مسطرة الاكراه البدني بين النص القانوني والعمل القضائي

مسطرة الاكراه البدني بين النص القانوني والعمل القضائي


تتجلى أهمية دراسة مسطرة الإكراه البدني ، في أهمية و نجاعة هذه و المسطرة في تنفيذ الأحكام القضائية ، باعتبارها أحد أهم الوسائل الإذعانية التي تحقق نتائج إيجابية على مستوى التنفيذ الجبري للأحكام . 

كما تتجلى هذه الأهمية في حساسية ودقة هذه المسطرة ، التي تهدف إلى خلق توازن إيجابي بين الحقوق و الواجبات بين الأفراد داخل المجتمع ، فمن جهة فهي تمس بحرية المدين الخاضع لهذه المسطرة ، ومن جهة أخرى تهدف إلى الحفاظ على حقوق الدائن المادية ، وبالتالي استقرار المعاملات ، لهذه الأسباب فقد خصها المشرع بمسطرة دقيقة ، وخصها بعدة مستويات من الرقابة القضائية ، إلا أن تطبيقها العملي يعرف العديد من الإشكالات .

 إذا فإلى أي حد يسعف النص القانوني العمل القضائي في فرض رقابة فعالة على مسطرة الإكراه البدني ، بما يكفل حسن تطبيقها ؟

 للإجابة على هذا الإشكال عملت على تقسيم موضوع الدراسة إلى فصلين وفق التصميم التالي : 

  • الفصل الأول : التنظيم القانوني لمسطرة الإكراه البدني في التشريع المغربي . 
  • المبحث الأول : مجالات تطبيق الإكراه البدني والأجهزة المتدخلة فيه
  • المبحث الثاني : شروط تطبيق الإكراه البدني وموانعه وحالات انتهائه
  • الفصل الثاني : الرقابة القضائية على تطبيق مسطرة الإكراه البدني 
  • المبحث الأول : دور قاضي تنفيذ العقوبات في مسطرة الإكراه البدني .
  • المبحث الثاني : دور قاضي المستعجلات في مراقبة صحة إجراءات الإكراه البدني .

الفصل الأول : التنظيم القانوني لمسطرة الإكراه البدني في التشريع المغربي .

 إن الإكراه البدني باعتباره أحد أهم الآليات الإذعانية التي تهدف إلى إجبار المحكوم عليه بالأداء ، على تنفيذ الحكم الصادر ضده ، وذلك عن طريق إيداعه بالسجن ، عرف انتقادات متعددة ونداءات متزايدة بإلغائه ، باعتباره إجراء يحط من الكرامة الإنسانية . 


وهكذا فقد تغيرت نظرة التشريعات الحديثة لهذا النظام ، فعمدت إما إلى إلغائه بصفة نهائية ، أو إلى تضييق مجالات تطبيقه بجعله ينحصر في الأداءات المالية المحكوم بها في المسائل الجنائية ، وكذا في تحصيل الديون العمومية .

 أما بالنسبة للمشرع المغربي فقد حاول خلق توافق ايجابي ، بين الاتجاه القائل بإلغاء الإكراه البدني ، والاتجاه القائل بالإبقاء عليه ، إذا أقر إمكانية اللجوء إلى تنفيذ الأحكام الصادرة بالأداء ، عن طريق هذه الآلية التنفيذية التي أثبتت نجاعتها ، على مستوى تنفيذ الأحكام القضائية ، إلا انه قيد اللجوء إليها بعدة قيود وشروط قانونية وإجرائية صارمة ، بمناسبة مراجعة قانون المسطرة الجنائية. 

و سعيا منه إلى مسايرة الطفرة الكبرى التي عرفها مجال حقوق الإنسان ببلادنا ، والحرص على صيانة هذه الحقوق والمكتسبات ، والتزاما بالمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب ، خاصة منها العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية ، الذي تنص مادته 11 على أنه " لا يجوز سجن إنسان على أساس عدم قدرته على الوفاء بالتزام تعاقدي " .

 فإن المشرع عمد إلى إصدار القانون رقم 30-06 الذي عدل بموجبه ظهير 20 فبراير 1961. حيث أصبح الفصل الأول منه مصاغا على الشكل التالي " إن تنفيذ جميع الأحكام والقرارات النهائية الصادرة بأداء مبلغ مالي يمكن أن يتابع عن طريق الإكراه البدني .


المطلب الأول : مجالات تطبيق مسطرة الإكراه البدني .


 لقد أخذ المشرع المغربي موقفا وسطا من نظام الإكراه البدني ، فلم يقم بإلغائه تماما ، كما لم يأخذ به على إطلاقه ، إلا أنه سعى إلى تعزيز ضمانات المدين المزمع إكراهه بدنيا ، وذلك تفاديا للمس المجاني بحريته ، فعمل على تحديد نطاق تطبيق مسطرة الإكراه البدني ، وحدد لها شروطا وإجراءات دقيقة ، يتعين على طالب الإكراه سلوكها .

 ويخضع مجال تطبيق الإكراه البدني لقوانين مختلفة تختلف حسب طبيعة الديون المنصب عليها ، التي تنقسم إلى نوعين من الديون ، ديون خصوصية نظم مسطرتها المشرع من خلال قانون المسطرة الجنائية وظهير 20 فبراير 1961 ، وديون عمومية منظمة في إطار قانون رقم 15/97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية ، وبعض النصوص الخاصة الأخرى . 

وتتميز مسطرة الإكراه البدني في كل من الديون الخصوصية ( الفقرة الأولى ) ، والديون العمومية بخصوصيات معينة تميزها عن الأخرى ( الفقرة الثانية ) .


 الفقرة الأولى : مسطرة الإكراه البدني في الديون الخصوصية .

 يعتبر الإكراه البدني في الديون الخصوصية وسيلة من وسائل إجبار المحكوم عليه على تنفيذ الحكم الصادر ضده بأداء مبلغ مالي ، وذلك في حالة فشل وسائل التنفيذ العادية المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية في الوصول إلى النتيجة المرجوة منها ، والديون الخصوصية في هذا الإطار قد تنتج إما عن دعوى مدنية مستقلة تقضي بأداء معين ( أولا ) أو عن دعوى مدنية تابعة ( ثانيا ) 


أولا : الإكراه البدني في إطار الدعوى المدنية الأصلية . 

يمكن لكل دائن بمبلغ معين اللجوء إلى القضاء المدني ، لاستصدار حكم بالأداء وتنفيذه ، لكن في حالة امتناع المين عن التنفيذ طوعا ، وفشل طرق التنفيذ العادية في الوصول إلى نتيجة معينة ، فقد أجاز المشرع للدائن من خلال ظهير 20 فبراير 1961 ، متابعة تنفيذ هذا الحكم عن طريق سلوك مسطرة الإكراه البدني ، وهكذا فقد نص الفصل الأول منه على أن " تنفيذ جميع الأحكام أو القرارات النهائية الصادرة باداء مبلغ مالي يمكن أن يتابع عن طريق الإكراه البدني"


للتحميل اضغط هنا 

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-