اقتسام الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية

اقتسام الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية


 الفصـل الأول : تـدبير الأمـوال المكتسـبـة بـيـن الـزوجين بـين الأصـل والاستثناء

 مـن أهـم المستجدات التـي جـاءت بـهـا مـدونـة الأسـرة ، تنظـيم المشـرع تـدبير الأمـوال المكتسـبـة بـين الـزوجين أثنـاء قيـام العلاقة الزوجيـة ، لا قبل ذلك ولا بعده ، وذلك ضمن الشروط الإرادية لعقد الزواج وأثارها . 

وهـكـذا فـإن المـادة 49 مـن المدونـة تـنص علـى مـا يـلـي : « لكـل واحـد مـن الـزوجين ذمـة مـاليـة مسـتقلة عـن نمـة الآخـر ، غيـر أنـه يـجـوز لهمـا فـي إطـار تـدبير الأموال التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية ، الاتفاق على استثمارها وتوزيعها .

يضمن هذا الاتفاق في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج .

يقوم العدلان بإشعار الطرفين عند زواجهما بالأحكام السالفة الذكر .


 إذا لـم يـكن هنـاك اتفـاق فيرجـع للقواعـد العامـة للإثبـات ، مـع مراعـاة عـمـل كـل واحـد مـن الـزوجين ومـا قدمـه مـن مجهـودات ومـا تحملـه مـن أعبـاء لتنميـة أمـوال الأسرة » . فهـذه المـادة نصـت علـى قـاعـدة اسـتقلال الذمـة الماليـة للـزوجين والتـي يترتب عنهـا عـدم مساءلة أحـدهما عـن ديـون الآخـر مـا لـم يشـر إلـى ذلـك فـي الـعقـد الـذي أبرمـاه مـن أجـل تـدبير الأمـوال المكتسبة بينهمـا ، وهـذا الاتفـاق المبـرم بـيـن الطـرفين تحكمـه قاعـدة العقـد شـريعة المتعاقدين ، التـي تجـد أساسـها فـي الفصـل 230 مـن قـانـون الالتزامات والعقود ، كما أن الزوجين لهم الحرية في إبرام هذا العقد أو العدول عنه .

 فمـاهـو موقـف الفقـه الإسلامي والمشـرع المغربـي مـن الذمـة الماليـة للـزوجين ؟ ومـا هـي أهـم خـصـائص عقـد تـدبير الأمـوال المكتسـبـة بـيـن الـزوجين ؟ ومـا هو مضمون هذا العقد ؟ وهل هذا الأخير ملزم للطرفين ؟. 

سنحاول الإجابة عن هذه الإشكاليات من خلال المبحثين التاليين:

المبحـث الأول : قاعـدة اسـتقلال الـذمم الماليـة بـيـن الـزوجين فـي الفقه الإسلامي والتشريع المغربي . 

المبحث الثاني : الاتفاق على تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين


المبحث الأول : قاعدة استقلال الذمم المالية بين الأزواج في الفقه الإسلامي والتشريع المغربي . 

يقصـد بلفـظ الذمـة فـي اللغـة : الأمـان ، و العهـد ، و الضـمان ، و الحـق ، و في الإصلاح القانوني : المشـرع لـم يـعـرف الذمـة ، " وحسـب جانـب مـن الفقـه الفرنسي ، هي مجموع ما للشخص من حقوق و التزامات مالية حاضرة و مستقبلة . " 

و الذمـة فـي الفقـه الإسـلامي ، تـرادف أهليـه الوجـوب ، و يقـول الفقيـه عبـد الـرزاق أحمـد السـنهوري : ' " الذمـة فـي الفقـه الإسلامي هـي وصـف شـرعي يفتـرض الشـارع و جـوده فـي الإنسـان ، و يصـيـر بـه أهـلا للإلـزام و الالتـزام ، أي صـالحا لأن تكون له حقوق و علیه واجبات..."

و الذمـة الماليـة يمكـن تعريفهـا بأنهـا عبـارة عـن وعـاء يصـب فيـه مـا يثبـت للشخص الطبيعـي أو المعنـوي مـن حقـوق ، ومـا يقـر مـن الالتزامـات . وهـي تـلازم الإنسـان طـوال حياتـه ، إذ تبـدأ عنـد ولادتـه وهـي تنتهـي بانتهـاء حيـاة الإنسان ، حسـب مـا يرى البعض ، بينمـا فـي نظـر الـبعض الأخـر تظـل حتـى بـعـد وفـاة المـرء ، أي إلـى حـين وفاء الديون التي على المتوفى و تصفية تركته . 

 و حسب معظـم الفقـه الإسلامي فـإن لكـل واحـد مـن الـزوجين ذمـة ماليـة مسـتقلة عـن الآخـر ، مسـتدلين فـي ذلـك بالعديـد مـن الآيـات القرآنيـة ، والأحاديـث النبويـة الشـريفة ، وهـذا الموقـف هـو الـذي تبنـاه المشـرع المغربـي ، فـي مدونـة الأحـوال الشخصية سابقا و مدونة الأسرة حاليا .


المطلب الأول : موقف الفقه الإسلامي من الذمة المالية للزوجين

 لقـد انقسـم فقهـاء المـذاهب الإسلامية بخصـوص الذمـة الماليـة للمـرأة إلـى رأيـين مختلفـين ، الأول منهمـا يكـرس مبـدأ اسـتقلال الذمـة الماليـة للـزوجين ، وذلـك لأن العلاقات المالية بين الزوجين في الشريعة الإسلامية يحكمها مبدأ استقلال الذمة . وعليـه فـإن هـذا الـرأي سنتناوله فـي ( الفقرة الأولى ) ، فيمـا سـنفرد ( الفقرة الثانيـة ) للحديث عن الرأي الثاني الذي يذهب إلى منع المرأة من التصرف في مالها .

 الفقرة الأولى : الرأي القائل باستقلال الذمة المالية للزوجين

يمثـل هـذا الـرأي الجمهـور مـن الفقهـاء ، الـذي يـرى أن المـرأة تتمتـع بذمـة ماليـة مستقلة مثلهـا مثـل الرجـل وذلـك باعتبـار " النسـاء شـقائق للرجـال فـي الأحكـام " مصـداقا لقـول المصـطفى صـلى الله عليـه وسـلم ، و كمـا يـروى : ( لا يكـرمهن إلا كـريم و لا يهيـنهن إلا لئـيم ) ، فالإسـلام سـوى بـين الرجـل و المـرأة فـي التصرفات الماليـة ، و جعـل لكـل منهمـا ذمـة مـاليـة مسـتقلة ، وأهليـة لكسـب الحقـوق والالتزامـات بالواجبـات ، وجعـل لكـل منهمـا الحـق فـي تسـلم أموالـه بمجـرد بلوغـه سـن الرشـد ، وقـد اسـتدلوا بعـدة أدلـة مـن الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية الشريفة .

الفقرة الثانية : الرأي الرافض لإستقلال الذمة المالية للزوجين

إن هـذا الـرأي تبنـاه غيـر الجمهـور مـن الفقهـاء ، فقـال : طـاووس بمنـع تصـرف المـرأة فـي مالهـا مطلقـا ، وقـال : الليـث بـالمنع إلا في الشيء التافه ، وقـال مـالـك : لا يجـوز لهـا أن تعطـي بغيـر إذن زوجهـا ولـو كـانـت راشـدة إلا فـي الثلـث مسـتدلين بحـديث عمـر بـن شعيب عن أبيه عن جده رفعه : " لا تجوز عطلية امرأة في مالها إلا بإذن زوجها . "

وهـذا الـراي مـردود بالأدلـة السـالفة الـذكر أعـلاه ، كمـا أن حـديث عمـرو بـن شـعيب المستشـهد بـه ، هـو حـديث منقطـع ، وعلـى فـرض صحتـه فـإنـه يحمـل عـنـد أكـثـر الفقهاء على معنى حسن العشرة واستطابة نفـس الزوج

المطلب الثاني : موقف التشريع المغربي من الذمة المالية للزوجين

 إن المشرع المغربـي علـى غـرار بـاقي التشريعات العربيـة و الإسـلامية 14 ، أقـر بالمبـدأ السـائد فـي الشـريعة الإسـلامية والقاضـي باسـتقلال الذمـة الماليـة للـزوجين ، سـواء فـي مدونـة الأحـوال الشخصية الملغـاة ، أو فـي مدونـة الأسـرة الحاليـة ، فكيـف تعاملـت هـذه الأخيـرة مـع موضـوع الذمـة الماليـة للـزوجين ؟ و مـا هـي أهـم المستجدات بهذا الخصوص ؟ وهل تختلف عما كان مقررا في مدونة الأحوال الشخصية ؟.

 للإجابـة عـن هـذه الإشكالات ارتأينـا تقسـيـم هـذا المطـلـب إلـى فقـرتين : نتنـاول فـي الفقـرة الأولـى ، الذمـة الماليـة للـزوجين فـي مدونـة الأحـوال الشخصـية ، فيمـا نخصص الفقرة الثانية للحديث عن الذمة المالية للزوجين في مدونة الأسرة .

 الفقـرة الأولـى : الذمـة الماليـة للـزوجين فـي مدونـة الأحـوال الشخصية 

نصت المـادة 35 مـن مـدونـة الأحـوال الشخصية الملغـاة علـى أنـه : " للمـرأة حريتهـا الكاملـة فـي التصـرف فـي مالهـا دون رقابـة الـزوج ، إذ لا ولايـة للـزوج علـى مال زوجته " . 

إن المشرع المغربـي مـن خـلال هـذه المـادة يقـر باستقلال الذمـة الماليـة للزوجـة ، إذ تتصـرف فـي أموالهـا كيفمـا تشـاء ، ودون رقابـة علـى معاملاتهـا الماليـة مـن قبـل زوجها ، فلكل واحد من الزوجين ذمة مالية مستقلة عن الأخر .

الفقرة الثانية . الذمة المالية للزوجين في مدونة الأسرة .

 تنص الفقرة الأولـى مـن المـادة 49 مـن مدونـة الأسـرة علـى أن : " لكـل واحـد مـن الزوجين ذمة مالية مستقلة عن ذمة الآخر...

إن الفقـرة الأولـى مـن المـادة 49 مـن المدونـة ، تكـرس مبـدأ استقلال الذمـة الماليـة للزوجين المقـرر فـي الشـريعة الإسلامية ، وتؤكـد كـذلك علـى مـا كـان عليـه الوضـع مـن خلال مدونة الأحوال الشخصية الملغاة


فهرس البحث


  • الفصل الأول : تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين بين الأصل و الاستثناء
  • المبحث الأول : قاعـدة اسـتقلال الـذمم الماليـة بـين الأزواج فـي الفقـه الإسـلامي و التشريع المغربي 
  • المطلب الأول : موقف الفقه الإسلامي من الذمة المالية للزوجين
  • الفقرة الأولى : الرأي القائل باستقلال الذمة المالية للزوجين
  • الفقرة الثانية : الرأي الرافض لاستقلال الذمة المالية للزوجة 
  • المطلب الثاني : موقف التشريع المغربي من الذمة المالية للزوجة
  • الفقرة الأولى : الذمة المالية للزوجين في مدونة الأحوال الشخصية
  • الفقرة الثانية : الذمة المالية للزوجين في مدونة الأسرة
  • المبحث الثاني : الاتفاق على تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين . 
  • المطلب الأول : في ماهية عقد تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين 
  • الفقرة الأولى : مضمون اتفاق تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين 
  • الفقرة الثانيـة : الجهـة المخـول لـهـا إبـرام عقـد تـدبير الأمـوال المكتسبة بـين الزوجين 
  • المطلب الثاني : القوة الملزمة لعقد تدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين 
  • الفقرة الأولى : تنفيذ الزوجين لالتزاماتهما التعاقدية
  • الفقـرة الثانيـة : تعـديل و إنـهـاء عـقـد تـدبير الأمـوال المكتسـبـة بـين الزوجين
  • الفصــل الثـاني : توزيـع الأمـوال المكتسبة بـيـن الـزوجين علـى ضـوء الـعمـل القضائي . 
  • المبحث الأول : تحديد مساهمة الزوجين في الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية
  • المطلـب الأول : رفـض الطلبـات الراميـة إلـى تحديـد حصـة الـزوجين فـي الأمـوال المكتسبة
  • المطلب الثاني : الاستجابة للطلبات الرامية إلى تحديد حصة الزوجين في الأموال المكتسبة 
  • المبحث الثاني : موقف القضاء من مساهمة الزوجة في تنمية أموال الأسرة عن طريق العمل المنزلي
  • الفقرة الأولى : رفض الطلب لانعدام الإثبات
  • الفقرة الثانية : رفض الطلب لتسجيل الممتلكات في اسم احد الزوجين
  • الفقرة الأولى : الاستجابة للطلب اعتمادا على القواعد العامة للإثبات 
  • الفقرة الثانية : إعمال إجراءات التحقيق - من إجراء بحث أو خبرة - للوصول إلى الحقيقة و إنصاف الزوجين
  • المطب الأول : عدم الاعتراف بالعمل المنزلي للزوجة ( رفض الطلب )
  • المطلب الثاني : الاعتراف بالعمل المنزلي للزوجة ( قبول الطلب)


لتحميل البحث كاملا اضغط هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-