العقود كمصدر من مصادر كسب الملكية في ضوء قانون 39.08 و القوانين ذات الصلة (عقد الهبة و المغارسة نموذجا)


العقود كمصدر من مصادر كسب الملكية في ضوء قانون 39.08 و القوانين ذات الصلة (عقد الهبة و المغارسة نموذجا)


   تعتبر الحقوق العينية من الحقوق التي أولاها المشرع عناية فائقة، لارتباطها الوثيق بحقوق و حريات الأفراد، و من ضمن هذه الحقوق حق الملكية التي تعتبر من الحقوق الأكثر حماية من طرف المشرع، لكونها الأساس الذي تستقر بموجبه حياة الأفراد و ينبني عليها تطور المجتمع.

   و الملكية لا تثبت اعتباطيا للشخص، و إنما يجب أن تستند إلى مصدر أو سبب لاكتسابها، فالملكية إما أن تكتسب ابتداءا أي بفعل الإنسان وحده دون أن يكون هناك مالك سابق تنتقل منه و يكون هذا بالاستيلاء، و إما أن تكتسب انتقالا من مالك سابق، و هذا الانتقال قد يكون بين الأحياء، و الذي يقع بالعقد أو الالتصاق  أو الشفعة أو الحيازة، و قد يكون بسبب الوفاة و يتم بالميراث أو الوصية، إذ أسباب كسب الملكية هي تلك الوقائع و التصرفات القانونية التي تؤدي إلى اكتساب شخص ملكية شيء معين إما ابتداءا أو إما نقلا من شخص آخر.

   و أمام ازدواجية أسباب كسب الملكية في التشريع المغربي بين الوقائع و التصرفات القانونية، هذه الأخيرة التي تتمثل في الهبة و الصدقة و الوصية و البيع ثم عقد المغارسة.

   إلا أننا سوف نقوم بتخصيص هذا العرض لدراسة عقدي الهبة و المغارسة، نظرا للاعتبارات التالية :

   _ بالنسبة لعقد الصدقة، فما يسري على الهبة يسري عليه، باستثناء الاعتصار، حيث جاء في المادة 291 من م.ح.ع " تسري على الصدة أحكام الهبة مع مراعاة ما يلي : 

   -لا يجوز الاعتصار في الصدقة مطلقا؛

   -لا يجوز ارتجاع الملك المتصدق به إلا بالارث".

   _بالنسبة لعقد البيع و الوصية لهما وحدة خاصة بالدراسة.

   فأهمية دراسة هذا الموضوع تتجلى في عدة مستويات :

   + على المستوى القانوني : وجود نظام قانوني جديد ينظم عقدي الهبة و المغارسة و المتمثل في قانون 39.08، بعد أن كان تنظيم هذين العقدين يخضعان للفقه المالكي ، و هذا ما كان يثير عدة إشكالات خاصة فيما يتعلق بالعقار المحفظ.

   + على المستوى الاجتماعي : يتمثل في الدور الذي تلعبه الهبة في تدعيم و ترسيخ روابط المحبة و مساعدةالغيرفي مواجهة مصاعب الحياة، فضلا عن نيل تواب الله تعالى، قال سبحانه "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".

   و باستقرائنا للأحكام المنظمة لعقدي الهبة و المغارسة كسبب من أسباب كسب الملكية تثار إشكالية أساسية تتمثل في مدى كفاية القواعد القانونية التي جاءت بها مدونة الحقوق العينية في توفير الحماية لأطراف عقدي الهبة و المغارسة، على مستوى شروط انتقال الملكية و الضمانات المترتبة عنها.

   و تتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من التساؤلات تتمثل في :

   + ما هي شروط انعقاد عقدي الهبة و المغارسة ؟

   + ما هي آثار عقدي الهبة و المغارسة ؟

   + أين تتجلى أوجه ضعف الحماية القانونية لأطراف عقدي الهبة و المغارسة ؟

   و قد حاولنا الإجابة عن هذه الإشكالية و التساؤلات بناءا على تقسيم الموضوع وفق الشكل التالي :

   فصل تمهيدي : إنشاء عقدي الهبة و المغارسة

   الفصل الأول : انتقال الملكية و آثارها في عقدي الهبة و المغارسة

   الفصل الثاني : حدود الحماية القانونية لطرفي عقدي الهبة و المغارسة








فصل تمهيدي : إنشاء عقدي الهبة و المغارسة

لإنشاء عقدي الهبة و المغارسة، تطلب المشرع المغربي توفر شروط عامة تتمثل في شروط الانعقاد و شروط الصحة (المبحث الأول)، بالإضافة إلى شروط خاصة نص عليها المشرع في مدونة الحقوق العينية (المبحث الثاني).

المبحث الأول : الشروط العامة لعقدي الهبة والمغارسة

    الشروط العامة تتمثل في شروط الانعقاد (المطلب الأول)، و شروط صحة (المطلب الثاني).  

المطلب الأول: شروط الانعقاد

الفقرة الأولى: التراضي

التراضي هو توافق إرادتي المتعاقدين على إحداث الأثر القانوني المتوخى من العقد، ويتحقق هذا التوافق قانونا بتبادل التعبير عن إرادتين متطابقتين، ويكون ذلك بصدور إيجاب يتضمن عرضا يوجهه شخص لآخر، وصدور قبول متطابق للإيجاب من الشخص الذي وجه إليه العرض، فيقترن القبول بالإيجاب ويحصل التراضي وبالتالي يتم العقد.

وبمجرد أن ينعقد العقد على هذا الأساس فإنه يكون ملزما لأطرافه، ففي عقد الهبة على اعتبار أنه عقد تبرع، فهو ملزم لجانب واحد هو الطرف الواهب الذي يصدر الإيجاب عنه، وغير ملزم للطرف الموهوب له الذي يصدر عنه القبول، وبالتالي فإن عقد الهبة لا ينتج التزامات إلا في جانب الواهب فيكون مدينا غير دائن.

بينما عقد المغارسة ينتج التزامات متقابلة في ذمته كل من المتعاقدين، على اعتبار أنه من عقود المعاوضة، فيكون الغارس ملزما بغرس الأرض ويكون المالك ملزما بمنحه جزء من الأرض والشجر بعد وصول هذا الأخير حد الإطعام.


الفقرة الثانية: المحل

المحل هو الشيء الذي يلتزم المدين القيام به، فهذا الأخير يلتزم إما بنقل حق عيني أو بالقيام بعمل أو بالامتناع عن عمل.

وعلى اعتبار أنه يسري على محل عقد المغارسة والهبة ما يسري على محل العقد بوجه عام، وبالتالي فإنه لكي يعتد بركن المحل لابد من توافره على مجموعة من الشروط:

أ ـ أن يكون المحل ممكنا

يشترط في الموهوب أن يكون موجودا وقت العقد، فإن وجد كان العقد نهائيا وإلا كان العقد باطلا بطلانا مطلقا، فإذا ظهر أن الشيء الموهوب قد هلك قبل العقد فإن العقد لا ينعقد لعدم وجود محل له.

كما لا يجوز هبة مال المستقبل عملا بمقتضيات المادة 277 من م.ح.ع.

وإذا كان محل عقد الهبة يقبل أن يكون عقارا أو منقولا، فإن محل عقد المغارسة يشترط طبقا للمادة 265 من م.ح.ع أن يكون أرضا مفرزة وشجرا، وتجدر الإشارة إلى أن الشجر هنا يعد مالا ممكنا يتوقف وجوده على تنفيذ الغارس لالتزاماته خلال مدة معينة.

هذا من جهة، من جهة أخرى فإنه ينبغي على المحل أن يكون ممكنا من الناحية القانونية، فلا يمكن أن يكون محل الهبة أو المغارسة أرض موقوفة مثلا، وإلا اعتبر العقد باطلا.

ب ـ أن يكون المحل مشروعا

يجب أن يكون محل الالتزام مشروعا، وحتى يكون كذلك يجب أن يكون مما يجوز التعامل فيه وألا يكون مخالفا للنظام العام أو الأداب العامة.

وهذا الشرط يسري على عقدي الهبة والمغارسة ، إذ لا يمكن أن يكون محل كل منهما أشياء غير مشروعة كزراعة المخدرات أو هبة مفروشات لبيت للدعارة أو للمقامرة مثلا.

ج ـ أن يكون المحل معينا أو قابل للتعين

نص على هذا الشرط الفصل 58 من ق.ل.ع فقال "الشيء الذي هو محل الالتزام يجب أن يكون معينا عل الأقل بالنسبة إلى نوعه، ويسوغ أن يكون مقدار الشيء غير محدد إذا كان قابلا للتحديد فيما بعد" فمن هذا النص يتبين أن المشرع اشترط في محل الالتزام أن يكون معينا أو على الأقل قابل للتعيين.

وبالتالي فإن يشترط في المحل أن يكون معينا تعينا نافيا للجهالة.

وهو ما نصت عليه المادة 265 من مدونة الحقوق العينية بأن تكون الحصة من الأرض والشجر محل عقد المغارسة معلومة، كما نصت المادة 268 على ضرورة تعيين نوع الشجر، محل هذا العقد أما فيما يخص عقد الهبة من حيث شرط التعيين في المحل، تطبق عليه أحكام الفصل 58 من ق.ل.ع أعلاه.

الفقرة الثالثة: السبب

السبب هو الغرض الذي يقصد الملتزم الوصول إليه من وراء التزامه، والفرق بينه وبين المحل هو أن المحل جواب من يسأل، بماذا التزم المدين أما السبب فجواب من يسأل: لماذا التزام المدين

وهناك نظريين في السبب 

النظرية التقليدية:  السبب هو الغاية المباشرة أو الغرض المباشر الذي يقصد الملتزم الوصول إليه أما الباعث فغاية غير مباشرة، تحقق بعد أن يتحقق السبب، ولا يصل إليها الملتزم مباشرة من وراء الالتزام، ففي العقود الملزمة لجانبين سبب التزام كل من المتعاقدين هو التزام الآخر.

وفي عقود التبرع، السبب في التزام المتبرع هو نية التبرع ذاتها، فالمتبرع يقصد من وراء التزامه غرضا مباشرا هو إسداء يد  المساعدة للموهوب له وهذا هو السبب في التبرع.

ـ النظرية الحديثة: السبب هو الباعث الدافع الرئيسي الموجبه للملتزم في أن يلتزم، فمعياره ذاتي وهو خارج عن العقد ويتغير من عقد إلى عقد بتغير المتعاقدين وما يدفعهم من البواعث، ما دام الباعث على هذا القدر من الداتية  والانفصال والتغير، كان من الواجب أن ينظر كيف ينضبط، حتى لا يكون مثارا للزعزعة والقلقة في التعامل.

و تجدر الإشارة إلى أن القضاء الفرنسي يعتد بالباعث الذي دفع المتعاقد إلى التعاقد، ما دام المتعاقد الآخر يعلم أو يستطيع أن يعلم بهذا الباعث سواء كان التصرف تبرعا أو معاوضة.

ففي العقود الملزمة للجانبين إذا وقع أي منهما على منزل يريد المشتري أو المستأجر إدارته للمعاهرة، وكان البائع أو المؤجر عالما بمقصد المشتري أو المستأجر ، يكون باطلا طبقا لأحكام القضاء الفرنسي، ونحن بصدد حديثنا عن العقد الملزم لجانبين تجدر الإشارة إلى أن السبب في عقد المغارسة وفق لما فهمناه من النظرية الحديثة للسبب الباعث هو ما سيحصل عليه المغارس من أرض وشجر، إذ هو الباعث الذي حمله على الالتزام بغرس الأشجار والعناية بها إلى أن تصل حد الإطعام، بينما سبب صاحب الأرض هو المورد المالي الذي ستوفره له الأشجار التي سيحصل عليها وعلى غلتها بعد بلوغها حد الإطعام، فإذا كان قصد أحد الأطراف مخالفا لذلك كان العقد باطلا.

أما فيما يخص التبرعات فوفقا للنظرية الحديثة للسبب ولاجتهاد القضاء الفرنسي في هذا الباب، فإن السبب في عقود التبرع كالهبة لا يقف عند نية التبرع بل يتعداها إلى تلك العوامل النفسية التي دفعت المتبرع إلى التجرد من ماله دون مقابل، أكان يريد الخير في داته أم يريد مصلحة خاصة مشروعة أم يرمي إلى غرض غير مشروع ، فإن تبين أن الباعث الذي دفع المتبرع إلى التبرع غير شريف أو غير مشروع أبطل التبرع.

كأن يهب شخص عقار لامرأة حتى يحملها على إقامة علاقة جنسية معه ، فهذا التبرع يعد باطلا لأن الباعث وراءه غير مشروع م وخالف للأخلاق و الآداب الحميدة.

الفقرة الرابعة : الشكلية

الأصل في العقود أنها رضائية، بمعنى أن المتعاقدين بمجرد أن يقع رضاهما السليم على محل، ويحمل على سبب مشروع، يصلان إلى إبرام العقد الذي كان ينويان عقده وليس عليهما إتباع شكل معين ليكون تعاقدهما صحيحا ، فقد ينعقد العقد مشافهة أو بالمراسلة أو بالهاتف فآثاره تبقى هي هي لا تتغير ولا تتبدل أيا كان الشكل الذي ورد فيه العقد.

إلا أنه استثناء تكون العقود شكلية أو عينية.

فالعقد الشكلي هو مالا يتم بمجرد تراضي المتعاقدين، بل يجب لتمامه فوق ذلك شكل مخصوص يعينه القانون، وما أكثر ما يكون هذا الشكل ورقة رسمية يدون فيها العقد، ولعل الغرض من هذه الشكلية هو تنبيه المتعاقدين إلى خطر ما يقدمون عليه من تعاقد كما في الهبة والمغارسة.

المطلب الثاني: شروط الصحة

الفقرة الأولى: الأهلية

الأهلية نوعان كما هو معلوم، أهلية وجوب وأهلية أداء فهذه الأخيرة هي صلاحية الشخص لاستعمال الحق، ويقع أن تتوفر للشخص أهلية الوجوب دون أهلية الأداء، فيكون مستمتعا بالحق وهذه هي أهلية الوجوب، دون أن يستطيع استعماله بنفسه، وهذه هي أهلية أهلية الأداء، و يتبين من ذلك أنه يمكن فصل أهلية الوجوب عن أهلية الأداء فصلا تاما، والذي يعنينا هنا هو أهلية الأداء، وبإطلاق الأهلية تكون هي المقصودة.

ويمكن تقسيم الأهلية حسب موضوع دراستنا إلى أهلية تصرف وأهلية تبرع، فنقصد بالأولى أهلية التصرف في الشيء بعوض كما هو الحال بالنسبة لعقد المغارسة وأهلية التبرع كما هو الحال بالنسبة لعقد الهبة ففي الأولى يشترط في طرفي العقد كمال الأهلية، أما في الثانية فإن كمال الأهلية يشترط في الواهب فقط أما الموهوب له فيكفي فيه أن يكون ناقص الأهلية إذ يمكنه أن يصدر القبول ويكون العقد تاما، أما إذا كان منعدم الأهلية فإنه يشترط في القبول أن يكون بواسطة نائبة الشرعي.

الفقرة الثانية: خلو الإرادة من عيوبها

كما هو معلوم فإنه يشترط في العقد حتى يكون صحيحا أن تكون إرادة أطرافه خالية من عيوب الرضى وهي الغلط والإكراه والتدليس والغبن.

أ ـ الغلط: حالة تقوم بالنفس تحمل على توهم غير الواقع وتصيب الإرادة في التعاقد، والحالات التي يكون فيها الغلط معيبا للإرادة في التشريع المغربي هي:

ـ حالة الغلط في القانون؛ 

ـ حالة الغلط في مادة الشيء المتعاقد عليه أو في نوعه أو في صفة جوهرية فيه؛

ـ حالة الغلط في ذات أحد المتعاقدين أو في صفة جوهرية فيه، عندما تكون هذه الذات أو هذه الصفة محل اعتبار خاص.

وإذا كانت الحالة الأولى والثانية لا تثير أي إشكال على مستوى إمكانية إعابتهما  للإرادة في عقود الهبة وعقود المغارسة إلا أن الحالة الثالثة يصعب إثباتها في عقود المغارسة، عكس الهبة على اعتبار أنها من عقود التبرع التي تكون فيها ذات الموهوب له محل اعتبار خاص.

ب ـ الإكراه:

عرفه الفصل 46 من ق.ل.ع بأنه "إجبار يباشر من غير أن يسمح به القانون يحمل بواسطته شخص، شخصا آخر على أن يعمل عملا بدون رضاه".

فالإكراه يصيب الإرادة في أهم عنصر من عناصرها وهو عنصر الحرية والاختيار ، إذ المكره لا يرغب في التعاقد وإنما الرهبة التي ولدها الإكراه دفعته إلى أن يتعاقد.

وبالتالي فمتى كان هذا العيب متوفرا في إدارة أطراف عقدي الهبة والمغارسة كان العقد قابلا للإبطال مع الإشارة إلى أن هذا العيب لا يتصور في الهبة إلا في إرادة الواهب.

ج  ـ التدليس:

يمكن تعريف التدليس وتحديد مفهومه، بأنه استعمال الحيلة والخداع بقصد إيهام الشخص بغير الحقيقة وإيقاعه في غلط يدفعه إلى التعاقد، فالعلاقة واضحة إذن بين الغلط والتدليس، فالغلط الذي درسناه يتولد في ذهن الشخص تلقائيا، أما الغلط الناشئ عن التدليس فهو غلط قصد المدلس إيقاع المتعاقد الآخر فيه وذلك عن طريق الحيلة والخداع فالتدليس لا يعد عيبا مستقلا عن عيوب الإرادة، فهو في حقيقة الأمر ليس إلا غلطا مستثارا ولده التدليس وليس غلطا تلقائيا، والتدليس لا يعيب في حد ذاته الإدارة وإنما الذي يعيبها هو الغلط الناشئ عنه.

وبعبارة مختصرة فالتدليس يوقع التعاقد المدلس عليه في غلط يصيب رضاه، وعلى هذا الأساس يكون العقد قابلا للإبطال سواء في عقد الهبة أو المغارسة.

د - الغبن:

الغبن هو عدم التعادل المادي بين ما يأخذه العاقد وما يعطيه والعادة أن يجاوز عدم التعادل حدا معينا، لأن من النادر أن يتساوى البدلان تماما في عقود المعاوضات، بل هناك قدر من عدم التعادل لا يؤثر في العقود ولذلك لا تثور مسألة الغبن إلا إذا بلغ عدم التعادل حدا يجاوز المألوف في التعامل.

والقاعدة في التقنين المغربي أن الغبن المجرد عن التدليس لا يكفي لإبطال العقد، وليس لهذه القاعدة سوى استثناء واحد هو الحالة التي يلحق فيها الغبن بالقاصر أو بناقص الأهلية، حيث يكون الغبن وحده سببا للإبطال.

وعلى اعتبار أن هذا العيب لا يمكن تصوره إلا في عقود المعاوضة كعقد المغارسة فهو لا يمكن تصوره في عقد الهبة.

المبحث الثاني :  الشروط الخاصة لعقدي الهبة والمغارسة

تتمثل هذه الشروط في التوثيق الذي يجمع بين العقدين ،و في شروط خاصة أخرى لكل من عقدي الهبة و المغارسة، و سنقسم هذا المبحث إلى ثلاث مطالب.

المطلب الأول : شرط التوثيق 

إن كل من عقد المغارسة و الهبة يعتبران عقدين شكليين بحيث تطلب المشرع في انعقادهما شكلية الكتابة الرسمية و ذلك كاستثناء على المادة 4 من مدونية الحقوق العينية. و عليه فإن كلا من عقد الهبة و المغارسة يحرر إما بواسطة موثق تقليدي (الفقرة الأولى) أو موثق عصري ( الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الموثق التقليدي '' العدول''

إن مهنة العدالة المنظمة بموجب ظهير 14 فيراير 2006 المتعلق بخطة العدالة ، فالمحرر العدلي الذي يحرره العدلان يقصد به تلك الوثيقة المكتوبة التي تشار فيها ما أملاه الشهود عليهما، و تعتبر دات حجية رسمية متى روعيت فيها الإجراءات الشكلية المتطلبة قانونا، و خاطب عليها القاضي المكلف بالتوثيق بعد تأكده من سلامتها و أداء واجبات التسجيل.

ويترتب على ذلك أن الوثيقة المحررة من طرف الموثق التقليدي قبل أن يصادق عليها قاضي التوثيق تعتبر فقط و ثيقة  عرفية،  فمصادقة قاضي التوثيق عليها هو الذي يضفي عليها طابع الرسمية حسب المادة 35 من القانون 16.03.

الفقرة الثانية: الموثق العصري

تتميز مهنة التوثيق العصري بالدقة في تنظيمها لما توفره من ضمانات لصالح المتعاقدين، و بالتالي فهم معرضون للمساءلة المدنية أو الجنائية أو التأذيبية.

وحسب المادة 35 من القانون المتعلق بمهنة التوثيق، يتلقى الموثق العقود التي يفرض القانون إعطاءها صبغة الرسمية و تتضمن هذه العقود جملة من الشروط الشكلية و الموضوعية، ذلك من قبيل:

ـ هوية المتعاقدين ؛

ـ أركان و شروط العقد ؛

ـ الوثائق المدعمة للاتفاق...

ويختص الموثق بتلقي الشهادات و إضفاء الرسمية على عقود الأطراف و تعاملاتهم في نطاق مكان محدد بحكم القانون. و يتعين على الأطراف التوقيع على كل صفحة من صفحات العقد مع الإشارة إلى التوقيع، كما يؤشر الموثق على كل صفحة بحيث يكتسب العقد الصبغة الرسمية من تاريخ توقيعه و ذلك حسب المادة 44 من القانون 32.09.

المطلب الثاني : الشروط الخاصة في عقد الهبة

بالإضافة إلى الشروط العامة المتطلبة في عقد الهبة وفي سائر العقود، توجد شروط خاصة بهذا العقد وردت في مدونة الحقوق العينية وهي كالتالي:

  • أن يكون الواهب مالكا للعقار الموهوب وقت الهبة:

نصت المادة 275 من م.ح.ع بأنه "يشترط لصحة الهبة أن يكون الواهب كامل الأهلية مالكا للعقار وقت الهبة"، بذلك يسوغ للواهب أن يهب ما يملك فقط سواء كل ممتلكاته أو جزءا منها، مما يجعل الجواز مشروطا بأن يكون الواهب مالكا للعقار، أما إذا لم يكن مالكا للشيء الموهوب فلا يسوغ له أن يهبه، وبالتالي وفقا لمقتضيات البند الثاني من المادة 277 من م.ح.ع، يقع باطلا هبة عقار الغير، غير أن السؤال الذي يطرح هنا، هل هذا البطلان مطلق أم نسبي؟

في ظل سكوت المادة 277 عن تحديد نوع البطلان، فالأصل أن هبة عقار الغير تقع باطلة، طبقا للمادة السالفة الذكر، واستثناءا من ذلك تكون صحيحة إذا أجازها المالك الحقيقي، هذه الإجازة تتصور إما صراحة، أو ضمنيا تستشف بالسكوت وعدم الرفض طبقا للفصل 38 من ق.ل.ع.

وعند تمام هذه الإجازة تنصرف آثارها إلى وقت إبرام العقد كما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 37 من ق.ل.ع، مما يعني أن الغلة بين تاريخ الإبرام وتاريخ الإجازة تكون للموهوب له، إلا إذا صرح المالك الحقيقي بغير ذلك، فآثار العقد تبدأ من ذلك التاريخ الذي صرح به.

  • أن لا يكون الدين قد أحاط بماله:

نصت المادة 278 من م.ح.ع بأنه: "لا تصح الهبة ممن كان الدين محيطا بما له".

ومرد هذا الشرط أن عدم إحاطة الدين بمال الواهب قد جاء كحماية لحقوق الدائنين وضمانا لأموالهم، حتى لا يتسبب لهم تصرف المدين بضرر لمصالحهم، وذلك تكريسا للقاعدة الواردة في الفصل 1241 من ق.ل.ع : "أموال المدين ضمان عام لدائنيه".

وتكمن أهمية هذا الشرط في أنه يحول دون تهرب المدين من أداء ديونه وتحايله بهذا الخصوص.

وقد كرس هذه القاعدة العمل القضائي من خلال عدة اجتهادات قضائية من بينها قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض) الذي جاء فيه: "أنه لما ثبت للمحكمة أن الزوج وهب لزوجته داره بعد أن أصبحت ذمته عامرة بالمبلغ المحكوم عليه بأدائه لفائدة الدائن، واعتبرت أن عقد الهبة وإن وقع صحيحا بين طرفيه فإنه يشكل إفقارا لذمة الواهب التي تعتبر ضمانا عاما لدائنيه، خاصة وأنه امتنع عن تنفيذ مقتضيات الحكم المذكور، وقضت تبعا لذلك ببطلان الهبة تكون قد طبقت صحيح القانون".

وبالرجوع إلى الفقه المالكي نستشف أن الدين إذا تساوى أوتجاوز المال الموهوب فإن حكم الهبة نميز فيه بين ثلاث حالات:

ـ إذا سبق الدين الهبة : الهبة باطلة، اللهم إلا إذا أجازها الدائنون.

ـ إذا سبقت الهبة الدين : الهبة صحيحة.

ـ إذا جهل أسبقية تاريخ أحدهما : يعتبر الدين أسبق تقديما للواجب على التبرع.

  • أن لا يكون مريضا مرض الموت :

عرف الفقه الإسلامي مرض الموت بأنه ذلك المرض الذي يغلب فيه خوف الموت ويعجز معه المريض عن قضاء مصالحه ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة.

فإذا كان الواهب في مرض الموت، فالمشرع قرر أن تسري على الهبة في هذه الحالة أحكام الوصية، إلا إذا لم يكن للواهب وارث صحت الهبة في الشيء الموهوب بكامله، وذلك وفقا لمقتضيات المادة 280 من م.ح.ع.

المطلب الثالث : الشروط الخاصة في عقد المغارسة

تطلب المشرع في عقد المغارسة، مجموعة من الشروط الخاصة والمتمثلة في:

  • فيما يتعلق بالأرض:

من خلال المادة 265 من م.ح.ع يتضح أن المشرع يميز بين أرض المالك الذي تطلب فيها أن تكون مفرزة غير مملوكة على الشياع، وبين الحصة المراد تملكها الذي اشترط أن تكون معلومة بحسب ما تم الاتفاق عليه.

  • فيما يتعلق بالأشجار:

اشترط المشرع لصحة عقد المغارسة فيما يتعلق بالشجر توفر ثلاثة شروط:

ـ أن يعين نوع الشجر المراد غرسه، ويبين حصة الغارس في الأرض والشجر.

ـ يتعين على الغارس غرس عدد الأشجار المتفق عليه، أو على الأقل ثلثي ما هو محدد بالعقد أو العرف.

ـ يجب أن يتم الغرس داخل الأجل المتفق عليه، وفي حالة انعدام هذا الاتفاق، يتعين على الغارس أن يقوم بالتزاماته الخاصة بذلك قبل انصرام سنة من تاريخ إبرام العقد.

جزاء الإخلال بشروط عقد المغارسة

نظرا لأننا سبق وأن أشرنا إلى جزاء الإخلال بالشرط الشكلي (التوثيق)، سنحاول تبيان جزاء الإخلال بالشروط الموضوعية.

باستقرائنا للمواد المنظمة للشروط السالفة الذكر يتضح أن المشرع بين جزاء الإخلال بالبعض وأغفل جزاء الإخلال بالبعض الآخر.

ـ من خلال المادتين 269 و270 من م.ح.ع يتبين أنه في حالة إخلال الغارس بالتزاماته المتمثلة بالشروع في الغرس داخل الأجل المتفق عليه أو سنة من تاريخ إبرام العقد، فالجزاء المترتب هو فسخ العقد بقوة القانون، وفي حالة غرس أقل من ثلثي ما هو مذكور في العقد، فالغارس لا يمتلك الحصة المتفق عليها، وللمالك الخيار بين الاستمرار في العقد أو إنهائه مع الاحتفاظ بحق الغارس بالتعويض إن كان له محل.

ـ أما بالنسبة لجزاء الإخلال بالشروط المتبقية ،و أمام انعدام الجواب في ق.ل.ع، يجيب الفقه المالكي بجعل العقد فاسدا، الأمر الذي يطرح التساؤل حول أثر هذا الفساد على مصير عقد المغارسة.

حيث يجب التمييز بين ما إذا تبين الفساد قبل بلوغ الشجر حد الإطعام، يفسخ العقد ويعامل الغارس معاملة الأجير، أما إذا تبين الفساد بعد بلوغ الشجر حد الإطعام، تبقى المعاملة صحيحة تنتج جميع آثارها. 







الفصل الأول : انتقال الملكية في عقدي الهبة و المغارسة  و آثارها

إذا كان الأصل في العقود الناقلة للملكية أنها تنتج أثارها بمجرد انعقاد العقد وفق الشروط المحددة قانونا فإن الأمر يختلف في عقد الهبة و المغارسة ، بحيث إن ذلك يشكل استثناء عن القواعد العامة ( المبحث الأول) و الواهب أو مالك الأرض لا تنحصر التزاماته فقط في نقل ملكية الشيء إلى الموهوب له أو الغارس، بل إنه من بين أهم الآثار المترتبة هي التزامه بضمان محل العقد حتى يتمتع الطرف الآخر بالحيازة الهادئة للشيء بشكل يتماشى و الغرض الذي يبتغيه من ذلك( المبحث الثاني).

المبحث الأول: انتقال الملكية في عقدي الهبة و المغارسة 

   معلوم أن عقدي الهبة و المغارسة من العقود الناقلة للملكية، فبعد استكمال الشكلية أو الشرط الذي ينص عليه القانون تنتقل للموهوب له أو الغارس السلطات الثلاثة من استعمال و استغلال و تصرف، فبالنسبة للموهوب له يجب أن يحوز الشيء الموهوب (المطلب الاول)، و عند الإخلال بشرط الحوز يترتب جزاء معين، و هذا الحوز يجب أن يتم بالكيفية التي ينص عليها القانون (المطلب الثاني)، أما  بالنسبة لعقد المغارسة، فالملكية لا تنتقل إلا بعد بلوغ الشجر حد الإطعام (المطلب الثالث).

المطلب الأول : الحوز في الهبة  

لم يعرف المشرع المغربي الحوز في مدونة الحقوق العينية، لكنه عرفه في مدونة الأوقاف في المادة 26 "الحوز هو رفع يد الواقف عن المال الموقوف ووضعه تحت يد الموقوف عليه" ومن خلال هذا التعريف يمكن تعريف الحوز في الهبة على أنه رفع يد الواهب عن الشيء الموهوب ووضعه بيد الموهوب له،فالحوز هو إتمام لتصرف الهبة بجعل ملكيتها خالصة للموهوب له، ولا يتم ذلك إلا بأن يحوز هذا  الاخير العين الموهوب إلا أن الحوز كي يكون صحيح يجب أن تتوفر فيه شروط معينة،حيث يجب التمييز  بين العقار المحفظ أو في طور التحفيظ (فقرة أولى) والعقار غير المحفظ (فقرة ثانية).

الفقرة الأولى: الحوز في العقار المحفظ أو في طور التحفيظ:

إذا كان الحوز في العقار المحفظ قبل صدور م.ح.ع محل اختلاف بين الفقه والقضاء، فإنه وبعد صدور قانون 39.08 المتعلق بالحقوق العينية قد حَسم في هذا الخلاف، حيث جعل الحوز القانوني يغني عن الحوز الفعلي، فقد جاء في المادة 274 في فقرتها الثالثة "يغني التقييد بالسجلات العقارية عن الحيازة الفعلية للملك الموهوب وعن إخلائه من طرف الواهب إذا كان محفظا أو في طور التحفيظ"، فمدونة الحقوق العينية اعتدت في حوز العقار الموهوب إذا كان محفظ بالحوز القانوني بدل الحوز الفعلي، حيث أنها تبنت وسيلة التقييد في الرسم العقاري لتقوم مقام الحوز الفعلي، فالمدونة بهذا التوجه جعلت من التقييد قرينة على تخلي الواهب، لأن الملكية وهي الأصل في التعامل، تكون قد انتقلت لا محال إلى الموهوب له، فهي جوهر الحوز حتى ولو ظل الواهب بالعين الموهوبة إلى الوفاة، وكذلك الأمر بالنسبة للعقار في طور التحفيظ، حيث أن المشرع أعطاه حكم العقار المحفظ بالنسبة لمسألة الحوز القانوني، وبالتالي فإن هبة عقار في طور التحفيظ لن تحتاج لشرط الحوز بل إعمال مسطرة الإيداع، ويتم إحلال هذا الإيداع مكان شرط الحوز الفعلي للعين الموهوبة، وإذا علمنا أن المودع حسب الفصل 84 تصبح له صفة المتعرض وبالتالي فإمكانية خسارته للدعوى واردة، وهذا أمر منتقد، لا سيما وأنه يؤثر على التبرعات وعلى الهبة بشكل خاص مما يؤثر على تداول العقار والاستثمار فيه.


الفقرة الثانية: بالنسبة للعقار غير المحفظ

انطلاقا من الفقرة الثالثة من المادة 274 وبمفهوم المخالفة فإنه لا غنى عن الحوز الفعلي متى تعلق الأمر بهبة ترد كل عقار غير محفظ استثناء إذا تم إدراج مطلب لتحفيظه.

وعليه، فالفهم السليم للمادة 274 بالنسبة للعقار غير محفظ يقتضي التمييز بين:

  • إذا لم يتم إيداع مطلب التحفيظ:

أمام سكوت مدونة الحقوق العينية عن الشروط المتطلبة لحوز العقارات غير المحفظة وإعمالا للمادة الأولى منها، وبالرجوع الفقه المالكي ،فالشروط التي يتطلبها هذا الأخير لحوز العقار هي:

ـ أن يتم الحوز قبل حصول المانع: والمقصود بالمانع هو مانع موت الواهب أو إفلاسه، فالعطية من هبة وصدقة وغيرها تكون مهددة بالإسقاط إذا لم تحز قبل موت أو إفلاس الواهب، يقول الخرشي في شرحه "والمعنى أن الهبة إذا بقيت عند واهبها إلى أن فلس أو إلى أن مات فإنها تبطل لفوات الحوز"فالتمليك يجب أن يتم في حياة الواهب كما أنه يجب أن يتم قبول حصول مانع إحاطة الدين بالواهب، فمانع الموت ينظر فيه إلى الورثة، فبسببه تنشأ حقوقهم، فكثيرا ما يرغب الواهب في العطية للتمييز بين ورثته على أن لا تحاز حقيقة إلا بعد موته حفاظا وحوطا وحذرا على مصالح نفسه، لذلك يجب أن يتم الحوز قبل مانع الموت، وبالنسبة لمانع الإفلاس ينظر فيه إلى الدائنين وذلك تقديما للواجب على التبرع.

ـ معاينة البيئة على الحوز أو ما يقوم مقامه: فالحوز لا يصح إلا بمعاينة البيئة أي الإشهاد على شرط الحوز وذلك بالتطوف بالعقار الذي وقعت هبته في سائر جهاية ومعاينة خلوه من شواغل الواهب وبحضور الموهوب له وبحضور عدلين على سبيل المثالفالإشهاد على معاينة الحوز شرط صحة لقيام التبرع ينعدم العقد بدونه، أو ما يقوم مقامه كالتصرف في محل التبرع فهذا التصرف يعتبر دليلا على أن حوزه قد تم فعلا، لأن الموهوب له لا يمكنه إجراء هذا التصرف ما لم يكن حائزا للمحل بالفعل، ككراء العين الموهوبة أو حرثها  وما غير ذلك من التصرفات.

ـ هناك شرط آخر إذا تعلق الأمر بهبة دار للسكنى حيث يشترط إخلاء الواهب لمحل الهبة وأن لا يعود إليها قبل انقضاء مدة سنة على تاريخ الإخلاء، وهذا ما أكده قرار لمحكمة النقض الذي جاء فيه "إذا كان موضوع العطية هو دار سكن المعطي فإنه لا يكفي الإشهاد بالعطية ومعاينة البينة على حيازتها من قبل المعطى له وإخلاء المعطي لما من شواغله، بل لا تكون صحيحة إلا إذا كان إخلاؤه لها وخروجه منها عاما كاملا من تاريخ المعاينة المذكورة، فإن بقي أو عاد لها قبل ذلك بطلت.

  • إذا تم إيداع مطلب التحفيظ

جاء في المقطع الأخير من المادة 274 من م.ح.ع أنه إذا كان عقار غير محفظ فإن إدراج مطلب لتحفيظه يغني عن حيازته الفعلية وعن إخلائه، الأمر الذي يفيد أن الحوز القانوني في هذا الباب يغني عن الحوز المادي.

إلا أن الانتقاد الموجه للمشرع في هذا الباب أن إدراج عقد الهبة بمطلب التحفيظ لا يدل على التملك النهائي نظرا لاحتمال التعرضات، مما يولد فرضية سقوط أو صمود مطلب التحفيظ، ومن تم يبقى الحوز الفعلي هو الأسلم في العقارات غير المحفظة والحقوق العينية الواقعة عليها، ولو سبق أن قدم بها مطلب للتحفيظ.

نشير إلى أن هناك استثناء لا يشترط الحوز في عقد الهبة، وذلك في حالة مرض الموت لأن الهبة في مرض الموت تسري عليها أحكام الوصية ولا حوز في الوصية.

المطلب الثاني : جزاء الإخلال بالحوز والكيفية التي يتم بها الحوز

سوف ندرس في هذا المطلب جزاء الاخلال بشرط الحوز(فقرة اولى) ثم نتقل لدراسة الكيفية التي يتم بها الحوز مقتصرين على العقار غير المحفظ ،على إعتبار أن العقار المحفظ وفي طور التحفيظ يكفي فيه التقييد بالرسم العقاري(فقرة ثانية).

الفقرة الأولى : جزاء الإخلال بالحوز

لم ينص المشرع المغربي سواء في مدونة الحقوق العينية أو في قانون الالتزامات والعقود على جزاء الإخلال بالحوز، وتطبيقا للمادة الأولى من م.ح.ع ،وبالرجوع إلى الفقه المالكي يكون الجزاء هو عدم تمام عقد الهبة، حيث أن الإمام مالك اعتبر الحوز شرط تمام فقط، حيث يقول ابن رشد الحفيد "فمالك القبض عنده من شروط التمام لا من شروط الصحة، وهو عند الشافعي وأبي حنيفة من شروط الصحة"وقال أحمد وأبو نور "تصح الهبة بالعقد وليس القبض من شروطها أصلا، ويعلل بن رشد الجد اعتبار الحوز شرط تمام قائلا "وإنما كانت الحيازة من شروط تمام الهبة والصدقة، لانهما لو أجيزا دون حيازة لكان ذلك ذريعة إلى أن يتنفع الإنسان بماله طوال حياته، تم يخرجه عن ورثته بعد وفاته" فإذا وقع التراخي في حصول الحوز حتى حصل المانع بطلت الهبةإلا أن البطلان في الفقه الإسلامي ليس كما هو في القانون، فالبطلان يراد به عدم التمام أي القابلية للبطلان في القانون المدني، أي أن الإجازة متعلقة بالدائنين إذا كان إفلاس أو الورثة إذا تعلق الأمر بالموت.

الفقرة الثانية : الكيفية التي يتم بها الحوز

أمام سكوت مدونة الحقوق العينية عن الكيفية التي يتم بها الحوز، وبالرجوع إلى ق.ل.ع وقياسا على مقتضيات الفصل 500 منه، فإذا تعلق الأمر بهبة عقارات مبنية يتم التخلي بتسليم مفاتيحها بشرط أن لا يكون هناك عائق يمنع الموهوب له من وضع اليد عليها، أما إذا تعلق الأمر بهبة عقارات غير مبنية من أراضي فلاحية وأراضي بيضاء فإن الحوز يتم بالتوجه إلى عين المكان للإشهاد على الطرفين بالحوز ومعاينته والوقوف على الأرض والطواف بها وتبيان حدودها أو معالمها ،والمطابقة بينهما وبين ما هو مقيد بوثائق ورسوم ملكيتها وتصاميم هندستها والتأكد من فراغها من شواغل الواهب وأمتعته.

أما بالنسبة للمنقولات وحسب الفصل 500 فإنه يتم تسليمها بمناولتها من يد ليد، هذا كقاعدة عامة إلا أن هناك استثناء كما هو الأمر بالنسبة لحوز الأصل التجاري، فلو أنه يعتبر من المنقولات إلا أنه يظل ملتصق بالعقار التصاقا يصعب أن يتصوَر معه من المنقولات، ويترتب عن هذا القول أن الحوز الفعلي في الأصل التجاري ليس كالحوز في المنقول وإنما كالحوز في العقار.

   ونشير ان الحوز يجب ان يتم في مكان محدد منصوص عليه قانونا،وعليه،وبالرجوع إلى ق.ل.ع وقياسا على مقتضيات الفصل 248 يتم الحوز في المكان الذي تقتضيه طبيعة الشيء الموهوب وإلا فبحسب الاتفاق، وإذا انعدم الاتفاق ففي مكان إبرام العقد إذا كان الشيء الموهوب مكلفا من حيث نقله أو شاقا في نقله، وإلا فأينما يوجد الموهوب له.

وبالنسبة لمصروفات القبض فإنما تكون كل ذمة الموهوب له، ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك فيتحملها الواهب.

 المطلب الثالث : انتقال الملكية في عقد المغارسة

   بعد قيام عقد المغارسة وفق الشكل المحدد قانونا فإنه ينتج آثارا، لعل أهمها هو انتقال ملكية ما تم الاتفاق عليه من الأرض و الشجر، و انتقال الملكية في عقد المغارسة مرتبط أساسا ببلوغ الشجر حد الإطعام (الفقرة الثانية)، فلتحقق هذا الأخير يقع على الغارس مجموعة من الالتزامات (الفقرة الأولى).

   الفقرة الأولى : التزامات الغارس

   يلتزم الغارس في عقد المغارسة بمجموعة من الالتزامات التي تقع على عاتقه، ذلك من قبيل الحفاظ على الأرض محل المغارسة (أولا)، و التزامه بالعمل الواجب عليه (ثانيا).

الفقرة الأولى : الالتزام بالحفاظ على الأرض محل المغارسة

   يلتزم الغارس بمقتضى عقد المغارسة بالحفاظ على الأرض محل المغارسة، بحيث يتعين عليه أن يستعملها بدون إفراط أو إساءة، و يدخل من قبيل المحافظة على الأرض استعمالها فيما أعدت له بمقتضى العقد، متحريا في ذلك سلوك الشخص المدني الحريص على حفظ أمور نفسه، متجنبا كل ما من شأنه أن يضر بها، و إلا اعتبر متعديا، ذلك كأن يقوم بعمل قد يتسبب في جرف تربتها أو يسمدها ببعض المواد الكيماوية التي تضر بالأرض ضررا بليغا.

   هكذا فإذا لم يقم الغارس بالمحافظة على الأرض و هلكت بسبب ذلك أو تعيبت بسبب تعديه أو تقصيره، وجب عليه ضمانها لصاحبها.

   لتحقق مسؤولية الغارس يجب على مالك الأرض بصفته مدعي إثبات وجود أضرار حقيقية لحقت بالأرض بسبب إساءة أو إهمال الغارس و ذلك في إطار مبدأ البينة على من ادعى، و عليه فالغارس لا يمكنه دفع هذه المسؤولية إلا إذا أثبت أن حصول الضرر للأرض يرجع لقوة قاهرة أو سبب أجنبي لا يد له فيه، و أنه فعل ما كان يجب فعله لمنع وقوع الضرر، حسب القواعد العامة لأحكام المسؤولية في قانون الالتزامات و العقود.

الفقرة الثانية : التزام الغارس بالعمل الواجب عليه

   إن الغارس ملزم بالتفرغ الكلي للمهام الموكولة إليه بمقتضى عقد المغارسة، فالعمل الذي يقوم به هو مقابل لما يحصل عليه من الأرض و الشجر عند تحقق الإطعام، و هذا هو ما من شأنه أن يدفع الغارس إلى الشروع في التنفيذ فور إبرام العقد و ذلك بكامل الجدية و الإقبال دون تهاون أو تراخي تضييعا للوقت.

   و المشرع المغربي من خلال مدونة الحقوق العينية لم يشر إلى بعض الالتزامات التي يتعين على الغارس احترامها أثناء تنفيذ العقد، و إنما ترك ذلك لاتفاق الطرفين أو لما يجري به العمل، و هو ما أشار إليه الشيخ خليل بقوله و عمل العامل ما دخل عليه عرفا أو تسمية.

   و هكذا يتعين على الغارس أن يقوم بإعداد الأرض و القيام بغرس الشجر المتفق عليه في العقد، بحيث إنه يعتبر متعديا إذا غرس بدله نوعا آخرا مخالفا لما اتفق عليه، كما يتعين عليه بأن يغرس العدد المتفق عليه أو على الأقل ثلثيه، فإذا قل عدد الشجر المغروس عن ثلثي ما هو محدد بالعقد أو العرف فإن الغارس لا يتملك الحصة المتفق عليها، و للمالك الخيار بين الاستمرار في العقد أو إنهاؤه مع الاحتفاظ للغارس بحقه في التعويض عند الاقتضاء، و هو ما نصت عليه مدونة الحقوق العينية.

   فضلا عن ذلك يتعين على الغارس تنفيذ عمله و الشروع في الغرس داخل الأجل المحدد باعتبار العقد شريعة المتعاقدين، إلا أنه إذا لم يردفي عقد المغارسة تاريخا للشروع في الغرس، تعين على الغارس أن يشرع في ذلك قبل انصرام سنة من تاريخ إبرام العقد، و إلا فسخ العقد بقوة القانون حسب المادة 269 من م.ح.ع.

   و عليه فالغارس إذا قام بكل ما على عاتقه من التزامات، و هلك الشجر قبل بلوغ حد الإطعام فلا حق له في التملك، بمعنى أنه إذا هلك الغرس بحرق أو آفة أو قوة قاهرة قبل بلوغه حد الإطعام فإن الغارس لا يكون له شيء إلا في حدود ما اتفق عليه أو بما يقضي به العرف فيما يتعلق بما عمله الغارس في الأرض، أما إذا لم يتفقا و لم يقضي العرف بشيء فلا حق للغارس في التملك.

أما إلإذا هلك الشجر بعد بلوغه حد الإطعام، اعتبر الغارس وفي بالتزامه و استحق الحصة متفق عليها في الأرض طبقا للمادة 271 من م.ح.ع.

الفقرة الثالثة : بلوغ الشجر حد الإطعام

   سبق و قلنا بأن عقد المغارسة لكي يرتب حقا عينيا للغارس على الأرض، فإن ذلك مرتبط ببلوغ الشجر حد الإطعام، بحيث إن المادة 272 من م.ح.ع نصت على أنه " لا يرتب عقد المغارسة حقا عينيا إلا إذا تحقق الإطعام، و أشهد به الطرفان في محرر رسمي أو ثبت بخبرة قضائية مصادق عليها من المحكمة".

   و عليه فمن خلال مقتضيات المادة أعلاه يتبين بجلاء أن عقد المغارسة لا يرتب حقا عينيا إلا إذا تحققت الشروط الآتية :

   الشرط الأول : لا يرتب عقد المغارسة حقا عينيا للغارس إلا إذا تحقق الإطعام و الإثمار، أي تم عمل الغارس و نجحت مغارسته و توفرت فيها جميع الشروط المقررة، إذ أن الغارس لا يصبح شريكا بالحصة المعينة إلا إذا نجح غرسه و أطعمت الأشجار التي غرسها.

   الشرط الثاني : أن يشهد الطرفان  على تحقق الإطعام و ذلك في محرر رسمي أو بمقتضى خبرة قضائية مصادق عليها، و ذلك حتى يحتج به على الكافة.

   إلا أن ما يجب التنبيه إليه هو أنه إذا تعلق الأمر بالمغارسة الواردة على عقار محفظ فإنه بالإضافة إلى شكلية الكتابة الرسمية، يتعين تقييد الحصة المشترطة في السجل العقاري وفقا لما هو منصوص عليه في الفصلين 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري 1913 المعدل و المتمم بالقانون14.07 ، على أن كل حق عيني وارد على عقار محفظ يعتبر غير موجود تجاه الغير إلا بتقييده، أما الفصل 67 قد نص على أن قاعدة الأثر المنشئ لحق عيني أو نقله إلى الغير أو تغييره أو إسقاطه لا ينتج أثرا و لو بين المتعاقدين إلا من تاريخ التقييد في الرسم العقاري.

   تجدر الإشارة إلى أنه يمكن أيضا للعامل قبل ذلك أن يطلب تقييدا احتياطيا ليحتفظ برتبته ابتداءا من ذلك التقييد، حتى إذا تم عمله و نجحت مغارسته أمكنه تقييد حقه هذا بصفة نهائية بمجرد أن يثبت نجاح مغارسته بواسطة محرر رسمي أو تقرير خبير من طرف المحكمة، أو بحكم نهائي يقضي باستحقاق الغارس للجزء المتفق عليه.

المبحث الثاني : الضمان في عقدي الهبة و المغارسة

   من المعلوم أن الضمان يعتبر من النظام العام في عقود المعاوضات و من بينها عقد المغارسة ( المطلب الثاني)، أما بالنسبة لعقود التبرع فإن الأمر يختلف عن ذلك (المطلب الأول).

المطلب الأول : الضمان في عقد الهبة

   تنص المادة 281 من م.ح.ع على أن "الواهب لا يلتزم بضمان استحقاق الملك الموهوب من يد المهوب له، كما لا يلتزم بضمان العيوب الخفية.

   لا يكون الواهب مسؤولا إلا عن فعله العمد أو خطئه الجسيم".

   من خلال استقراء هذه المادة يتبين بجلاء و وضوح تامين بأن الواهب لا يضمن استحقاق الملك و العيب الخفي إلا في حالة فعله العمد، أي أنه قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق أو العيب الخفي بمعنى وجود نية الإضرار، أو خطئه الجسيم.

   إلا أن الواهب يضمن التعرض الصادر منه، فلا يجوز له أن يأتي أعمالا مادية يتعدى بها على حقوق الموهوب له، كما لا يجوز له أن يقوم بتصرفات قانونية يكون من شأنها أن تسلب الموهوب له حقوقه.

   كما يلتزم أيضا بضمان التعرض الصادر من الغير، مثلا كأن يدعي الغير حقا على الموهوب سابقا على الهبة أو تاليا لها و كان مستمدا من الواهب، فإذا رفعت الدعوى على الموهوب له باستحقاق الموهوب، و أخطر بها الواهب و لم يتدخل هذا الأخير، وجب عليه الضمان وفقا للقواعد العامة، ما لم يثبت أن الحكم الصادر في الدعوى كان نتيجة لتدليس من الموهوب له أو لخطأ جسيم منه

   و عليه فإذا نجح الأجنبي المتعرض في دعوى الاستحقاق فإن الموهوب له يحق له الرجوع على الواهب بضمان الاستحقاق في حالتين  :

   الأولى إذا كان الواهب قد تعمد إخفاء سبب الاستحقاق ؛

   الثانية إذا كانت الهبة بعوض، و لو كان الواهب يجهل سبب الاستحقاق على أنه لا يكون مسؤولا إلا بقدر ما أداه الموهوب له من عوض.

   و في جميع الأحوال يحل الموهوب له محل الواهب في ما له من حقوق و دعاوي.

   أيضا فإن عدم ضمان الواهب للعيوب الخفية حسب نص المادة ليس على إطلاقه، بحيث إن الواهب يضمنها إذا تعمد إخفاءها أو ضمن باتفاق خاص خلو العين الموهوبة من العيوب ثم ظهر عيب، و هذا أيضا المادة 495 من القانون المدني المصري.

المطلب الثاني : الضمان في عقد المغارسة

   بالرغم من أن المشرع المغربي لم يتعرض صراحة لموضوع الضمان في عقد المغارسة فإن هذا لا يعني أن صاحب الأرض معفى من ذلك، بل إن الضمان ملقى على عاتقه حسب القواعد العامة.

   فلا يكفي أن ينقل صاحب الأرض إلى الغارس ملكية الحصة موضوع المغارسة، و أن يسلمه إياها، بل يبقى على عاتقه ضمان التعرض و الاستحقاق بإن يضمن له بقاء الملكية و الانتفاع بالحصة بحسب ما أعدت له.

   و عليه فإن المالك يلتزم بضمان التعرض (الفقرة الأولى)، و ضمان الاستحقاق (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : ضمان التعرض

   يجب على المالك بأن يدفع التعرض سواء كان شخصيا أو صادرا من الغير، فضمان التعرض يعتبر من الالتزامات القانونية الملقاة على عاتق صاحب الأرض إزاء الغارس، لأن ملكية هذا الأخير للأرض و الشجر لا تكتمل إلا إذا ارتبطت بالحيازة الهادئة التي تمكن الغارس من استغلال حصته و التصرف فيها بلا معارض.

   فضمان عدم التعرض للغارس بعد أن يتملك نصيبه يعتبر في هذا العقد كالبائع بالنسبة لنصيب المشتري، فيلتزم بأن لا يتعرض له تعرضا ماديا أو قانونيا.

   فالتعرض القانوني يكون عندما يدعي صاحب الأرض حقا على الحصة موضوع المغارسة في مواجهة الغارس، إذا كان هذا الادعاء من شأنه حرمان الغارس من المزايا التي يعول عليها في العقار’ سواء كان هذا الحق موضوع الدعوى حقا شخصيا أو عينيا.

   أما التعرض المادي فهو فعل يعكر و يشوش به صاحب الأرض على حيازة الغارس للعقار دون أن يستند في ذلك إلى أي حق يدعيه، كأن يمنع صاحب الأرض عمال الغارس من مباشرة أعمال الغرس، فإن فعل فللغارس أن يلجأ إلى القضاء الاستعجالي لدفع الضرر، و في هذا الإطار جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي :" حيث إن طلب المدعي واضح ويرمي إلى أمر المدعى عليه بالكف عن الاعتراض على عماله بفدانين موضوع المغارسة المبرم بين الطرفين،وهذا يدخل ضمن اختصاصات قاضي المستعجلات لصبغته الوقتية،لان استمرار المدعى عليه بمنع العمال من القيام بواجبهم من شأنه إلحاق ضرر به وتفويت فرصة الربح عليه".

   فهنا صاحب الارض لا يدعي حقا على الحصة وإنما يقوم بأعمال مادية تؤدي لإنتقاص من حقوق الغارس أو يحرمه منها.

  والتزام صاحب الارض بضمان التعرض الشخصي ينتقل الى الخلف العام في حالة وفاة الغارس كما ينتقل إلى الخلف الخاص.

   إن التزام صاحب الأرض لا يقتصر على الامتناع عن تعرضه الشخصي، و إنما يمتد إلى حماية الغارس من أي تعرض قانوني صادر من الغير، و الذي تؤدي الاستجابة إليه إلى حرمان الغارس من كل أو بعض المنافع التي كان يطمح إليها أثناء حصوله على الحصة موضوع المغارسة.

   فالتعرض القانوني الصادر من الغير هو كل عمل أو إدعاء بحق قانوني يدعيه الغير على الحصة موضوع المغارسة الموجودة تحت حيازة الغارس، يكون من شأنها عدم انتفاع الغارس أو حرمانه من كل أو بعض السلطات المخولة له قانونا،  أما التعرض المادي الصادر من الغير فإن المالك غير ملزم بدفعه.

   لضمان التعرض الصادر من الغير يجب أن يكون هذا التعرض قانونيا، أي يستند إلى حق يدعيه الغير على الحصة محل المغارسة، و في مقابله فإن المالك لا يضمن مجرد التعرض المادي، و مرد ذلك أن للغارس وسائل متعددة في القانون لدفعه، كرفع دعوى منع التعرض، أو دعوى استرداد الحيازة، كما يجب أيضا أن يكون هذا الحق الذي يستند غليه الغير ثابتا له وقت المغارسة أو إلى ما بعد المغارسة لكن بفضل صاحب الأرض نفسه، فهنا هذا الأخير يسأل لأنه نقل حقا مثقلا بحق الغير.

الفقرة الثانية : ضمان الاستحقاق

   تشكل دعوى الاستحقاق الآلية المخولة للالتجاء إلى القضاء للمطالبة بالحق، و التي يستطيع القاضي إلحاق الحق لمن هو أحق به.

   و بمفهومه الضيق يفيد ضياع حق بمقتضى حكم قضائي، أما في الاصطلاح القانوني فهو يفيد انتزاع المبيع من المشتري أو تهديده بانتزاعه منه، و غالبا ما يكون الاستحقاق مسبوقا بالتعرض الذي يتم به التمهيد لبلوغ هذا الاستحقاق.

   و الغارس عند قيام الغير مطالبته بالحق الذي يزعمه على العقار يجب عليه إعلام صاحب الأرض بدعوى الاستحقاق، و هذا الأخير يجب عليه الندخل لمواجهة الغير الذي يدعي حقا على الحصة موضوع المغارسة، فإذا لم يقم الغارس بهذا الإخبار و استمر في الدعوى باسمه دون حاجة لمساعدة صاحب الأرض أو إهمالا منه، و مع ذلك لم يتمكن من دفع هذا التعرض، و حكم بالاستحقاق للمتعرض بحكم حاز قوة الشيئ المقضي به،فإن الغارس يفقد حقه في الرجوع على صاحب الأرض.

   و عليه فلكي يحمي الغارس مصالحه من الضياع يتحتم عليه إعلام صاحب الأرض بدعوى الاستحقاق، الأمر الذي يفرض على هذا الأخير التدخل إلى جانب الغارس أو أن يحل محله فيها، فإذا استحال عليه دفع تعرض الغير، و استحق الغير الحصة محل المغارسة، فهنا يكون صاحب الأرض ملزما بضمان الاستحقاق، الأمر الذي يخول للغارس الرجوع عليه، و هذا ما أكده قرار محكمة الاستئناف بفاس في أحد قراراتها، و الذي جاء فيه :" حيث إن الغارس حرم من حوز القطعة محل المغارسة بسبب إفراغه منها مما يخول له الرجوع على صاحب الأرض بضمان الاستحقاق الكلي للعقار بمقتضى عقد المغارسة، و مطالبة صاحب الأرض بالتعويض".

   و المشرع المغربي ميز بين الاستحقاق الكلي و الاستحقاق الجزئي، فالأول يقصد به نزع العقار كليا من يد الغارس لثبوت حق الغير عليه، أما الثاني فالمشرع ميز فيه بين نوعين، استحقاق جزئي جسيم يترتب عنه خسارة كبيرة للغارس، بحيث لو علمه لما أقدم على التعاقد، و استحقاق جزئي يسير لا يبلغ قدرا من الجسامة و لا يترتب عنه خسارة كبيرة للغارس، حيث يبقى له فقط حق المطالبة في انتقاص الثمن بقدر ما استحق لا غير.









الفصل الثاني : حدود الحماية القانونية لطرفي عقدي الهبة و المغارسة

مهما كان العقد بعوض أو بدون عوض ، قد أقر المشرع أحكام قانونية لحماية أطرافه سواءا كان دائنا أو مدينا ملزم أو غير ملزم، و نحن بصدد دراسة عقدي الهبة و المغارسة هذه الحماية لا تشكل استثناءا من ذلك ، إلا أنه و بقراءة الأحكام المنظمة لهذين العقدين في القانون 39. 08 ، فالواضح أن هذا التنظيم قد أقر كما أغفل مجموعة من الأمور لها ما لها من أهمية على مستوى حقوق الأطراف سواء على مستوى عقد المغارسة من خلال إغفاله بعض المقتضيات الحمائية لطرفي عقد المغارسة قبل انتقال الملكية (المبحث الأول)، أو على مستوى عقد الهبة من خلال إقراره حق الرجوع في الهبة(المبحث الثاني ).

المبحث الأول: حدود الحماية القانونية لطرفي عقد المغارسة من حيث بعض التصرفات و الوقائع القانونية

سنتطرق في هذا  المبحث لمدى إمكانية تفويت صاحب الأرض محل المغارسة لها ( المطلب الأول) و لمدى إمكانية المغارس تفويت حقه في المغارسة ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: على مستوى الحق في التفويت

الفقرة الأولى: تفويت الأرض محل المغارسة

التفويت لا يؤثر بشكل أو بآخر على حق المغارس، بل تبقى الأرض مثقلة به إلى حين انتهاء مدة العقد إذ يحق لصاحب الأرض أن يتصرف فيها بالبيع و غيره من غير أن يؤثر ذلك على حق المغارس.

إلا أن ما تسري به الممارسة المحلية أن حق المغارس يقيد المالك في التصرف في الأرض لأنه غالبا ما يترتب عن التفويت الإضرار بالمغارس من قبل الغير، ولعل موقف الممارسة المحلية قد صادف الصواب نسبيا لأن عدم إمكانية التصرف في ملك البائع بالبيع مثلا يجعل المغارس يعمل بكل حزم و جهد و تفان دون أي مضايقات من الغير ، أما إذا كان من حق المالك التصرف في أرضه بسائر نواع التصرف فإن ذلك غالبا ما يؤثر سلبيا على نفسية المغارس و يجعله يتخوف دائما من انتقال الملك إلى غيره و بالتالي ضياع حقه.

و هو نفس الموقف الذي تبناه بعض الباحثين مستندين في ذلك برأي الفقه الذي يعتبر أن البيع الذي يكون محله محل نزاع لا يجوز، لأن ملكية العقار أثناء المغارسة تكون غير مستقرة لتوقفها على نجاح المغارسة أو فشلها، و حيث أن العقار محل المغارسة في حيازة المغارس فإن حيازته من طرف المفوت إليه أمر قد يكون محل نزاع.

ولعل هذه الإشكالية ترجع بالأساس إلى طبيعة الأرض التي تتسم بكونها غير محفظة مما قد يعرض حقوق المغارس للضياع. 

أما إذا كانت الأرض محفظة فإن للمغارس الحق في تقييد حق المغارسة الواردة على عقار محفظ تقييدا احتياطيا لضمان حقوقه في حالة تفويت هذا العقار من طرف مالكه بعوض أو بدون عوض .

   سندنا في ذلك أن الفصل 85 من القانون 14.07 لم يحدد طبيعة الحق الممكن تقييده تقييدا احتياطيا ، أهو حق عيني أو شخصي حيث نص على أنه '' يمكن لكل من يدعي حقا على عقار محفظ أن أيطلب تقييده تقييدا احتياطيا للاحتفاظ فه مؤقتا '' و هو نفس الاتجاه الذي ذهبت إليه محكمة النقض بنقضها حكم محكمة الاستئناف بالرباط الذي قصر التقييد الاحتياطي على الحقوق العينية، و ذهب إلى الإقرار بإمكانية أن يتناول التقييد الاحتياطي الحقوق الشخصية و الحقوق العينية على حد سواء.

و بالتالي فإن تفويت العقار المحفظ مثقل بحق المغارسة المقيد تقييدا احتياطيا لا يتصور أن يكون محل نزاع و بالتالي يجوز، على اعتبار أن التزامات المالك الأصلي اتجاه المغارس تنتقل في مجملها إلى المالك الجديد لأن الملكية و الحقوق المترتبة عنها مؤسسة على سند قانوني قوي يتمثل في الرسم العقاري.

الفقرة الثانية: تفويت الحق في المغارسة

فيما يخص حق المغارس في تفويت حقه في المغارسة بعوض أو بدونه ،فأمام غياب نص صريح في مدونة الحقوق العينية فإننا نعتقد أن هذا التفويت يمكن إخضاعه لقواعد الحوالة الواردة في قانون الالتزامات و العقود، إذ أن كل حق يصلح مبدئيا لأن يكون محلا للحوالة سواء كان شخصيا أو عينيا.

كأن يقوم المغارس بتفويت التزامه لشخص آخر ليتم عملية المغارسة و يكتسب بذلك الحق العيني المتمثل في الجزء من الأرض و الشجر بعد بلوغ الشجر حد الإطعام ، إذ ينص الفصل 189 من قانون الالتزامات و العقود على أنه '' يجوز انتقال الحقوق و الديون من الدائن الأصلي إلى شخص آخر إما بمقتضى القانون أو بمقتضى اتفاق المتعاقدين’’.

إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه في هذه الحاله، هو هل يتوقف تفويت المغارس لحقه الشخصي للغير على موافقة صاحب الأرض أم لا؟

بالرجوع إلى القواعد المؤطرة لعقد المغارسة في مدونة الحقوق العينية نجدها لا تقدم إجابة واضحة على هذا التساؤل ، و بالرجوع إلى القواعد العامة في قانون الالتزامات و العقود نجد الفصل 192 ينص على أنه '' تبطل حوالة الحق المتنازع فيه ما لم تتم بموافقة المدين المحال عليه ، و يعتبر الحق متنازعا فيه في معنى هذا الفصل ، إذا كان هناك نزاع في جوهر الحق أو الدين نفسه عند البيع أو الحوالة أو كانت هناك ظروف من شأنها أن تجعل من المتوقع إثارة منازعات قضائية جديدة حول جوهر الحق نفسه ''.

فالمشرع المغربي وفق هذا الفصل اختار أن يعلق تمام الحوالة محل الحق المتنازع فيه أو المتوقع أن يكون محل نزاع على موافقة المدين المحال عليه ، و إلا اعتبرت الحوالة باطلة إذا وقعت بدون هذه الموافقة.

و حيث أن صاحب الأرض محل المغارسة قد ينازع في تفويت المغارس لحقه في المغارسة لشخص آخر على اعتبار أنه قد يكون لشخص المغارس محل اعتبار في العقد، أو قد يكون الشخص المراد التفويت إليه يثير حفيظة مالك الأرض حول استقرار الشراكة أو المجاورة معه في حالة بلوغ الشجر حد الإطعام ، فإنه من المنطقي أن يكون تفويت المغارس لحقه معلقا على موافقة صاحب الأرض.

المطلب الثاني : على مستوى الحق في الشفعة

سنحاول في هذا المطلب تحديد الحالات التي تتصور فيها الشفعة في المغارسة وفق منظور الفقه ، مع محاولة تبيان مدى إمكانية الأخذ بهذه الحالات في ظل المقتضيات الجديدة التي جاءت بها المدونة و ذلك قبل بلوغ الشجر حد الإطعام ( الفقرة الأولى) و بعد بلوغه حد الإطعام (الفقرة الثانية )

الفقرة الأولى : قبل بلوغ الشجر حد الإطعام 

إن حق طرفي عقد المغارسة في الشفعة تتصور في حالتين و في نظر الفقه فقبل بلوغ الشجر حد الإطعام .

الحالة الأولى: إذا باع صاحب الأرض أرضه قبل أن يتم الغارس عمله ،أمكن لهذا الأخير أن يستعمل حق الشفعة لأنه سيصبح شريكا عندما تنجح مغارسته، إلا أن استحقاقه الشفعة لم يكن يتصور إلا إذا نجحت مغارسته فعلا لأنه كان شريكا حين البيع.

إلا أنه بالرجوع إلى مقتضيات المادة 293 من مدونة الحقوق العينية، فإنه لا يحق للمغارس أن يشفع لعدم توفر شرط الشراكة في الملك وقت بيع العقار محل المغارسة ، حيث نصت المادة على أنه يشترط لصحة طلب الشفعة أن يكون طالبها شريكا في الملك المشاع وقت بيع حصة شريكه في العقار أو الحق العيني و أن يكون تاريخ تملكه للجزء المشاع سابقا على تاريخ تملك المشفوع من يده للحصة محل الشفعة، و هو ما لا يمكن تحققه في هذه الحالة.

الحالة الثانية : إذا باع الغارس نصيبه قبل تمام عمله ، فإن من حق صاحب الأرض أن يستعمل حق الشفعة في ذلك المبيع في الأجل المحدد لها و أن يدفع للمشفوع منه كل ما خرج من يده من ثمار و صائر ، فإن نجحت المغارسة ثبت البيع و الشفعة و إن لم تنجح لم يثبت البيع و سقطت الشفعة تبعا لذلك و أمكن للشفيع أن يرجع على المشفوع منه بما دفع بمناسبة الشفعة.

و هذه الحالة أيضا لا يمكن الأخذ بها في ظل أحكام مدونة الحقوق العينية ، نظرا لأن المادة 292 منها عرفت الشفعة بأنها ''أخد شريك في ملك مشاع أو حق عيني مشاع حصة شريكه المبيعة بثمنها بعد أداء الثمن و مصروفات العقد اللازمة و المصروفات الضرورية النافعة عند الاقتضاء ''،و هو ما لا يتصور في هذه الحالة، نظرا لعدم ثبوت لا ملك مشاع ولا حق عيني مشاع بين طرفي عقد المغارسة ، إذ أن صاحب الأرض له حق عيني عليها متمثل في حق الملكية بينما المغارس له فقط حق شخصي على هذه الملكية.

الفقرة الثانية: بعد بلوغ الشجر حد الإطعام 

بالإضافة إلى الحالات السابقة في منظور الفقه قبل صدور مدونة الحقوق العينية هناك حالة ثالثة تتمثل في نجاح المغارسة و اكتساب المغارس لحق عيني على الأرض محل المغارسة يتمثل في جزء من الأرض و الشجر و بالتالي يصبح هذا الأخير شريكا على الشياع مع صاحب الأرض كما هو معلوم، ففي هذه الحالة متى قام أحد الأطراف سواء المغارس أو مالك الأرض ببيع نصيبه من الأرض و الشجر كان للآخر الحق في شفعتها وفق الشروط المقررة للشفة في ضوء مدونة الحقوق العينية .

و انطلاقا من ما سبق يتبين لنا أن المشرع قد قصر حق المغارسة في الشفعة في حالة واحدة تتمثل في بلوغ الشجر حد الإطعام و قيام أحد الأطراف ببيع نصيبه قبل إجراء القسمة بطبيعة الحال  ، إذ أنه في غير هذه الحالة لا يمكن إقامة دعوى الشفعة في مواجهة الشخص المكتسب للحصة المراد شفعتها لأنه إذا كانت شروط إقامة الدعوى هي الأهمية و المصلحة و الصفة ، فإن هذا الشرط يكون منعدما و لا يثبت إلا بعد بلوع الشجر حد الإطعام ، و هو ما قد يفوت على المغارس تقوية نصيبه أو حصته في الأرض.

المبحث الثاني : حدود الحماية القانونية لطرفي عقد الهبة على مستوى الرجوع فيها

  إذا كان الأصل في العقود اللزوم، فإن الهبة لا تشكل استثناءا من ذلك نظرا لعدة اعتبارات أهمها ارتباط حياة الموهوب له بهذه الهبة.. إلخ، إلا أن هذا الأمر ليس على إطلاقه بل يرد عليه استثناء يمكن بمقتضاه للواهب الرجوع في ما وهبه، هذا الأمر الذي يشكل و جه حماية و ضعف للواهب و للموهوب له باختلاف أحكامه، على هذا الأساس حاول المشرع تنظيمه بأحكام دقيقة ، معرفا إياه من خلال المادة 283 من م.ح.ع بالقول " يراد بالإعتصار رجوع الواهب في هبته.."، كما لا يجوز للواهب أن يعتصر ما وهب إلا  إذا أشهد بالإعتصار و تم التنصيص على ذلك في عقد الهبة و قبل الموهوب له بذلك ، هذا الأخير الذي كون عن طريق إتفاق الأطراف أو بصدور حكم قضائي ، و حتى يكون هذا الرجوع صحيحا يجب أن يمارس من طرف أشخاص حددهم المشرع ( مطلب الأول ) ، بشرط أن لا يتوفر مانع من موانع ( مطلب الثاني ) ، لكي ينتج أثره المتوخاة (المطلي الثالث ) .

المطلب الأول : حالات الاعتصار

نص المشرع على حالات اعتصار الهبة بحيث جعله حقا للأب و الأم ( الفقرة الأولى ) ، و العاجز عن النفقة على نفسه أو على من تلزمه نفقته (الفقرة الثانية ) .

الفقرة الأولى : رجوع الأبوين

نصت المادة 283 من م.ح.ع بأنه " يراد بالاعتصار رجوع الواهب في هبته، ويجوز في الحالتين التاليتين:

أولا : فيما وهبه الأب أو الأم لودهما قاصرا كان أو راشدا".

 على خلاف المذهب المالكي الذي اشترط لاعتصار الأم على ولدها شروطا، فإن الظاهر من مقتضى هذه المادة أن المشرع قد سوى بين الأب والأم في إمكانية الرجوع فيما وهبه لولدهما، سواء كان قاصرا أم راشدا، والقاصر من قصر من سن الرشد أو رشد سواء كان بأتمه أو مجنونا أو معتوها أو سفيها، ومصطلح القصور عام يشمل جميع هذه الافتراضات.

ويطرح إشكال على مستوى التشريع المغربي في تنظيمه لحالة اعتصار الأم ،هو أن المشرع لم يقيد اعتصارها بأي شرط من الشروط كما فعل الفقه المالكي، مما يجعلنا نتساءل حول حقوق الابن الصغير فيما لو كان يتيما واعتصرت الهبة منه من طرف الأم.

نعتقد أن الاجتهاد القضائي هو من سيجيب عن هذا السؤال لأن سكوت المشرع يفتح الباب أمام الاجتهاد خاصة عندما يتعلق الأمر بحقوق الأطراف.

 الفقرة الثانية : رجوع الواهب العاجز عن الإنفاق

وسعت م.ح.ع من دائرة الأشخاص الذين يحق لهم الرجوع في الهبة، إسوة ببعض التشريعات العربية بالنص في الفقرة الثانية من المادة 283، " .......إذ أصبح الواهب عاجزا على الإنفاق على نفسه أو على من تلزمه النفقة عليه" وبذلك تكون قد فتحت الباب أمام كل واهب تبدلت حالته من ستر أو يسر إلى عجز أو عسر من الرجوع في ما سبق أن وهبه لغيره متى أصبح عاجزا عن الإنفاق على نفسه أو على من تلزمه نفقته، وما دام أن المشرع لم يشر إلى من هم الأشخاص الذي يجب الإنفاق عليهم من قبل الواهب، فإن الرجوع إلى نصوص قانونية أخرى، يجيب عن السؤال، وهذه النصوص هي ما تم النص عليه من خلال القانون رقم 70.03 المتعلق بمدونة الأسرة، وذلك من خلال القسم الثالث المتعلق بالنفقة من المواد 178 إلى 205، وبقراءة لهذه المواد يتضح على أن من تلزم النفقة عليهم هم الفروع والأصول المباشرين والزوجة، ومعلوم أن إثبات هذا العجز يقع على عاتق الواهب الذي عليه أن يتبين أن هذا العجز جاء لا حقا على عقد الهبة.

فمن خلال هذا التنظيم يتضح أن هناك ملاحظتين أو إشكاليتين:

تتمثل الأولى في كون أن الواهب متى كان قادرا على الإنفاق على نفسه، وعجز عن الإنفاق على أبنائه الذين تجب عليهم نفقتهم، انتقل حق الانفاق عليهم إلى أمهم الموسرة وفقا للمادة 199 من مدونة الأسرة، مما يجعلنا نتساءل:

هل يجوز له الرجوع في الهبة مع أنه أضحى غير ملزم بنفقة الأبناء لأن القانون أوجبها على أمهم الموسورة؟

إجابة على هذا السؤال وأمام غياب الأحكام القضائية، نجد بعض الفقه يسقط حق الزوج في الرجوع في الإعتصار في هذه الحالة، وسندهم في هذا أن حقه في الإعتصار يحتاج إلى أكثر من مرجح، خاصة إذا انطلق التفكير من أن الأصل في العقود اللزوم، وأن الرجوع في الهبة استثناء، والاستثناء لا يتوسع في تفسيره، وإلا ابتلعت القاعدة فتصبح هي الاستثناء.

أما الإشكال الثاني، فيتجلى في أحقية الأفراد الذي يلزم النفقة عليهم من قبل الواهب أن يطلبوا اعتصار الهبة في حالة ما لو تضرروا من تبرع الواهب وعدم رغبة هذا الأخير في الاعتصار رغم وجود حالة عسر، جوابا عن هذا يمكن القول أن الاعتصار هو حالة خاصة بالواهب وليس لهؤلاء أن يعتصروا الهبة لأن حق الاعتصار هو حق شخصي للواهب فقط، ولهؤلاء أن يسلكوا الطرق القانونية الأخرى كما في حالة الزوجة التي لها المطالبة بالنفقة وفقا ما هو منظم في مدونة الأسرة.

إذن يستطيع الواهب إذا كان من الأبوين أن يرجع في هبته في كل الأحوال دون توفر على عذر مقبول، وكذلك الواهب إذا كان من غير الأبوين بشرط أن يتوفر على عذر مقبول وكل ذلك ما لم يوجد مانع من موانع الاعتصار في الهبة.




المطلب الثاني : موانع الاعتصار في الهبة 

يرتبط بالاعتصار عدد من الموانع صاغها المشرع في إطار المادة 285 من م.ح.ع، فمن خلال هذه المادة يتضح أن موانع الاعتصار إما موانع تتعلق بأحد المتعاقدين (الفقرة الأولى) أو موانع تتعلق بالشيء الموهوب (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : موانع الاعتصار المتعلقة بأحد المتعاقدين 

أ ـ قيام رابطة الزوجية:

انطلاقا من هذه النقطة فإن المشرع المغربي ومن خلال م.ح.ع،  تبنى هذه الحالة و ذلك بجعله من الهبة التي يقوم بها أحد الزوجين للآخر أثناء قيام الرابطة الزوجية مانعا من موانع الاعتصار، وهذا ما أكده القضاء، عموما فإن الهبة بين الزوجين هبة لازمة منذ صدورها فلا يجوز للواهب الاعتصار فيها بغير رضى الموهوب له، ذلك أن الهبة في هذه الحالة مقصود بها توثيق أوامر العلاقة بين الزوجين، وقد توثقت فعلا بالهبة، فتحقق عرض الواهب، ولم يعد يستطيع الرجوع وحده في هبته بعد أن تحقق غرضه.

فالمشرع هنا وبمفهوم المخالفة،  متى انقضت الرابطة الزوجية، عاد حق الاعتصار لزوج الواهب، ونلاحظ على أن توجه المشرع هذا توجه منتقد، مادام أن هذه المادة تفتح الباب للصراع ما بين الزوجين حتى بعد انقضاء العلاقة الزوجية وفي هذا أثر على إمكانية رجوع الطرفين إلى بعضهما خاصة لما يكون الطلاق في مرحلة الطلاق الرجعي.

ب ـ زواج الموهوب له : من موانع الاعتصار كذلك

توظيف الهبة في الزواج، فلو أن الولد الموهوب له ذكر أو أنثى كبيرا أم صغيرا، استعمل الهبة بغرض الزواج فتزوج فإن الاعتصار لا يجوز في هذه الحالة لتعلق حق الغير بها من صداق ولوازم الزواج الأخرى، والهبة هي الدافع له على الزواج، فإذا تزوج فعلا امتنع الاعتصار، وإلا فالاعتصار جائز.

وعلاقة بموضوع زواج الموهوب له كمانع للاعتصار، فإذا أوفى الموهوب له بالتزامه فلا حق للواهب في اعتصاره أما في حالة العكس فيكون للواهب مطلق الحق في الاعتصار ما دام أن هذه الهبة تعتبر كأنها عقد معاوضة.

ج ـ موت الواهب أو الموهوب له قبل الاعتصار

من موانع الاعتصار في الهبة موت أحد المتعاقدين سواء كان الواهب أو الموهوب له، فإذا مات الواهب ليس لورثته الرجوع في الهبة واسترداد الموهوب، فبموت الواهب يبطل خيار فسخ الهبة لأنه خيار يتصل بشخص صاحبه فلا يورث، وكذلك إذا توفي الموهوب له يعد مانعا من الاعتصار لأنه بوفاة الموهوب له ينتقل الملك إلى ورثته.

والموت باعتباره مانعا من موانع الاعتصار يشمل الموت سواء كان حقيقيا أو حكميا.

ويرتبط بهذا المانع إشكال مهم يتعلق بسعي الموهوب له مثلا بوضع حد لحياة الواهب حتى يصبح الرجوع في الهبة غير ممكن في حقه، لذلك نعتقد وعملا بالقاعدة الفقهية "من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه" كان على المشرع الإشارة إلى هذه النقطة كما فعل التشريع الفرنسي والمصري مثلا اللذان أدخلها ضمن حالات جحود الموهوب له.

د ـ مرض الواهب أو الموهوب له 

نص المشرع أن مرض الواهب أو الموهوب له مرضا مخوفا يخشى معه الموت يمنع من اعتصار الهبة، فإذا زال المرض عاد الحق في الاعتصار، والمرض المخفوف حسب الفقه، هو الذي حكم الطب بكثرة الموت فيه، وجاء في إحدى قرارات محكمة النقض ما يلي "لكن حيث أن قواعد الفقه تقتضي بأن مرض الموت هو المرض المخوف الذي يحكم الطب بكثرة الموت فيه، أما غير المخوف كالأمراض المزمنة فحكمه في ذلك حكم الصحيح...".



الفقرة الثانية : موانع الاعتصار المتعلقة بالشيء الموهوب 

أ ـ تفويت الشيء الموهوب : تعد حالة تفويت الشيء الموهوب إحدى الحالات التي نظمها المشرع كمانع من موانع الاعتصار، وذلك اعتبارا لإمكانية وقوعها من حيث الواقع والقانون، فإذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفا نهائيا، فزال عنه ملكه بأي سبب كان من الأسباب الناقلة للملك كالبيع والهبة، أصبحت الهبة لازمة وامتنع عن الواهب حق الرجوع، أما إذا كان التصرف في بعض الشيء الموهوب، فإن حق الاعتصار يبقى قائما في الباقي، لانتفاء المانع من الرجوع بالنسبة إلى الباقي.

يتضح إذا أن الغاية من منع اعتصار الشيء الموهوب عندما يتم تفويته هو حماية الغير الذي تعامل مع الموهوب، لكن السؤال الذي يطرح ماذا لو تم هذا التفويت عن سواء نية حتى يسقط حق الواهب في الرجوع فيما وهبه؟

إذا كان الفقه المصري حماية منه للواهب يقترح نظرية حلول الواهب في قبض الثمن بغض النظر عن مدى توفر حسن النية من عدمها، فإننا نقترح أن تطبق نظرية الحلول المنصوص عليها في الفصول من 211 إلى 216 من ق.ل.ع، متى توفره سوء نية، رغم أن هذا الاقتراح سيولد إشكالا آخر، يتمثل في طريقة إثبات النية باعتبارها عنصر باطني، فهذا الأمر لا يعدم الإثبات فمثلا تفويت الشيء الموهوب بعد رفع دعوى الاعتصار يعبر عن سوء نية، أو التفويت بعد التعبير عن المطالبة بالاعتصار.

ب ـ التعامل المالي في الهبة : يلاحظ أن توجه المشرع هنا محمود، فالهبة يمكن أن توظف كضمانة بنكية حيث يقدم العقار الموهوب كضمانة للحصول على قروض توظف للاستثمار، ولو تم السماح بالاعتصار هنا فإن الأمر سيوصف بالعملية الائتمانية برمتها، وبالتالي فالمشرع توفق في جعل هذه الحالة مانعا من موانع الاعتصار وذلك لتعلق حقوق الغير بها وهم الدائنون، وفي هذا قضت محكمة الاستئناف بوجدة "وحيث أن الأمر المجتمع عند المالكية فيما نحل ولده نحلا أو أعطاه له بصدقة، له أن يعتصر ما لم يستحدث الولد دينا يداينه الناس به ويؤمنونه من أجل ذلك العطاء الذي أعطاه له أبوه....

ج ـ تغير حال العقار الموهوب : إذا أدخل الموهوب له تغيرات على الملك الموهوب أدت إلى زيادة مهمة في قيمته، كان سببا يجب حق الواهب في الرجوع فيما وهبه، والملاحظ أن المشرع.

منع الاعتصار في حالة وجود تغييرات مهمة في الشيء الموهوب، فمتى كان التغيير ذو أهمية كبيرة تعذر اعتصار الهبة، أما التعديلات الطفيفة فلا تؤثر في حق الاعتصار وهو بهذا الأمر يطبق قواعد العرف.

د ـ حالة هلاك الشيء الموهوب : يعد هلاك الشيء الموهوب إحدى الفرضيات التي تبناه المشرع المغربي كمانع من موانع الاعتصار في الهبة، بحيث يعد هذا الهلاك هو الوجه المقابل لتغير الشيء الموهوب بالزيادة في قيمته فكما أن فرضية الزيادة ممكنه فالنقص هو الآخر ممكن، وبالرجوع إلى ما صاغه المشرع المغربي بخصوص هذه الحالة فمتى كان الهلاك شامل لشيء الموهوب برمته سقط الاعتصار في كل ما وهب، أما إذا كان الهلاك جزئيا جاز الاعتصار في الباقي بعد الهلاك، هذا عكس حالة الزيادة السابقة التي سكت المشرع عن الاعتصار في الجزء الذي لم يشمله الزيادة.

وبخصوص هذه الحالة نجد المشرع نص على هلاكه الشيء الموهوب في يد الموهوب له دون ذكر الحادث الفجائي، كما فعلت بعض التشريعات، كما أنه لم يشر إلى فرضية هلاك الموهوب من طرف الموهوب له عن سوء نية حتى لا يستطيع الواهب إرجاع ما وهبه، ففي نظرنا في هذه الحالة وجب تطبيق القاعدة الشرعية التي تقول "من سعى في نقص شيء فسعيه مردود عليه" كما نظر لذلك الفقه المصري.



المطلب الثالث : آثار الاعتصار 

يعد الاعتصار عقدا كغيره من العقود، إذ له عدد من الآثار التي تتفرع عنه وتؤثر على وضعية أطرافه ، وهذا يدفعنا للحديث عن حقوق الواهب الموهوب له و(الفقرة الأولى) والتزاماتهم (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : حقوق الواهب والموهوب له

 أول حق يترتب على اعتصار الهبة بالنسبة للواهب  أن الملك الموهوب يعود إلى سلطته وتصرفه، وهذا أهم أثر يترتب على عقد الاعتصار حيث جاء في الفقرة الأولى من المادة 287  "يترتب على الاعتصار في الهبة فسخ عقد الهبة ورد الملك الموهوب إلى الواهب"، إضافة لهذا يكون للواهب الحق في استرداد ثمار الشيء الموهوب بدءا من تاريخ صدور حكم أو حصول اتفاق بالاعتصار وهذا ما يستفاد من الفقرة الثانية من المادة 287 من نفس القانون "لايلتزم الموهوب له برد الثمار إلا من تاريخ الاتفاق أو من تاريخ الحكم النهائي في الدعوى".

أما بخصوص الموهوب له فله حق الاستفادة من ثمار الشيء الموهوب إلى غاية الاتفاق على الاعتصار أو صدور حكم قضائي، كما أعطاه إمكانية المطالبة بالمصروفات الضرورية التي أنفقها على الملك الموهوب، كما نصت المادة 287 السالفة الذكر، التي أعطت الحق في استرداد النفقات الضرورية لحفظ الشيء ومنع هلاكه أو إتلافه، أما نفقات الزينة فلا يسترد منها إلا ما زاد في قيمته، هذه الزيادة التي يشترط أن لا تكون مهمة و إلا أصبحت مانعا من موانع الاعتصار وبناءا على هذه المادة فالمشرع من خلال تنظيمه للاعتصار يحاول أن يجد توافق ما بين حقوق الواهب وحقوق الموهوب له.

الفقرة الثانية : التزامات الواهب والموهوب له

حمل المشرع المغربي من خلال م.ج.ع الواهب بعدد من الالتزامات حتى يكون اعتصاره صحيحا وذلك حماية لحقوق الطرف الآخر وهو ما جاء في المادة 288 من م.ح.ع، حيث أوضحت هذه المادة أنه إذا استرد الواهب الملك الموهوب، على شكل غير قانوني، ودون حق واستحقاق في استرداد الهبة بعد الاعتصار، وهلك الملك الموهوب في يده، يكون مسؤولا مسؤولية تامة عن هذا الهلاك، أما الموهوب له إذا امتنع عن رد الملك الموهوب إلى الواهب، بعد تحقق اعتصاره في الهبة، بصفة التراضي، أو بمقتضى حكم نهائي قضى بفسخ عقد الهبة والاعتصار المضمن بهذا العقد، يكون الموهوب له مسؤولا مسؤولية كاملة، عند هلاك الملك الموهوب في يده بعد امتناعه عن رده إلى الواهب.

و يضاف لهذا أن نفقات استرجاع الملك الموهوب يتحملها الواهب وهو أمر معقول ما دام أن الواهب هو من يسعى لاسترجاع الشيء الموهوب وهذا ما نصت عليه المادة 289 بقولها "نفقات الاعتصار ورد الملك الموهوب يتحملها الواهب".

  في الختام ، أمام التنظيم القانوني الحالي للمادة العقارية، يتضح أن الإعتصار  يتصور فقط العقار الغير المحفظ أو في طور التحفيظ، أما المحفظ فيشترط توفر عنصر سوء النية طبقا للفصل 66 من القانون 14.07 للتشطيب على الحق من الرسم العقاري ، مما يجعلنا نتساءل عن أهمية تنظيم الإعتصار إن كان ظهير التحفيظ العقاري يحظره بطريقة غير مباشرة، الأمر الذي يؤدي بنا إلى القول و أمام نهج المغرب لسياسة عقارية هدفها توحيد النظام العقاري و جعله عقارا محفظا، نعتقد أن هذا التاريخ سيكون تاريخ شهادة سقوط الإعتصار من المنظومة القانونية العقارية اللهم إذا راعا المشرع ذلك و عدل نصوص التحفيظ العقاري. 

   

        






خاتمة

من خلا ل ما سبق يتبين لنا بجلاء بأن كل من عقدي الهبة و المغارسة، حدد لهما المشرع مجموعة من الشروط الخاصة التي تنفرد بها عن سواها من العقود ، لا سيما فيما يتعلق بانتقال الملكية، و إن كانت تختلف في الهبة عن المغارسة.

   و المشرع المغربي قد حاول إلى حد ما توفير بعض الحماية القانونية لطرفي عقد الهبة و المغارسة من خلال الآثار المترتبة عنهما، يتعلق الأمر بحقوق و التزامات الأطراف، هذا فضلا عن بعض الضمانات القانونية التي تحمي حقوق الاطراف، إلا أنه بالرغم من ذلك يمكن القول بأنه رغم محاولة المشرع التوفيق بين حماية حقوق الأفراد، فإنه أغفل مجموعة من الجوانب.

   و عليه نخلص لمجموعة من الملاحظات و التوصيات :

  • الملاحظات 

  • عدم تنظيم المشرع المغربي للضمان في عقد المغارسة من خلال مدونة الحقوق العينية بشكل خاص، الأمر الذي جعل هذا العقد يخضع من حيث الضمان للقواعد العامة في قانون الالتزامات و العقود.

  • على مستوى حالة الاعتصار، و خاصة اعتصار الأم، يلاحظ أن المشرع لم يضع الشرط اللازم لاعتصار الأم المتمثل في عدم اعتصارها الهبة من اليتيم، و في هذا نقص حمائي و تجاوز لاجتهادات فقهاء المذهب المالكي.

  • نص المشرع على أن الحوز القانوني يغني عن الحوز المادي فيما يتعلق بالعقارات المحفظة، و لم يراعي مسألة تحقق المانع قبل التقييد، و هو بذلك يخالف القواعد و الأحكام المعمول بها على مستوى الفقه الاسلامي، كما أنه بتنظيمه هذا يفتح الباب لعدة نزاعات.

  • المشرع المغربي لم يتطرق بشكل صريح لحدود الحماية القانونية المفترضة لكل من طرفي عقد المغارسة على مستوى الحق في التفويت في ظل مدونة الحقوق العينية.

  • عدم تنصيص المشرع بشكل صريح عن مآل عقد المغارسة إذا ما بيعت الحصة محل المغارسة قبل بلوغ حد الإطعام، بمعنى أن المشرع لم يقر صراحة على أن تلك الحصة تفوت و هي مثقلة بعقد مغارسة أم أن الأمر عكس ذلك.

  • المشرع المغربي قلل من الحماية القانونية المفترض منحها للغارس على مستوى حقه في الشفعة مقارنة مع موقف الفقه في هذا الباب.


  • التوصيات

  • يلزم على المشرع تعديل أحكام المادة 284 من م.ح.ع و جعل الحوز المادي في التبرعات لا غنى عنه سواء بالنسبة للعقار المحفظ أو غير المحفظ.

  • يجب على المشرع ضبط حالة الاعتصار بتنظيم محكم و الحرص على إضافة شرط عدم إمكانية اعتصار الأم للهبة من الإبن اليتيم، لأن هذا الأمو يضر باليتيم و لا يراعي مصالحه.

  • إن هلاك العقار مانع يؤثر على حقوق الواهب، لذا فإن الحل في نظرنا هو النص على ضرورة التأمين على العقارات في حالة وجود الهبة مع شرط الاعتصار.

  • ضرورة التنصيص بشكل صريح في مدونة الحقوق العينية على مدى إمكانية طرفي عقد المغارسة في التفويت قبل بلوغ الشجر حد الإطعام.


   


  





 


لائحة المراجع

الكتب

  • القرآن الكريم

  • مأمون الكزبري، نظرية الالتزام في ضوء قانون الالتزامات والعقود الجزء الأول، الطبعة الثانية.

  • عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، المجلد الأول.

  • عبد الكريم شهبون، الشافي في شرح قانون الالتزامات و العقود المغربي ، الكتاب الأول ، الجزء الأول ، 2015.

  • محمد بونبات و محمد مومن، توثيق التصرفات العقارية، مطبعة الداوديات مراكش.

  • عبد المجيد بوكير، التوثيق العصري بالمغرب ، الطبعة لأولى 2006 .

  • العربي محمد مياد، تأملات في مدونة الحقوق العينية، الجزء الثاني 2016.

  • عبد السلام التسولي"، البهجة في شرح التحفة، المجلد الثاني، ط 2، 1951، دار الفكر للطباعة والنشر.

  • عبد الرحمان بلعكيد، " الهبة في المذهب و القانون" طبعة 2013.

  • عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء الخامس، العقود التي تقع على الملكية، الهبة و الشركة، منشورات الحلبي الحقوقية بيروت، الطبعة الثالثة الجديدة 2000.

  • عبد القادر العرعاري، الوجيز في النظرية العامة للعقود المسماة، الكتاب الأول، عقد البيع، الطبعة الثانية مزيدة و منقحة، توزيع دار الأمان، الرباط 2009.

  • بن معجوز، أحكام الشفعة في الفقه الإسلامي و التقنين المغربي المقارن، الطبعة الثانية 1993ـ1413،

  • عبد الحق الصافي، عقد البيع ، دراسة مقارنة في قانون الالتزامات و العقود و في القوانين الخاصة، مطبعة النجاح الجديدة ، الطبعة الأولى 1998.

  • عبد الرزاق السنهوري، العقود التي تقع على الملكية، المجلد الأول، البيع و المقايضة.

  • مأمون الكزبري، نظرية الالتزام في ضوء قانون الالتزامات و العقود المغربي، الجزء الثاني،ط 2 .

  • محمد بن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي و التقنين المغربي، ط 2008.

  • الحسين بلحساني، البيع و الكراء وفقا للقواعد العامة و التشريعات الخاصة، دار النشر الجسور، الطبعة 2001 وجدة.

المجلات و المقالات

  • محمد المحبوبي عقد الهبة في ضوء مدونة الحقوق العينية، مجلة الحقوق و الأنظمة والمنازعات العقارية ، الإصدار الثاني، أبريل 2014.

  • محمد اشليح، مشكل الكتابة في بيع العقار غير المحفظ بالمغرب، مقال منشور بمجلة القانون و القضاء عدد 19 سنة 2002.

  • أحمد جدوي، الرقابة القضائية على صحة المحررات العدلية، المغارسة كسبب من أسباب التملك في العقار الغير المحفظ و المحفظ، مجلة المحكمة العدد 42 سنة 2003.

  • محمد محبوبي، مجلة الحقوق "سلسلة الأنظمة والمنازعات العقارية، الإصدار الثامن، أبريل 2014.

الرسائل و الأطروحات


  • عبد الواحد الكتاني "الإعتصار في الهبة من خلال مدونة الحقوق العينية" رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية وجدة.

  • عبد اللطيف البغيل، أحكام المعاملات الزراعية في الفقه الاسلامي و القانون الوضعي، أطروحة لنيل الدكتوراه في الشريعة، كلية الشريعة فاس سايس، جامعة القرويين، الجزء الثاني ، السنة الجامعية 2002.

  • اسليماني مصطفى، عقد المغارسة و حماية الغارس على ضوء مدونة الحقوق العينية و الفقه الاسلامي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود و العقار، جامعة محمد الأول، كلية الحقوق وجدة، 2012-2013










الفهرس

مقدمة    2

فصل تمهيدي : إنشاء عقدي الهبة و المغارسة    4

المبحث الأول : الشروط العامة    4

المطلب الأول: شروط الانعقاد    4

الفقرة الأولى: التراضي    4

الفقرة الثانية: المحل    5

الفقرة الثالثة: السبب    6

الفقرة الرابعة : الشكلية    8

المطلب الثاني: شروط الصحة    9

الفقرة الأولى: الأهلية    9

الفقرة الثانية: خلو الإرادة من عيوبها    9

المبحث الثاني :  الشروط الخاصة    11

المطلب الأول : شرط التوثيق    11

الفقرة الأولى: الموثق التقليدي '' العدول''    12

الفقرة الثانية: الموثق العصري    12

المطلب الثاني : الشروط الخاصة في عقد الهبة    13

المطلب الثالث : الشروط الخاصة في عقد المغارسة    15

الفصل الأول : انتقال الملكية في عقدي الهبة و المغارسة  و آثارها    17

المبحث الأول: انتقال الملكية في عقدي الهبة و المغارسة    17

المطلب الأول : الحوز في الهبة    17

الفقرة الأولى: الحوز في العقار المحفظ أو في طور التحفيظ:    18

الفقرة الثانية: بالنسبة للعقار غير المحفظ    19

المطلب الثاني : جزاء الإخلال بالحوز والكيفية التي يتم بها الحوز    21

الفقرة الأولى : جزاء الإخلال بالحوز    21

الفقرة الثانية : الكيفية التي يتم بها الحوز    21

المطلب الثالث : انتقال الملكية في عقد المغارسة    22

الفقرة الأولى : الالتزام بالحفاظ على الأرض محل المغارسة    23

الفقرة الثانية : التزام الغارس بالعمل الواجب عليه    23

الفقرة الثالثة : بلوغ الشجر حد الإطعام    24

المبحث الثاني : الضمان في عقدي الهبة و المغارسة    25

المطلب الأول : الضمان في عقد الهبة    25

المطلب الثاني : الضمان في عقد المغارسة    26

الفقرة الأولى : ضمان التعرض    27

الفقرة الثانية : ضمان الاستحقاق    28

الفصل الثاني : حدود الحماية القانونية لطرفي عقدي الهبة و المغارسة    30

المبحث الأول: حدود الحماية القانونية لطرفي عقد المغارسة من حيث بعض التصرفات و الوقائع القانونية    30

المطلب الأول: على مستوى الحق في التفويت    30

الفقرة الأولى: تفويت الأرض محل المغارسة    30

الفقرة الثانية: تفويت الحق في المغارسة    32

المطلب الثاني : على مستوى الحق في الشفعة    33

الفقرة الأولى : قبل بلوغ الشجر حد الإطعام    33

الفقرة الثانية: بعد بلوغ الشجر حد الإطعام    34

المبحث الثاني : حدود الحماية القانونية لطرفي عقد الهبة على مستوى الرجوع فيها    35

المطلب الأول : حالات الاعتصار    35

الفقرة الأولى : رجوع الأبوين    36

الفقرة الثانية : رجوع الواهب العاجز عن الإنفاق    36

المطلب الثاني : موانع الاعتصار في الهبة    38

الفقرة الأولى : موانع الاعتصار المتعلقة بأحد المتعاقدين    38

الفقرة الثانية : موانع الاعتصار المتعلقة بالشيء الموهوب    40

المطلب الثالث : آثار الاعتصار    42

الفقرة الأولى : حقوق الواهب والموهوب له    42

الفقرة الثانية : التزامات الواهب والموهوب له    42

خاتمة    44

لائحة المراجع    46



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-