بالظروف المستجدة، فإن عقد التأمين يبقى ساريا إلى أن يتخذ المؤمن أحد مواقف ثلاثة، وهي الإبقاء على العقد بنفس الشروط، أو الإبقاء عليه مع الزيادة في القسط، وإما فسخ العقد (م 24/ فقرة 3).


              3 ـ 1 ـ الإبقاء على العقد بنفس الشروط

    للمؤمن أن يبقى على العقد من دون أي تغيير. ويكون ذلك إما صراحة بتصريحه للمؤمن له بذلك، أو ضمنيا كما لو استمر في تحصيل الأقساط بعد اطلاعه على الظروف المستجدة من دون أن يبدي أي تحفظ.(م 24/فقرة3).


               3 ـ 2 ـ     الإبقاء على العقد مع الزيادة في القسط

    قد يرى المؤمن أنه بالإمكان المحافظة على التوازن العقدي بمجرد إجراء زيادة في قسط التأمين، وفي هذه الحالة عليه الحصول على موافقة المؤمن له، وذلك بواسطة رسالة يوجهها إلى هذا الأخير يقترح عليه فيها القسط الجديد وينبهه فيها بحروف بارزة بأنه إذا لم يوافق على ذلك في خلال ثلاثين يوما من تبليغها إليه، فإنه ـ أي المؤمن ـ سيفسخ العقد (المادة 24 ـ فقرة 4). 

        ولقد اشترط المشرع بالنسبة لهذه الحالة أن تكون موافقة المؤمن له على القسط الجديد صريحة، بحيث إذا لم يرد على اقتراح على المؤمن داخل ثلاثين يوما من تبليغ الاقتراح إليه فإن ذلك يعتبر رفضا يخول المؤمن فسخ العقد.


              3 ـ 3 ـ  فسـخ العقـد 

    إذا رفض المؤمن له صراحة القسط الجديد أو لم يرد على اقتراح المؤمن داخل أجل ثلاثين يوما من تبليغ الاقتراح إليه أمكن للمؤمن فسخ العقد إذا رأى أنه ليس من مصلحته الاستمرار فيه، وحينئذ فإن عقد التأمين ينتهي بالنسبة للمستقبل. ويتم الفسخ عن طريق توجيه المؤمن رسالة إلى المؤمن له بواسطة البريد المضمون يبلغه فيها بالفسخ، غير أن هذا الأخير لا يسري إلا بعد مضي عشرة أيام من تبليغ الإشعار بالفسخ، وعندئذ على المؤمن أن يعيد إلى المؤمن له جزء القسط أو الاشتراك المتعلق بالفترة التي لم يعد ضمان الخطر ساريا فيها (م 24/ فقرة3).


الغصن الثاني 

  جزاء الإخلال بالتصريح بظروف الخطر

    ميز المشرع بالنسبة لجزاء الإخلال بالتصريح بالظروف المتعلقة بالخطر، سواء أثناء إبرام العقد أو خلال فترة سريانه، بين المؤمن له حسن النية والمؤمن له سيء النية (م 30 و 31 من المدونة).


أولا ـ المؤمن له سيء النيـة

    إذا كان المؤمن له سيء النية، أي أنه تعمد عدم التصريح بالظروف المتعلقة  بالخطر، ويسمى الكتمان، أو تعمد تقديم تصريح كاذب، فإن جزاء ذلك هو بطلان العقد  مع  احتفاظ  المؤمن  بالأقساط  التي يكون قد قبضها وحقه في المطالبة بجميع الأقساط المستحقة كتعويض عن الضرر الذي لحقه. ويشترط  لاعتبار العقد باطلا هنا أن يكون الكتمان أو التصريح الكاذب قد غيرا موضوع الخطر أو أنقصا من أهميته في نظر المؤمن، وذلك حتى ولو لم يكن للظرف الذي أخفاه المؤمن له دخل في وقوع الحادث (المادة 30 ـ فقرة 1). 

          فلا يكفي من تم أن يكون هناك كتمان أو تصريح كاذب، عن سوء نية من المؤمن له، وإنما لا بد من أن يكون لذلك تأثير على موضوع الخطر، بحيث يكون المؤمن له قد أخفى الظروف الحقيقية للخطر على المؤمن على نحو جعل هذا الأخير يتصور موضوعه، على غير ما هو عليه في الحقيقة، أو على الأقل، يكون ذلك قد أدى إلى إنقاص أهميته في نظر المؤمن، بحيث وإن كان موضوع الخطر قد تحدد له، فإن ما يتعلق بدرجة احتمال تحققه أو الانعكاسات الناتجة عن تحققه هي التي تم التقليل من أهميتها .

    ويلاحظ أن إثبات كل ذلك يقع على المؤمن. فهو الذي عليه أن يثبت أن هناك كتمان أو تصريح كاذب نتج عنه تغيير في موضوع الخطر أو إنقاص من أهميته في نظره، وأن ذلك تم  بسوء نية من المؤمن له. ويمكن أن يتم ذلك الإثبات بكافة الوسائل القانونية.

            وتقدير سوء نية المؤمن له انطلاقا من الوقائع التي يستند إليها المؤمن هي مسألة واقع يستقل بها قضاء الموضوع، الذي ترجع له صلاحية التصريح ببطلان العقد، بعد التأكد من توفر الشروط القانونية لذلك كما تحددها المادة 30 من المدونة.


ثانيا ـ المؤمـن  له حسـن النيـة  

    إذا كان المؤمن له حسن النية، أي أنه لم يقصد إخفاء الظروف المتعلقة بالخطر، كأن يكون جاهلا لأهميتها بالنسبة للمؤمن، فإن المشرع المغربي قد ميز بالنسبة للجزاء الموقع عليه بين ما إذا كان اكتشاف حقيقة تلك الظروف قد تم قبل تحقق الخطر أو بعده.


         1 ـ اكتشاف الكتمان أو التصريح الخاطئ قبل وقوع أي حادث

         إذا تم اكتشاف الكتمان أو التصريح الخاطئ قبل تحقق الخطر، فما دام أن الخطر لم يقع بعد، ومن ثم، لم يلزم المؤمن بأي أداء، إذن فالآن وقد تكشفت له حقيقة الخطر، فله الخيار بين الإبقاء على عقد التأمين مع الزيادة في القسط عملا بمبدأ تناسب القسط مع الخطر، وبين فسخ العقد عشرة أيام بعد تبليغ المؤمن له بواسطة رسالة مضمونة مع  إرجاع جزء القسط المؤدى عن المدة التي لم يعد التأمين ساريا فيها (المادة31/ فقرة 2).

       ويلاحظ أن زيادة القسط تتطلب موافقة المؤمن له، غير أن المشرع على خلاف ما فعله بالنسبة للتصريح بتفاقم الخطر (المادة 24) لم ينظم كيفية الحصول على تلك الموافقة. فهل يعني ذلك أنه يجب سلوك نفس المسطرة المنصوص عليها في المادة 24 ؟. القول بذلك يحمل في نظرنا النصوص أكثر مما تحتمل . لذلك ففي اعتقادنا ما دام أن المشرع أعطى للمؤمن حق خيار بين الإبقاء على العقد مع الزيادة في القسط أو فسخ العقد في هذه الحالة، فإنه يمكنه أن يقترح على المؤمن له القسط الجديد بأية وسيلة كانت ويمهله مدة معقولة للرد على اقتراحه، فإذا وافق المؤمن له على القسط الجديد وتوفرت وسيلة لإثبات ذلك استمر العقد وأصبح المؤمن له ملزما بذلك القسط وطبقت الجزاءات المتعلقة به في حالة عدم وفائه به، وإذا رفض المؤمن له القسط المقترح عليه أو تأخر في الرد على اقتراح المؤمن كان لهذا الأخير أن يفسخ العقد، على أن يبلغ ذلك للمؤمن له.


         2 ـ اكتشاف الكتمان أو التصريح الخاطئ بعد وقوع الخطر 

    إذا لم تتم معاينة الكتمان أو التصريح الخاطئ إلا بعد وقوع الخطر، إذن فما دام أن الخطر قد وقع وانتقلنا إلى مرحلة التعويض، فإن هذا الأخير يخفض بنسبة الفرق بين الأقساط المؤداة وتلك التي كان يجب على المؤمن له أن يدفعها لو صرح  بالأخطار كاملة وبدقة (م31 /فقرة 2).

        والتخفيض التناسبي هذا يتم مبدئيا من قبل المؤمن، الذي بعد أن يكتشف حقيقة ظروف الخطر يقترح على المؤمن له تعويضا منخفضا يتناسب والأقساط المدفوعة. فإذا وقع خلاف بينهما بشأن ذلك فإن لقضاء الموضوع سلطة تقدير نسبة التخفيض بناء على خبرة يأمر بها إذا وجد لها ضرورة، بما في ذلك عندما لا تسمح التعريفة المحددة من قبل المؤمن بتحديد القسط الذي كان يجب تحصيله لو تمت التصريحات على الوجه الأكمل، حيت لقضاء الموضوع استنادا إلى سلطته التقديرية المطلقة أن يقدر التخفيض التناسبي بشكل عادل . 


الفرع الثاني

التصريح المتعلق بتحديد القسط المتغير

أولا ـ مضمون التصريح المتعلق بتحديد القسط المتغير

           أوجبت المادة 20 على المؤمن له أن يوجه إلى المؤمن في الآجال المحددة في العقد، التصريحات التي قد تكون ضرورية للمؤمن من أجل تحديد مبلغ قسط التأمين، إذا كان هذا القسط متغيرا.

          فهناك بعض أنواع التأمين التي لا يمكن تحديد القسط فيها إلا في وقت لاحق بالاستناد إلى متغيرات معينة تتحكم في مكونات الخطر المؤمن منه، وهو ما ينتج عنه أن القسط فيها يكون متغيرا تبعا للعوامل التي ربط بها تحديده. فيمكن أن تتعلق هذه المتغيرات بالأجور التي تدفعها المقاولة المؤمنة لها، أو بعدد الأجراء فيها بالنسبة للتأمين عن حوادث الشغل مثلا، أو بعدد المنخرطين في تجمع ما: جمعية أو نادي أو مدرسة بالنسبة للتأمينات الجماعية. وذلك مثل نادي لفنون الحرب يؤمن أعضاءه ضد المخاطر التي تتهددهم بمناسبة ممارستهم لهذه الرياضة أثناء تواجدهم بالنادي. فاعتبارا لكون أعضاء النادي هنا يتجددون باستمرار، فإن المكتتب يكون ملزما بالتصريح للمؤمن بكل عضو ينسحب أو ينخرط في النادي من أجل أخذ ذلك بالاعتبار في تحديد قسط التأمين.


ثانيا ـ جزاء الإخلال بالتصريح المتعلق بتحديد القسط المتغير

            نصت على هذا الجزاء المادة 32 من المدونة الجديدة التي إنما اقترحت على المتعاقدين جزاء اتفاقيا يجب التنصيص عليه في العقد، يختلف بحسب ما إذا كان الإخلال بالتصريح له طابع تدليسي أو لا.

           فالفقرة الأولى من هذه المادة نصت على أنه:" فيما يخص التأمينات التي يحسب فيها قسط التأمين إما اعتبارا للأجور أو رقم المعاملات وإما حسب عدد الأشخاص أو الأشياء موضوع العقد، يمكن التنصيص على أنه بالنسبة لكل غلط أو إغفال في التصريحات التي يحدد على أساسها قسط التأمين، يجب على المؤمن له أن يؤدي، علاوة على مبلغ قسط التأمين، تعويضا لا يمكن أن يتجاوز في أي حال من الأحوال عشرين في المائة (20 %) من القسط الذي حصل بشأنه الإغفال."

       إذ واضح من خلال هذه الفقرة أنه لا يمكن للمؤمن أن يفرض على المؤمن له جزاء أكبر من نسبة (20 %) من القسط الذي حصل بشأنه الإغفال.

         وتنص الفقرة الثانية من نفس المادة على أنه: "يمكن التنصيص كذلك على حق المؤمن في استرجاع المبالغ المؤذاة عن الحوادث إذا كان للأغلاط أو الإغفالات بحكم طبيعتها أو أهميتها أو تكرارها طابع تدليسي وذلك بصرف النظر عن أداء التعويض المنصوص عليه أعلاه."

         فالجزاء الثاني هنا، والمتمثل في استرداد المؤمن لمبالغ التأمين التي أداها زيادة عن التعويض الذي نصت عليه الفقرة السابقة يعمل بالنسبة للمؤمن له سيء النية الذي يتعمد عدم القيام بالتصريحات. وتقدر المحكمة سوء نيته بناء على سلطتها التقديرية انطلاقا من طبيعة أو أهمية أو تكرار الأغلاط أو الإغفالات .


المطلب الثالث

إشعار المؤمن بتحقق الخطر

أولا ـ مضمون الالتزام بالإشعار بتحقق الخطر

      يفرض هذا الالتزام على المؤمن له أن يخبر المؤمن في أسرع وقت بوقوع الخطر المؤمن منه مع تحديد تاريخ وقوعه ومكانه والظروف المحيطة به، والمسؤول عنه إذا وجد، والشهود إذا وجدوا، والإدلاء كذلك بكافة المعلومات التي تفيده في الوصول إلى الحقيقة من حجج ووثائق وغيرها حتى تكون لديه فكرة عن حجم الخسائر الحاصلة.

    ويجب أن يحصل هذا الإعلام بمجرد علم المؤمن له بوقوع الحادث، وعلى أبعد تقدير خلال الخمسة أيام الموالية لوقوعه (البند 5 من المادة20) ويمكن أن يتم بأية وسيلة، إلا أنه يقع على المؤمن له إثبات حصوله.

        وقد أجاز المشرع تمديد أجل الخمسة أيام المحددة قانونا للتصريح باتفاق الطرفين، غير أنه منع تخفيضها (الفقرة 2 من البند 5 من المادة 20) لأن ذلك ليس في مصلحة المؤمن له.

    والعبرة من هذا الالتزام هو تمكين المؤمن من اتخاذ التدابير الضرورية للمحافظة على حقوقه، وإحاطته علما بالمعلومات التي تمكنه من التعرف على الظروف التي وقع فيها الحادث.


ثانيا ـ جزاءات الإخلال بالالتزام بالإشعار بتحقق الخطر

      لم تنص مدونة التأمينات على جزاء خاص بإخلال المؤمن له بالتزامه بالإخبار عن تحقق الخطر، لذلك فإن القواعد العامة هي التي تنطبق في هذه الحالة. ومن ثم إذا أخل المؤمن له بالتزامه من هذه الناحية فإنه يكون مسؤولا مسؤولية عقدية بحيث إذا ترتب ضرر عن ذلك الإخلال جاز للمؤمن أن يطالبه بالتعويض عنه، ويجوز له كذلك أن يخفض مبلغ التأمين المستحق للمؤمن له بمقدار ما أصابه من ضرر. هذا ما لم ينص في عقد التأمين على سقوط حق المؤمن له بسبب إخلاله بهذا الالتزام.

    غير أن سقوط الحق في التأمين هو عقوبة مدنية، وهذه لا تجوز إلا باتفاق خاص. وبالنظر للخطورة التي ينطوي عليها هذا الجزاء الإتفاقي، فقد أوجب المشرع المغربي النص عليه صراحة في بوليصة التأمين وكتابته بأحرف جد بارزة عليها (المادة 14). وهذا يعني أنه في غياب الاتفاق على سقوط حق المؤمن له في مبلغ التأمين وفق الشروط المحددة أعلاه، فإن حق المؤمن ينحصر في المطالبة بالتعويض وفق القواعد العامة.

    ويلاحظ أن شرط سقوط الحق في التأمين يختلف عن المسؤولية المدنية من حيث أنه ينتج آثاره بمجرد إخلال المؤمن له بالتزامه ومن دون حاجة لإثبات حصول الضرر للمؤمن، وإثبات قيام علاقة السببية بين الإخلال والضرر، لذلك فهو بمثابة عقوبة مدنية للمؤمن له المخطئ. من هنا فإن المشرع نص على أنه لا يمكن الاحتجاج به تجاه المؤمن له الذي يثبت استحالة قيامه بالتصريح داخل الأجل المحدد بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة (الفقرة 3 من البند 5 من المادة 20) مما يعني أن شرط السقوط لا ينطبق إلا على المؤمن له الذي لم يحل بينه وبين التصريح بالحادث حادث فجائي أو قوة قاهرة. ويرجع بطبيعة الحال لقضاء الموضوع تقدير ما إذا كان السبب الذي حال بين المؤمن له والتصريح بالحادث يرتقي إلى درجة الحادث الفجائي أو القوة القاهرة.

         وبالإضافة إلى ذلك فإن المشرع المغربي زيادة منه في الحماية التي يوفرها للمؤمن لهم من الشروط التعسفية قد نص عل بطلان بعض شروط السقوط التي يوردها المؤمن في عقد التأمين (المادة 35) وهذه الشروط هي:

         1 ـ كل شرط يقضي بسقوط حق المؤمن له بسبب خرقه للنصوص التشريعية أو التنظيمية ما لم يشكل هذا الخرق جناية أو جنحة مرتكبة عمدا.

    فمثل هذا الشرط يعد باطلا لأنه يفرغ عقد التأمين من كل محتوى، إذ غالبا ما يرجع تحقق الخطر إلى مخالفة المؤمن له للقانون مثل قانون السير. غير أنه إذا كانت المخالفة متعمدة فإنها ستشكل حينئذ جناية أو جنحة متعمدة، فيكون شرط السقوط صحيحا بالنسبة لها لأنه لا يجوز للمؤمن له أن يستفيد من فعله المتعمد وفقا للقواعد العامة.

       2 ـ الشرط الذي يقضي بسقوط حق المؤمن له بسبب تأخره بالتصريح بالحادث للسلطات أو بالإدلاء بوثائق.

        فمثل هذا الشرط يعتبر باطلا كذلك متى كان يتعلق بمجرد التأخير العادي الذي تبرره الظروف أو الذي يستند إلى عذر مقبول، أما إذا تعلق الأمر يتأخر متعمد أو بامتناع مطلق عن التصريح أو الإدلاء بالوثائق، فإن شرط السقوط يقع صحيحا إذا ورد بالشكل الذي يقتضيه القانون، لأنه يعني أن المؤمن له قد أخل بالتزامه.

        مع وجوب التنبيه أن ما منعه القانون هو شرط السقوط للتأخر في التصريح بالحادث للسلطات، أما شرط السقوط للتأخر في التصريح بالحادث للمؤمن أو إغفال التصريح به بالمرة فهو جائز، على أن تنحصر آثاره في المؤمن له سيء النية.

        ويلاحظ أن بطلان شروط السقوط في مثل هذه الحالات لا يحول دون ممارسة المؤمن لحقه في المطالبة بالتعويض وفق القواعد العامة.

الفرع الثاني

 التـزامـات المـؤمـن

       الالتزام الأساسي الذي يقع على المؤمن هو دفع مبلغ التأمين (المادة 19). وإلى جانب ذلك على المؤمن أن يدفع قيمة النفقات التي اضطر المؤمن له إلى إنفاقها من أجل التخفيف أو منع الضرر الناتج عن تحقق الخطر.


أولا ـ التزام المؤمن بدفع مبلغ التأمين

           بمجرد تحقق الخطر المؤمن منه يصبح مبلغ التأمين حال الأداء فيكون على المؤمن أن يفي به داخل الأجل المتفق عليه، لأنه يشكل مقابل التزام المؤمن له بدفع الأقساط.

        وغالبا ما يكون مبلغ التأمين قدرا من المال يدفع للمؤمن له أو لشخص آخر معين في العقد إما بذاته أو بصفته (المضرور مثلا في التأمين من المسؤولية).

    غير أنه ليس هناك ما يمنع من أن يتفق طرفا عقد التأمين على أن يتولى المؤمن إصلاح الأضرار الحاصلة، أو تقديم تعويض عيني للمؤمن له، مثل إعادة بناء العقار المتهدم، أو تعويض الشيء المسروق بما يماثله.

    وقد سبق لنا أن بينا كيف أن احتساب مبلغ التأمين يختلف في التأمين من الأضرار عنه في التأمين على الأشخاص.

    وإذا كان المشرع المغربي لم يحدد أجلا لتنفيذ المؤمن لالتزامه بدفع مبلغ التأمين فإنه غالبا ما تنص عقود التأمين على أن يقع ذلك داخل شهر من تاريخ المصالحة أو من تاريخ صدور حكم نهائي في الموضوع ما لم يكن الحكم مشمولا بالنفاذ المعجل.

         وإذا لم يتم الاتفاق على أي أجل لدفع مبلغ التأمين فإنه يكون على المؤمن أن ينفذ التزامه داخل أجل معقول حتى لا يتضرر المؤمن له وإلا كان لهذا الأخير أن يطالبه به قضاء مع التعويض عن التأخير إذا كان له ما يبرره.


ثانيا ـ التزام المؤمن بأداء نفقات توقي الضرر 

    يلتزم المؤمن كذلك بأداء النفقات التي اضطر المؤمن له لإنفاقها لتخفيف عبء الضرر أو لمنع حصوله عند تحقق الخطر المؤمن منه مثل نفقات إنقاذ المحصول أو الماشية من الغرق في التأمين من الفيضان.

    وفي حالة النزاع حول استحقاق هذه النفقات، أو النزاع حول قيمتها فإن أمر تقدير ذلك يرجع لقضاء الموضوع الذي يمكنه بالإضافة إلى ذلك أن يقرر تعويضا للمؤمن له، بناء على طلبه عن التأخير في التنفيذ طبقا لأحكام المسؤولية العقدية.

الفصل الثاني

 التأمين التكافلي

      لقد اعتمد المشرع المغربي هذه الصيغة من التأمين، وأقحمها في نظام التأمين في المغرب بمقتضى تعديل أدخله على مدونة التأمينات بموجب القانون رقم 59.13 لسنة 2016، بغرض ملائمة التأمين مع أحكام الشريعة الإسلامية، واقتراح بديل ينضاف إلى التأمين التجاري والتعاضدي المعمول به في المغرب لحد الآن. وغرضه من ذلك توسيع سوق التأمين في المغرب برفع الحرج عن الفئات العريضة من المتعاملين الذين يرفضون التأمين التجاري القائم على الغرر والربا، وتوفير بديل لهم يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.

     ونتوقف عند هذا النوع من التأمين بنوع من التفصيل، من خلال التعريف به بداية وبيان الأسس التي يقوم عليها (المبحث الأول)، ثم كيفية تدبيره من الناحية العملية (المبحث الثاني).


المبحث الأول 

التعريف بالتأمين التكافلي

أولا- تعريف التأمين التكافلي 

        عرفت المادة الأولى (الفقرة 6) من مدونة التأمينات التأمين التكافلي بأنه:"...عملية تأمين تتم وفقا الآراء بالمطابقة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى (...)، بهدف تغطية الأخطار المنصوص عليها في عقد التأمين التكافلي بواسطة حساب التأمين التكافلي يسير، مقابل أجرة التسيير، من طرف مقاولة للتأمين وإعادة التأمين معتمدة لمزاولة عمليات التأمين التكافلي. ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن يرتبط قبض أو أداء أي فائدة على عمليات التأمين التكافلي وعلى نشاط تسيير حساب التأمين التكافلي من لدن مقاولة للتأمين وإعادة التأمين".

         وعرفه بعض الفقه بأنه:"هو التعاون بين مجموعة من الأشخاص على تحمل مخاطر محتملة من خلال إنشاء صندوق حساب غير هادف للربح، تكون له ذمة مالية مستقلة، تصب فيه الاشتراكات والإيرادات، وتصرف منه الاستحقاقات والمصروفات، ويبقى الفائض قابلاً للتوزيع أو الإبقاء، أو لكليهما، وفقاً لنظام الصندوق الذي توكل في إدارته واستثماراته شركة متخصصة وفق أحكام الشريعة الإسلامية".

       لذلك فالهدف من التأمين التكافلي هو أن يقوم بتقديم التأمين بطريقة تعاونية مشروعة خالية من الغرر والربا، من خلال تقديم المؤمن لهم اشتراكات يتبرعون بها كليا أو جزئيا، لتكوين محفظة تأمينية (حساب التأمين التكافلي) تدفع منها التعويضات عند وقوع الخطر المؤمن منه، وما يتحقق من فائض، بعد التعويضات والمصاريف واقتطاع الاحتياطات، يوزع على المؤمن لهم.

      فالتأمين التكافلي مبني على نظام التبرع الذي يطهره من الغرر والجهالة والرهان، وهو يقوم على مشاركة الأشخاص الذين يتهددهم خطر معين، في "حساب التأمين التكافلي" الذي يتكون من اشتراكات المشتركين ومن جميع عائدات هذا الحساب، بحيث يستعمل ذلك الحساب في إصلاح الأضرار التي يتعرض لها المشتركون المتكافلون نتيجة تحقق المخاطر المضمونة.

      لذلك فأطراف عقد التأمين التكافلي هما المشترك (المؤمن له)، وجهة التأمين (المؤمن) ممثلة في صندوق (حساب) التأمين التكافلي، حيث يقوم المشترك بدفع اشتراك التأمين التكافلي باعتباره مشاركا في الهدف التكافلي مع مجموع المشتركين، بقصد التعاون في إصلاح الأضرار الواقعة على المشتركين بفعل تحقق الخطر المكفول.


ثانيا - الأسس التي يقوم عليها التأمين التكافلي

       يقوم التأمين التكافلي على أسس تعطيه خصوصيته كتأمين يتوافق مع مبادئ الشريعة، أهمها:

       أ ـ قيامه على التكافل والتعاون بين المؤمن لهم، وليس تنمية المال وتحقيق الربح، وآليات تحقيق ذلك:

         أ ـ 1 ـ التشارك في تغطية الخسارة من خلال إحداث صندوق مشترك (حساب التأمين التكافلي) يمول باشتراكات أو تبرعات الأعضاء المشتركين المؤمن لهم، الذين يكونون هم الضامنين والمؤمن لهم في نفس الوقت، ويكون المؤمن مسؤولا عن إدارة عملية التأمين لمصلحة كافة المشتركين؛

         أ ـ 2 ـ الاشتراكات التي تدفع تكون على سبيل التبرع لأن وثيقة التأمين التكافلي هي عقد تبرع المقصود منها التعاون على تحمل المخاطر، من هنا يجب أن ينص في صلب عقد التأمين على أن العلاقة بين المؤمن لهم تقوم على التكافل والتعاون، وأن الأقساط تدفع على سبيل التبرع؛

        أ ـ 3 ـ يقتصر دور الشركة المصدرة للعقد على إدارة عملية التكافل دون أن تستهدف الربح، لذلك فعليها أن تحافظ على الفصل بين أموال الشركة وأموال حساب التأمين التكافلي، فتقوم بإدارة اشتراكات المشتركين، من خلال إدراج ما يحصل منها ضمن ذلك الحساب، واحتساب كافة التحملات، من أداءات التأمين ومصاريف الإدارة، من ذات الحساب؛ 

       ب ـ العلاقة التي تربط بين المؤمن لهم (المشتركين في تأمين التكافلي) وشركة التأمين تقوم على أساس الوكالة بعمولة، من حيث أن إدارة العمليات التأمينية وحساب التأمين التكافلي من الشركة، لحساب المؤمن لهم يكون مقابل أجرة محددة يجب أن يجري تحديد كيفية أدائها في كل عقد تأمين تكافلي (م 12/فقرة 6، تأمينات)، وبالنسبة لاستثمارها لأموال حساب التأمين التكافلي، في شكل نسبة من الأرباح، حيث يجب أن يضمن عقد التأمين التكافلي الشروط المتعلقة بالتوظيفات المالية ل"حساب التأمين التكافلي" (المادة 12 / فقرة 8 من المدونة).

       ج – استثمارات شركة التأمين لفائض أموال حساب التأمين التكافلي يجب أن تكون متوافقة مع أحكام الشريعة، بالابتعاد على الخصوص عن الربا والتجارة المحرمة، ووجوب بنائها على أساس المضاربة (المشاركة في الأرباح).

       

ثالثا- مقارنة التأمين التكافلي بالتأمين التجاري

        يختلف التأمين التكافلي عن التأمين التجاري في:

        أ ـ  اختلاف المرجعية، من حيث أن التكافلي تتم في إطاره الأعمال والعمليات وفق أحكام الشريعة الإسلامية، على خلاف التجاري الذي يتم وفق التشريعات والأعراف الوضعية الغربية التي تطور في ظلها والتي تختلف في بعض أوجهها عن الشريعة الإسلامية، بما في ذلك العمل بنظام الفوائد، وكون العلاقة العقدية تقوم على الغرر والاحتمال، من حيث أن طرفي العلاقة لا يعرفان أثناء التعاقد ما سيأخذان مقابل ما يعطيان.

       ب ـ اختلاف أسس العلاقة القانونية، من حيث أن التأمين التكافلي، يقوم على أساس عقود التبرع في الفقه الإسلامي، من حيث اشتراك كل مستفيد في تحمل المخاطر عند وقوعها، في حين أن عقد التأمين التجاري، هو عقد معاوضة قائم على احتمال وقوع الخطر، فهو عقد بيع للأمان من مخاطر قد تقع وقد لا تقع.

        ج ـ اختلاف الوضع المالي للاشتراكات، من حيث أنها في التأمين التجاري تأتي في شكل أقساط تمثل ثمن التغطية، فتسقط في ملكية شركة التأمين عند أدائها، أما في التأمين التكافلي فالاشتراكات تكون منفصلة عن رأسمال الشركة المدبرة لهذا التأمين، ولا تكون مملوكة لها، وإنما يتشكل منها صندوق للتكافل (حساب التأمين التكافلي)، يستعمل في تغطية التعويضات والمصاريف، وإذا كان هناك عجز يتم تغطيته بواسطة "تسبيق تكافلي" تؤديه مقاولة التأمين المعهود إليها بتسيير هذا التأمين، من دون أن يترتب عنه أية فائدة، على أن تسترده من الفوائض المالية المستقبلية المحققة فيه (المادة الأولى من المدونة)، وإذا كان هناك فائض فيعاد توزيعه عليهم، علما أن المادة 12/فقرة 7 من المدونة أوجبت أن يضمن في عقد التأمين التكافلي كيفية توزيع الفوائض التقنية والمالية على المشتركين.


المبحث الثاني

كيفية عمل التأمين التكافلي من الناحية العملية 

أولا ـ اشتراط التخصص في التأمين التكافلي

      1 ـ تخصص المقاولة في التأمين التكافلي

       حرصا من المشرع على ضمان عمل التأمين التكافلي وفقا للأسس التي يقوم عليها، كما حددها القانون، فقد اشترط في المقاولات التي تريد الاشتغال في هذا النوع من التأمين أن تتخصص فيه (م 165/5). وهذا يعني أنه يجب على مقاولات التأمين القائمة عند اعتماد التأمين التكافلي، إذا أرادت الاشتغال فيه، أن تحدث مقاولات تأمين تختص بهذا التأمين، وتحصل على اعتماد خاص بها. 


        2 ـ مراقبة المقاولة ضمانا لاحترامها لأسس التأمين التكافلي

      التأمين التكافلي كما رأينا يقوم على أسس منها ما تم تكريسه بواسطة النص المحدث لهذا التأمين، وبعضها يعول فيه على المجلس العلمي الأعلى، بمصاحبة من هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي.

        من هنا فقد وضع القانون مجموعة من آليات المراقبة، تنضاف إلى تلك التي تعمل بالنسبة للتأمين بصفة عامة، تكفل احترام المقاولات للأسس التي يقوم عليها هذا التأمين.

        هذه الآليات تتمثل في وضع نظام للمصادقة على عقود التأمين التكافلي ومراقبتها، وفي إلزام المقاولات بإحداث أنظمة داخلية للمراقبة.


        أ ـ المصادقة على عقود التأمين التكافلي ومراقبتها

       كما هو الشأن بالنسبة لكافة التأمينات، تخضع عقود التأمين التكافلي لمراقبة هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، ولأجل ضمان مطابقتها مع أسس التأمين التكافلي، فقد أوجب فيها المشرع إضافة إلى ذلك، أن تتم المصادقة عليها من المجلس العلمي الأعلى.

      وعليه، فيجب أن ترسل نماذج عقود التأمين التكافلي التي تعتزم مقاولة التأمين أو إعادة التأمين إصدارها لأول مرة، وكذا جميع الوثائق ذات الطابع التعاقدي أو الإشهاري والتي تتعلق بها، إلى هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، وذلك قبل إصدارها، إذ لا يمكن توزيعها ولا تسليمها أو نشرها إلا بعد موافقة الهيئة المذكورة، وكذلك الحصول على الرأي بالمطابقة عن المجلس العلمي الأعلى (م 1-247، و م 1-10).

     وتتم المراقبة من قبل الهيئة، بمعية المجلس العلمي الأعلى على مستوى الرأي بالمطابقة، انطلاقا من النصوص القانونية التي تنظم التأمين. وبالنسبة للتأمين التكافلي انطلاقا من الأحكام الخاصة المنصوص عليها في مدونة التأمينات. غير أنه في غياب مقتضيات خاصة، تطبق عليه أحكام مدونة التأمينات فيما لا يتنافى مع القواعد والمبادئ المنظمة للتأمين التكافلي، وحينئذ يجب الحصول على الرأي بالمطابقة من المجلس العلمي الأعلى (م5-10/فقرة 1).

      ولقد خول القانون للحكومة أن تتخذ بواسطة نص تنظيمي، باقتراح من هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، وبعد الحصول على الرأي بالمطابقة من المجلس العلمي الأعلى، كل تدبير ضروري للتطبيق الكامل للأحكام الخاصة بالتأمين التكافلي وإعادة التأمين التكافلي الواردة في مدونة التأمينات (م 5-10/فقرة 2).

       كذلك، خول القانون لهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، إصدار مناشير تتعلق بالتأمين التكافلي، بعد عرضها لإبداء الرأي بالمطابقة، على المجلس العلمي الأعلى (م 4-10).


      ب – إحداث أنظمة داخلية للمراقبة والتدقيق للتأكد من مطابقة عمليات التأمين التكافلي

         ب – 1 - إحداث نظام للمراقبة الداخلية   

      فقد أوجب القانون على مقاولات التأمين بصفة عامة أن تحدث نظاما للمراقبة الداخلية يهدف إلى التعرف على الأخطار والوقاية منها، وتقييمها وتدبيرها ومتابعتها (م 2-239/فقرة أولى)، وفي هذا الإطار أوجب على مقاولات التأمين المشتغلة في التأمين التكافلي أن يشمل نظام المراقبة الداخلية هذا، التعرف والوقاية من خطر عدم مطابقة عمليات التأمين التكافلي التي تباشرها للآراء بالمطابقة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى. كما يجب أن يشمل ذلك النظام تتبع تطبيق تلك الآراء ومراقبة احترامها بما في ذلك من خلال وضع المساطر والدلائل الواجب إتباعها للتقيد بهذه الآراء (م 2-239/فقرة 3).


       ب – 2 – وضع جهاز داخلي للتدقيق في الحسابات

        أوجب القانون كذلك على مقالات التأمين بصفة عامة أن تضع جهازا داخليا للتدقيق في حسابات المقاولة تابع مباشرة لمجلس الإدارة أو الرقابة، مهمته التحقق من فعالية نظام المراقبة الداخلية، حيث عليه أن يعد مرة في السنة على الأقل تقريرا عن نشاطه يسلمه لمراقبي حسابات المقاولة (2-239/فقرة4).  وبالنسبة للمقاولات التي تشتغل في التأمين التكافلي، أوجب القانون على جهاز التدقيق الداخلي، الذي يجب أن يتوفر على الموارد البشرية اللازمة التي تتوفر فيها الكفاءات الضرورية في مجال التأمين التكافلي، أن يعد أيضا مرة في السنة على الأقل تقريرا حول مدى احترام عمليات التأمين (وإعادة التأمين) التكافلي للآراء بالمطابقة الصادرة عن المجلس العلمي الأعلى، ويجب أن يعد هذا التقرير ويوجه إلى هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي وفق الكيفية التي يحددها منشور صادر عن الهيئة، وهذه الأخيرة ترسل نسخة منه فور التوصل به إلى المجلس العلمي الأعلى (2-239/فقرة5).       


ثانيا ـ إدارة المقاولة للتأمين التكافلي بصفة منفصلة عن حساباتها الخاصة

      انطلاقا من التصور الذي يقوم عليه التأمين التكافلي، والذي يقوم على الفصل بين هيئة المتكافلين (الذين يقدمون اشتراكاتهم للهيئة على سبيل التبرع، ويصبحون بذلك مستفيدين من تغطية العواقب المالية للمخاطر التي يجري تحديدها)، وبين الجهة المدبرة لعملية التأمين التكافلي، التي إنما تدير العملية وكالة عن هيئة المتكافلين مقابل أجرة، حتى يتم استبعاد طابع الغرر والاحتمال عن العملية، بما يضمن شرعيتها، فقد أوجب المشرع على المقاولات المعتمدة لمزاولة عمليات التأمين التكافلي أو إعادة التأمين التكافلي، أن تمسك وتدبر حسابات التأمين التكافلي بشكل منفصل عن حساباتها الخاصة، وهو ما يجب أن يتجسد في قوائمها التركيبية، والتي يجب أن تنصب على وضعها المالي الخاص بها، دون أموال حساب التأمين التكافلي (م 2-10/فقرة2)، التي يجب أن تبقى منفصلة عن ذمة المقاولة، باعتبار أن هذه الأخيرة إنما تدير تلك الأموال وفق نظام الحساب.

      ومن مظاهر هذه الاستقلالية، أن عواقب المخاطر المضمونة يتحملها مجموع المشتركين في حدود اشتراكاتهم في حساب التأمين التكافلي (م 2-10/فقرة 1)، ولا تتحملها مقاولة التأمين التي تكتفي بإدارة تلك الاشتراكات مع عوائدها (حساب التأمين التكافلي) بالوكالة عنهم، مقابل أجرة.

      ولقد أعطى القانون للإدارة، ممثلة في وزارة المالية، باقتراح من هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، وبعد الرأي بالمطابقة من المجلس العلمي الأعلى، صلاحية تحديد معايير احتساب الأجرة المستحقة لمقاولة التأمين عن تسييرها لحساب التأمين التكافلي، وكذا كيفيات أدائها (م 1-248/الفقرة2).

      ولما كانت مقاولة التأمين، تكتفي بتدبير حساب التأمين التكافلي لفائدة مجموع المشتركين على سبيل الوكالة، فإن كل خصاص أو فائض في ذلك الحساب إنما يعود على هيئة المشتركين.

       وهكذا ففي حالة حصول فائض في حساب التأمين التكافلي، فإنه يجري توزيعه على جميع المشتركين (م 3-10/فقرة1). والمقصود بالفائض، ما تبقى من حساب التأمين التكافلي خلال سنة مالية معينة، بعد خصم الأداءات المتعلقة بما وقع من حوادث مؤمن منها، وكذلك خصم التسبيقات التكافلية وتكوين الاحتياطيات والمخصصات (م 3-10/فقرة 2).

       ولقد أعطى القانون للإدارة، ممثلة في وزارة المالية، باقتراح من هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، وبعد الرأي بالمطابقة من المجلس العلمي الأعلى، صلاحية تحديد كيفيات أداء الفوائض (م 1-248/الفقرة 3).

       وفي حالة وجود عجز في ذلك الحساب، فإن على مقاولة التأمين التكافلي سده بتسبيقات تكافلية، يجري استردادها من فوائض حسابات السنوات اللاحقة، من دون أن يمكن أن يترتب عنها أية فوائد (م 1 10)، ويجب أن يجري التذكير بذلك في كل عقد تأمين تكافلي (م 3-10/فقرة 3).

       ولقد خول القانون لهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، تحديد كيفيات تحديد الفوائض التقنية والمالية، وكذا استرجاع التسبيقات التكافلية (م 3-10/فقرة 4).

  

الباب الثاني

الـتـأمـين مـن الأضـرار

    سبق أن رأينا أن التأمين من الأضرار يقوم على تغطية المخاطر التي تتهدد الأموال (تهدد الأشياء أو الذمة المالية من باب المسؤولية المدنية). 

    ويتميز التأمين من الأضرار من الناحية القانونية بخاصيتين أساسيتين، الصفة التعويضية، وقيامه على المصلحة في التأمين.

    فهو من صفة تعويضية، ما دام أن الهدف منه هو تغطية الأضرار التي تصيب الذمة المالية للمؤمن له عند تحقق الخطر، ومن ثم، فالمؤمن ليس ملزما بتعويض سوى الأضرار الواقعة فعلا .

    وبارتباط بالخاصية التعويضية، فهو يقوم على المصلحة في التأمين من حيث أنه لابد من أن تكون للمؤمن له أو للمستفيد مصلحة في ذلك التأمين، وهي عدم تحقق الخطر. وهذا ما عبر عنه المشرع في المادة 40 من المدونة الجديدة بقوله:

        "يمكن لكل شخص له مصلحة في الاحتفاظ بشيء أن يقوم بتأمينه. 

        يمكن التأمين على كل مصلحة مباشرة أو غير مباشرة في عدم وقوع خطر". 

        والمقصود بالمصلحة هنا المصلحة الاقتصادية، أي مصلحة ذات قيمة ماليةـ وهي القيمة المعرضة للضياع في حالة تحقق الخطر المؤمن منه ـ بالنظر إلى طبيعة التأمين من الأضرار من حيث أنه يغطي الخسارة التي تهدد الذمة المالية للمؤمن له. فإذا لم تكن للمستفيد ( قد يكون هو المؤمن له، وقد يكون شخصا آخر) مصلحة في التأمين كان العقد الذي يبرمه باطلا لعدم وجود محل له ما دام أن خطر إصابة ذمته المالية بخسارة غير وارد.

        والغرض من تطلب المشرع للمصلحة في التأمين من الأضرار منع الرهان والمقامرة الذي قد يسعى إليه البعض عن طريق التأمين. كما في الشخص الذي يعقد لمصلحته تأمينا من الحريق على سيارة صديقه فهذا الشخص ليست له أية مصلحة اقتصادية مشروعة في هذا التأمين لأن المصلحة التي يهددها الخطر هي مصلحة صديقه، أما هو فليست له أية مصلحة في عدم احتراق السيارة. ولا يمكن القول أن له مصلحة في احتراقها لأنه حتى في حالة احتراقها، فإن أي ضرر لن يصيب ذمته المالية في حين أن التأمين من الأضرار يقوم على التعويض عن الضرر الذي يصيب الذمة المالية من تحقق خطر معين، فيكون التأمين الذي عقده ذلك الشخص باطلا لانعدام محله.

    هذا بخلاف مثلا ما لو عقد ذلك الشخص التأمين لمصلحة صديقه صاحب السيارة. أو عقده لمصلحته هو، وكان له مثلا حق رهن حيازي على تلك السيارة ضمانا لديونه على صاحبها، حيث عندئذ يكون صحيحا لوجود مصلحة مشروعة له في ذلك التأمين.

    هاتين الخاصيتين تكيفان الأحكام التي يقوم عليها التأمين من الأضرار، فلنرى أحكامه  العامة في الفصل الأول، قبل أن نعرض في الفصل الثاني للأحكام الخاصة للتأمين من المسؤولية، كأهم فرع في هذا التأمين.


الفصل الأول  

الأحكام العامة للتأمين من الأضرار

    يقوم التأمين من الأضرار على تغطية الأضرار التي تهدد الذمة المالية للمؤمن له، لذلك فإنه يجب أن نبين ـ أولاـ كيفية تحديد المخاطر المؤمن منها فيه، قبل أن نحدد كيفية حساب التعويض فيه، والذي يشكل مبلغ التأمين الذي يكون على المؤمن أن يدفعه إلى من يستحقه. كذلك، لما كان وقوع الخطر قد يحصل بفعل الغير،  فإنه سيكون علينا في الأخير أن ندرس حق المؤمن في الحلول محل المؤمن له في الرجوع بالتعويض على المسؤول عن الضرر.

المبحث الأول

تحديد المخاطر المؤمن منها في التأمين من الأضرار

     يتم مبدئيا تحديد المخاطر، ومن ثم نوع الأضرار المؤمن منها، باتفاق بين المؤمن والمؤمن له. غير أنه بالنظر للطابع الإدعاني لعقد التأمين، فإن المؤمن هو الذي يستقل عمليا بتحديد المخاطر التي يقبل تغطيتها. وعلى  كل فإن هذه المخاطر يجب أن تكون محددة بدقة على بوليصة التأمين. والتحديد هنا يجب ألا يشمل فقط طبيعة الخطر المؤمن منه (سرقة، حريق، مسؤولية...) ولكن أيضا عناصر الضرر المشمولة بالتغطية، وإلا اعتبرت هذه الأخيرة شاملة لكافة الأضرار الناتجة عن الخطر المؤمن منه.

    ومع ذلك فإن حرية الأطراف في هذا المجال ليست مطلقة إذ كثيرا ما يتدخل المشرع ليفرض قواعد يجب احترامها، كما هو الشأن مثلا عندما يرسي تأمينا إجباريا في قطاع من القطاعات حيث غالبا ما يحدد الحد الأدنى للتغطية وللأضرار التي يجب أن يشملها التأمين، أو عندما تقرر سلطات الرقابة شروطا معينة يجب احترامها من قبل شركات التأمين التي تريد استعمال شروط جديدة غير الشروط النموذجية العامة المشار  إليها في المدونة.

         وعموما فإن التأمين يغطي كافة الأضرار كيفما كان مصدرها، بما فيها تلك الراجعة للأخطاء غير المتعمدة للمؤمن له، ولأخطاء من هو مسؤول مدنياعنهم ، إلا أنه لا يشمل تلك الراجعة إلى عيب في الشيء المؤمن عليه أو إلى الحرب  والاضطرابات والفتن، ما لم يتفق على خلاف ذلك.


المطلب الأول

الأضرار المشمولة بالتغطية في التأمين من الأضرار

    يغطي التأمين من الأضرار كافة الحوادث التي تؤدي إلى تحقق الخطر المؤمن منه مهما كان سببها، بما فيها تلك الراجعة إلى خطأ غير متعمد للمؤمن له أو إلى خطأ أحد الأشخاص ممن هو مسؤول مدنيا عنهم. بالنسبة لخطأ المؤمن له فقد سبق لنا أن رأيناه،  فلنتوقف إذن عند الحوادث الراجعة إلى خطأ أحد ممن هو مسؤول مدنيا عنهم.

    تنص المادة 18 من المدونة الجديدة على أنه:"يضمن المؤمن الخسائر والأضرار التي يتسبب فيها أشخاص يكون المؤمن له مسؤولا عنهم مدنيا بموجب الفصل 85 من الظهير الشريف المؤرخ في 9 رمضان 1331 (الموافق 12 أغسطس 1913) المتعلق بالالتزامات والعقود، وذلك كيفما كانت طبيعة وجسامة أخطاء هؤلاء الأشخاص".

    وهكذا ففي التأمين من الأضرار تشمل التغطية الحوادث التي يتسبب فيها شخص ممن المؤمن له مسؤول مدنيا عنهم من أبناء وخدم وعمال ومتعلمين ومجانين وغيرهم. بحيث في التأمين من الحريق، مثلا، إذا وقع هذا الأخير بفعل الخادمة أو أحد أبناء المؤمن له، فإنه يدخل في التغطية وتلزم شركة التأمين بالتعويض عنه.

    ولم يميز المشرع بالنسبة لأخطاء من المؤمن له مسؤول مدنيا عنهم، بين ما هو متعمد منها وغير المتعمد، على خلاف ما فعله بالنسبة للمؤمن له نفسه. لذلك فإن التغطية تشمل حتى الأخطاء المتعمدة لهؤلاء، لأن مثل هذه الأخطاء تشكل مخاطر قابلة للتأمين عليها، ولأنها لا تتعلق بمحض إرادة المؤمن له، ما لم تكن بالطبع  قد صدرت  بتواطؤ معه، حيث عندئذ تعتبر غشا منه لا يشمله التأمين  تطبيقا  للمبادئ  العامة.

    وهناك سؤال يفرض نفسه هنا، هو هل يجوز الاتفاق على خلاف هذه القاعدة، بأن يشترط المؤمن مثلا عدم شمول التغطية للأضرار الناتجة عن أخطاء متعمدة للأشخاص الذين يسأل المؤمن له عنهم مدنيا؟.

         إن الإجابة على هذا التساؤل، تقتضي منا إمعان النظر في الصيغة التي وردت بها المادة 18 ومقارنتها بما ورد في المادة 17 . فعلى خلاف المادة 17 التي، بعدما نصت على أن المؤمن يتحمل الخسائر والأضرار الناتجة عن الحادث الفجائي أو الناتجة عن خطأ المؤمن له، فتحت إمكانية استثناء حوادث معينة من التغطية باستعمالها صيغة: "عدا استثناء صريح ومحدد في العقد"، فإننا نجد المادة 18 نصت بشكل بات على أن المؤمن يضمن الخسائر والأضرار التي يتسبب فيها أشخاص يكون المؤمن له مسؤولا عنهم مدنيا بموجب الفصل 85 من ق ل ع وذلك كيفما كانت طبيعة وجسامة الأخطاء الصادرة عنهم، من دون أن تفتح أية إمكانية للاتفاق على خلاف ما تقضي به، مما يفيد بشكل واضح أن المشرع أراد أن يجعل حكم هذه المادة من النظام العام . وهذا ما يؤكده القضاء الفرنسي بالنسبة للمادة L. 121-2 من قانون التأمينات الفرنسي المقابلة للمادة 18 من مدونة التأمينات المغربية. 

       ويمكننا أن نفسر الطابع الآمر للمادة 18 بالدور الاجتماعي الذي يقوم به التأمين، وبكون أن المصالح المشروعة للمؤمن له وللمستفيدين تجاه مقاولات التأمين تقتضي تحميل هذه الأخيرة تغطية حتى الأخطاء المتعمدة للأشخاص الذين يكون المؤمن له مسؤولا مدنيا عنهم، باعتبارها مخاطر واردة تهدد المؤمن له، ومن شأن فتح المجال لاستثنائها من التغطية، خاصة بالنظر للطابع الإدعاني لعقد التأمين، أن يفرغ هذا الأخير من محتواه، خاصة في أنواع التأمينات التي يكثر فيها وقوع الحوادث بفعل أشخاص يقعون تحت مسؤولية المؤمن له المدنية.


المطلب الثاني 

 الأضرار المستثناة من التأمين من الأضرار

أولا ـ الضرر اللاحق بالشيء المؤمن عليه نتيجة عيب خاص فيه 

    لقد استثنت المادة 44 من المدونة الضرر اللاحق بالشيء المؤمن عليه بسبب عيب خاص فيه من التغطية بنصها على أنه:" لا يتحمل المؤمن، عدا اتفاق مخالف، النقائص والتخفيضات والخسائر التي يتعرض لها الشيء المؤمن عليه بسبب عيب خاص فيه".

    والمقصود بالعيب الخاص هنا الخلل أو سوء تركيبة الشيء ذاته والذي لا يوجد  فيما يماثله. فمثل هذا العيب غير العادي والذي عادة ما يكون مجهولا من قبل أطراف العقد هو الذي قصده المشرع بالاستثناء.

    ويعود سبب هذا الاستثناء إلى أن العيب الخاص يجعل التزام المؤمن بالضمان أشد، في حين أنه بنى تقديراته، وبالتالي التزاماته، على تصريح المؤمن له الذي ليس بإمكانه أن يعرف وجود العيب لكي يصرح به، كما أنه بني على ما يعرف عن الشيء في أوضاعه العادية، ومن هنا فإن المشرع تطلب في التأمين على العيب الخاص أن يكون هناك اتفاق خاص حتى يكون بمقدور المؤمن أن يدخل ذلك في تقديراته، ويحدد القسط على ضوء ذلك.

    ويجب التنبيه إلى أن هذا الاستثناء إنما يتعلق بالضرر اللاحق بالشيء المؤمن عليه نفسه، أما الضرر الذي يتسبب فيه ذلك الشيء، سواء للمؤمن له نفسه أو للأغيار، فإنه يكون مشمولا بالتأمين.


ثانيا ـ الضرر الناتج عن الحرب والفتن والاضطرابات الشعبية

    استثنى المشرع من التأمين كذلك الأضرار الراجعة للحرب والفتن والاضطرابات الشعبية. إذ جاء في الفقرة الأولى من المادة 45 من المدونة:"لا يتحمل المؤمن، عدا اتفاق مخالف، الخسائر والأضرار الناتجة إما عن حرب خارجية وإما عن حرب أهلية وإما عن فتن واضطرابات شعبية."

       ويرجع هذا الاستثناء لاعتبارات تقنية تتمثل في كون أن أخطار الحرب والفتن والاضطرابات ليست بالتواتر الكافي الذي يمكن معه الحصول على إحصائيات سليمة تمكن المؤمن من ضبط توقعاته.

    هذا بالإضافة إلى أن هذه الأخطار عند وقوعها فإنها تصيب عددا كبيرا من المؤمن لهم، وهذا من شأنه أن يجعل شركات التأمين غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاههم.

    وبالنسبة لعبء الإثبات فإنه يلاحظ أن المشرع وزعه بين طرفي العقد، إذ في حالة الحرب الخارجية حمل المشرع المؤمن له إثبات أن الضرر ناتج عن سبب آخر غير الحرب الخارجية لاستحقاق التعويض. وفي حالة الحرب الأهلية والفتن والاضطرابات الشعبية حمل المشرع المؤمن إثبات أن الضرر يرجع لأحد تلك الأسباب لاستثنائه من التغطية. (الفقرة الثانية من المادة 45) 

المبحث الثاني

 تحديد التعويض في التأمين من الأضرار 

       اعتبارا لكون التأمين من الأضرار تأمينا تعويضيا، كما سبق الذكر، فإنه يجب ألا يدر ربحا على المؤمن له، لذلك وجب أن يقتصر على تعويض هذا الأخير عن الضرر الذي لحقه نتيجة تحقق الخطر المؤمن منه، من هنا فإن مبلغ التعويض في التأمين على الأشياء يتحدد بالنقص الحاصل في قيمة الممتلكات المؤمن عليها، وفي التأمين من المسؤولية في قيمة الضرر اللاحق بالغير المتضرر والذي يشكل التعويض عنه الخسارة التي تتهدد الذمة المالية للمؤمن له إضافة إلى المصاريف التي تكبدها هذا الأخير بمناسبة ذلك.

       كل هذا يعني أن تحديد التعويض يرتبط بتحديد الضرر المتحقق، وبعد أن يقع ذلك التحديد، يتم حساب التعويض وفق مبدأ تناسب التعويض للضرر. ويتم تقدير الضرر، ومن ثم، التعويض وفقا للقواعد العامة، غير أنه لما كان كثيرا ما يتم تحديد المبلغ المؤمن عليه، فإنه سيكون علينا أن نبين دور ذلك المبلغ في تحديد التعويض (المطلب الأول)، بما في ذلك عندما لا يتم تحديده وفق القيمة الحقيقة لما جرى التأمين عليه (المطلب الثاني).

المطلب الأول 

  دور المبلغ المؤمن عليه في تقدير قيمة الضرر

    

    المبدأ أن المؤمن له هو الذي يكون عليه أن يثبت قيمة الضرر الذي لحقه لكي  يحصل على التعويض، وذلك بكافة وسائل الإثبات بما فيها البينة والقرائن. ويمكن أن يكون المبلغ المؤمن عليه، وهو القيمة المعطاة في العقد للشيء المؤمن عليه أساسا لإثبات قيمة الضرر في التأمين على الأشياء، والتأمين من المسؤولية إذا كان محددا،  أما إذا كان غير محدد فالتزام المؤمن بالضمان يكون بقدر ما يحصل من ضرر بغض النظر عن المبلغ المؤمن عليه.

    غير أنه ينبغي لتحديد دور المبلغ المؤمن عليه من هذه الناحية أن نميز بين ما إذا كان ذلك المبلغ قد تم تحديده بمجرد تصريح من قبل المؤمن له وحده، كما يقع في الغالب، أم أنه قد تم تحديده باتفاق بينه وبين المؤمن.


أولا ـ تحديد المبلغ المؤمن عليه بمجرد تصريح من المؤمن له

        لقد اتفق الفقه على أن المبلغ المؤمن عليه إذا حدد بمجرد تصريح من المؤمن له، فإنه لا يعتبر دليلا على قيمة الشيء، بل لا يعد حتى قرينة على تلك القيمة، كل ما هنالك  يعتبر بمثابة حد أقصى لقيمة التعويض الذي يلتزم المؤمن بدفعه.

    وإذا بالغ المؤمن له في تقدير ذلك المبلغ عن سوء نية أو متعمدا جاز للمؤمن أن يطلب إبطال العقد مع التعويض، إذا كان له موجب، أما إذا تمت المغالاة عن حسن نية أي بدون قصد كان العقد صحيحا في حدود القيمة الحقيقية للشيء المؤمن عليه (المادة 41).

         ومع ذلك فإن هناك حالات استثنائية يكون فيها المبلغ المصرح به الوسيلة الوحيدة لإثبات قيمة الضرر. وأهم هذه الحالات إذا انعدمت أية وسيلة أخرى للإثبات بدون خطإ من المؤمن له، كما لو التهم الحريق المؤمن منه كافة المستندات والوثائق الدالة على قيمة الشيء الهالك.


ثانيا ـ تحديد المبلغ المؤمن عليه باتفاق بين الطرفين

       في هذه الحالة كذلك لا يعتبر المبلغ المحدد اتفاقا دليلا على قيمة الشيء، وإنما يعتبر مجرد قرينة على تلك القيمة، بحيث متى وقع الضرر افترض أن ذلك المبلغ يشكل القيمة الحقيقية له، غير أنه يمكن للمؤمن أن يثبت أن قيمة الشيء وقت وقوع الحادث، ومن ثم قيمة الضرر أقل من المبلغ المؤمن عليه. وهذا يعني أن الاتفاق على المبلغ المؤمن عليه إنما يؤدي إلى قلب قواعد الإثبات فيما يتعلق بقيمة الشيء المؤمن عليه، أما ما يتعلق بوجود الشيء وقت الحادث فيظل المؤمن له ملزما بإثباته.

المطلب الثاني

  قاعدة النسبية في التعويض

الفقرة الأولى ـ مفهوم قاعدة النسبية

    قدمنا أن التأمين من الأضرار تحكمه فكرة التعويض. لذلك فبعد أن يتم تحديد الضرر الناتج عن وقوع الخطر، يلزم المؤمن بالتعويض عنه كاملا. غير أن هذه القاعدة لا تعمل إلا إذا كان المبلغ المؤمن عليه يمثل القيمة الحقيقية للشيء موضع التأمين. أما إذا كان مبالغا فيه ـ وهو ما يسمى بتأمين المغالاة، فإنه إعمالا للصفة التعويضية للتأمين من الأضرار، لا يلزم المؤمن بالتعويض إلا عن الضرر المتحقق فعلا في حدود القيمة الحقيقية للشيء المؤمن عليه. أما إذا كان بخسا، أي أقل من تلك القيمة، فإن المؤمن لا يلزم بالتعويض إلا بنسبة تناسب الضرر إلى القيمة المصرح بها. من هنا كانت قاعدة النسبة تتعلق على الخصوص بالتأمين البخس.

    وقد نص المشرع المغربي على قاعدة النسبية هذه في المادة 43 من المدونة التي جاء فيها:" إذا تبين من التقديرات أن قيمة الشيء المؤمن عليه تفوق في يوم الحادث المبلغ المضمون، يعتبر المؤمن له مؤمن نفسه بالنسبة للفائض ويتحمل، بناء على ذلك، جزءا نسبيا من الضرر، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك."

         من هنا، كلما تبين أن المبلغ المؤمن عليه يقل عن القيمة الحقيقية للشيء المؤمن عليه فإن المؤمن لا يلزم بالتعويض إلا بنسبة تناسب القيمة المصرح بها إلى القيمة الحقيقية للشيء.

    ولتوضيح كيفية إعمال قاعدة النسبية نعطي المثال التالي: شخص يؤمن على منزله من الحريق بقيمة 300.000 درهم في حين أن قيمته الحقيقية هي 400.000 درهم، فإذا ترتب على الحريق خسائر بمبلغ 200.000، فإنه لا يستحق كتعويض إلا  مبلغ 200.000 x  = 150000 درهم. فالمبلغ الذي أمن عليه لا يشكل إلا نسبة 75 % من القيمة الحقيقية للشيء، فهو إذن لا يستحق كتعويض إلا نسبة 75 %  من الضرر المستحق . 

    والأساس الذي يبرر قاعدة النسبية أن المؤمن له عندما يلجأ إلى التصريح بقيمة أقل من قيمة الشيء المؤمن عليه فإنه لا يغطي كل قيمة الشيء بل جزء منها تفاديا لأداء قسط أعلى، لذلك فعند تحقق الخطر فهو لا يستحق إلا تعويضا يوازي الجزء الذي شملته التغطية.

    غير أن قاعدة النسبية ليست من النظام العام لذلك فإنه يجوز استبعادها اتفاقا.


الفقرة الثانية ـ شروط إعمال قاعدة النسبية 

         يشترط لإعمال قاعدة النسبية أن يكون هناك ـ أولاـ تأمين بخس، وأن نكون ـ ثانياـ بصدد تأمين يمكن تحديد القيمة المؤمن عليها فيه، وأخيرا أن يسفر تحقق الخطر عن ضرر جزئي فقط.


         أولا ـ كون التأمين بخسا

    يجب لإعمال قاعدة النسبية أن يكون التأمين بخسا، أي أن يكون المبلغ المؤمن عليه أقل من القيمة المؤمن عليها وقت تحقق ، سواء كان ذلك عن قصد أو بدون قصد كما يقع عندما تزيد قيمة الشيء المؤمن عليه أثناء سريان التأمين كما لو أضاف المؤمن له من الحريق منقولات أخرى إلى منزله دون زيادة في المبلغ المؤمن عليه.


        ثانيا ـ كون القيمة المؤمن عليها مقدرة أو قابلة للتقدير

    فقاعدة النسبية لا تعمل إلا في إطار التأمين من الأضرار حيث تكون القيمة المؤمن عليها مقدرة أو قابلة للتقدير. وهي تعمل على الخصوص في التأمين على الأشياء حيث عادة ما يتم التأمين على شيء معين يمكن تحديد قيمته. وفي الصور النادرة من التأمين على الأشياء التي لا يمكن فيها تحديد القيمة مسبقا، كما هو الشأن في التأمين من المرض حيث لا يمكن التعرف مسبقا على مصروفات العلاج، فإن قاعدة  النسبية لا تعمل. 

         وفي إطار التأمين من المسؤولية لا تعمل قاعدة النسبية إلا بالنسبة للحالة التي يكون فيها المحل مقدرا، حيث يكون الحد الأقصى للمسؤولية الملقاة على عاتق المؤمن له محددا، كما في تأمين الودائع،  حيث تتحدد مسؤولية المودع لديه، وبالتالي القيمة المؤمن عليها في قيمة الوديعة. أما بالنسبة للتأمين من المسؤولية غير المحدد فلا تعمل قاعدة النسبية.


          ثالثا ـ أن يسفر تحقق الخطر عن ضرر جزئي فقط

    فقاعدة النسبية لا تعمل إلا في حالة الضرر الجزئي، لأنه إذا كان الهلاك كليا فإن المؤمن له إنما يحصل على المبلغ المؤمن عليه الذي يعتبر الحد الأقصى لالتزام المؤمن، فلا يظهر من ثم دور قاعدة النسبية. أما إذا وقع ضرر جزئي فإن المؤمن له لا يحصل على تعويض كامل عن ذلك الضرر، بالرغم من كونه أقل من المبلغ المؤمن عليه، وذلك خلافا لما تقتضيه الصفة التعويضية للتأمين من الأضرار، والذي يبرر الخروج على هذه الخاصية هو بالضبط قاعدة النسبية التي تفسر لنا السبب في ترك جزء من الضرر على كاهل المؤمن له.

المبحث الثالث 

 حلول المؤمن محل المؤمن له في الرجوع على المسؤول

أولا ـ أساس رجوع المؤمن على الغير

      بحسب المادة 47/1 من المدونة فإنه:"يحل المؤمن الذي دفع تعويض التأمين محل المؤمن له في حقوقه ودعاويه ضد الأغيار الذين تسببوا بفعلهم في الضرر الناجم عنه ضمان المؤمن، وذلك في حدود مبلغ هذا التعويض.."

    فعندما يرجع الحادث المؤمن منه إلى خطأ الغير، فلاشك أن للمضرورـ وهو هنا المؤمن له ـ الحق في أن يعود على ذلك الغير بالتعويض وفق قواعد المسؤولية المدنية، غير أنه لما كان يختار عادة الرجوع على المؤمن، مادام أن عقد التأمين قد أبرم لهذا الغرض، فإنه يفقد عندئذ حقه في الرجوع على الغير، حتى لا يحصل على التعويض مرتين، من المؤمن ومن الغير المسؤول، وذلك تطبيقا للصفة التعويضية للتأمين من الأضرار. لذلك فإن المؤمن هو الذي يحل محله في هذا الرجوع بحكم القانون.


ثانيا ـ شروط الحلول 

       يشترط لحلول المؤمن محل المؤمن له في دعواه تجاه الغير توفر ثلاثة أمور هي:


    1 ـ أن يكون المؤمن قد دفع تعويض التأمين للمؤمن له: وهذا ما يستخلص من نص المادة 47 التي أقرت حق الحلول ل:"... المؤمن الذي دفع تعويض التأمين ...". ومن تم فمتى أثبت المؤمن حصول الوفاء بين يدي المؤمن له أو المستفيد أصبح من حقه مطالبة المسؤول مباشرة بالمبلغ الذي دفعه. ويقع الإثبات، عادة بتقديم وصل مخالصة أو ما يفيد إجراء تحويل تعويض التأمين لفائدة المؤمن له أو حصول هذا الأخير على شيك أو حوالة بذلك.


    2 ـ أن يكون للمؤمن له نفسه حق رفع دعوى المسؤولية على الغير: فالمؤمن إنما يحل محل المؤمن له في حقه في مطالبة الغير بالتعويض، لذلك وجب أن يكون للمؤمن له نفسه ذلك الحق لكي يمكن أن يحل مؤمنه محله فيه. 


    3 ـ ألا يكون الحلول قد أصبح متعذرا لسبب راجع إلى المؤمن له:  ففي هذه الحالة، حتى ولو كان المؤمن قد دفع تعويض التأمين إلى المؤمن له، فإن كل ما يثبت له هو حق استرجاع ما دفعه من المؤمن له مباشرة عملا بمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 47 المذكورة التي جاء فيها:" يمكن للمؤمن أن يعفى كليا أو جزئيا من الضمان تجاه المؤمن له إذا استحال الحلول لفائدة المؤمن بفعل المؤمن له." 

    وهكذا لو افترضنا أن المؤمن له أبرأ ذمة المسؤول من المسؤولية مثلا، أو صالحه عليها دون موافقة المؤمن، أو ترك دعواه تسقط بالتقادم ثم رجع على المؤمن بالتعويض، أو أنه بعد إبرام عقد التأمين من الحريق مثلا، أعفى مكتري العين المؤمن عليها أو أحد الجيران من مسؤوليته عن الحريق غير المتعمد، فإنه يكون قد أضاع على المؤمن حق الرجوع على الغير المسؤول، وتبعا لذلك يعفى المؤمن من الضمان كليا أو جزئيا. وهو إعفاء يمكن إقراره لفائدته في كل مرة يتعذر عليه الحلول لأي سبب يرجع إلى المؤمن له حتى ولو كان من دون خطأ من هذا الأخير.


ثالثا ـ آثـار الحلـول

    ينتج عن الحلول أن حق المؤمن في الرجوع على الغير المسؤول ينحصر في مقدار تعويض التأمين الذي دفعه إلى المؤمن له أو إلى المستفيد، وهو ما يترتب عليه فقدان المؤمن له لحقه في الرجوع على الغير بذلك المبلغ . غير أنه إذا كان مقدار الضرر اللاحق به يتجاوز مبلغ التعويض، فإنه يحتفظ بحقه في مطالبة المسؤول بالفرق.

      ويثبت للمؤمن حق الحلول تجاه الغير المسؤول مهما كان أساس مسؤوليته: سواء تعلق الأمر بدعوى مسؤولية تقصيرية أو دعوى مسؤولية عقدية أو إدارية. وسواء كان ذلك الغير مسؤولا بصفة شخصية عن الضرر أو بصفته مسؤولا مدنيا عن الشخص الذي تسبب فيه.

       واعتبارا لكون المؤمن إنما يحل محل المؤمن له في حقوقه من هذه الناحية، فإن كافة الدفوع التي كان بإمكان المسؤول أن يحتج بها في مواجهة المؤمن له يمكنه أن يحتج بها في مواجهة المؤمن بما فيها تلك المتعلقة بالمسؤولية أو تقادم الدعوى أو انقضاء الحق بالمقاصة أو بالوفاء أو الإبراء، غير أنه يشترط في الحالات الثلاثة الأخيرة أن تكون قد تمت قبل قيام الحلول ـ أي قبل دفع تعويض التأمين إلى المؤمن له أو إلى المستفيد ـ أما إذا تمت بعد الحلول فلا يمكن الاحتجاج بها في مواجهة المؤمن.


رابعا ـ قيود الحلول

    يرد على حق الحلول قيدان أحدهما قانوني والثاني اتفاقي:

    1 ـ عدم جواز ممارسة حق الحلول تجاه بعض الأشخاص

    تنص الفقرة الأخيرة من المادة 47 على أنه:" خلافا للأحكام السابقة، لا يحق للمؤمن الرجوع على أزواج المؤمن له وأصوله وفروعه وأصهاره المباشرين ومأموريه ومستخدميه وعماله وخدمه، وعموما كل شخص يعيش عادة في منزل المؤمن له، ما عدا في حالة سوء نية أحد هؤلاء الأشخاص."

    فالمشرع منع المؤمن من الرجوع على الأشخاص المذكورين اعتبارا للعلاقة الخاصة التي تربطهم بالمؤمن له والتي إما أنها كانت ستمنع هذا الأخير نفسه من الرجوع عليهم بالتعويض، فبالأحرى أن يمنع المؤمن من ذلك، وإما أن المؤمن له،  باعتباره مسؤولا مدنيا عنهم، كان هو الذي سيلزم بالتعويض عوضا عنهم، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تعطيل التأمين، حيث أن ما سيدفعه المؤمن إلى المؤمن له سيعود لاسترجاعه منه بمقتضى دعوى الرجوع على هؤلاء الأشخاص. من هنا ولما كانت التغطية في التأمين من الأضرار تشمل الأضرار التي يتسبب فيها الأشخاص الذين يكون المؤمن له مسؤولا مدنيا عنهم (المادة18)، فقد جاءت المادة 47 ، تأكيدا لهذا المبدأ، لتستثني هؤلاء الأشخاص من حق الحلول.

        وقد يقع بعض اللبس في فهم صيغة:"كل شخص يعيش عادة في منزل المؤمن له" الواردة في هذه المادة:

        فمن ناحية، يجب تفسير عبارة "كل شخص" بمعناها المطلق، فكل شخص مهما كانت طبيعة علاقته بالمؤمن له، ما دام أنه يعيش بصفة اعتيادية في منزل هذا الأخير، لا يمكن ممارسة حق الرجوع عليه من قبل المؤمن.

       ومن ناحية ثانية، لا يجب أخذ عبارة "منزل المؤمن له" بمعناها اللغوي المباشر. فليس المقصود بالمنزل الدار التي يسكن فيها المؤمن له، إذ يمكن أن تكون أي مكان مثل مصنع أو داخلية في مؤسسة تعليمية أو تكنة ...المهم أن يستعمل للإقامة بصفة اعتيادية.

        كما أنه لا يشترط أن يكون المؤمن له مقيما في ذلك المكان. فسماح صاحب المصنع لشخص بالإقامة فيه، حتى وإن لم تكن تربطه به علاقة شغل، يجعل ذلك المصنع في حكم المنزل دون التفات لإقامة المؤمن له فيه أم لا.

          وأخيرا، لا يشترط أن يكون المنزل منزل المؤمن له، بمعنى أنه لا يشترط أن يكون هذا الأخير هو صاحبه، فيمكن أن يكون مشتركا بين المسؤول عن الضرر وبين المؤمن له، بل قد يكون صاحبه هو المسؤول عن الضرر، مما يعني أنه يكفي في بعض الأحيان أن تكون هناك إقامة مشتركة.

          ويلاحظ أن المنع المنصوص عليه في المادة 47 هو، من ناحية، من النظام العام، فلا يجوز الاتفاق على خلافه، وهو ينحصر، من ناحية ثانية، في الحوادث الواقعة من الأشخاص المذكورين فيها بدون قصد أو سوء نية، أما إذا كانت متعمدة، فإنه سيكون من غير المقبول منع المؤمن من الرجوع على المسؤول بالنظر إلى خطورة الخطأ الصادر عنه، خاصة إذا كان فعله يشكل جريمة. غير أنه حتى في هذه الحالة يجب أن ينحصر ممارسة حق الرجوع في مواجهة المسؤول، أما إذا كان من شأنه أن يمس المؤمن له باعتباره مسؤولا مدنيا عن مرتكب الحادث، فإعمالا لما تنص عليه المادة 18 التي تجعل المؤمن مسؤولا عن الأضرار التي يتسبب فيها الأشخاص الذين يكون المؤمن له مسؤولا مدنيا عنهم مهما كانت طبيعة وجسامة هذه الأخطاء، فإنه لا يجوز للمؤمن ممارسته لأنه سيؤدي إلى تعطيل التأمين، ما لم يكن مرتكب الحادث نفسه، قد أمن على مسؤوليته عنه حيث يحتفظ المؤمن في هذه الحالة بحقه في الرجوع على مؤمن المسؤول لأن  المؤمن له نفسه لابد أنه كان سيمارس هذا الحق .

    2 ـ تنازل المؤمن عن حقه في الحلول

        قد يتنازل المؤمن نفسه عن حقه في الحلول محل المؤمن له في دعواه تجاه الغير المسؤول وذلك إما بمقتضى شرط صريح في العقد أو بمناسبة وقوع حادث معين. وفي كلا الحالتين يجب أن يكون التنازل صريحا، وأن يفسر تفسيرا ضيقا، فلا يشمل إلا الحادث أو الحوادث المبينة في الاتفاق، ولا يمتد إلى غير الأشخاص المعينين فيه، بحيث إذا نص مثلا في عقد التأمين من الحريق على عدم جواز رجوع المؤمن على المكتري إذا ما تسبب في إحراق العين المكتراة، فإنه لا يمكن للمكتري من الباطن أن يحتج بذلك التنازل.


الفصل الثاني

 التأمين من المسؤوليــــة

تعريف    

        التأمين من المسؤولية عقد يضمن بموجبه المؤمن الأضرار التي تلحق المؤمن له في ذمته المالية من جراء رجوع الغير عليه بدعوى المسؤولية.

    من هنا فالتأمين من المسؤولية لا يغطي فقط الأضرار التي تلحق المؤمن له نتيجة تحقق مسؤوليته تجاه الغير، بل كذلك تلك التي تلحقه نتيجة مطالبة الغير له بالتعويض من دون أن تستند تلك المطالبة إلى أساس، حيث تشمل التغطية المصاريف التي تكبدها المؤمن له في هذا الشأن، ذلك أن المادة 63 من المدونة تنص على أنه:" يتحمل المؤمن المصاريف المترتبة عن كل متابعة بالمسؤولية موجهة ضد المؤمن له، عدا اتفاق مخالف."

    ويشكل التأمين من المسؤولية أهم صور التأمين من الأضرار، بل قد يكون أهم صور التأمين على الإطلاق بسبب الانتشار الكبير الذي يعرفه نظرا لاتساع صور المسؤولية المدنية نتيجة التطور الآلي الهائل الذي عرفته البشرية خلال القرن العشرين. لذلك فهذا التأمين يتنوع بتنوع المسؤوليات المدنية الناتجة عن مختلف الأنشطة الإنسانية. ولعل أهم صوره مختلف تأمينات المسؤولية الناتجة عن السير(بما فيها تأمينا النقل البري   للبضائع وللأشخاص، والتأمين من المسؤولية الناتجة عن استعمال العربات ذات المحرك) وكذلك التأمين من مسؤولية المؤاجرين عن حوادث الشغل، والتأمين من المسؤوليات المهنية المتنوعة (الأطباء، الصيادلة،المهندسون المعماريون، المنتجون...)  والتأمين من الحوادث المدرسية.


أنواع التأمين من المسؤولية

    ينقسم التأمين من المسؤولية إلى تأمين من خطر معين وتأمين من خطر غير معين.

    فيكون التأمين من المسؤولية تأمينا من خطر معين عندما ينصب على قيمة مقدرة أو قابلة للتقدير، كما في التأمين من مسؤولية النقل البري للبضائع، حيث تتحدد قيمة الخطر في قيمة البضائع المنقولة، أو كما في التأمين من مسؤولية المودع عنده، إذ تتحدد بقيمة الأشياء المودعة.

         ويخضع هذا النوع من التأمين لقواعد لا يخضع لها التأمين من خطر غير معين، منها قاعدة النسبية التي سبق لنا بيانها.

    ويكون التأمين من المسؤولية تأمينا من خطر غير معين عندما ينصب على قيمة غير محددة وليست قابلة للتحديد. وهو الغالب في هذا النوع من التأمين، كما في التأمين من المسؤولية عن حوادث السير وحوادث الشغل ونقل الأشخاص ومسؤوليات الجوار والنشاط المهني. غير أنه مع ذلك قد يتفق الطرفان على التأمين بمبلغ معين، وحينئذ فإن هذا المبلغ لا يشكل قيمة الخطر المؤمن منه وإنما الحد الأقصى لالتزام المؤمن بحيث أن قيمة الضرر التي تتجاوزه تظل على عاتق المؤمن له. أما إذا لم يتم تحديد مبلغ التأمين فإن المؤمن يضمن كافة الضرر مهما كان مقداره.

    وعادة ما يحدد في عقد التأمين نوع المسؤولية المشمولة بالتغطية والقيمة التي ينصب عليها (غير محددة، أو  محددة  في مبلغ معين).

         ويخضع التأمين من المسؤولية للأحكام العامة للتأمين من الأضرار التي رأيناها سابقا، إلا أنه ينفرد ببعض الأحكام الخاصة التي اقتضتها طبيعته الخاصة باعتباره يدخل في العلاقة بين المؤمن والمؤمن له شخصا ثالثا هو المضرور، لذلك فإننا سوف نخصص المبحث الأول من هذا الفصل للأحكام الخاصة بالتأمين من المسؤولية.

    غير أنه بالنظر إلى أن المسؤولية المدنية عن حوادث السير تخضع لمبدأ إجبارية التأمين، فإننا سنخصص المبحث الثاني للتأمين الإجباري على السيارات.

المبحث الأول 

 الأحكام الخاصة بالتأمين من المسؤولية

    سوف نبحث تحت هذا المبحث كيفية إعمال الضمان الناشئ عن عقد التأمين من المسؤولية. فكما سبق القول، فإن هذا التأمين يغطي الأضرار المالية التي تلحق المؤمن  له نتيجة مطالبة الغير له بالتعويض، لذلك فإن الضمان يعمل عند كل مطالبة قضائية أو ودية بالتعويض استنادا إلى مسؤولية المؤمن له عن الضرر، شريطة أن يكون الحادث  قد وقع أثناء مدة التأمين.

    والضمان يعمل بطريقتين، فإما أن يكون المضرور قد طالب المؤمن له المسؤول بالتعويض واضطر هذا الأخير إلى دفعه إليه، حيث حينئذ يثبت للمؤمن له حق الرجوع بما دفع على المؤمن عملا بمقتضيات عقد التأمين، وإما أن يوجه المضرور مطالبته مباشرة إلى المؤمن حيث يكون على هذا الأخير أن يدفع له ما يستحقه من تعويض، فلنرى كل طريقة من الطريقتين في فرع مستقل.

المطلب الأول   

 مطالبة المضرور للمؤمن له ورجوع هذا الأخير على المؤمن

         لقد جعل المشرع المغربي من مطالبة المضرور سواء القضائية أو الودية شرطا لإعمال الضمان، إذ تنص المادة 61 من المدونة على أنه:"فيما يخص تأمينات المسؤولية، لا يكون المؤمن ملزما إلا إذا قدم الغير المتضرر بعد وقوع الفعل المحدث للضرر المنصوص عليه في العقد، طلبا وديا أو قضائيا إلى المؤمن له أو المؤمن". من هنا، فإنه لا يكفي لإعمال الضمان وقوع الحادث، وإنما يجب أن تكون هناك مطالبة بالتعويض من قبل الغير سواء أكانت تقوم أولا تقوم على أساس، فالأضرار المالية الناتجة عن هذه المطالبة هي التي تشكل الخطر المؤمن منه وليس الحادث في حد ذاته (المادة 63).

         ولما كان المؤمن له ملزما بأن يشعر المؤمن بكل حادث من شأنه أن يؤدي إلى إثارة الضمان (المادة 20 ـ بند :5)  فإنه يكون عليه أن يشعره بحصول المطالبة سواء الودية أو القضائية بمجرد توصله بها، وعلى أبعد تقدير داخل الخمسة أيام الموالية لحصولها. غير أنه يلاحظ أن شركات التأمين لا تكتفي عادة بذلك وإنما تشترط الإشعار حتى بالحادث الذي من شأنه إثارة ضمان المؤمن خلال خمسة أيام من علم المؤمن له به حتى تتمكن من اتخاذ الاحتياطات الضرورية للمحافظة على حقوقها. 

         ومطالبة المضرورة للمؤمن له بالتعويض إما أن تسوى وديا أو قضائيا.


أولا ـ تسوية المطالبة وديـا 

    ليس هناك، مبدئيا، ما يمنع المؤمن له من تسوية المطالبة وديا مع المضرور سواء في تجاه الإقرار بعدم قيام مسؤوليته، أو الإقرار بقيامها مع التصالح بشأنها. وكل تسوية توصل إليها يمكنه الاحتجاج بها تجاه المؤمن والرجوع عليه بالضمان بمقتضاها. غير أنه لما كان المؤمن أجنبيا عن تلك التسوية، التي هي عقد يخضع لمبدأ نسبية الآثار، فإنها لا تلزمه ويجوز له، من تم، أن يتمسك في مواجهة المؤمن له بكافة الدفوع التي من شأنها أن تعفيه من الضمان، أو تخففه عليه. 

          ويلاحظ أنه غالبا ما يتضمن عقد التأمين شرطا يمنع المؤمن له من الاعتراف بالمسؤولية أو التصالح بشأنها إلا بموافقة المؤمن، وذلك تفاديا لتواطئه أو تهاونه في دفعها عنه وهو ما يضر بمصالح المؤمن. ولقد نصت في هذا الشأن المادة 64 ـ فقرة 1 من المدونة على أنه:"يمكن للمؤمن أن ينص في العقد على أنه لا يمكن الاحتجاج عليه بأي اعتراف بالمسؤولية أو بأي صلح تم دون علمه. ولا يعتبر الاعتراف بحقيقة واقعة ما بمثابة اعتراف بالمسؤولية".


 ثانيا ـ تسوية المطالبة قضائيا 

    غالبا ما يتم تسوية المطالبة عن طريق القضاء، وذلك إما لأن عقد التأمين يتضمن شرطا يمنع المؤمن له من إجراء التسوية الودية إلا بموافقة المؤمن، وإما لأن المؤمن له يخشى تعنت المؤمن ومواجهته له بمختلف الدفوع، مما قد يحرمه من الضمان كليا أو جزئيا، فيفضل بالتالي، التسوية القضائية أي مواجهة دعوى المطالبة بالتعويض التي يرفعها عليه المضرور.

    غير أنه لما كانت هذه الدعوى تتعلق بها مصالح المؤمن لأنه هو الذي سيلزم بأداء التعويض، فإنه غالبا ما يتدخل فيها، بل إنه كثيرا ما يتولى بنفسه إدارتها نيابة عن المؤمن له، وناذرا ما يترك هذا الأخير يواجهها لوحده. فلنتوقف عند كل احتمال من هذه  الاحتمالات بشيء  من التفصيل.


    1 ـ مواجهة المؤمن له دعوى المسؤولية لوحده

    نادرا ما يترك المؤمن المؤمن له يواجه دعوى المسؤولية لوحده. وفي الحالات التي يقع فيها ذلك، يكون إما لتعذر إدخال المؤمن خصما فيهاـ كما لو أقيمت ضد المؤمن له الدعوى العمومية دون الدعوى المدنية التابعة، أو كان العقد يتضمن شرطا بعدم إدخال المؤمن خصما في الدعوى، أو كانت للمؤمن دفوع قوية بشأن الضمان نفسه ـ وإما لأن المؤمن له انطلاقا من اقتناعه بعدم مسؤوليته يقدر أنه بإمكانه الدفاع عن نفسه لوحده.

    وفي جميع الحالات، سواء انتهت الدعوى بالحكم على المؤمن له بالتعويض، أو بعدم مسؤوليته، فإنه يرجع بما دفعه للمضرور، مع المصاريف على المؤمن، لأن الخطر المؤمن منه قد تحقق وهو حصول المطالبة بالتعويض.

         ورجوع المؤمن له على المؤمن إما أن يكون وديا أو أن يكون قضائيا إذا لم يستجب المؤمن إلى مطالبته الودية. حيث يكون على المؤمن له أن يرفع دعوى أصلية بالضمان على المؤمن، فيثبت قيام مسؤوليته تجاه المضرور، وأن هذه المسؤولية يغطيها التأمين ليحصل على تعويض التأمين من المؤمن.

    وباعتبار أن المؤمن ليس طرفا في دعوى المسؤولية التي يستند إليها المؤمن له في رجوعه عليه، فإنه، عملا بمبدأ نسبية حجية الأحكام القضائية ـ الحكم الصادر فيها لا يلزمه، فيمكنه، من تم، أن يواجه المؤمن له بكافة الدفوع سواء ما تعلق منها بالمسؤولية أو بالضمان، كأن يثبت أن المؤمن له تواطأ مع المضرور أو تهاون في دفع مسؤوليته  أو أن هناك مخالفة لشرط صريح في عقد التأمين (مثلا، شرط عدم الاعتراف   بالمسؤولية) أو أن حق المؤمن له في الضمان قد سقط لسبب من أسباب السقوط.


    2 ـ تدخل المؤمن أو إدخاله خصما في الدعوى

    قد يرتئي المؤمن التدخل في الدعوى لمناقشة مسؤولية المؤمن له وإثارة ما لديه من دفوع تتعلق بالضمان. كما قد يتم إدخاله خصما فيها: إما بطلب من المضرور الذي يعلم بوجود التأمين فيريد ضمان الحصول على التعويض. أو بطلب من المؤمن له الذي يرغب في التوصل إلى البت في دعوى المسؤولية ودعوى الضمان في نفس الوقت، وهذا ما يقع في الغالب، حيث يبادر المؤمن له بمجرد تبليغه برفع الدعوى عليه إلى إدخال مؤمنه خصما فيها.

    وللمؤمن الحق في التدخل في الدعوى من دون حاجة إلى شرط خاص بذلك في العقد لأنه إنما يدافع عن مصالحه، ولا يتولى النيابة عن المؤمن له كما يقع عندما يدير الدعوى نيابة عن هذا الأخير، لذلك فإن الحكم الذي يصدر في الدعوى في هذه الحالة يحوز قوة الشيء المقضي به بالنسبة إليه سواء فيما يتعلق بالدعوى الأصلية المتعلقة بمسؤولية المؤمن له أو الدعوى الفرعية المتعلقة بالضمان.

    غير أنه يلاحظ أن للمؤمن أن يشترط في عقد التأمين عدم إدخاله خصما في دعوى المسؤولية من قبل المؤمن له، ما لم يتعلق الأمر بالمسؤولية عن حوادث السير حيث يكون إدخاله إلزاميا (المادة 129 الفقرة الثانية من المدونة).


    3 ـ تولي المؤمن إدارة الدعوى نيابة عن المؤمن له

           كثيرا ما يشترط المؤمن في عقد التأمين توليه بنفسه الدفاع عن المؤمن له. فالمؤمن  له مصلحة أكيدة في مواجهة مطالبة المضرور مادام أنه في النهاية هو الذي سيتولى دفع التعويض، لذلك فمن مصلحته مناقشة مسؤولية المؤمن له، إما لاستبعادها نهائيا أو للتوصل إلى  تشطيرها وبالتالي إنقاص قدر التعويض.

    وشرط تولي إدارة الدعوى هذا يعتبر بمثابة توكيل من المؤمن له للمؤمن، لذلك فما لم ينص عليه صراحة في عقد التأمين فإنه لا يعمل به، ولا يحق للمؤمن أن يتولى إدارة الدعوى نيابة عن المؤمن له.

    وحتى يتمكن المؤمن من ممارسة هذا الحق الاتفاقي بفعالية فإنه غالبا ما يتم دعمه بمجموعة شروط إضافية تتمثل في منع المؤمن له من الاعتراف بمسؤوليته أو عقد صلح بشأنها، وفي إلزامه بتسليم كافة الوثائق المتعلقة بالمطالبة، وبالامتناع عن التدخل في الدعوى.

    لذلك، فمع وجود مثل هذه الشروط كل اعتراف بالمسؤولية من قبل المؤمن له لا يمكن الاحتجاج به في مواجهة المؤمن.

          كما أن كل صلح يجريه المؤمن له لا يمكن الاحتجاج به في تجاه المؤمن الذي يحتفظ، مع ذلك، بحق إجراء مثل ذلك الصلح مع المضرور.

    وبالإضافة إلى ذلك، على المؤمن له أن يسلم إلى المؤمن كافة الوثائق والمستندات المتعلقة بالدعوى حتى يتمكن هذا الأخير من إدارتها بفعالية. فإذا أخل المؤمن له بهذا الالتزام، ألزم بالتعويض عن الضرر الذي قد ينتج عن ذلك، ما لم يتضمن العقد شرطا بسقوط حقه في مبلغ التأمين نتيجة ذلك، حيث نرى أن ذلك الشرط يكون صحيحا متى كان المؤمن له سيء النية بحيث تعمد عدم تقديم الوثائق والمستندات، أما إذا كان حسن النية بحيث كان له عذر مقبول في عدم تقديمه لها فإن الشرط يقع باطلا.

    كما أنه تطبيقا لشرط إدارة الدعوى من طرف المؤمن فإنه يجب على المؤمن له أن يمتنع عن التدخل في عملية الإدارة تلك، فلا يحق له أن يعين محاميا يؤازره، ولا أن يطعن في الحكم لا استئنافيا ولا بالنقض، ولا أن يقوم بأي تصرف من شأنه أن يضر بالمؤمن، وإلا كان من حق هذا الأخير أن يطالبه بالتعويض عن كل ضرر قد يلحقه نتيجة ذلك، ما لم يكن العقد يتضمن شرطا صريحا بسقوط حقه في التأمين.    

    هذا، وتولي المؤمن إدارة الدعوى يخوله اتخاذ كافة الإجراءات القضائية المتعلقة بها والتي كان بإمكان المؤمن له أن يتخذها بنفسه، فيحق له أن يعين محاميا وأن يصدر له التعليمات فيما يتعلق بخطة الدفاع من دفوع وطلبات وغيرها، وأن يزوده بالوثائق الضرورية، كما أن له أن يسلك كافة طرق الطعن الممكنة.

    غير أنه يلاحظ أنه إذا كان الأمر يتعلق بالدعوى العمومية ولم يسلك المضرور طريق الدعوى المدنية التابعة فإن شرط إدارة الدعوى لا يعمل، أما إذا كان المضرور قد أقام الدعوى المدنية التابعة فإن حق المؤمن ينحصر في تولي إدارة هذه الأخيرة.

    ويتحمل المؤمن كافة النفقات والمصاريف المترتبة على الدعوى التي يديرها بما فيها التعويضات في حالة الحكم بها، والمصاريف القضائية الأخرى، وذلك إعمالا للضمان الناتج عن عقد التأمين، حيث لا يمكنه أن يحتج حينئذ بأية دفوع في مواجهة المؤمن له، سواء كانت تتعلق بالضمان أو بالمسؤولية ما دام أنه هو الذي أدار الدعوى.

    ومع ذلك فإن شرط تولي إدارة الدعوى لا يرتب التزاما على عاتق المؤمن بأن يتولى تلك الإدارة في كافة الأحوال، وإنما هو له الخيار في ممارسة هذا الحق أو عدم ممارسته، غير أنه إذا ترك المؤمن له يواجه الدعوى لوحده فإن نتائجها تلزمه ما لم تكن له دفوع تتعلق بالضمان أو المسؤولية كما سبق أن أوضحنا.


المطلب الثاني 

  دعوى المضرور المباشرة ضد المؤمن

أولا ـ مفهوم الدعوى المباشرة

    على خلاف القاعدة العامة التي تقضي بأن آثار العقد لا تنصرف إلى غير عاقديه، فإن المشرع المغربي أعطى للمضرور حقا مباشرا على التعويضات التي يكون على المؤمن أن يدفعها إلى المؤمن له عقب تحقق مسؤولية هذا الأخير. وبمقتضى هذا الحق فإن للمضرور حق رفع دعوى مباشرة على المؤمن لمطالبته بالتعويض عن الضرر اللاحق به. وهكذا فقد جاء في الفقرة الأولى من المادة 62 من المدونة:"لا يمكن للمؤمن أن يؤدي لشخص آخر غير الطرف المتضرر أو ذوي حقوقه كل المبلغ المستحق عليه أو بعضه في حدود الضمان المنصوص عليه في العقد، ما دام هذا الغير لم يعوض في حدود المبلغ المذكور عن العواقب المالية للفعل المحدث للضرر والذي نتجت عنه مسؤولية المؤمن له."

          فهذه المادة، وإن لم تنص على الدعوى المباشرة بصيغة صريحة، فإنها انطلاقا من أنها تلزم المؤمن بأن يؤدي مبلغ التعويض إلى المضرور أو دوي حقوقه ما  داموا لم يحصلوا عليه من جهة أخرى، فذلك يعني أنها تقرر ضمنا لهؤلاء الحق في أن يطالبوا به المؤمن مباشرة .

    والقصد من وراء إقرار المشرع هذا الحق للمضرور هو إعطاء هذا الأخير امتيازا على مبلغ التأمين، الذي يشكل دينا للمؤمن له على المؤمن، ما دام أن هذا المبلغ  لم يصبح مستحقا إلا نتيجة للفعل الضار الصادر عن المؤمن  له، فيضمن المضرور بذلك الحصول على التعويض عن الضرر الذي  لحقه نتيجة ذلك الفعل .

    وهذا يعني أن سند المشرع في إقرار الدعوى المباشرة هو حماية حق المضرور في الحصول على التعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب الحادث الذي اعتبر المؤمن له مسؤولا عنه حتى لا يعمد هذا الأخير، بعد الحصول على مبلغ التأمين إلى تبذيره، فيجد المضرور نفسه أمام مسؤول معسر، ويواجه بمزاحمة الدائنين الآخرين.


ثانيا ـ شروط ممارسة الدعوى المباشرة

         يجب أن تمارس الدعوى المباشرة من قبل من له الحق فيها وهو المضرور أو ذوي حقوقه في حالة وفاته، وعلى المستفيد من الدعوى المباشرة أن يثبت مسؤولية المؤمن له عن الضرر الذي لحقه من جهة، وأن يثبت، ثانيا، وجود عقد تأمين عن تلك المسؤولية، وألا يكون قد سبق له أن حصل على التعويض.


         1 ـ ممارسة الدعوى المباشرة من قبل من له الحق فيها

         ممارسة الدعوى المباشرة حق، أولا، للضحية الذي أصيب مباشرة بالضرر من جراء فعل المؤمن له المسؤول. وهو حق، ثانيا، لذوي حقوق المضرور أو لورثته في حالة وفاته، سواء بصفتهم هذه بالنسبة للضرر الذي لحق مورثهم، أو بصفتهم الأصلية بالنسبة للضرر الذي لحقهم شخصيا من جراء وفاة مورثهم. وممارسة الدعوى المباشرة يثبت كذلك لمن يحل محل المضرور في حقوقه مثل مؤمنه الشخصي الذي سبق له أن دفع له التعويض عن نفس الضرر، إذ أن له الحق في الرجوع على مؤمن المسؤول. وكذلك الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والدولة وكل مشغل أو جهة ملزمة بدفع إيراد أو معاش للمضرور بسبب الحادثة التي تعرض لها بفعل المؤمن له.

    2 ـ إثبات مسؤولية المؤمن له

    انطلاقا من أن الدعوى المباشرة لا تعمل إلا في إطار التأمين من المسؤولية، فإنه يجب إثبات قيام مسؤولية المؤمن له عن الضرر الذي لحق بالمضرور. وهذا الإثبات قد يتم بمناسبة البت في الدعوى المباشرة ذاتها، كما لو أقر المؤمن بمسؤولية المؤمن له أو تم إدخال المؤمن له خصما في الدعوى، وأقرت المحكمة مسؤوليته. وقد يتم عن طريق دعوى المسؤولية المستقلة إما بواسطة القضاء الجنائي، بحيث تتم إدانة المؤمن له جنائيا وتثبت مسؤوليته المدنية في الدعوى التابعة فيكون لهذا الحكم قوة الشيء المقضي في مواجهة المؤمن، وإما بواسطة القضاء المدني إذا أقرت المحكمة مسؤولية المؤمن له، حيث، وإن كان هذا الحكم ليست له قوة الشيء المقضي في مواجهة المؤمن باعتباره غيرا في الدعوى، فإنه يمكن الاستناد إليه كدليل لمطالبته بالتعويض على نحو ما بيناه سابقا، ما لم يكن المؤمن قد تولى إدارة الدعوى بنفسه، أو أدخل خصما فيها حيث يحوز الحكم  بالنسبة إليه قوة الشيء المقضي.

    ويلاحظ أنه حتى إذا تمت تبرئة المؤمن له أمام القضاء الجنائي، أو قررت النيابة العامة حفظ الملف، فإن ذلك لا يعني انتفاء المسؤولية المدنية عنه، لقيام هذه الأخيرة على أسس مغايرة لتلك التي تقوم عليها المسؤولية الجنائية، كما هو الشأن، مثلا،  بالنسبة لمسؤولية حارس الأشياء التي تقوم ولو من دون خطأ في جانبه، في حين أن المسؤولية الجنائية عامة تتطلب إثبات خطأ المتهم، من هنا بالرغم من الحكم بعدم الإدانة الجنائية يمكن للمضرور رفع الدعوى المباشرة على المؤمن، وإدخال المؤمن له خصما فيها لإثبات مسؤوليته.


    3 ـ إثبات وجود عقد تأمين من المسؤولية

    لكي يستطيع المضرور أن يثبت التزام المؤمن تجاه المؤمن له بشأن ضمان المسؤولية يجب عليه أن يثبت أن الضرر الذي لحق به مضمون بعقد التأمين.

    غير أنه لما كان عقد التأمين ليس بين يدي المضرور فإنه يمكنه أن يثبت وجوده بكافة الوسائل، وأن يطلب من المحكمة أن تأمر إما المؤمن أو المؤمن له ـ إذا أدخل خصما في الدعوى المباشرة ـ أن يدلي بذلك العقد.

    وإذا كان المضرور، باعتباره مدع، ملزم بأن يثبت عقد التأمين، فإن المؤمن كذلك ملزم بتقديمه لكي يبين حدود ونطاق التزامه. كما أنه إذا كانت له دفوع تتعلق بالضمان ويريد التمسك بها تجاه المضرور، فمن اللازم عليه أن يقيم الدليل عليها عن طريق الإدلاء بذلك العقد.


    4 ـ عدم سبق حصول المضرور على التعويض 

    يشترط لممارسة الدعوى المباشرة ألا يكون المضرور قد سبق له الحصول على التعويض من المؤمن له أو من أية جهة أخرى، ذلك أن الدين الذي يطالب به واحد، وإذا كان له الخيار في مطالبة أي من المؤمن له، طبقا لقواعد المسؤولية، والمؤمن طبقا للدعوى المباشرة، فإنه لا يجوز له أن يرجع عليهما معا، لذلك فهو إذا استوفى حقه من أحدهما برئت ذمة الآخر.

    وإذا رفع المضرور الدعوى المباشرة رأسا على المؤمن دون أن يسبق له رفع دعوى المسؤولية على المؤمن له، فإن عليه أن يدخل هذا الأخير خصما فيها، وفي هذه الحالة فإنه لا يعتبر أنه قد رجع على كل من المؤمن والمؤمن له بمبلغ التعويض، بل هو إنما يدخل المؤمن له في دعواه تجاه المؤمن حتى يكون بالإمكان البث في مسؤولية الأول، ومن ثم تقدير مبلغ التعويض لتحديد مدى التزام الثاني، ذلك ما لم يكن المؤمن يقر بمسؤولية المؤمن له وبالتزامه بضمان تلك المسؤولية، حيث لا حاجة عندئذ لإدخال المؤمن له خصما في الدعوى المباشرة.


ثالثا ـ آثار الدعوى المباشرة

    الأثر الأساسي المترتب على الدعوى المباشرة هو أن حقوق المؤمن له الناشئة عن عقد التأمين تنتقل إلى المضرور. فتلك الحقوق تظل مجمدة لدى المؤمن لفائدة المضرور، فتنتقل إليه بمقتضى الدعوى المباشرة بتوابعها من فوائد وضمانات ودفوع من وقت وقوع الحادث الذي هو وقت ثبوت حق المضرور في الدعوى المباشرة.

    ولما كانت حقوق المؤمن له تنتقل إلى المضرور بتوابعها، فقد كان من المفروض أن يملك المؤمن حق مواجهة المضرور بكافة الدفوع التي كان بإمكانه أن يحتج بها على المؤمن له، غير أن المشرع المغربي حماية منه للمضرور من تلاعبات المؤمن له وتقصيره بعد وقوع الحادث، قرر أنه لا يجوز للمؤمن أن يحتج في مواجهة  المضرور إلا بالدفوع الناشئة قبل وقوع الحادث دون تلك الناشئة بعد وقوعه، وذلك استنادا إلى أن حقوق المؤمن له تنتقل إلى المضرور وقت وقوع الحادث، لذلك فهي تنتقل إليه بالحالة التي هي عليها في ذلك الوقت، وليس بالحالة التي تصبح عليها بعده. من هنا فقد قرر المشرع المغربي في الفقرة الثانية من المادة 62 السابق الإشارة إليها أنه:"لا يمكن الاحتجاج تجاه الأغيار المستفيدين بأي سقوط للحق معلل بتقصير المؤمن له في التزاماته حاصل بعد وقوع الحادث. غير أنه، فيما يتعلق بأخطار المسؤولية المرتبطة بحوادث الشغل، لا يحتج بسقوط الحق تجاه الضحايا أو ذوي حقوقهم وذلك حتى في حالة تقصير المؤمن له في التزاماته والحاصل قبل وقوع الحادث."

    وهكذا بالنسبة للدفوع الناشئة قبل وقوع الحادث يحق للمؤمن أن يحتج بها تجاه المضرور لأن هذا الأخير حل محل المؤمن له في تلك الحقوق وهي مثقلة بتلك الدفوع. وهذه الدفوع إما أن ترجع إلى عناصر وشروط واردة في عقد التأمين ذاته، أو ترجع إلى مخالفات صادرة عن المؤمن له بعد انعقاد العقد ولكن قبل وقوع الحادث.

        يمكننا أن نذكر من ذلك الدفع بانعدام الضمان ـ كما لو أن الحادث كان يدخل في الاستثناءات من الضمان التي اتفق عليها الطرفان ـ أو الدفع ببطلان العقد بسبب الكتمان أو التصريح الكاذب الصادر عن المؤمن له عن سوء نية، والدفع بإنقاص تعويض التأمين في نفس الحالة بالنسبة للمؤمن له حسن النية، أو الدفع بفسخ العقد لأي سبب  من أسباب الفسخ، أو الدفع بانقضاء العقد قبل وقوع الحادث، أو الدفع بتوقف العقد عن السريان بسبب عدم أداء الأقساط،أو التمسك بإعمال قاعدة النسبية في التعويض التي سبق لنا أن رأيناها.

    أما بالنسبة للدفوع التي لا تنشأ إلا بعد وقوع الحادث فلا يجوز للمؤمن أن يحتج بها على المضرور. وذلك مثل شرط سقوط حق المؤمن له إما لعدم إشعاره بوقوع الحادث في الأجل القانوني، أو هروبه عقب ارتكاب الحادث، أو تدخله في الدعوى خلافا لما يقتضيه شرط صريح في العقد، أو بسبب تصريحاته الكاذبة عن الحادث، أو لامتناعه عن تسليم الوثائق والمستندات للمؤمن.

    فمثل هذه الدفوع لا حق للمؤمن في الاحتجاج بها على المضرور، وعليه بالتالي أن يدفع لهذا الأخير مبلغ التعويض مع احتفاظه بحق الرجوع على المؤمن له.

المبحث الثاني

 التأمين الإجباري على السيارات

     التأمين الإجباري على السيارات هو تأمين من المسؤولية المدنية الناتجة عن حوادث العربات البرية ذات المحرك، لذلك فهو يخضع لأحكام التأمين بصفة عامة، ولأحكام التأمين من المسؤولية بصفة خاصة، وذلك إضافة إلى الأحكام الخاصة بذلك التأمين والتي ستكون موضوع المطلب الأول من هذا المبحث.

          ولقد فرض المشرع التأمين الإجباري على العربات ذات المحرك سعيا منه لحماية ضحايا حوادث السير حتى لا يجدون أنفسهم أمام مسؤول معسر. وتكملة لهذه الحماية فقد عمل المشرع كذلك على إنشاء صندوق ضمان حوادث السير الذي أنيط به تعويض ضحايا حوادث السير التي لا يكتشف مرتكبوها أو لا يكون لمرتكبيها تأمينا يغطيها كليا أو جزئيا، أي في الحالات التي لا يوجد فيها تأمين من المسؤولية يكفل تغطية الضرر اللاحق بالمضرور.

    من هنا وبالنظر لما لصندوق ضمان حوادث السير من ارتباط بالتأمين الإجباري على السيارات حيث أنه يكمله ويغطي ما فيه من نقص فإننا نرى أن نفرد له المطلب الثاني من هذا المبحث.

المطلب الأول 

 أحكام التأمين على العربات البرية ذات محرك

       نظم المشرع التأمين الإجباري على العربات ذات المحرك في مدونة التأمينات الجديدة (المواد من 120 إلى 132) إضافة إلى القرار رقم 1053.06 الصادر بتاريخ 26 ماي 2006 (الملحق1) بشأن الشروط النموذجية العامة للعقود المتعلقة بتأمين المسؤولية المدنية عن العربات ذات محرك. ونتناول هذه الأحكام من خلال فرعين، نخصص الأول منهما لإجبارية التأمين على السيارات، والثاني لنطاق ذلك التأمين.


الفرع الأول

إجبارية التأمين على العربات البرية ذات محرك

أولا ـ مبدأ إلزامية التأمين على حوادث السير

          التأمين من المسؤولية المدنية عن حوادث السير تأمين إجباري، إذ أن كل شخص طبيعي أو معنوي معرض لقيام مسؤوليته المدنية عن الأضرار البدنية أو المادية اللاحقة بالأغيار والتي قد تتسبب فيها عربة برية ذات محرك ملزم قانونا بعقد تأمين على تلك المسؤولية (المادة 120 من مدونة التأمينات)، وإلا تعرض للعقاب الذي تنص عليه المادة 131 وهو"... الحبس من شهر(1) إلى ستة (6) أشهر وبغرامة من ألف ومائتين (1.200) إلى ستة آلاف (6.000) درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

         ...ويمكن مضاعفة الحد الأقصى للغرامة في حالة العود."

          فيكون من تم معني بإجبارية التأمين كل شخص يملك عربة برية ذات محرك ويريد أن يستعملها داخل المغرب، إذ عليه أن يؤمن على مسؤوليته على تلك العربة. وحينئذ فإن التأمين الذي يعقده يغطي فقط الحوادث التي تقع داخل التراب الوطني للمملكة المغربية. ومع ذلك فإنه طبقا للمادة 3 من قرار 26 ماي 2006 بشأن الشروط النموذجية العامة لعقود التأمين من المسؤولية المدنية عن العربات ذات المحرك، فإن التأمين يمتد إلى البلدان المنضمة إلى الاتفاقية التي ترسي نظام البطاقة الدولية للتأمين المعروفة باسم "البطاقة الخضراء"، أو إلى الاتفاقية بين دول الجامعة العربية المتعلقة بتنقل السيارات بين تلك الدول وبالبطاقة الدولية العربية للتأمين على العربات ذات المحرك المعروفة ب"البطاقة البرتقالية"، أو إلى كل اتفاقية ثنائية أو متعددة الأطراف تتعلق بكل بطاقة أخرى صادق عليها المغرب وقام بنشرها، كما يمكن أن يمد بمقتضى  اتفاق الأطراف إلى كل بلد آخر يعين في الشروط الخاصة.

    وعلى كل مغربي يريد الانتقال بسيارته إلى غير البلدان المعنية بالاتفاقيات أعلاه أن يعقد تأمينا خاصا على مسؤوليته الناتجة عن استعماله لتلك السيارة. 

         كما أن على كل شخص مقيم في الخارج يعبر بسيارته الحدود المغربية أن يعقد ما يسمى بتأمين الحدود، وذلك ما لم يكن يحمل أحد الوثائق المشار إليها أعلاه، أي:

         ـ بطاقة دولية للتأمين تدعى "البطاقة الخضراء" تدرج المغرب في نطاق الضمان؛

         ــ بطاقة التأمين ما بين الدول العربية تدعى "البطاقة البرتقالية".   

         ــ كل بطاقة أخرى تنص عليها اتفاقية ثنائية أو متعددة الأطراف صادق عليها المغرب وقام بنشرها (م 121).

         ولقد سعى المشرع المغربي من وراء فرض إجبارية التأمين على المسؤولية عن حوادث العربات البرية ذات المحرك إلى حماية حقوق ضحايا هذه الحوادث، وضمان حصولهم على التعويض عن الأضرار التي تلحقهم من جرائها، حتى لا يجدوا أنفسهم في مواجهة مسؤولين معسرين، خاصة أن الانتشار الكبير الذي عرفه استعمال هذه العربات، وما نتج عنه من كثرة حوادث السير جعل عدد الضحايا من موتى وجرحى يصل إلى أرقام مفجعة على نحو أصبحت معه حوادث السير تشكل مشكلة اجتماعية عويصة، وهو ما دفع بعض الفقه إلى المناداة بمعالجة هذه المشكلة بشكل مختلف عما اتبعه المشرع لحد الآن.


ثانيا ـ الحد الأدنى للضمان

          رفع المشرع من الحد الأدنى لمبلغ الضمان الذي يجب أن يغطيه التأمين الإجباري على العربات ذات المحرك في تعديله للمدونة سنة 2016، فأصبح يتحدد بالنسبة للعربات السياحية في خمسين مليون (50.000.000) درهم عن كل عربة وعن كل حادثة (م 123/فقرة 1).

         وبالنسبة للعربات ذات عجلتين والتي لا تتجاوز قوتها الجبائية حصانين في خمسة وعشرون مليون (25.000.000) درهم (م 123/فقرة 2).

         وجعله بالنسبة للعربات المعدة لنقل المسافرين بمقابل في حدود خمسين مليون (50.000.000) درهم عن كل عربة وكل حادثة بالنسبة للمسؤولية المدنية للناقل تجاه الأغيار غير المنقولين (الفقرة الثالثة من نفس المادة)، ومليون (1.000.000) درهم مضروبة في عدد المقاعد المسموح بها في العربة على ألا يقل المبلغ عن خمسين مليون (50.000.000) درهم عن كل عربة وكل حادثة بالنسبة للمسؤولية المدنية للناقل تجاه الأشخاص المنقولين .(الفقرة الرابعة) فلو افترضنا مثلا أن عدد المقاعد المسموح بها بالنسبة لعربة معينة لنقل المسافرين هو ستون مقعدا، فإن الحد الأدنى للضمان بالنسبة لهذه العربة هو: مليون (1.000.000) درهم مضروبة في ستين = ستون مليون (60.000.000) درهم عن كل عربة وكل حادثة. وإذا كان عدد تلك المقاعد يقل عن خمسين فإن الحد الأدنى للضمان هو خمسون ملايين (50.000.000) درهم بالنسبة لكل حادثة وكل عربة مهما كان ذلك العدد.

         وهذه المبالغ لا تشكل إلا الحد الأدنى لما تلتزم به شركة التأمين بالنسبة لكل حادثة. لذلك فإذا كان يمكن لعقد التأمين عن العربة أن ينص على حد أقصى للضمان، فإنه لا يجوز أن يقل ذلك المبلغ عما تنص عليه المادة 123. 


الفرع الثاني

نطاق التأمين الإجباري على العربات ذات المحرك

         نتناول نطاق إجبارية التأمين على السيارات من حيث الأشخاص المؤمنة مسؤوليتهم ومن حيث العربات الخاضعة له، ثم من حيث الضحايا المستفيدين منه، وأخيرا من حيث نوع الخطر المؤمن منه.


الغصن الأول

 الأشخاص المؤمنة مسؤوليتهم    

          نحدد هؤلاء الأشخاص بداية، قبل أن نتعرض للشروط الواجب توفرها فيهم.


أولا ـ المسؤولون المشمولون بالتغطية

         حسب المادة 120 من مدونة التأمينات الجديدة فإنه:" يجب على كل شخص طبيعي أو معنوي يمكن أن تثار مسؤوليته المدنية بسبب الأضرار البدنية أو المادية اللاحقة بالأغيار والتي تسببت فيها عربة برية ذات محرك غير مرتبطة بسكة حديدية أو بواسطة مقطوراتها أو شبه مقطوراتها، أن يغطي هذه المسوؤلية بعقد تأمين مبرم مع مقاولة تأمين أو إعادة تأمين."

    وحسب المادة 122 فإن هذا التأمين يجب أن يغطي المسؤولية المدنية لمكتتب العقد، ولمالك العربة، ولكل شخص يتولى بإذن منهما حراسة العربة أو سياقتها.

        مما يعني أن التأمين الذي يعقده المكتتب أو المالك يمتد ليغطي المسؤولية المدنية لكل شخص رخصا له بقيادة العربة أو بحراستها، وهذا يعني أن التأمين الإجباري للسيارات يتضمن تأمينا لحساب الغير، وهو أمر اقتضته طبيعة هذا التأمين حتى تتحقق الحماية المنشودة للمتضررين.

         فنستخلص أن التأمين يغطي مسؤولية مكتتب العقد والمالك، والمأذون له بحراسة العربة أو بقيادتها.


        1 ـ مكتتب العقد والمالك 

       مكتتب العقد هو الشخص الذي عقده. وإذا كان، مبدئيا، الملزم بإجراء التأمين هو مالك العربة، إذ في الغالب يكون هو مكتتب العقد، فإنه يمكن أن يكون المكتتب شخصا والمالك شخصا آخر، وذلك كما هو الشأن بالنسبة للقاصر مالك العربة الذي يكتتب عنه المقدم أو الوصي.

         وهذا يعني أنه إما أن مالك العربة نفسه يعقد تأمينا على مسؤوليته المدنية عنها، فلا إشكال عندئذ إذ، كما هو الأصل بالنسبة لكل تأمين من المسؤولية، فإن ذلك التأمين يغطي مسؤوليته المدنية عن كل ضرر يمكن مساءلته عنه بسبب تلك العربة.

         وإما أن الذي يعقد التأمين هو شخص آخر غير المالك، وحينئذ فإن ذلك التأمين لا يغطي فقط المسؤولية المدنية للمالك، على نحو ما بيناه أعلاه، باعتباره الحارس الأصلي للعربة، بل يغطي كذلك مسؤولية المكتتب عن كل ضرر يمكن أن ينسب إليه ناتج عن استعمال تلك العربة.

    ويلاحظ أنه في حالة انتقال ملكية العربة إلى مالك جديد فإن عقد التأمين الذي عقده المالك القديم والمتعلق بتلك العربة يفسخ بقوة القانون وذلك ابتداء من تاريخ تسجيلها باسم المالك الجديد (المادة 29) فيكون من تم على هذا الأخير أن يبادر  إلى عقد تأمين جديد ابتداء من تاريخ تسجيل السيارة باسمه.


    2 ـ المأذون له بالقيادة 

    المأذون له بالقيادة هو كل شخص سلمت له العربة لأجل غرض معين ولاتجاه محدد، مثل السائق المأمور. فمثل هذا المأذون لا يعتبر حارسا للعربة، لذلك فإن سلطاته عليها تنحصر في أضيق الحدود، وهي استعمالها فيما أذن له به فقط، فإذا تجاوز ذلك اعتبر غير مأذون له وأخرج من نطاق التغطية.

    ويلاحظ أن الإذن بالقيادة له طابع شخصي لذلك فلا يجوز للمأذون أن يرخص لغيره بسياقة العربة وإلا اعتبر خارج الضمان.


    3 ـ المأذون له بالحراسة

         المأذون له بالحراسة له سلطات أوسع من المأذون له بالسياقة مادام أن مفهوم الحراسة التي تقوم عليها المسؤولية التقصيرية لحارس الأشياء (الفصل 88 ق.ل.ع.) يعني امتلاك سلطة التوجيه والاستعمال والمراقبة على الشيء. ومن ثم فإن المأذون له بالحراسة لا ترتبط سياقته للعربة بغاية أو اتجاه محددين، فهو مثل الحارس الأصلي، له سلطة الترخيص لغيره سواء بالسياقة أو الحراسة، وله أن يؤجر العربة، أو يعيرها مع شمول كل ذلك بالتغطية.  

          والإذن إما أن يكون صريحا أو ضمنيا. وعلى كل فإن على من يدعيه أن يثبته للمحكمة.

         ولقد استثنى المشرع من نطاق الإذن كلا من أصحاب المرائب، والأشخاص الذين يمارسون بصورة اعتيادية السمسرة أو البيع أو الإصلاح أو الإغاثة أو مراقبة حالة العربات ذات المحرك، فيما يتعلق بالعربات المودعة لديهم بحكم مهنتهم، حيث أوجب عليهم أن يؤمنوا على مسؤوليتهم وكذا مسؤولية الأشخاص العاملين معهم أو الذين يتولون حراسة أو قيادة العربة ذات المحرك بإذنهم أو بإذن أي شخص معين لهذا الغرض في عقد التأمين(م122/الفقرة 2). 

         فهؤلاء الأشخاص لم يعتبرهم المشرع لا في حكم المأذون لهم بالحراسة ولا بالسياقة، وبالتالي فإن التغطية لا تشملهم. والسبب في ذلك أنهم مهنيون تسلم لهم العربات في إطار تعاطيهم لنشاطهم المهني الذي المفروض أن يتحملوا شخصيا المسؤولية عما يرتبط بمزاولتهم له. لأجل ذلك فقد ألزمهم المشرع بعقد تأمين خاص يغطي مسؤوليتهم تلك. حيث، عندئذ، فإن ذلك التأمين يغطي مسؤوليتهم المدنية عن الأضرار التي تتسبب فيها للغير العربات المودعة لديهم في إطار مهنتهم أو تلك المستعملة في إطار نشاطهم المهني. (المادة 122 ـ الفقرة 3)

    وكل هذا يعني أنه يشترط في الحادثة، التي تتسبب فيها العربة البرية ذات المحرك لتكون مشمولة بالتغطية، أن تكون صادرة عن المالك أو المكتتب أو المأذون له بالسياقة أو بالحراسة، أما إذا كانت صادرة عن غير هؤلاء، كما لو كانت العربة قد سرقت من صاحبها، أو استعملت بدون علمه ورضاه، فإنها لا تكون مشمولة بالتغطية.


ثانيا ـ شروط استفادة المسؤول من التغطية

         حسب المادة 7/1 من الشروط النموذجية العامة لعقود التأمين من المسؤولية المدنية عن العربات ذات محرك فإنه:"...لا يطبق التأمين إذا كان سائق العربة لا يتوفر وقت الحادث على رخصة صالحة طبقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل لسياقة العربة المؤمن عليها...".

 

    1 ـ التوفر على رخصة السياقة    

    1 ـ 1 ـ المبدأ بالنسبة لشرط التوفر على رخصة السياقة

          فسياقة العربة يتطلب كفاءة خاصة، ورخصة السياقة، التي هي شهادة تسلمها السلطة الإدارية المختصة للشخص بعد اجتيازه اختبارات تؤكد مقدرته على السياقة، هي المرجع للدلالة على توفر السائق على تلك الكفاءة. فإذا وقعت الحادثة وتبين أن السائق المسؤول عنها لا يتوفر على الرخصة الملائمة لصنف العربة كانت الحادثة غير مشمولة بالضمان وأخرج المؤمن من الدعوى بناء على ذلك.

        وشرط التوفر على رخصة السياقة لا يعمل إلا بالنسبة لحوادث السير بمعناها الضيق، أي تلك التي تقع في الطريق العام أثناء سياقة العربة أو أثناء توقفها. أما عندما تقع الحادثة أثناء دفع العربة بالأيادي داخل المرآب أو أثناء رفعها من أجل استبدال عجلاتها مثلا، فإنه لا مجال لاشتراط توفر المسؤول عن تلك الحادثة على رخصة السياقة لتكون مشمولة بالتغطية.

    ويقع عبء إثبات التوفر على رخصة السياقة على السائق المؤمن له. ويعتبر في حكم غير المتوفر على رخصة السياقة السائق الذي يصدر في حقه حكم نهائي بعدم القيادة لمدة معينة، أو قرار إداري بتوقيف الشهادة لمدة محددة سواء سحبت منه الرخصة أو لم تسحب فيستثني كذلك من الضمان.


        1 ـ 2 ـ حالة إعطاء دروس في السياقة

    إن دروس السياقة إما أن تعطى من قبل شخص يمتهن تعليم السياقة بواسطة سيارة مهيأة لذلك، أو تعطى من قبل شخص غير ممتهن يتولى التعليم في سيارة عادية.

    فعندما يكون معلم السياقة شخصا ممتهنا، فإن المادة 7/2 تنص في هذا الشأن على أنه..."لا يطبق الاستثناء من التأمين إذا كان العقد يتعلق بعربة مزودة بجهاز سياقة مزدوج (سيارة التعليم) عندما يتلقى السائق درسا في السياقة بمساعدة مدرب يتوفر على رخصة سياقة قانونية أو خلال اجتياز الامتحان".

       فما دام أن المدرب يتوفر على شهادة كفاءة لممارسة مهنة تعليم السياقة بالإضافة إلى رخصة السياقة، فإن الحوادث التي ترتكب من قبل المتعلم تدخل في الضمان رغم انعدام رخصة السياقة لديه.

         وعندما يكون معلم السياقة شخصا غير ممتهن يستعمل سيارة عادية للتعليم، ويرتكب المتعلم غير المتوفر على رخصة السياقة حادثة بالعربة فإن هذا الحادث يستثنى من الضمان لانعدام رخصة السياقة عند مرتكبه.


    2 ـ انعدام بقية الوثائق أو عدم صلاحيتها

    لقد كان الفصل 12 من الشروط النموذجية العامة لعقد تأمين السيارات المنسوخ ينص على أن التأمين لا يطبق:"... إذا كان سائق الناقلة المؤمن عليها لا يتوفر وقت الكارثة على الشهادات (رخصة السياقة أو غيرها من الوثائق المطلوبة) في نطاق  النظام الخاص بسياقة الناقلة...".

    ولقد أثارت صيغة " أو غيرها من الوثائق" جدلا في الفقه حول قصد المشرع. بحيث هل المقصود هو الوثائق التي تصاحب رخصة السياقة من فحص تقني وطبي ورخصة للنقل العمومي وغيرها من الوثائق، أم المقصود الوثائق المعتبرة بمثابة رخصة للسياقة؟، باعتبار تعدد أصناف هذه الأخيرة بتعدد أصناف العربات البرية ذات المحرك: دراجات نارية، سيارات سياحية، شاحنات نقل البضائع، عربات نقل المسافرين...

    كما أن القضاء عرف بدوره كثيرا من التضارب حول هذه النقطة، إذ ذهبت بعض الأحكام إلى استثناء الحادثة من الضمان إذا كان السائق لا يتوفر على شهادة الفحص التقني أو على شهادة للفحص الطبي سائرة المفعول. في حين ذهبت أحكام أخرى إلى نقيض ذلك.

    ويبدو أن المشرع قد حسم الآن في هذا الأمر في قرار 11 أبريل 2005 بشأن الشروط النموذجية العامة المتعلقة بعقود التأمين من المسؤولية المدنية عن عربة ذات محرك إذ أنه اكتفى في المادة 7/1 المشار إليها أعلاه بالحديث عن انعدام رخصة السياقة ولم ترد أية إشارة لبقية الوثائق، مما يؤكد بشكل واضح أنه لم يرد أن يجعل من انعدام الوثائق الأخرى من شواهد فحص طبي وتقني ورخص للنقل أسبابا لانعدام الضمان. ذلك أنه في الغالب ما يرجع وقوع حوادث السير إلى مخالفة قانون السير، وهذا هو ما أمن عليه المؤمن له. أما مجرد عدم توفر السائق على شهادة الفحص الطبي فلا يجعله غير مؤهل للسياقة، وبالإمكان عرضه على ذلك الفحص حتى ولو بعد وقوع الحادثة، بحيث لا ينعدم الضمان إلا  متى ثبت أنه غير مؤهل صحيا للسياقة.

    وبالنسبة لعدم التوفر على شهادة الفحص التقني، فإنه حتى في الحالة التي يثبت فيها رجوع الحادثة إلى الحالة الميكانيكية للعربة، فإن الأمر إنما يتعلق بتفاقم للخطر يستوجب إنقاص مبلغ التعويض أو بطلان العقد إذا توفرت شروطه، وليس باستثناء  من الضمان، إذ لا علاقة للحالة الميكانيكية للعربة بقدرة السائق على القيادة، بخلاف حالته الصحية التي قد يكون لها تأثير على مؤهلاته من هذه  الناحية.


الغصن الثاني

العربات أو السيارات الخاضعة لإجبارية التأمين

        حسب المادة 120 فإن التأمين الإجباري يسري على كل:"عربة برية ذات محرك غير مرتبطة بسكة حديدية" وعلى " مقطوراتها أو شبه مقطوراتها".

        فنص هذه المادة يفرض علينا أن نحدد ما قصد المشرع أن يدخله في مفهوم "عربة برية ذات محرك". فيمكننا القول أنه يخضع للتأمين الإجباري على السيارات:


    أولا ـ كل عربة مزودة بمحرك وغير مرتبطة بسكة حديدية

          فالمشرع إذ فرض إجبارية التأمين فذلك لحماية الضحايا من العربات التي تشكل خطورة عليهم ألا وهي العربات ذات المحرك. من هنا فإنه يشترط في العربة لكي تكون خاضعة لإجبارية الـتأمين أن تكون مزودة بمحرك كيفما كانت قوته. فإذا كانت غير مزودة بمحرك، فإنها لا تخضع لإجبارية التأمين، وذلك مثل الدراجات العادية والعربات المجرورة باليد أو بحيوان.

         ولا يكفي أن تكون العربة مزودة بمحرك لتصبح ملزمة بإجراء التأمين، بل يجب إضافة إلى ذلك ألا تكون متصلة بسكة حديدية. بمعنى ألا يكون تحركها محكوما باستعمال السكة الحديدية. فإذا كانت متصلة بسكة حديدية، مثل القطارات وعربات النقل السككي المستعملة في المناجم والموانئ وغيرها، فإنها لا تعتبر معنية بالتأمين الإجباري الذي تنص عليه مدونة التأمينات. 

         والسبب في تطلب عدم ارتباط العربة ذات المحرك بسكة حديدية هو أن الحاجة لإرساء إجبارية التأمين إنما نشأت بالنسبة لحوادث السير الطرقي التي تتسبب في عدد كبير من الضحايا، وهناك احتمال قوي بأن يواجهوا بإعسار المسؤول المدني عن العربة فتضيع حقوقهم. أما بالنسبة للقطارات وغيرها من عربات النقل السككي فهي، من ناحية، لا تشكل بالنسبة للعموم نفس الخطورة، لكون أن حركتها مقيدة باستعمال السكة الحديدية، مما يتيح إمكانية أفضل بكثير للاحتياط من الحوادث، هذا فضلا أنها غالبا ما تتواجد في أماكن بعيدة عن الناس، فلا مجال للمقارنة، من تم، بين عدد الحوادث التي تتسبب فيه هذه وتلك. ومن ناحية ثانية حتى في حالة تسببها في حوادث فمن المستبعد أن يواجه الضحايا بإعسار المسؤول عنها، لأنها تجري في ملكية إما الدولة أو مؤسسات اقتصادية كبيرة. 

    وما يسري على العربة ذات المحرك يسري على مقطوراتها وشبه مقطوراتها. والمقطورات هي كذلك عربات برية، إلا أنها غير مزودة بمحرك، تكون معدة لتلحق بعربة مزودة بمحرك تقوم بقطرها، وغالبا ما تستعمل لنقل الأشياء، غير أنها أحيانا تستعمل لنقل الأشخاص كذلك. ومنها صناديق نقل الأمتعة التي تقطرها السيارات العادية أو حافلات نقل المسافرين، والمقطورات التي تجرها الشاحنات والجرارات وغيرها من العربات، وبيوت التخييم المقطورة ـ  Les caravanes ـ وتخضع المقطورات وشبه المقطورات شأنها شأن العربات التي تقوم بقطرها لإجبارية التأمين، لذلك فإنه يجب التصريح بها للمؤمن حتى تكون مشمولة بالتغطية. 


    ثانيا ـ كل عربة برية

         إذ يشترط في العربة لتكون ملزمة بالتأمين أن تكون عربة برية، أي عربة مهيأة بصفة أصلية أو عرضية لتستعمل الطرق البرية. فلا تعتبر من تم معنية بإجبارية التأمين الذي تنص عليه المادة 122 العربات الجوية (الطائرات وما يدخل في حكمها) والعربات المائية ( السفن وما يدخل في حكمها).

        و كل عربة مزودة بمحرك معدة لاستعمال الطريق العمومي ولو بصفة عرضية إلا ويلزم عقد تأمين عليها. فتكون معنية بالتأمين من تم حتى العربات المعدة من حيث الأصل لاستعمالات نفعية غير النقل ولكنها تستعمل ولو بصفة عرضية الطريق العمومي. وهكذا مثلا فإن بعض الآلات الفلاحية المزودة بمحرك بالرغم من أنها ليست معدة من حيث الأصل للسير في الطريق العمومي، فإنها يجب عقد تأمين من المسؤولية عليها إذا كانت تستعمل ذلك الطريق بصفة عرضية. ونفس الشيء  يصدق على بعض آلات الحفر والبناء والرفع.

    ويجب ملاحظة أنه ليس المقصود بالسير في الطريق العمومي أن تكون العربة في حالة حركة وإنما يكفي أن تستعمل ذلك الطريق ولو لمجرد الوقوف لتكون خاضعة للتأمين الإجباري. وهكذا مثلا فإن صاحب العربة المتوقفة على جانب الطريق بشكل غير قانوني، والذي يتسبب في حادثة لا يمكنه أن يبرر عدم عقده للتأمين بكونه لا يستعمل سيارته وأنه يحتفظ بها متوقفة لحين بيعها مثلا، فقد كان عليه أن يخرجها من الطريق العمومي بوضعها في مرآب خاص مثلا لتصبح غير معنية بإجبارية التأمين.    

    فالخلاصة إذن أن كل عربة تتوفر على محرك وغير متصلة بسكة حديدية، وتستعمل الطريق العمومي تخضع لإجبارية التأمين على السيارات. 

الغصن الثالث 

  المتضررون المستفيدون من التأمين على السيارات

         نحدد بداية المتضررين الذين يستفيدون من التأمين على السيارات، ثم نبين شروط تلك الاستفادة.


أولا ـ المتضررون المستفيدون من التغطية 

    تنص المادة 122 المشار إليها سابقا على أن التأمين الإجباري للسيارة يضمن المسؤولية المدنية الناتجة:" بسبب الأضرار البدنية أو المادية اللاحقة بالأغيار" بسبب العربة.  وتنص المادة 124 على أنه:" تشمل إجبارية التأمين تعويض الأضرار اللاحقة بكل شخص ما عدا:

" 1 ـ مكتتب العقد ومالك العربة المؤمن عليها وكل شخص يتولى بإذن من المكتتب أو مالك العربة حراستها أو قيادتها؛

  2 ـ  السائق؛

  3 ـ الممثلون القانونيون للشخص المعنوي مالك العربة المؤمن عليها إذا كانوا منقولين على متنها؛ 

  4 ـ أجراء أو مأمورو المؤمن له أو السائق المسؤول عن الحادثة وذلك أثناء مزاولة مهامهم".

    فكل متضرر من غير الأشخاص المذكورين على سبيل الحصر في المادة أعلاه يعتبر غيرا ويستفيد بالتالي من التأمين سواء أصيب في الحادثة وهو خارج العربة أو داخلها.

    أما المؤمن لهم من مكتتب ومالك ومأذون له بالحراسة والسائق فطبيعي ألا يعتبروا "غيرا" لأن التأمين على العربات ذات المحرك هو تأمين من المسؤولية وهذه لا يتصور قيامها إلا تجاه الغير، وهنا المؤمن له أضر بنفسه. 

    ويلاحظ أن الأشخاص المذكورين أعلاه بإمكان المؤمن له أن يعقد تأمينا خاصا لمصلحتهم ضد الحوادث التي يتعرضون لها أثناء ركوبهم العربة وغالبا ما يدمج في الوثيقة الأصلية لتأمين العربة.

    وبالنسبة للممثلين القانونيين للشخص المعنوي مالك العربة، بالنسبة للأضرار التي تلحقهم عندما يكونون منقولين على متنها، فيرجع سبب استثنائهم من مفهوم الغير المتضرر إلى أنهم يعتبرون مسيرين لهذا الشخص المعنوي، فهمن من تم، إما مجرد مأجورين، فتعتبر الحادثة بالنسبة إليهم حادثة شغل، تدخل ضمن البند الرابع من المادة 124 أعلاه، أو يكونوا من الشركاء، فيعتبرون بمثابة مؤمن لهم ما دام أنهم هم مالكو الشخص المعنوي .

    أما الاستثناء المتعلق بأجراء ومأموري المؤمن له،  فيرجع إلى أن الحادثة تعتبر بالنسبة إليهم حادثة شغل، لذلك فهي تخضع بالنسبة للتعويض عليها إلى المقتضيات المتعلقة بحوادث الشغل وليس لتلك المتعلقة بتعويض ضحايا حوادث السير. إلا أنه يشترط لذلك أن تكون الحادثة قد وقعت أثناء العمل أو بمناسبته، وأن يكون المؤمن له المؤاجر أو سائقه هو المسؤول عنها.

         ويلاحظ أنه بالنسبة لأزواج المؤمن له وفروعه وأصوله والذين كانوا لا يعتبرون من الغير في ظل النص المنسوخ، ويستثنون بالتالي من التغطية إذا ما أصيبوا في الحادثة وهم داخل العربة، فإنه لم يرد ذكر لهم ضمن المادة 124 أعلاه. وهذا من الإصلاحات المهمة التي أتت بها مدونة التأمينات الجديدة والتي سعى من خلالها المشرع إلى توسيع نطاق الضمان في التأمين الإجباري على العربات ذات المحرك ليشمل أفراد عائلة المسؤول المدني أخذا بعين الاعتبار، كما قال السيد وزير المالية عند تقديمه للمدونة الجديدة أمام البرلمان، للتطور الاجتماعي وضرورة ضمان التعويض لمجموع الضحايا ما عدا المكتتب والسائق المسؤول عن الحادثة والأشخاص الذين يستفيدون من تغطية التأمين داخل إطار آخر (كالمأجورين والممثلين القانونيين للمسؤول المدني إذا كان شخصا اعتباريا) .


ثانيا ـ شروط استفادة المتضرر من التأمين على السيارات

         لقد اقتضى المشرع توفر مجموعة شروط بالنسبة للأشخاص المنقولين ليشملهم الضمان، من هذه الشروط ما يتعلق بظروف النقل ومنها ما يتعلق بعدد الأشخاص المنقولين ومنها ما يتعلق بطبيعة النقل.


    1 ـ فيما يتعلق بظروف النقل

         لقد وضعت المادة 6 من الشروط النموذجية العامة لعقود التأمين من المسؤولية المدنية عن العربات ذات محرك عدة شروط تتعلق بظروف النقل لإعمال الضمان. وهذه الشروط هي:

    إذا كانت العربة معدة للنقل العمومي للأشخاص، فيجب أن يكون الركاب داخل عربات مجهزة بهيكل مهيأ لنقل المسافرين (م 6/أ من الشروط النموذجية العامة).

         وإذا كانت العربة معدة لنقل البضائع، فيجب أن يكون الأشخاص منقولين إما داخل المقصورة أو على سطح مجهز بحواجز، وإما داخل هيكل مغلق( م 6/هـ ).

    أما إذا تعلق الأمر بمقطورة أو سبه مقطورة، فيجب أن يكون الأشخاص منقولين داخلها وأن تكون مصنوعة لنقل الأشخاص (م 6/ح).


    2 ـ فيما يتعلق بعدد الأشخاص المنقولين

    يختلف عدد الأشخاص المسموح بنقلهم باختلاف نوع العربة: (المادة 6 من الشروط النموذجية العامة).

          فالعربة ذات عجلتين، لا يجوز أن يستقلها أكثر من شخص واحد زيادة على السائق، وإلا انعدم الضمان (م 6/ ز).

    والعربة السياحية، لا يجوز أن تحمل ما يفوق ب 50 % عدد المقاعد المقررة من طرف الصانع، أو عدد المقاعد المرخص بها من طرف الوزارة الوصية. ويحسب الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات بالنصف، وفي حالة تجاوز هذا العدد فإن الضمان ينعدم (م 6/ د).

         والعربة المعدة لنقل البضائع، فعدد الأشخاص المرخص بنقلهم على متنها هو ثمانية على ألا يتعدى المنقولون خارج المقصورة خمسة أشخاص. وهنا كذلك يحسب الأطفال أقل من عشر سنوات بنسبة النصف (م 6/ هـ).

         وبالنسبة لسيارة الأجرة، فإن الضمان ينعدم إذا تجاوز عدد المنقولين العدد المحدد في رخصة النقل (م 6/ب).

         أما العربات المعدة لنقل المسافرين، باستثناء عربات النقل الحضري، فلا يعمل الضمان بالنسبة إليها إلا إذا كان عدد الأشخاص المنقولين لا متنها يتجاوز العدد المبين في الشروط الخاصة بعشرة في المائة على ألا يتعدى ذلك العدد 5 أشخاص، وهنا كذلك يحسب الأطفال أقل من عشر سنوات بنسبة النصف (م 6/ج).

       وبالنسبة للجرارات غير المعدة لنقل البضائع، والعربات ذات الثلاث عجلات، والعربات ذات العجلتين مع مقطورة جانبية، فإنه لا يكون هناك ضمان إذا تجاوز عدد المنقولين على مثنها عدد المقاعد المقررة من طرف الصانع، يستثنى من ذلك الطفل البالغ من العمر أقل من خمس سنوات إذا كان محمولا على متن مقطورة جانبية برفقة شخص بالغ (م 6/ و).


    3 ـ فيما يتعلق بطبيعة النقل 

    فحسب المادة 4 من الشروط النموذجية العامة (الفقرة ط) فإن الضمان لا يطبق إذا كانت العربة المؤمن عليها تستخدم للنقل بعوض في حين أن العقدة ليست مبرمة لمثل هذا الاستعمال. ويستثنى من الضمان في هذه الحالة سواء الأضرار اللاحقة بالأشخاص المنقولين أو تلك اللاحقة بمن يوجد خارج العربة.

    وهذا يعني أنه إذا كانت العربة مصرحا بها للنقل بعوض فإن الضمان يشمل جميع الأضرار اللاحقة بالأغيار سواء كان النقل بعوض أو بدون عوض. أما إذا كانت مصرحا بها للنقل بدون عوض فإن الضمان لا يطبق إذا استعملت للنقل بعوض.

    وتمديد الاستثناء من الضمان في هذه الحالة إلى المصابين ممن هم خارج العربة أمر منتقد، إذ لا يعقل أن يحرم المضرور من الضمان لمجرد أن هناك شخصا ينقل داخل العربة بعوض، في حين أنها غير مصرح بها لمثل هذا الاستعمال. غير أنه يلاحظ أن القضاء المغربي عمل بوسائل متعددة على التخفيف من آثار هذا الاستثناء عن طريق التشدد في إعمال معيار "النقل بعوض" حيث اعتبر أن المساهمة في مصاريف النقل لا يعتبر نقلا بعوض، ثم اشترط أن يكون حمل الركاب بعوض يتم بصفة اعتيادية لاستثنائه من الضمان.


الغصن الرابع

 نوع الخطر المؤمن عليه في التأمين على السيارات

         نحدد بداية نوع الخطر المؤمن عليه في التأمين على العربات قبل أن نعرض للمخاطر المستثناة من التغطية.


أولا ـ طبيعة الخطر المؤمن عليه في التأمين الإجباري على السيارات

    إن التأمين الإجباري على السيارات هو تأمين من المسؤولية المدنية عن حوادث السير، لذلك فإذا هو كان يغطي كلا من المسؤولية التقصيرية والتعاقدية للمؤمن له فإنه لا يغطي مسؤوليته الجنائية بحكم قيام هذه الأخيرة على مبدأ شخصية العقاب.

       1 ـ الحوادث المشمولة بالتغطية في التأمين الإجباري على السيارات

        يغطي التأمين كافة الحوادث التي تحدث بفعل العربة سواء أثناء سيرها أو توقفها، إما بسبب حادثة أو حريق أو انفجار، راجع للسيارة أو ملحقاتها أو الأجهزة والتوابع المستعملة فيها، وكذلك الحوادث الناتجة عن الأشياء والمواد التي تنقلها بما فيها تلك الناتجة عن سقوط تلك المواد أو الأشياء.(م 2 /1 من الشروط النموذجية العامة)

       كما يغطي التأمين الحوادث التي تتسبب فيها العربة المؤمن عليها إذا كانت تقطر بصفة طارئة عربة أخرى معطلة، أو إذا كانت هي نفسها تقطرها عربة أخرى. ( م 2 ـ فقرة 2 / بند "أ" و "ب" من الشروط النموذجية العامة)

      ويغطي التأمين كذلك الحوادث التي تتسبب فيها عربة إنجاد تمتهن قطر العربات وذلك أثناء نقل أو قطر تلك العربات (م 2/3 من الشروط النموذجية العامة).

      وتشمل التغطية كذلك التعويض عن الأضرار المادية الناتجة عن فتح أبواب العربة من قبل أي شخص إما أثناء عمليات الصعود أو النزول منها (م 2/4 من الشروط النموذجية العامة).


       2 ـ الأضرار المشمولة بالتغطية في التأمين الإجباري على السيارات

    الأضرار التي يغطيها هذا التأمين هي الأضرار البدنية والمادية التي تلحق المضرور من جراء حادثة تتسبب فيها العربة المؤمن عليها، شريطة أن تثبت مسؤولية المؤمن له عنها. والتعويض الذي يستحقه المصاب هو التعويض عن الضرر المادي وفقا للقواعد العامة،  بما في ذلك الفوائد القانونية ومصاريف التقاضي وأتعاب المحامي.

    أما الضرر البدني فيتم تعويضه وفقا لأحكام ظهير2 أكتوبر 1984 المتعلق بالتعويض عن الأضرار البدنية الناتجة عن حوادث السير، وهو تعويض جزافي وليس كامل. 

         ويدخل في التغطية قيام المؤمن بالدفاع عن مصالح المؤمن له في حالة متابعته مدنيا عن أضرار ناتجة عن سير العربة المؤمن منها أو عن استعمالها.(م 8/1 من الشروط النموذجية العامة)

       ويحل المؤمن بقوة القانون محل المؤمن له، في حدود الضمان المنصوص عليه في العقد، في أداء التعويض والمصاريف الناجمة عن الحادثة للمصاب. ولأجل ذلك يجب إدخال المؤمن لزوما في الدعوى من قبل طالب التعويض أو من قبل المؤمن له كلما رفعت دعوى المطالبة بالتعويض.(المادة 129 ـ فقرة 1 و2 من المدونة)

        ولا يمكن للمؤمن أن يحتج بسقوط الحق في التعويض تجاه الضحايا أو ذويهم. عدا في حالة التوقيف القانوني للضمان بسبب عدم تسديد قسط أو اشتراك التأمين. وعليه في هذه الحالة أن يقوم بتسديد التعويض عوضا عن المسؤول ويرجع عليه فيما بعد لاسترجاع جميع المبالغ التي دفعها عوضا عنه.(المادة 125 ـ فقرة 1 و2 و3)


ثانيا ـ المخاطر المستثناة من التغطية في التأمين على السيارات

        بالإضافة إلى ما سبق أن رأيناه من حالات الاستثناء العامة التي تنطبق على عقد التأمين من المسؤولية مثل الأخطاء العمدية للمؤمن له والأضرار الناتجة عن الحرب الخارجية والحرب الأهلية أو عن الفتن والاضطرابات الشعبية، فإن المادة 4 من الشروط  النموذجية العامة لعقود التأمين من المسؤولية المدنية عن العربات ذات محرك أوردت سبع استثناءات إضافية تتعلق بالخطر المؤمن منه تنطبق على التأمين على العربات ذات محرك وهي:

    1 ـ الأضرار النووية 

    وهي الأضرار الناتجة مباشرة أو بصفة غير مباشرة عن الانفجارات وانبعاث الحرارة، أو انتشار الأشعة المترتبة عن تحويل نوى الذرات أو عن الإشعاعات النووية، وكذا آثار الإشعاعات الناجمة عن السرعة الاصطناعية للجسيمات (م 4/ بند: "هـ" من الشروط النموذجية العامة). فإذا كان الحادث الذي تسببت فيه العربة يرجع لأحد هذه الأسباب فهو يخرج من الضمان لكونه لا يعود في الواقع إلى العربة وإنما إلى سبب خارجي، وبالتالي فالمؤمن له غير مسؤول عنه حتى يكون مشمولا بالتأمين.

       2 ـ حمل السيارة للمتفجرات أو لمواد محرقة أو متآكلة أو قابلة للاشتعال

    يستثنى من الضمان كذلك الأضرار التي تتسبب فيها العربة المؤمن عليها أو تلحقها، وهي تنقل متفجرات، أو مواد محرقة أو متآكلة أو قابلة للاشتعال. ولا يشترط أن يكون الحادث ناتجا عن هذه المواد، فجميع الأضرار التي تتسبب فيها العربة، في هذه الحالة تستثنى من التغطية (م4/ بند:"ب" من الشروط النموذجية العامة).

    والسبب في هذا الاستثناء أن نقل مثل هذه المواد يشكل خطرا متفاقما بالنسبة للمؤمن، لذلك يجب أن يكون محل تأمين خاص مع زيادة في الأقساط ليكون مشمولا بالضمان.

    غير أنه يلاحظ أن المادة 4/ب من الشروط النموذجية العامة التي أوردت هذا الاستثناء نصت على عدم تطبيقه على أنواع النقل التي لا تتجاوز 500 كلغ أو 600 لتر من الزيوت أو البنزين المعدني، أو أي منتوج مماثل، بما في ذلك الوقود السائل والغازي اللازم لمحرك العربة.    

    3 ـ الأضرار الناشئة عن الشحن والإفراغ

          بالرجوع إلى المادة 4 (البند ـ زـ) من الشروط النموذجية العامة نجد أن المشرع استثنى من الضمان كذلك الأضرار الناتجة عن عمليات الشحن والإفراغ للعربة المؤمن عليها.

          فمثل هذه الأضرار، باعتبارها من فعل الإنسان وليس من فعل العربة، من الطبيعي ألا يشملها التأمين. فهذا الأخير عقد لتغطية المسؤولية المدنية الناتجة عن الحوادث التي تتسبب فيها العربة المؤمن عليها، وهنا لا دخل للعربة فيما ينتج عن الشحن والإفراغ من أضرار.

         ويجب التنبيه إلى أن المقصود بالأضرار الناشئة عن الشحن والإفراغ تلك الراجعة مباشرة إلى هذه العمليات، لذلك فهذا يفترض أن تكون العربة متوقفة حيث يكون تدخلها سلبيا في هذه الحالة، أما إذا كانت متحركة ونتجت الأضرار عن تلك الحركة، فبالرغم من اقترانها بعملية شحن أو إفراغ، فإنها تعتبر راجعة للعربة.


    4 ـ الأضرار اللاحقة بالبضائع المنقولة

    نصت المادة 4 (بند: ج) من الشروط النموذجية العامة لعقود التأمين من المسؤولية المدنية عن العربات ذات محرك على أنه يستثنى من الضمان الأضرار اللاحقة بالبضائع أو الأشياء المنقولة على متن العربة المؤمن عليها، وكذا تلك الناتجة عن سرقتها. والمقصود هنا بضائع أو أشياء المؤمن له، إذ بديهي ألا يشملها الضمان، لأن التأمين يغطي الأضرار اللاحقة بالغير بسبب العربة، والمؤمن له كما سبق توضيحه لا يعتبر غيرا، ومن تم فإن إدخال مثل هذه الأضرار في الضمان يقتضي عقد تأمين خاص.

        أما بالنسبة لبضائع وأشياء الغير، فتشملها التغطية بطبيعة الحال ما دام أن الضرر اللاحق بها يرجع للعربة المؤمن منها، أما إذا كان يرجع لأسباب أخرى كما في حالة السرقة، فإنه لا تشمله التغطية.

    5 ـ الأضرار الطارئة أثناء الاختبارات والمسابقات والمباريات 

    إذا وقع الضرر بمناسبة اختبارات تجرى على العربة، أو أثناء مسابقات أو مباريات تشترك فيها فإنه لا يكون مشمولا بالضمان سواء شارك فيها المؤمن له بصفته متباريا أو منظما أو عونا لأحد هذين الأخيرين.(م 4 بند"أ" من الشروط النموذجية العامة)

    والسبب في هذا الاستثناء أن استعمال العربة في مثل هذه الأنشطة يشكل تفاقما للخطر من المفروض أن يعقد عليه المؤمن له تأمينا خاصا.

       6 ـ الأضرار الناتجة عن تشغيل الجفان المتحركة والرافعات

        يستثنى من التأمين كذلك الأضرار الناتجة عن تشغيل الجفان المتحركة والرافعات وغيرها من الآلات المجهزة بها العربة المؤمن عليها إذا كانت هذه الأخير مثبتة للقيام بتلك الأشغال (م 4/ بند"ك" فقرة:2 من الشروط النموذجية العامة). والسبب وراء استثناء هذه الأضرار من التغطية أنها تعتبر ناتجة ليس بفعل العربة ـ ما دام أنها مثبتة ـ ولكن بفعل الآلات المجهزة بها هذه الأخيرة، فلا علاقة لها من تم بالمسؤولية عن استعمال عربة ذات محرك.

        7 ـ الأضرار الطارئة خارج الطريق العمومي بواسطة عربات أشغال أو عربات تخييم أو سكن

       نصت المادة 4 (بند:"ك" فقرة 2) من الشروط النموذجية العامة على أنه يستثنى من الضمان الأضرار التي تتسبب فيها العربة المؤمن منها متى كانت مصنعة أو معدة خصيصا لإنجاز الأشغال داخل الأوراش أو للشحن أو التفريغ أو لإنجاز أشغال ذات صبغة صناعية أو غابوية وذلك أثناء استعمالها للقيام بهذه الأشغال. والسبب وراء هذا الاستثناء أن مثل هذه العربات ليست معدة، من حيث الأصل، للسير في الطريق العمومي، بل هي بمثابة آلات أشغال، لذلك فالأضرار التي تتسبب فيها داخل الأوراش أثناء قيامها بالأشغال المصنعة من أجل إنجازها لا تعتبر حوادث سير، هذا بخلاف ما لو تسببت في تلك الأضرار أثناء تنقلها في الطريق العام، حيث نكون حينئذ بصدد حادثة تسببت فيها عربة ذات محرك أثناء استعمالها للطريق العمومي، فتشملها التغطية. 

     ونفس الشيء قررته لسبب مقارب الفقرة 3 من البند "ك" من المادة 4 بالنسبة للأضرار الناتجة عن الحريق أو الانفجارات التي تتسبب فيها عربة مصنعة أو معدة خصيصا للتخييم أو السكن عندما تكون مثبتة خارج الطريق العمومية لاستعمالها لهذا الغرض. فالاستثناء في هذه الحالة يتعلق فقط بالأضرار الناتجة عن الحريق أو الانفجارات التي تتسبب فيها مثل هذه العربة وهي خارج الطريق العمومي، إذ حينئذ تعتبر مثل هذه الأضرار استثنائية لا ترتبط بالسير في الطريق العمومي، وإنما بالإقامة في مجال خاص تستوجب تغطيتها شرطا خاصا في العقد.


المطلب الثاني

 صندوق ضمان حوادث السير

    استكمالا للحماية التي سعى المشرع لتوفيرها إلى ضحايا حوادث السير فإنه قد عمل على إنشاء صندوق يتولى التعويض في الحالات التي لا يستطيع فيها الضحايا الحصول على التعويض إما بسبب عدم التعرف على مرتكب الحادثة أو عدم وجود التأمين كليا أو جزئيا، هو صندوق ضمان حوادث السير.

        ونقوم بداية بالتعرض لمجال تدخل الصندوق على أن نعرض بعد ذلك لحقوقه تجاه المسؤول عن الحادثة.


الفرع الأول 

  مجـال تدخـل صـنـدوق حوادث السير 

أولا ـ حالات تولي صندوق حوادث السير  التعويض

    يتحمل صندوق ضمان حوادث السير التعويض الكلي أو الجزئي للأضرار البدنية التي تتسبب فيها عربة برية ذات محرك في حالتين نصت عليهما المادة 134 ـ فقرة 1 من المدونة، هما: 

1 ـ إذا كان مرتكب الحادثة مجهولا.

2 ـ إذا كان المسؤول لا تأمين له ـ بما في ذلك إذا كان التأمين باطلا أو موقوفا أو كان هناك استثناء من الضمان ـ وكان غير قادر على دفع التعويض بسبب عسره.

    وهناك شروط لابد من توفرها لمطالبة الصندوق بالتعويض في الحالتين المذكورتين، كما أن هناك مسطرة يجب إتباعها في تلك المطالبة. فلنرى هذه الشروط وتلك المسطرة.


ثانيا ـ شروط مطالبة صندوق حوادث السير بالتعويض

    إن الرجوع على صندوق ضمان حوادث السير بالتعويض في الحالتين المذكورتين أعلاه رهين بتوفر مجموعة من الشروط نجملها فيما يلي:


    1 ـ أن يكون الضرر ناتجا عن المسؤولية عن حادثة سير

    إذ أن الغاية من إنشاء الصندوق هو سد الفراغ الذي تتركه بعض الحالات المتعلقة بالتأمين الإجباري على السيارات، لذلك فإنه يشترط أن يتعلق الأمر بحادثة بدنية تتسبب فيها عربة خاضعة للتأمين الإجباري، أي عربة برية ذات محرك غير مرتبطة بسكة حديدية أو مقطوراتها أو شبه مقطوراتها.(المادة 134 ـ فقرة 1)

    فالصندوق لا يتحمل التعويض إلا إذا كانت هناك حادثة سير أي حادثة ناتجة عن استعمال عربة برية ذات محرك ثبتت مسؤولية شخص كليا أو جزئيا عنها، سواء كان المسؤول مجهولا، حيت يجب إثبات ذلك واثبات مسؤوليته عنها، أو كان معروفا حيت يجب إبرام صلح معه بموافقة الصندوق أو الحصول على حكم نهائي قابل للتنفيذ ضده وإثبات عجزه عن الوفاء بالتعويض.

          وهذا يعني أن الصندوق يتحمل التعويض في نفس الإطار الذي يعمل فيه التأمين الإجباري على العربات البرية ذات محرك كما حددناه من قبل.


    2 ـ أن يكون الضرر بدنيا 

     فالضرر القابل للتعويض من قبل الصندوق هو الضرر البدني (المادة 134 ـ فقرة 1). أما الضرر المادي كذاك الذي يصيب العربة أو الأمتعة فلا يعوض عليه الصندوق.

         والمقصود بالضرر البدني كل عجز دائم أو مؤقت يلحق الضحية ويستحق التعويض عنه وفق مقتضيات ظهير 2 أكتوبر 1984 المتعلق بتعويض ضحايا حوادث السير بما في ذلك الضرر المعنوي.


    3 ـ أن يكون المطالب ممن يستحق التعويض

    ذلك أن المادة 134 من المدونة نصت في فقرتها الثانية على أنه يستثنى من الاستفادة من الصندوق:

      1 ـ مالك العربة، عدا في حالة السرقة، وكذا السائق، وبصفة عامة كل شخص له حراسة العربة عند وقوع الحادثة؛

       2 ـ الممثلون القانونيون للشخص المعنوي المالك للعربة إذا كانوا منقولين على متنها؛ 

       3 ـ أجراء أو مأمورو مالك أو سائق العربة الذي تقع عليه مسؤولية الحادثة أثناء قيامهم بعملهم؛

        4 ـ في حالة سرقة العربة، مرتكبو السرقة ومشاركوهم وكذا الأشخاص الآخرون المنقولون على متنها، عدا إذا أثبت هؤلاء الأخيرين حسن نيتهم. كل هذا عندما يكون سائق العربة هو المسؤول عن الحادثة، أما إذا كانت هناك مسؤولية مشتركة بينه وبين عربة أخرى، فإن الأشخاص المذكورين أعلاه يستحقون التعويض بنسبة مساهمة الغير في الحادثة.

    ويلاحظ أن الأشخاص المذكورين أعلاه ليست لهم صفة الغير، وهذا ما استدعى استثناءهم من حق الرجوع على الصندوق كما استثنوا من الضمان في التأمين الإجباري على السيارات.


    4 ـ أن تكون الحادثة قد وقعت في المغرب

    فعملا بمبدأ إقليمية القوانين الوطنية فإن الصندوق لا يعوض على الحوادث التي تقع خارج المغرب والتي تخضع لقانون البلد الذي وقعت فيه.(المادة 149 ـ البند رقم 2)


    5 ـ أن يكون المتضرر مغربيا أو مقيما بالمغرب أو أن بلده يعامل المغاربة بالمثل

    فالمادة 149 (البند رقم 1) تشترط أن يكون الضحية من جنسية مغربية، وإذا لم يكن كذلك فيجب أن يكون مقيما بالمغرب، وإذا لم يكن مقيما فيه، أي كان يوجد بصفة عرضية فيه، فيجب أن يكون من رعايا دولة عقدت مع المغرب اتفاق معاملة بالمثل في هذا الشأن وتتوفر فيه الشروط التي حددها هذا الاتفاق. وهذا هو شأن الرعايا التونسيون والفرنسيون الذين تربط المغرب ببلديهم اتفاقيتان في الموضوع .

    وحسنا فعل المشرع إذ تدارك في نص المادة 149 أعلاه ما كان يؤخذ على نص الفصل السادس من قرار 23 فبراير1955 المنسوخ، والذي كان يشترط أن يكون الضحية مقيما بالمغرب، وهذا كان يقصي المغاربة المقيمين بالخارج من حق الاستفادة من تعويضات الصندوق عندما تصيبهم حادثة سير عند تواجدهم بالمغرب. كما كان يشترط بالنسبة لذوي حقوق الضحية كذلك أن يكونوا قاطنين بالمغرب وهذا كان يقصي أولائك الذين لا يقيمون فيه من الرجوع على الصندوق بالتعويض عن الضرر اللاحق بسلفهم الضحية في حالة وفاته وكذلك الحصول على التعويض عن الضرر اللاحق بهم شخصيا من جراء تلك الوفاة لمجرد أنهم لا يقيمون في المغرب، وهذا معيار اعتباطي لم يكن يبرره أي منطق سوى تقليص مجال تدخل الصندوق وهو ما تأباه مبادئ العدالة. 


    6 ـ ألا يكون للضحية وسيلة أخرى للتعويض

        بحيث إذا كانت هناك إمكانية للحصول على التعويض من جهة أخرى مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو المؤمن الشخصي للضحية، فإن صندوق ضمان حوادث السير لا يتحمل إلا التعويض التكميلي إذا كان الأول غير كامل.(المادة 149/ بند 3)


ثالثا ـ مسطرة مطالبة الصندوق بالتعويض

    تختلف مسطرة مطالبة صندوق ضمان حوادث السير بالتعويض باختلاف ما إذا كان المسؤول عن حادثة السير مجهولا أو أنه معروف لكن لا تأمين له أو أن التأمين الذي يتوفر عليه جزئي فقط.


    1 ـ حالة كون المسؤول مجهولا

        إذا ظل مرتكب الحادثة مجهولا فإن المادة 143 من المدونة أوجبت على أعوان الشرطة القضائية أن يشيروا صراحة في محضر إثبات الحادثة إلى أن مرتكبها ظل مجهولا على أن توجه نسخة من ذلك المحضر إلى صندوق ضمان حوادث السير خلال أجل شهر من تاريخ اختتامه.

    وعلى الضحية أو ذوي حقوقه أن يوجهوا طلبهم بالتعويض إلى الصندوق في أجل ثلاث سنوات من تاريخ وقوع الحادثة، (المادة 148 ـ فقرة 1) وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل أو بواسطة محرر غير قضائي. (المادة 149 ـ فقرة 1) فإذا لم يحترموا هذا الأجل سقط حقهم في الرجوع على الصندوق ما لم يثبتوا أنهم كانوا في حالة استحال عليهم معها التصرف قبل قبل انصرام الآجال المذكورة.(المادة 148 ـ فقرة 5)

        والصندوق بعد توصله بطلب الضحية أو ذوي حقوقه إما أن يقبل التعويض، ويدخل في مفاوضات مع الطالب من أجل تحديد مبلغه، أو لا يقبل الطلب لأي سبب كان، وحينئذ على الطالب أن يقيم دعوى قضائية ضده خلال خمس سنوات من تاريخ وقوع الحادثة (المادة 148/ 3)، أمام المحكمة المختصة التي هي محكمة مكان وقوع الحادثة، أو محكمة موطن الصندوق الذي هو مدينة الرباط.


    2 ـ حالة كون المسؤول بدون تأمين أو بتأمين جزئي فقط

    إذا كان المسؤول عن حادثة السير معروفا إلا أنه بدون تأمين، إما لأنه لم يعقده بالمرة، أو لأن التأمين الذي عقده باطل، أو تم فسخه، أو أن شركة التأمين تتمسك تجاهه بأحد الدفوع المتعلقة بوقف عقد التأمين أو بالاستثناء من الضمان أو بالتأمين الجزئي، فإن الرجوع على صندوق ضمان حوادث السير يخضع للمسطرة التالية:


        أ ـ إشعار الصندوق والضحية

         فلقد أوجب المشرع على الشرطة القضائية أن تشير صراحة في محضر إثبات الحادثة إلى أن المسؤول غير مؤمن وأن ترسل نسخة منه إلى صندوق ضمان حوادث السير خلال شهر من تاريخ اختتامه. (المادة 143 من المدونة)

        كما أوجب المشرع على شركة التأمين كلما كانت تعتزم الاحتجاج تجاه الضحية أو ذويه ببطلان عقد التأمين أو بتوقيف الضمان أو بانعدام التأمين أو بالتأمين الجزئي، أو كانت تعتزم الطعن في وجود عقد تأمين، رغم إدلاء المسؤول عن الحادثة بوثيقة التأمين، أن تصرح بذلك لكل من الصندوق وللضحية أو ذويه برسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل خلال الستين يوما الموالية لتقديم طلب التعويض من طرف الضحية أو ذويه. غير أنه في حالة التأمين الجزئي لا يبدأ سريان هذا الأجل إلا من تاريخ إنذار، يبقى بدون رد، يتعين على شركة التأمين أن توجهه باسم الضحية أو ذويه إلى المسؤول عن الحادثة الذي يرفض أداء الجزء من التعويض الذي في ذمته بعد أن تكون شركة التأمين قد أدت الجزء الذي بذمتها. (المادة 144 من المدونة)

       ولقد ألزم المشرع الصندوق بأن يبدي رأيه حول الاستثناءات التي بلغته شركة التأمين بعزمها الاحتجاج بها تجاه الضحية أو ذويه، وذلك داخل أجل ستين يوما من توصله بالتصريح بها بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل يرسلها إلى كل من شركة التأمين المعنية وإلى الضحية أو ذويه. (المادة 145)  


       ب ـ إبرام صلح مع المسؤول أو إقامة دعوى المسؤولية عليه

        يجب على الضحية أو ذويه قبل الرجوع على الصندوق بالتعويض أن يبرموا صلحا مع المسؤول عن الحادثة أو يقيموا دعوى قضائية عليه لمطالبته بالتعويض خلال أجل خمس سنوات من تاريخ وقوع الحادثة.(البند 2 من المادة 148 من المدونة)

       وكل صلح يجري إبرامه في هذا الشأن يجب تبليغه إلى الصندوق من طرف المدين بالتعويض، خلال أجل 30 يوما من تاريخ إبرامه، بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل. (المادة 147 من المدونة) تحت طائلة غرامة من خمسمائة إلى ألف درهم، وذلك بغض النظر عن التعويضات التي يمكن أن يطالب بها الصندوق. (المادة 154)

       كما أنه في حالة إقامة دعوى المطالبة بالتعويض على المسؤول عن الحادثة، يجب على الضحية أو ذويه أن يوجهوا فورا إلى الصندوق بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، نسخة من المقال الافتتاحي الذي أوجب القانون أن يشار فيه إلى تاريخ ومكان وقوع الحادثة ونوعية العربة التي تسببت فيها، والسلطة التي حررت المحضر ومبلغ التعويض المطالب به أو طبيعة الأضرار وخطورتها إذا تعذرت الإشارة إلى ذلك المبلغ، كما يجب أن يشير المقال إما إلى أن المدعى عليه غير مؤمن، وإما إلى إسم وعنوان شركة التأمين في حالة استثناء محتج به من طرف هذه الأخيرة، وإما إلى أن المدعي لم يكن بإمكانه التعرف على شركة التأمين.(المادة 152)

      وإذا انتصبت الضحية أو ذووه كطرف مدني أمام المحكمة الزجرية أو كانت لهم نية في ذلك، وجب عليهم أن يخبروا الصندوق بذلك قبل الجلسة بخمسة عشر يوما بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل، على أن يضمنوا ذلك التبليغ كافة البيانات المشار إليها في الفقرة السابقة إضافة إلى ذكر إسم وعنوان مرتكب الأضرار أو المسؤول المدني وكذا المحكمة التي رفعت أمامها الدعوى العمومية وتاريخ الجلسة. (المادة 152/الفقرة الخامسة)

      وينتج عن كل بيان غير صحيح يتم إدراجه بسوء نية في التبليغات، سقوط حق المدعي تجاه الصندوق.(المادة 152 ـ الفقرة الأخيرة)

      هذا، ولقد خول المشرع للصندوق أن يتدخل كطرف رئيسي في جميع الدعاوى القائمة بين الضحايا أو ذويهم وبين المسؤولين أو شركة التأمين، وأعطاه الحق في أن يمارس جميع طرق الطعن ضد الأحكام الصادرة فيها.(المادة 152 ـ الفقرة الأولى)

      فإذا تمت التبليغات المشار إليها أعلاه وفق الشروط التي حددناها كان من حق المستفيدين مواجهة الصندوق بالحكم الصادر في طلب التعويض حتى إذا لم يتدخل الصندوق في الدعوى.( المادة 152 ـ الفقرة السادسة)


        ج ـ الرجوع على الصندوق بالتعويض

       على الضحية أو ذويه، بعد إبرام صلح مع المسؤول عن الحادثة أو الحصول على حكم قضائي نهائي بالتعويض، أن يوجهوا طلب التعويض إلى الصندوق داخل أجل سنة من تاريخ الصلح أو من تاريخ القرار القضائي الحائز لقوة الشيء المقضي به (المادة 148 ـ الفقرة الثانية)، وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل أو بواسطة محرر غير قضائي. (المادة 149 ـ الفقرة الأولى)

      ويترتب على عدم احترام الآجال المذكورة من المستفيدين سقوط حقهم في الرجوع على الصندوق ما لم يثبتوا أنهم كانوا في حالة استحال عليهم معها التصرف ضمن تلك الآجال.(المادة 148 ـ الفقرة السادسة)

       ويجب أن يرفق طلب التعويض لزوما بنسخة من الحكم القضائي الصادر بالتعويض أو بنسخة مشهود بمطابقتها لعقد الصلح المحدد للتعويض النهائي.(المادة 151 ـ الفقرة الأولى)

         بعد ذلك، على صندوق ضمان حوادث السير أن يوجه إنذارا بالأداء، نيابة عن الضحية أو ذويه، إلى المسؤول عن الحادثة، داخل أجل تسعين يوما من تاريخ تبليغه بالصلح النهائي أو بالقرار القضائي القابل للتنفيذ المتعلق بالتعويض. وفي حالة رفض الأداء أو إذا بقي الإنذار دون مفعول خلال أجل ستين يوما من تاريخ تبليغه، فإن المسؤول يعتبر معسرا ويصبح الصندوق مدينا بالتعويض. (المادة 150)

        وهنا كذلك إما أن يستجيب الصندوق لطلب المستفيدين فيدفع لهم التعويض الذي قضت به المحكمة على المسؤول، أو يتوصل إلى اتفاق معهم بشأن الصلح الذي أبرموه مع هذا الأخير، وإلا حق لهم رفع القضية إلى المحكمة المختصة. (المادة 151 ـ الفقرة الثانية)

    وجدير بالذكر أن المشرع ألزم شركات التأمين، في حالة التأمين الجزئي أن توجه إلى مرتكب الحادثة بإسم الضحية أو ذويه إنذارا بأداء جزء التعويض الذي يتحمله نتيجة قصور التأمين عن تغطية التعويض كليا، وعند انقضاء شهر واحد دون أداء، عليها أن تحصل على موافقة الصندوق بأداء المبلغ إلى الطالب على أن يسوي لها الصندوق ذلك المبلغ فيما بعد. (الفقرة 3 من المادة 18 من ظهير 2 أكتوبر 1984 المتعلق بتعويض المصابين في حوادث السير).

الفرع الثاني

  حق  صندوق حوادث السير في الرجوع على المسؤول

    بعد أن يؤدي الصندوق التعويض للضحية أو لذويه في إحدى الحالات السابقة فإنه يحل محل هؤلاء تجاه المسؤول أو تجاه مؤمنه، ويحق له مطالبة أي منهما باسترجاع ما دفعه عوضا عنهما بالإضافة إلى الفوائد القانونية والمصاريف.(المادة 153 ـ الفقرة الأولى)

    وللصندوق، باعتباره دائنا، أن يلجأ إلى كافة الطرق المقررة عامة للدائن لاستخلاص دينه، فيجوز له أن يمارس الحجز التحفظي على العربة المتسببة في الحادثة وعلى الأموال المنقولة والعقارية لكل من مرتكب الحادثة وللمسؤول المدني عن العربة. كما أن للصندوق حق امتياز عام على منقولات هؤلاء، وامتيازه يأتي في المرتبة بعد الامتيازات المنصوص عليها في الفصل 1248 من ق ل ع.(المادة 153 ـ الفقرة 2 و3)

    ويلاحظ أن كل عقد يبرم بعد وقوع الحادثة ويرمي إلى تفويت منقول أو عقار في ملك مرتكب الحادثة أو المسؤول المدني عن العربة أو يرمي إلى جعله غير قابل للحجز عليه جزئيا أو كليا يعتبر أنه قد أجرى بقصد التدليس على حقوق الصندوق ويعاقب المسؤول عنه بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات( المادة 155).


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-