الحجز التنفيذي في القانون المغربي

الحجز التنفيذي في القانون المغربي


 مطلب تمهيدي : ماهية الحجز التنفيذي 


أحيانا يجد المحكوم لقائدته نفسه مضطرا إلى سلوك طرق التنفيذ الجبري لحماية حقوقه الثابتة ، بموجب الحكم القضائي في إطار الحجز التنفيذي ، وعليه فإن تناولنا لهذا المطلب سيكون على أساس إعطاء فكرة عامة وشاملة عن تعريف الحجز التنفيذي الفقرة الأولى ) وبيان أطرافه ( الفقرة الثانية ) . و شروطه ( الفقرة الثالثة ) . 


الفقرة الأولى : تعريف الحجز التنفيذي


 إن دراسة الحجز التنفيذي تتطلب منا أن نعرف بهذه المؤسسة القانونية لأن تعريف الشيء جزء من تصوره وبالتالي فإن محاولة إيجاد تعريف لمؤسسة الحجز التنفيذي تتطلب منا الوقوف عند مفهوم الحجز التنفيذي بشقيه : الفقهي والتشريعي . 

فمن الناحية التشريعية . لا يوجد أي نص قانوني في التشريع المغربي ، يعرف مؤسسة الحجز ، على اعتبار أن التعاريف أو الحدود هي من مهام الشراح والفقهاء ، فالقوانين الحديثة تتجنب وضع التعاريف ما استطاعت إلى ذلك سبيلا ، خشية أن تأتي غير جامعة ومانعة ، يفوت منها الغرض الأساسي الذي هو إجمال مقصود المشرع أما من الناحية الفقهية ، فقد تعددت الدراسات الفقهية التي تناولت هذا الموضوع .

 فقد عرف الدكتور الطيب برادة الحجز التنفيذي  بأنه : " وضع عقار المدين تحت يد القضاء إلى أن يتم بيعه بالمزاد العلني لاقتضاء حق الحاجز من ثمنه " . 

وقد عرفه البعض بأنه وضع الدائن تحت يد القضاء مالا مملوكا للمدين ، وذلك من أجل بيعه واستيفاء حقه من ثمن البيع . ومن بين التعاريف التي الفقه الفرنسي لهذه المؤسسة نورد تعريف كلود بريني ، الذي عرف الحجز التنفيذي بأنه طريق من طرق التنفيذ الجبري بواسطته يضع الدائن تحت يد القضاء مالا مملوك ، لمدينه ويملك عليها حق التتبع وذلك بهدف استيفاء دينه من ثمنها . 


الفقرة الثانية : أطراف الحجز التنفيذي . 


كما سبق وأشرنا إلى ذلك فإن عملية الحجز التنفيذي لا يمكن أن تقوم إلا بين طرفين رئيسيين هما الدائن طالب الحجز ( أولا ) ، والمدين المحجوز على أمواله ( ثانيا ) . 

أولا : الدائن طالب الحجز


الدائن الحاجز هو الطرف المستفيد من السند التنفيذي ، ويكفيه أن يستظهر بهذا السند لتصبح صفته ثابتة في مباشرة إجراءات الحجز التنفيذي على أموال المنفذ عليه : ويشترط لمباشرة إجراءات الحجز أن يكون الدائن ذا صفة ، لمباشرة هذه الإجراءات ، ومتمتعا بالأهلية القانونية ، وتثبت له صفة الدائنية متى كان متوفرا على سند تنفيذي منشئ للحق ، والعبرة في ذلك بثبوت صفة الدائنية وقت مباشرة إجراءات الحجز التنفيذي ، فإذا لم تتوفر هذه الصفة إلا بعد البدء فيه كان التنفيذ باطلا . ولا يصحح بأي إجراء لاحق ، ويحق للمدين أن يتمسك بهذا البطلان كما أن دائني المحجوز عليه يملكون هاته الصلاحية " وصفة الدائن الحاجز تحول للدائن حق إيقاع الحجز على أموال مدينه ، إما بصفة أصلية أو عن طريق شخص يمثله ، في إجراءات التنفيذ .


وإلى جانب صفة الدائن يجب أن يكون طالب الحجز بأهليته القانونية حيث يشترط لصحة أي إجراء قانوني أن يصدر من شخص متمتع بأهلية الأداء ، وبصفة استثنائية أحيانا يكتفى بأهلية الإدارة كما إذا كان من شأن التصرف المنجز أن يجلب نفعا محضا للقاصر 


لكن الأهلية المتطلبة في الدائن لمباشرة إجراءات الحجز في أهلية إدارة ، ذلك أن قبض الدين عموما يعد عملا من أعمال الإدارة لا من أعمال التصرف


ثانيا : المدين المحجوز على أمواله . 


المدين المحجوز على ساله ، هو الطرف السلبي في إجراءات التنفيذ ، والذي تتخذ هذه الإجراءات في مواجهته لإجباره على الوفاء بالدين الثابت في السند التنفيذي ولما كان الأمر هنا يتعلق بحق مؤكد يراد اقتصاؤه جبرا عن المدين الممتنع عن التنفيذ ، أو المماطل فيه ، لا يلزم توافر المصلحة بأوصافها القانونية لديه ما لم يبد أي وجه من أوجه المنازعة في التنفيذ .

وعليه يجب أن تتوافر في المنفذ ضده الصفة ، وأن توجه الإجراءات إلى من يتمتع بالأهلية ، ويكون ذا صفة كذلك الكفيل ، وصفته تستمد من إقدامه على ضمان أداء الدين وبالتالي فمسؤوليته تتحدد على ضوء الكفالة والقاعدة في القانون الإجرائي أنه لا يستطيع أحد التملص من تنفيذ التزاماته ولذلك فإنه يجوز الحجز على أموال كل مدين ما لم يرد نص تشريعي بخلاف ذلك " وإجراءات الحجز التنفيذي تهم أموال المدين وممتلكاته ، ولا يمكن أن يمتد التنفيذ إلى غيره ، اعتمادا على مبدأ نسبية أثار الحكم بحيث لا تنفع ولا تضر إلا من كان طرفا فيها ، ويعد الخلف في حكم الأطراف وهذا لا يعني أن يكون المدين ملتزما بالدين لوحده لزوما ، بل يمكن أن تباشر إجراءات التنفيذ ضد المدين المتضامن طبقا لمقتضيات الفصل 166 من ق.ل.ع الذي ينص على أمه : " يثبت التضامن بين المدينين ، إذا كان كل منهما ملتزما شخصيا بالدين بتمامه وعندئذ ، يحق للدائن أن يجبر أيا منهم على أداء هذا الدين كله أو بعضه " 


ثالثا : شروط الحجز التنفيذي .


 لقد أوجد المشرع شروطا أساسية يجب توافرها من أجل اللجوء إلى التنفيذ على المحجوز عليه منها ما هو شكلي ومنها ما هو موضوعي فعلى المستوى الشكلي يجب توافر ملف تنفيذي متكامل بالتركيز على وجود دين حال الأداء وقت الحجز ( ا ) ، ووجود سند تنفيذي ( ب )


 ا : وجود دين ثابت وحال الأداء .


 من شروط إبقاء الحجز التنفيذي أن تثبت مديونية المدين بدين حال . ومستحق الأداء . غير معلق على شرط ومعلوما ومحدد المقدار وهذا ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 438 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه : " لا يجوز إجراء أي حجز على منقول أو عقار إلا بموجب سند قابل للتنفيذ ويسبب دين مقدر ومحقق ، وإذا لم يكن الدين المطلوب مبلغا من النقود ، يوقف بعد وقوع الحجز سير جميع الإجراءات اللاحقة إلى أن يتم تقييم الأشياء " . 

وهكذا فإنه يشترط لإيقاع الحجز التنفيذي ، أن يكون طالب الحجز التنفيذي دائنا بمبلغ مالي محدد المقدار وواجب الاستحقاق وقت طلب الحجز . ويستمر إلى حين توقيعه وسواء كان دائنا عاديا أو ممتازا أو مرتهنا ، مع مراعاة أحكام الفصلين و 443 و 444 من ق.م.م.م .8 إلا أن ما يمكن ملاحظته هو أن المشرع المغربي لا يشترط حلول الأجل عكس المشرع المصري الذي اشترط ذلك لأن انتظار الدائن حتى يحل أجل استحقاقه يعرضه لمخاطرة تهريب المدين لأمواله ، وهو ما يتعارض مع هدف الحجز وهذا ما يظهر سعي المشرع المغربي إلى حماية حقوق الدائن .


وقد اشترط المشرع المغربي ، أن الحجز التنفيذي لا يقع إلا بعد تبليغ الحكم للمحكوم عليه وإنذاره بالوفاء ، دون أن يتعرض أو ينكر أو يقوم بالوفاء اختيارا كما نص على ذلك الفصل 440 ، من ق.م.م : " يبلغ عون التنفيذ إلى الطرف المحكوم عليه ، الحكم المكلف بتنفيذه ويعذره بأن يفي بما قضى به الحكم حالا أو بتعريفه بنواياه وذلك خلال أجل لا يتعدى عشرة أيام من تاریخ تقديم طلب التنفيذ "  

ب : وجود سند تنفيذي مثبت للمديونية

 إن خطورة الحجز التنفيذي كإجراء ضد المدين ، جعلت المشرع المغربي يقرر عدم أحقية الدائن في إيقاعه إلا إذا كان بيده سند تنفيذي ، وهذا الشرط يجد مشروعيته في ضرورة تحقيق التوازن بین مصلحتين متعارضتين  والسند التنفيذي هو عبارة عن وثيقة . تثبت مديونية المدين وتخول للدائن حق إيقاع الحجز التنفيذي ، وقد نص الفصل 438 من ق.م.م. على أنه لا يجوز إجراء أي حجز على منقول أو عقار إلا بموجب سند قابل للتنفيذ . 


وبسبب دین مستحق و مقدر " هذه المقررات قد تأخذ أشكال مختلفة ، تتنوع بين أولى يجري فيها تحقيق كامل في موضوع الحق وأخرى تعتمد مجرد الرقابة لمقررات أخرى ، وما يعاب على المشرع المغربي أنه لم يجمع السندات التنفيذية على اختلاف أنواعها في قسم واحد في قانون المسطرة المدنية ، ومن بينها الأحكام القضائية الوطنية التي تعتبر من أهم وأقوى السندات التنفيذية . 


والأوامر الصادرة عن القضاة بناء على طلب الخصم ، ودون سماع أقوال الخصم الآخر وتصدر في صورة أوامر استعجاليه أو أوامر بالأداء . ثم هناك الأحكام الأجنبية ، المذيلة بالصيغة التنفيذية ، والمقررات التحكيمية . الصادرة عن اشخاص خاصين يسمون بالمحكمين ، وهذه المقررات هي الأخرى تكتسب حجية قانونية قاطعة . بعد تذييلها بالصيغة التنفيذية من طرف رئيس المحكمة إذا كان الحكم في مرحلته الابتدائية ، ومن طرف الرئيس الأول إذا كان الحكم في المرحلة الاستئنافية . 


 وكذلك تعتبر بمثابة سندات تنفيذية وتكتسب قوة السند القابل للتنفيذ ، شهادة التقييد الخاصة بتفييد الرهن لفائدة الدائن والمسلمة له من طرف المحافظ على الأملاك العقارية ، فقد أعطى المشرع للدائن الحائز لشهادة تقييد الرهن الحق في طلب بيع العقار المرهون بالمزاد العلني عند عدم وفاء المدين بدينه ، في الأجل المحدد له . كما نص على ذلك الفصل 214 من م ح ع  


المبحث الأول : الضوابط المسطرية للحجز التنفيذي و البيع بالمزاد العلني


 لقد سطر المشرع المغربي في ق م م مجموعة من الضوابط و الاجراءات المتطلبة عند سلوك البيع الجبري للعقار ، فألزم انذار المدين و تبليغه وتحرير محضر الحجز و إشهاره ( المطلب الأول ) ، و حدد كذلك خطوات إعداد العقار المحجوز للبيع بالمزاد العلني و أثاره في مواجهة أطراف المعاملة الحجزية ( المطلب الثاني ) 


المطلب الثاني : إجراءات الحجز التنفيذي على العقار .

لقد أحاط المشرع المغربي العقار بمجموعة من الضمانات المسطرية ، ومنها أهم إجراءات الحجز التنفيذي على العقار نذكر ، ضرورة تحرير محضر الحجز ( الفقرة الأولى ) وإشهار هذا المحضر وتسجيله ( الفقرة الثانية ) .



المبحث الثاني : منازعات الحجز التنفيذي و الصعوبات المثارة بصدده 


قد تعترض عملية التنفيذ مجموعة من العراقيل والمنازعات ( المطلب الأول ) ، كما قد تعترضه صعوبات قانونية أو وقتية ( المطلب الثاني ) . 


المطلب الأول : منازعات الحجز التنفيذي


 أجاز المشرع لمدعي ملكية العقار المحجوز إما رفع دعوى استحقاق فرعية ( الفقرة الأولى ) ، أو الطعن في إجراءات الحجز العقاري ( الفقرة الثانية ) .


 الفقرة الأولى : دعوى الاستحقاق الفرعية لإبطال الحجز التنفيذي 


 تناول المشرع المغربي دعوى الاستحقاق الفرعية للعقار في الفصل 482 من قانون المسطرة المدنية بنصه : " إذا ادعى الغير أن الحجز انصب على عقارات يملكها أمكنه لإبطال الحجز رفع دعوى الاستحقاق . 

يمكن رفع هذه الدعوى إلى حين إرساء المزايدة النهائية ، ويترتب عليها وقف مسطرة التنفيذ بالنسبة إلى الأموال المدعى فيها بالاستحقاق إذا كانت مصحوبة بوثائق يظهر أنها مبنية على أساس صحيح " . 


يتضح لنا من خلال هذا الفصل أن دعوى الاستحقاق الفرعية للعقار هي تلك المطالبة القضائية التي يتقدم بها الغير أمام قضاء الموضوع ملتمسا فيها الحكم له بملكية العقار المحجوز واستحقاقه له ، وببطلان إجراءات الحجز المتعلقة به . يترتب على ذلك أن دعوى الاستحقاق الفرعية للعقار تعتبر اشكالا موضوعيا في التنفيذ ، ومن ثمة فهي تخضع كسائر القواعد العامة لإشكالات التنفيذ الموضوعية ، ما لم يستثنها المشرع بقواعد خاصة ، ومن ناحية أخرى فهذه الدعوى تنشأ عن خصومة قضائية لذلك فإن القواعد العامة المنصوص عليها في الباب الأول من القسم الثالث من ق.م.م تبقى واجبة التطبيق، فهي من جهة يجب أن ترفع بعد ايقاع التنفيذ وقبل نهايته ، بحيث أنها إذا رفعت خارج هذا الإطار فهي لا تعتبر دعوى استحقاق فرعية وإنما دعوى أصلية .


الفقرة الثانية : دعوى بطلان إجراءات الحجز التنفيذي


 لقد نظم المشرع إجراءات الحجز وقواعده ، ووضع في الحسبان إمكانية مخالفة تلك القواعد ، مما يلحق بأحد الأطراف ضررا يسمح له بالطعن فيها بالبطلان  وفي هذا السياق ينص الفصل 484 من ق.م.م ، على أنه يجب أن يقدم كل طعن بالبطلان في اجراءات الحجز العقاري بمقال مكتوب قبل السمسرة ، وتتبع في الطعن نفس المسطرة المشار اليها في الفصل السابق والمتعلقة بدعوى الاستحقاق الفرعية . 

فدعوى بطلان إجراءات الحجز العقاري هي دعوى موضوعية ، تستهدف إبطال السبب الذي بني عليه الحجز ، وبطلان إجراءاته المخالفة للقانون ويمكن رفعها من قبل كل من تضرر من هذه الإجراءات من مدين وكفيله ، والدائن وحائز العقار وكل من له حق شخصي أو عيني إذا كانت لهم مصلحة في ذلك ، كالراغب في المشاركة أو المزاد أو المرسي عليه 


وترفع هذه الدعوى قبل السمسرة ، وبمقال مكتوب موقع عليه يتضمن الاختلالات الشكلية ، والجوهرية التي يتمسك بها المدعي ، والجهة القضائية المختصة نوعيا هي المحكمة الابتدائية التي يقع العقار المنفذ عليه بدائرتها  . فقد يؤسس طلب بطلان الحجز على عدم توفر الشروط اللازمة لاتخاذ اجراءات الحجز ، كافتقار الدائن إلى سند تنفيذي  ، أو أن يكون الدين الذي يجري التنفيذ من أجله قد انقضى بأحد أسباب الانقضاء المنصوص عليها في الفصل 319 من ق ل ع  ، أو إن الحجز قد انصب على مال غير مملوك للمدين


 المطلب الثاني : الصعوبات المثارة بصدد مسطرة الحجز التنفيذي.


 إذا كان تنفيذ الأحكام هو الهدف المرجو من عملية التقاضي ، وما ينشده صاحب الحق ، فإن الطريق إلى هذا الهدف قد تخترقه بعض الصعوبات التي تؤثر في إجراءات التنفيذ ، حيث تنقسم هذه الصعوبات إلى وقتية ( الفقرة الأولى ) و واقعية ثم قانونية ( الفقرة الثانية )

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-