تكوين عقد الوصية

 

تكوين عقد الوصية


مقدمة :

يعد حق الملكية من أوسع الحقوق العينية وأقواها من حيث السلطات التي يمنحها للمالك، إذ يخول لصاحبه سلطة الحصول على جميع المنافع التي يمكن الحصول عليها من الشيء موضوع الحق، والأسباب التي تؤدي إلى اكتساب الملكية وتجعل الشخص مالكا للشيء عديدة، إما أن ترجع إلى التصرف القانوني أو إلى الواقعة القانونية، وإجمالا يمكن اكتساب حق الملكية بطريق الالتصاق والاستيلاء وإحياء الأرض الموات والنزع الجبري للملكية والحكم القضائي وعن طريق الشفعة والعقد والتقادم المكسب والإرث والوصية. 

والوصية كتصرف قانوني صادر من جانب واحد أشار إليه المشرع في المادة 264 من الفصل الرابع من الباب الأول من القسم الأول من الكتاب الثاني، المتعلق بأسباب كسب الملكية من مدونة الحقوق العينية، وأحال من خلالها على مدونة الأسرة، هذه الأخيرة نظمتها من خلال المواد من 277 إلى 314  ضمن القسم الأول من الكتاب الخامس، حيث أن جل أحكامها مأخوذة من الفقه الإسلامي.

وحيث إن الموضوع الذي نحن بصدده، يتعلق برصد العناصر اللازم توافرها في تكوين عقد الوصية ليكون صحيحا، سواء كانت عناصر موضوعية أو شكلية فإنه يطرح الإشكالية التالية : إلى أي حد استطاع المشرع تأطير عقد الوصية وخاصة في الجانب التكويني له، وبالتالي إجلاء اللبس والغموض عنه.

وتتفرع عن هذه الإشكالية الأسئلة الآتية :

ماهي الشروط الموضوعية اللازمة لتكوين عقد الوصية؟

ماهي الشروط الشكلية اللازمة لتكوين عقد الوصية؟

وقبل التطرق لهذه العناصر بالتفصيل، ارتأينا أن نقف في مبحث تمهيدي على تعريف عقد الوصية وبيان خصائصه وتمييزه عن باقي الأنظمة المشابهة له(كالميراث والوصية الواجبة والتنزيل).

وعليه قسمنا الموضوع وفق التصميم التالي :

مبحث تمهيدي

المبحث الأول : الشروط الموضوعية لعقد الوصية

المبحث الثاني : الشروط الشكلية لعقد الوصية

مبحث تمهيدي

سنحاول من خلال هذا المبحث التمهيدي أن نبين ماهية الوصية الإرادية (المطلب الأول) وتمييزها عن باقي الأنظمة الأخرى المتقاربة لها (المطلب الثاني).

المطلب الأول: ماهية الوصية الإرادية

للوقوف على ماهية الوصية الإرادية سنحاول تعريفها (الفقرة الأولى) والبحث عن خصائصها (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تعريف الوصية الإرادية

لـــــــــــــغة:

 للوصية في اللغة معان متعددة، فمن معانيها العهد. يقال: أوصى الرجل و وصاه أي عهد إليه و يقال أيضا أوصيت له بشيء و أوصيت إليه إذا جعلته وصيه. و الوصي: الذي يوصي و الذي يوصى له و هو من الأضداد، و الوصية ما أوصيت به، سميت وصية لاتصالها بأمر الميت

اصطــلاحا:

عرفها ابن عرفة المالكي بقوله: " الوصية في عرف الفقهاء لا الفراض: عقد يوجب حقا في ثلث عاقده يلزم بموته، أو نيابة عنه بعده" ، أي أن الوصية هي ذلك العقد الذي يبرمه الإنسان على نفسه عن طواعية  و اختيار، و يوجب به حقا لمن أوصى له في ثلث ماله يلزمه بعد موته، أو هو ذلك العقد الذي بموجبه يقدم شخص شخصا آخر يقوم مقامه و ينوب عنه في تصرفاته تجاه بناته و أبناءه بعد وفاته.

كما عرفها صالح الصالحي في دليل الفارض بأنها: " إشهاد بإعطاء شيء من ماله بعد موته لغير وارث، على وجه التبرع، يلزم بموته إخراجه من الثلث".

أما المشرع المغربي فقد عرفتها في المادة 277 من مدونة الأسرة بأنها: "عقد يوجب حقا في ثلث مال عاقد يلزم بموته".

ومن خلال التعريف أعلاه، يمكن رصد ملاحظتين:

1ـ أن تعريف المشرع المغربي مأخوذ من الشق الأول لتعريف ابن عرفة، وهو يلتقي مع التعريف الاصطلاحي للفراض.

2ـ أن المشرع اعتبرها في هذا التعريف "عقدا" كما أنه اعتبرها كذلك في المادة 297 من مدونة الأسرة، مع أنها في نشأتها لا تتوقف على إرادتين، وإنما تتوقف على إرادة الموصي وحده، كما يدل على ذلك منطوق المادة 284 بشكل صريح، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المشرع في تكييفه للوصية بكونها عقدا تبنى موقف الشريعة، ذلك أن العقد في الشريعة يطلق على ما أنشئ بإرادة منفردة أو بإرادتين.

الفقرة الثانية: خصائص عقد الوصية

تتميز الوصية بمجموعة من الخصائص يمكن إجمالها كما يلي:

  • الوصية من أعمال الإرادة المنفردة

ثار الخلاف في الوصية حول ما إذا كانت عقدا أم مجرد تصرف للإرادة المنفردة؟

و يرجع أصل الخلاف إلى مدى الاعتبار في ركني الإيجاب والقبول، هل للإيجاب والقبول معا، أم لمجرد الإيجاب فقط؟ بالنظر إلى واقعة الوصية يتبين أنها تنشأ ابتداء بمجرد الإيجاب، والقبول ليس بشرط إلا بعد الوفاة.

و ما يدل على أن الوصية في تشريعنا المغربي هي تصرف انفرادي:

  • أنها تنعقد بإيجاب من جانب واحد (المادة 284).

  • للموصي حق الرجوع فيها وإلغائها ولو التزم بعدم الرجوع فيها (المادة 286).

  • أنها تكون صحيحة لمن كان موجودا وقتها أو كان منتظر الوجود في المستقبل (المادة 288).

  • لا يعتد برد الموصى له إلا بعد الوفاة (المادة 290).




  • الوصية في ثلث مال عاقدها

أجمع علماء الأمة على الاقتصار على الثلث في التركة استنادا إلى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مالك في الموطأ وغيره، عن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قـــــــــــــال: " جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودوني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت يا رسول الله قد بلغ بي الوجع ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، فقلت: فالشطر؟ قال: لا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أتذرهم عالة يتكففون الناس ..."، وهو ما كرسه المشرع المغربي في المادة 277 من مدونة الأسرة، أما ما زاد عن الثلث فيبقى متوقف على إجازة الورثة.

  • سلامة القصد في الوصية

إن الأصل في الأعمال جميعها بسلامة القصد، و من ثم ليس للموصي أن يخرج عن هذا القصد، خاصة وأن الغاية من الوصية هو التقرب إلى ربه، و تدارك ما فات في حال الحياة من الإحسان، فلا يجوز الإيصاء بمال يشترى به خمر لمن يشربها أو يدفع لمن يقتل نفسا بغير حق، أو لمن يصلي نيابة عنه...،  فالأمور بمقاصدها والعقود تأخذ حكم باعثها.

وهو ما كرسه المشرع المغربي في المادة 278 من مدونة الأسرة بقوله: " يشترط في صحة عقد الوصية سلامته مما منع شرعا" أي بقاء الوصية على سلامتها كلما أبعد الشرط المخالف للشرع، سواء في حياة الموصي أو بعد وفاته، لأنه لا إرادة له على الشروط المخالفة للشرع، وإنما الإرادة في الرجوع عن الوصية ولو التزم فيها بعدم الرجوع.

المطلب الثاني: تمييز الوصية عن بعض الأنظمة المشابهة لها

في إطار تمييز الوصية الإرادية عن باقي الأنظمة المشابهة لها، و رفعا لكل لبس قد يشوب الأفهام في هذا الباب، سنحاول أن نقف عند بعض مظاهر التشابه والاختلاف بين الوصية الإرادية والوصية الواجبة والميراث (الفقرة الأولى) والوصية الإرادية والتنزيل (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: تمييز الوصية الإرادية عن الوصية الواجبة والميراث

سنحاول التمييز من خلال هذه الفقرة بين الوصية الإرادية و الوصية الواجبة (أولا) و كذا الوصية الإرادية والميراث (ثانيا).

أولا: تمييز الوصية الإرادية عن الوصية الواجبة

  • أوجه التشابه بينهما:

تتفق الوصية الإرادية مع الوصية الواجبة في الاسم والمقدار و زمن الاستحقاق حيث أن:

  • كلتاهما يطلق عليها اسم الوصية.

  • كلتاهما تجب في حدود ثلث التركة إلا إذا أجازها الورثة.

  • كلتاهما لا تستحق إلا بعد موت الموروث.

  • كلتاهما تخرج من التركة قبل أخذ الورثة ما ينوبهم فيها.

إلا أنه رغم التقاطع والتشابه، هناك العديد من نقاط الاختلاف بينهما.

  • أوجه الاختلاف بينهما:

  • تنشأ الوصية الإرادية بإرادة واختيار الموصي، في حين الوصية الواجبة تنشأ بقوة القانون سواء أراد الموصي أو لم يرد.

  • الوصية الإرادية تحتاج إلى قبول الموصى له إن كان معينا (المادة 288)، أما الوصية الواجبة فلا تحتاج إلى قبول الموصى له.

  • الوصية الإرادية ترد بالرد إذا كانت لمعين (المادة 288)، أما الوصية الواجبة فلا ترد بالرد (لأنها مفروضة بقوة القانون).

  • عند تزاحم الوصية الإرادية والوصية الواجبة تسبق هذه الأخيرة.

ثانيا: تمييز الوصية الإرادية عن الميراث

  • أوجه الاختلاف بينهما :

  • الميراث حق جبري، ينتقل إلى الوارث بمقتضى الشرع، بغير إرادته ولا إرادة الموروث، ولا يملك أحد حق التدخل في تقريره أو رفضه، ولا تحديد مقداره أو تعيين المستفيد منه، بينما الوصية الإرادية تصرف اختياري يتم بإرادة الطرفين، الموصي والموصى له، فللموصي أن يوصي أو لا يوصي، كما يمكنه التدخل في تحديد مقدار الوصية واختيار الشخص الموصى له، وللموصى له في جميع الأحوال حق القبول أو الرفض إذا كان معينا.

  • الوصية تمنح للمخالف في الدين، إذا توفرت شروطها، أما الميراث فلا يثبت مع اختلاف الدين.

  • تقدم الوصية الإرادية عن الميراث.

  • أوجه التشابه بينهما:

  • كليهما يشكلان سببا لكسب الملكية.

  • كليهما يخرجان من التركة.

الفقرة الثانية: تمييز الوصية الإرادية عن التنزيل

سنحاول من خلال هذه الفقرة تمييز الوصية الإرادية عن التنزيل، وذلك بتبيان أوجه التشابه (أولا) وكذا أوجه الاختلاف (ثانيا).

أولا: أوجه التشابه

تتقاطع الوصية الإرادية مع التنزيل في العديد من النقاط:

  • أحكــام التنزيل هي نفسها أحكام الوصية النافدة بعد الموت، خــاصة من حيث الشكل، بمعنى أن التنزيل بدوره تصرف شكلي، لا يصح إلا بإشهاد عدلي أو إشهاد أي جهة رسمية مكلفة بالتوثيق، أو يحرره الموصي بخط يده مع إمضاءه، غير أنه إذا حالت ضرورة ملحة دون الإشهاد عليه أو كتابته بخط اليد أمكن إثباته و الحالة هذه عن طريق الاستماع إلى الشهود الذين حضروه من طرف قاضي التوثيق من يوم التمكن من أداء الشهادة حسب منطوق المادة 296 مدونة الأسرة، كما تطبق أحكام الوصية من حيث الموضوع على التنزيل، ماعدا التفاضل.

  • ينعقد التنزيل بما تنعقد به الوصية، مثل قول المنزل: فلان وارث مع ولدي أو مع أولادي أو ألحقوه بميراثي.

  • مقدار التنزيل محدد في الثلث فأقل كالوصية، أما ما زاد عن الثلث فالخيار للورثة في رد الزائد على الثلث.

  • الموصي كالمنزل (بالكسر) هو من يحدد الشخص المستفيد من الوصية.

ثانيا: أوجه الاختلاف

رغم التقارب بين المفهومين (الوصية والتنزيل) إلا أن ذلك لا يمنع من وجود اختلافات بينهما.

  • إن الأصل في الوصية أن يقسم الموصى به على الموصى لهم بالتساوي بين الذكور والإناث إلا أن يصرح الموصي بالتفاضل، عكس التنزيل الذي يقسم فيه الموصى به بين المنزلين إذا كانوا ذكورا وإناثا بالتفاضل، إلا أن يصرح المنزل بالمساواة بينهم.

  • الأصل في الوصية الاختيارية يمكن أن يستحقها مسلم أو غير مسلم، بينما أن الأصل في التنزيل لا يكون إلا للمسلمين.

المبحث الأول:الشروط  الموضوعية للوصية الإرادية

الوصية كغيرها من التصرفات القانونية تقوم على جملة من الأركان: تتمثل في الموصي والموصى له والموصى به، وما الصيغة سوى إيجاب الموصي وسنتولى بحث كيفية التعبير عن هذا الإيجاب، مع صوره، في الجانب المتعلق بالشروط الشكلية، وأما القبول فإنه يأتي بعد الوفاة كشرط استحقاق ليس إلا.

وللوقوف على هذه الأركان المعتبرة شروطا موضوعية لقيام الوصية قياما صحيحا، نخصص المطلب الأول لأطراف الوصية، على أن نتناول في المطلب الثاني الموصى به.

المطلب الأول: أطراف الوصية

   أطراف الوصية هما: الموصي (الفقرة الأولى)، و الموصى له (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : الموصي

تنص المادة 279 على أنه:" يشترط في الموصي أن يكون راشدا،

 وتصح الوصية من المجنون حال إفاقته ومن السفيه والمعتوه ".

يتضح من خلال هذه المادة أن المشرع اشترط شرطين في الموصي هما: الرشد والعقل، بالإضافة إلى شرطين تقتضيهما القواعد العامة وهما: أن تكون إرادته سليمة من عيوب الرضاء، إضافة إلى أن يكون الباعث الذي حمله على إبرام الوصية مشروعا. 

أولا : أن يكون راشدا

الرشد هو كمال الأهلية، والأهلية تكتمل ببلوغ الشخص 18 سنة شمسية كاملة، وذلك وفق ما نصت عليه المادة 209 من مدونة الأسرة، فكل من بلغ هذا السن ولم يثبت سبب من أسباب نقصان أهليته أو انعدامها، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه وتحمل التزاماته وهو ما نصت عليه المادة 210 من مدونة الأسرة، بالإضافة إلى أنه يعتبر كامل الأهلية، كل شخص بلغ من العمر 16 سنة وتم ترشيده بعد تقديمه طلب بذلك إلى المحكمة، وهو ما نصت عليه المادة 218 من نفس المدونة، وقد خالف المشرع المغربي المذهب المالكي باشتراطه سن الرشد فهذا الأخير يجيز وصية الصغير المميز وهو ما كانت تأخذ به مدونة الأحوال الشخصية الملغاة إذ كانت تشترط في الموصي سن التمييز فقط دون سن الرشد حيث أخذت في ذلك بمذهب الجمهور .

 ثانيا: أن يكون عاقلا

فلا يكفي أن يكون الشخص راشدا، فالراشد قد يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه والتزاماته إذا لم يثبت سبب من أسباب نقصان أهليته أو انعدامها، وقد يكون ناقصها إما لسفه أوعته وقد يكون عديمها لجنون أو فقدان عقل، وعليه سنتناول وصية السفيه والمعتوه  ثم وصية المجنون حسب منطوق المادة 215  من مدونة الأسرة.

  • وصية السفيه والمعتوه

السفيه هو: هو المبذر الذي يصرف ماله فيما لا فائدة فيه وفيما يعده العقلاء عبثا بشكل يضر به أو بأسرته.

المعتوه هو:الشخص المصاب بإعاقة ذهنية لا يستطيع معها التحكم في تفكيره وتصرفاته.

والمشرع اعتبر كل من السفيه والمعتوه من ناقصي الأهلية، وتصرفات ناقصي الأهلية، تكون نافذة إذا كانت نافعة نفعا محضا، وتكون باطلة إذا كانت مضرة به ويتوقف نفاذها إذا كانت دائرة بين النفع والضرر على موافقة النائب الشرعي حسب المصلحة الراجحة للمحجور.

وقد نصت المادة 279على أنه :"...تصح الوصية من المجنون حال إفاقته ومن السفيه والمعتوه"، وذلك لكون الوصية من التصرفات النافعة، ولا ضرر منها لأنها لا تنفذ إلا بعد الموت ويجوز الرجوع فيها ولو التزم الموصي بعدم الرجوع، وذلك وفقا لما نصت عليه المادة 286 من مدونة الأسرة. ، وقد جاء في الموطأ من كتاب الأقضية :"الأمر المجتمع عليه عندنا أن الضعيف في عقله والسفيه والمصاب الذي يفيق أحيانا تجوز وصاياهم إذا كان معهم من عقولهم ما يعرفون ما يوصون به أما من ليس معه عقله ما يعرف بذلك ما يوصي به وكان مغلوبا على عقله فلا وصية له" .

  • وصية المجنون حال إفاقته

  الجنون: مرض يصيب الإنسان باختلال في عقله ينشأ عنه اضطراب فتكون تصرفاته كتصرفات الصبي غير المميز والجنون قد يكون مطبقا أو متقطعا.  فالمجنون في حال جنونه لا وصية له لأنه يكون فاقد عقل، أما لو ذهب عنه الجنون أو أفاق منه فإن وصيته تصح حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 279 على أنه "تصح الوصية من المجنون حال إفاقته" فالمجنون حال إفاقته من جنونه إذا أوصى بوصية فإنها تكون صحيحة لأنه بمنزلة العقلاء، وهذا ماجاء في قرار لمحكمة النقض في إحدى حيثياته "...وحيث إنه بمقتضى المادة 279 من مدونة الأسرة فإن الوصية تصح من المجنون حال إفاقته. والمحكمة مصدرة القرار لما اعتمدت الوصية المنجزة في 29 /04/1996 التي بها أن عدلي التلقي أشهدا بأتمية الموصي وقت عقدها، مما يعني أنه كان حين إبرامها يتوفر على الإدراك والتمييز، واستبعدت في إطار سلطتها التقديرية الشهادة الطبية المستدل بها باعتبار أنها لاتفيد أن الموصي كان وقت إبرام عقد الوصية مختلا عقليا واعتبرت الأصل الذي هو تمام الأهلية، خاصة وأن الموصي قد أبرم عدة تصرفات لاحقة تتمثل في عقد رهنين  على رسوم عقارية، وفي اعتصار الهبة وبيع دار ، مما يفيد أنا ماشهد به رسم الوصية من أتمية كان هو المعتبر فإنها جعلت لما قضت به أساسا وعللت قرارها بما فيه الكفاية وردت على الدفوع المثارة، وما بالوسائل الأربع على غير أساس"

ثالثا : سلامة عيوب الإرادة من عيوب الرضاء 

إن عقد الوصية كسائر العقود الأخرى يتوقف في صحته على مدى سلامة إرادة الموصي من عيوب الرضاء، لأن الموصي يجب أن يكون وقت إيصائه راضيا بوصيته غير مكره عليها بوجه من وجوه الإكراه، وهذه العيوب من إكراه وتدليس وغلط يرجع فيها إلى الأحكام العامة لنظرية العقد، بينما الغبن لا يتصور إلا في المعاوضات.

ونعتقد أن الموصي إذا كان مازال حيا له أن يرجع عن وصيته، إذا زال عنه الإكراه أو اكتشف التدليس أو الغلط ولا محل للمطالبة بإبطال الوصية، مادام له مكنة الرجوع فيها لأنها لا تنفذ إلا بعد موته ولكن إذا استمر الإكراه أو لم يكتشف الغلط أو التدليس إلى أن توفي فإن حق المطالبة بإبطال الوصية ينتقل لورثة الموصي ويكون عليهم عبء إثبات ذلك.

رابعا : أن يكون الباعث مشروعا 

تجدر الإشارة أن سبب الالتزام لا ينظر فيه إلا بعد النشأة، ولا يؤثر على بناء التصرف، لأنه يفترض في كل التزام أن له سببا حقيقيا ومشروعا  ولو لم يذكر (الفصل 63 من ق ل ع) وعلى من يدعي خلاف ذلك أن يقيم الدليل عليه (الفصل62 من ق ل ع) كما إذا كانت هناك علاقة غير مشروعة بين الموصي والموصى له وفي هذا الإطار صدر قرار لمحكمة النقض ورد فيه "أنه حيث أن قضاء الموضوع  قد أثبتوا أنه من الأسباب التي جعلت الموصي يمنح وصية للمطلوبة في النقض العلاقة غير الشرعية غير المبنية على عقد الزواج والتي كانت قائمة بينه وبين هذه الأخيرة، وأن هذا السبب الذي دخل في اعتبار الموصي يتنافى مع الأخلاق الحميدة ومع النظام العام بالمغرب فيجعل الوصية باطلة كأن لم تكن، ولو كانت هناك أسباب أخرى لهذه الوصية إنسانية واجتماعية ولهذا فإن الحكم الابتدائي القاضي بتنفيذ الوصية الباطلة يكون غير مبني على أساس ويجب إلغاؤه"

الفقرة الثانية : الموصى له

     الموصى له هو الطرف الثاني في عقد الوصية، وهو المستحق للوصية والمستفيد منها والمتبرع عليه بها، سواء كانت هذه الاستفادة تتجلى في ملكية رقبة أو منفعة أو هما معا، والموصى له قد يكون شخصا طبيعيا أو معنويا وقد يكون واحدا أو متعددا.    

  ويشترط في الموصى له حتى تكون الوصية صحيحة جملة من الشروط تفهم من المواد 280 إلى 283 من مدونة الأسرة نقف عليها تباعا في ما يلي:

أولا : أن يكون موجودا أو منتظر الوجود

  نصت المدونة في المادة 282 على أنه:"تصح الوصية لمن كان موجودا وقتها أو منتظر الوجود"، يتضح لنا من خلال هذه المادة أن الوصية تصح لمن كان موجودا وقت الإيصاء، كما تصح لمن كان منتظر الوجود.

  فوجود الموصى له ينصرف إلى الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين وجهات البر والإحسان، فالوصية تصح لهم دون خلاف، وتصح سواء كان الموصى له بالغا عاقلا مسلما أم لا، وتصح من المسلم لغير المسلم، وليس من شرط سوى ألا يكون حربيا أو مرتدا.   

    أما فيما يتعلق بالوجود المنتظر للموصى له،أو ما يعرف بالوجود الحكمي(م 281 م س)،فهي تنصرف لما سيوجد مستقبلا، كالوصية لحمل أو لمن سيولد أو الوصية للمفقود، وكذلك الوصية ببناء مسجد أو مؤسسة علمية أو مستشفى أو إقامة قنطرة أو شق طريق،والحكم الشرعي يختلف بين صورة الوصية لمن سيولد والوصية لما سيشيد.

  ففي الصورة الأولى فإن الوصية والحالة هذه، تبقى موقوفة شأنها في ذلك شأن الميراث، إلى أن يستهل من في البطن أو من سيوجد،صارخا أو عاطسا أو غير ذلك مما يدل على حياته وفي هذا الصدد صدر قرار عن محكمة النقض جاء فيه: "في القضية موصى له بالثلث لم يولد بعد فهو في حكم الأشخاص المفترضة غيبتهم،لهذا كان على المحكمة أن تبلغ الملف إلى النيابة العامة، كما كان عليها ألا تأمر بالقسمة والحالة هذه إلا بعد القيام بالموجبات المتطلبة شرعا". أما فيما لو خرج المولود ميتا فإن الوصية والحالة هذه تعود ميراثا، وذلك طبقا لما ورد في المادة 313 من مدونة الأسرة.

  كما تصح الوصية للمفقود بمقتضى استصحاب الحياة فيما لو ظهر خلال مدة الانتظار وذلك حسب نص المادة 326 التي جاء فيها: "المفقود مستصحب الحياة بالنسبة لماله، فلا يورث ولا يقسم بين ورثته، إلا بعد الحكم بتمويته..."،وقياسا على هذه المادة فإن الوصية للمفقود يتم وقفها إلى أن يتم البث في أمره.فإذا ظهر أنه كان حيا بعد تاريخ وفاة الموصي استحق الوصية،وإذا تبين أنه كان ميتا قبل وفاة الموصي فإنه لا يستحق شيئا، وإذا لم تتبين حياته ولا موته إلى أن صدر الحكم بموته، سقطت وصيته بسبب الشك في معرفة السابق من اللاحق بينه وبين موت الموصي.

   أما فيما يخص الصورة الثانية فإن الوصية تبقى صحيحة سواء وجدت الجهة أم لم توجد، حيث أن الوصية في الحالة الأخيرة تصرف إلى أقرب مجانس لتلك الجهة،وذلك حسب ما جاء في المادة 310 م س.      

     والوصية كما تصح للمنتظر وجوده منفردا بها، تصح له مع موجود، كأن يقول الموصي أوصيت لأولاد فلان الذين ينتسبون إليه في الحال والاستقبال فإنه يدخل في الاستحقاق أولاده الذين كانوا وقت إنشاء الوصية،ومن يكونون بعد ذلك.

ثانيا : أن يكون أهلا للتملك والاستحقاق

نصت المادة 281 من مدونة الأسرة "تصح الوصية لكل من صح شرعا تملكه للموصى به حقيقة أو حكما"

وعليه يشترط في الموصى له أن يكون أهلا للتملك والاستحقاق حقيقة كشخص ذاتي أو حكما كشخص اعتباري، إذ تصح الوصية لأماكن العبادة، المؤسسات الخيرية والعلمية وسائر المصالح العامة أو لأي جهة مشروعة، وهذه الجهة قد تكون معينة أو غير معينة،

بالإضافة إلى ذلك يجب أن لايكون هناك مانع شرعي يمنع من امتلاك الموصى له للموصى به ، فالمسلم وإن كانت له أهلية التملك قد يكون هناك مانع شرعي يمنعه من تملك الموصى له به مثل الوصية له بخمر أو خنزير أو ميتة...لأن الوصية بمثل هذه الأشياء، تقع باطلة والسر وراء هذا البطلان أن الوصية تمليك فإذا كان الموصى له لايملك لم تكن فائدة في الوصية له

ثالثا : ألا يكون قاتلا عمدا للموصي 

نصت المادة 283  من المدونة على أنه "يشترط في الموصى له:

          1- ... 

         2-عدم قتله للموصي عمدا إلا إذا أوصى له من جديد"

     إن المدونة اشترطت في هذه المادة في الموصى له ، عدم قتله للموصي إلا إذا أوصى له من جديد وهي بذلك خرجت عن المذهب المالكي الذي يعتبر بأن الوصية صحيحة سواء كان القتل عمدا أو خطأ إلا أنهم اشترطوا أن يعلم الموصي بمن قتله، أوأن يكون قد أوصى بعد الضرب مع العلم به أيضا، لأنه إذا علم بذلك ولم يغير وصيته دل على أنه قد عفا عن قاتله، وقد أخذت في هذه المادة بالمذهب الحنبلي، فهو يميز بين الوصية بعد الجرح والوصية قبله، فالوصية بعد الجرح تكون صحيحة، و إن أوصى له قبله ثم طرأ القتل على الوصية بطلت الوصية

وتجدر الإشارة إلى أن مدونة الأحوال الشخصية كانت تنص في الفقرة الثانية من المادة 179 منها على أنه "... عدم قتله للموصي عمدا عدوانا إلا إذا علم الموصي قبل موته ولم يغير" حيث كانت تكتفي بشرطي العلم وعدم التغيير في حين أن المدونة الحالية اشترطت بعد الاعتداء الإيصاء من جديد وهو الأصوب للحالة التي يكون عليها الموصي بفعل اعتداء مؤدي إلى الموت وما يتطلب من إسعاف مستعجل لا يقوى معه في الغالب على تغيير الوصية. وعدم التغيير في النص القديم يبقي عليها عند العلم وفي ذلك ظلم، الشيء الذي دفع بالمشرع إلى أن يقوم مقام الموصي رحمة به فاشترط أن يوصي من جديد ما لم يوص كان بمثابة من غير أو أسقط وصيته

 رابعا : ألا يكون وارثا

  نصت المادة 283 من م س على أنه:"يشترط في الموصى له:

            1-أن لا تكون له صفة الوارث وقت موت الموصي، مع مراعاة أحكام المادة 280 أعلاه

            2-......"

وتنص المادة  280 من م س أنه: لا وصية لوارث إلا إذا أجازها بقية الورثة، غير أن ذلك لا يمنع من تلقي الإشهاد بها ". 

يتضح من خلال هاتين المادتين أن المشرع يشترط في الموصى له أن لا يكون وارثا، وإن كان وارثا فالوصية لا تجوز إلا إذا أجازها الورثة ، وإن أجازها البعض دون البعض الآخر نفذت في حصة المجيز، والعبرة في تحديد صفة الوارث يكون زمن موت الموصي وليس زمن انعقاد الوصية، فمن أوصى مثلا لأخيه الوارث صحت وصيته فيما لو ولد له ذكر، فالابن يحجب الإخوة عن الميراث حجب إسقاط. ومن ثم فهذا الشرط لا ينظر إليه وقت انعقاد الوصية بل وقت موت الموصي، وهذا ما قصدته المادة 280 أعلاه بقولها " غير أن ذلك لا يمنع من تلقي الإشهاد بها ".

وقد يقع أن يوصي شخص لأجنبي ويتفق معه أن يدفعها لأحد من الورثة،فهذا تحايل مبطل للوصية وصورية تثبت بكافة الوسائل،وفي هذا الصدد صدر قرار عن محكمة النقضجاء فيه"إن اعتراف الأم لبنتها إنما هو توليج وخديعة ووصية لوارث لما هو مقرر في أن التوليج كما يثبت بالإقرار والبينة، يثبت بما يرتقي إلى مستواهما من القرائن القوية الدالة عليه بوضوح".

المطلب الثاني : الموصى به

يعتبر الموصى به من الشروط الموضوعية للوصية، فهو محل الوصية أي المال الموصى به، فما هي طبيعته (الفقرة الأولى)، وماهية شروطه (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : طبيعة الأموال الموصى بها

نصت المادة 294 من مدونة الأسرة على أنه :" يصح أن يكون الموصى به عينا ويصح أن يكون منفعة لمدة محددة أو مؤبدة ويتحمل المنتفع نفقات الصيانة" وأضافت المادة 311 من نفس المدونة على أنه "في الوصية بالمنافع تعتبر قيمة العين في تحديد نسبة الموصى به إلى التركة"

من خلال المادتين السابقتين يتبين أن الوصية يمكن أن تكون بالأعيان (أولا) كما يمكن أن تكون بالمنافع (ثانيا)، وباستقراء مدونة الحقوق العينية يمكن أن تكون بالحقوق العينية (ثالثا) 

أولا : الوصية بعين المال 

المراد بعين المال ذاته، ويشمل الأموال النقدية والعينية، والديون التي في ذمة الغير، والحقوق  المقدرة بمال، وغير ذلك من كل ما يصح تمليكها بعقد المعاوضة و الإرث. فهذه لا خلاف في صحة الوصية بها.

ثانيا :  الوصية بمنفعة المال

والمراد بالوصية بمنفعة المال أن تكون منافع المال للموصى له بينما تكون ذات المال لورثة الموصي، وذلك كسكنى داره وزراعة أرضه وغلة بستانه 

ومدونة الأسرة أجازت الوصية بالمنافع، طبقا للمادة 294 حيث يتبين من خلالها أن الوصية بالمنفعة قد تكون مقيدة(أي محددة المدة أو على سبيل التأبيد)، وقد تكون مطلقة. 

 والوصية من حيث التقييد والإطلاق لها ثلاث صور:

  • الصورة الأولى أن تكون الوصية بالمنافع مقيدة لمدة معلومة فالموصى له إن كان حاضرا عالما بذلك فالحساب من يوم وفاة الموصي وإن كان غائبا غير عالم فالحساب من يوم الوصول أو يوم العلم بالوصية.

وسواء قيدت الوصية بزمان محدد ابتداء وانتهاء كأن يوصي بسكنى داره سنة معينة أو شهر معين من السنة التي تلي سنة موته مثلا ففي هذه الصورة تكون المنفعة للموصى له فيما حدده الموصي من مدة.

ويمكن أن تكون المدة مبهمة بدون تحديدها ابتداء وانتهاء، كأن يوصي لفلان بركوب سيارته سنتين أو ثلاث سنوات مثلا فإن الموصى له يملك المنفعة الموصى بها ، ومذهب المالكية على أن المدة تعين من يوم وفاة الموصي، إلا إذا كان الموصى له غائبا فإن المدة تبتدئ من تاريخ تمكنه من الانتفاع بالموصى بمنفعته.

  • الصورة الثانية الوصية بالمنافع مقيدة على سبيل التأبيد صحيحة عند الجمهور وتبدأ من يوم وفاة الموصي

  • الصورة الثالثة الوصية بالمنافع مطلقة بدون تأقيت ولاتأبيد ولم يعين لذلك مدة معينة فهي صحيحة وتجعل في الثلث لأن الإطلاق يعني التأبيد عند الجمهور غير الحنفية ويبدأ من يوم وفاة الموصي كما في الصورة الثانية 

وفي جميع الصور المذكورة تكون نفقة وصيانة الموصى به على الموصى له طبقا للمادة 294 باعتباره هو المنتفع وهو قول أشهب وإليه رجع ابن القاسم وصححه القاضي عياض وهو قول عند الشافعية والأصح عند الحنابلة وحجته فيما يلي :

  1. حديث "الخراج بالضمان" فإن الموصى له هو المنتفع بخراج الموصى به، فيجب عليه ضمان نفقته، أنها قوام المنفعة وللقاعدة الفقهية الغرم بالغنم، ومعناها أن التكاليف والخسارة التي تحصل من الشيء تكون على من ينتفع به شرعا"

  2. لأن في إيجابها على المالك إضرارا به، بحيث تكون الغلة لغيره والنفقة عليه

أما بالنسبة لتحديد نسبة المنافع فتكون باعتبار قيمة العين حيث نصت المادة 311 من المدونة على أن المعتبر في تحديد نسبة المنافع الموصى بها هو قيمة العين، وهو مذهب المالكية والحنفية على اعتبار أن قيمة الأعيان التي أوصي بمنفعتها أيا كانت مدة الانتفاع، فإن كانت رقابها (ذواتها) تخرج من الثلث جازت ونفذت وإن لم تخرج من الثلث نفذ منها بقدر الثلث فقط وتوقف الزائد على إجازة الورثة، فالمعتبر عندهم قيمة العين الموصى بمنفعتها لاقيمة المنفعة مستقلة. فإذا كانت الوصية بسكنى دار مثلا اعتبرت قيمة الدار لاقيمة منفعتها، فإذا كانت في حدود الثلث  صحت وإن كانت الغلة أكثر من الثلث توقفت على إجازة الورثة 

ثالثا : الوصية بالحقوق العينية :

 لقد سبق الذكر أن الوصية تصح بالأعيان والمنافع، "وتصح الوصية بالحقوق العينية التي ليست في ذاتها أموالا ولكن تقوم بمال أو تزيد في قيمة العين، كحق الشرب وحق المرور وحق المسيل"

غير أن السؤال الذي يثار هنا هل يمكن أن تكون هذه الحقوق العينية محلا للوصية بمعزل عن العين.

باستقرائنا لمدونة الحقوق العينية نجد أن المشرع نص على أن ثلاثة حقوق، يمكنها أن تنتقل بالوصية استقلالا عن العين وهي حق السطحية في المادة 116، حق الزينة في المادة 131 وحق الهواء والتعلية في المادة 140 أما بالنسبة لباقي الحقوق فلم ينص عليها المشرع بشكل واضح ربما لأنه يرى أن الانتفاع بها لايمكن بمعزل عن العين كحق الارتفاق والمسيل والشرب والمجرى وحق المرور.


الفقرة الثانية : شروط المال الموصى به 

يشترط في المال الموصى به أن يكون قابلا للتملك في نفسه (أولا) وأن يكون في حدود الثلث (ثانيا) 

أولا : أن يكون قابلا للتملك في نفسه

نصت المادة 292 على أنه "يجب في الموصى به أن يكون قابلا للتملك في نفسه"

وعليه فالوصية تجوز بجميع الأشياء القابلة للتملك، سواء كانت من الأموال أو قابلة لأن تؤول إلى المال، ولذلك فإن الوصية تجوز بالثمار العالقة بالأشجار، وبالحمل الموجود برحم البقرة أو الناقة، أو غيرها مما هو قابل للوجود ومعين، والأشياء القابلة للتملك هي الأشياء التي تكون صالحة لأن تكون محلا للتعامل طبقا للفصل 57 من ق ل ع والأشياء التي لاتصلح للتعامل نوعان :

  • أشياء تخرج عن التعامل بطبيعتها وهي الأشياء التي لايستطيع أحد الاستئثار بحيازتها، مثل الهواء ومياه البحر وأشعة الشمس.

  • وأشياء تخرج عن التعامل بحكم القانون، وهي الأشياء التي لايجيز القانون أن تكون محلا للالتزام، وذلك مراعاة للغرض الذي خصصت له، مثل الأموال العامة والأموال الموقوفة، أو لايجيز التعامل فيها لحكمة يتوخاها، مثل حظر التعامل في المخدرات، لأنه يتضمن إخلالا بالنظام العام

وتجدر الإشارة إلى أنه يجب يكون الموصى به مملوكا للموصي، فإذا أوصى شخص بما لا يملك فتلك وصية الفضولي، والملاحظ أن مدونة الأسرة لم تتطرق بشكل صريح إليها، وبالنسبة للمالكية  فهذا غير جائز ، حيث أن من شروط صحة الوصية أن يكون الموصي مالكا للموصى به، فلا تصح وصية الفضولي بمال الغير ولو ملكه بعد الوصية لفساد الصيغة بإضافة الحال إلى غيره لأنه تبرع ممن لا ملك له ولا ولاية ولا نيابة فيكون باطلا.

ثانيا : أن لايتجاوز قيمة الموصى به ثلث التركة

اشترطت المدونة أن لا تتجاوز  قيمة الموصى به ثلث التركة وإلا فإن الزيادة تتوقف على إجازة الورثة الرشداء.

فإذا لم يكن للهالك وارث لايجوز له التبرع بالمال كله لكون المادة 349 من مدونة الأسرة جعلت بيت المال (الخزينة العامة) إذا لم يكن هناك وارث، وارثا بالتعصيب وهو ما يسمى بالتركة الشاغرة.

وتجدر الإشارة إلى أن تحديد قيمة الموصى به حول ما إذا كان يتجاوز الثلث أم لا، لاينظر إليه وقت انعقاد الوصية ولكن وقت تنفيذها، ذلك أن الموصي يمكن له أن يوصي بما شاء من ماله إلا أن مازاد عن الثلث يتوقف على إجازة الورثة.

     وجدير بالذكر أن المادة 293 من م س تطرقت لحكم  الزيادة في الموصى به، حيث نصت أنه "إذا زاد الموصي في العين الموصى بها، فإن كانت الزيادة مما يتسامح بمثله عادة أو وجود ما يدل على أن الموصي قصد إلحاقها بالوصية أو كان الشيء المزيد لا يستقل بنفسه فإنها تلحق بالوصية و إن كانت الزيادة بما يستقل بنفسه شارك مستحق الزيادة الموصى له في المجموع بحصة تعادل قيمة  الزيادة القائمة.

يتبين من خلال هذه المادة أمران :

  • إما أن تكون الزيادة لا تستقل بنفسها، فتكون للموصى له كترميم منزل أو تحسين لا يقبل الانفصال عن العين.

  • وإما أن تكون زيادة تستقل بذاتها كأرض تم غرسها أو قطعة تم بناؤها، فالموصى له يملك الموصى به، وقيمة الزيادة تكون لورثة الموصي، أي أنهم شركاء للموصى له بقيمة الزيادة القائمة.

المبحث الثاني : الشروط الشكلية

بالإضافة إلى الشروط الموضوعية المذكورة، لابد من توافر شروط شكلية لانعقاد الوصية والمتمثلة في الصيغة (المطلب الأول) والإشهاد (المطلب الثاني)

المطلب الأول: الصيغة

تعتبر الوصية تصرفا قانونيا مصدره الإرادة المنفردة، والصيغة فيها هي كل فعل يدل دلالة واضحة عن معناها، ويفهم منه قصدها وإنشاؤها دون التقيد بصيغة معينة، فلا يشترط لفظ مخصوص ولا عبارة محددة، وتظهر من جانب الإيجاب وحده أما القبول فلا يعتبر إلا شرطا للاستحقاق، وسنتناول عناصر الإيجاب (الفقرة الأولى) ثم صوره (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: عناصر الإيجاب 

 نصت المادة 295 أنه: "تنعقد الوصية بما يدل عليها من عبارة أو كتابة أو بالإشارة المفهمة إذا كان الموصي عاجزا عنهما"، وعليه فعناصر الصيغة هي كالتالي:

أولا : الإيجاب بالعبارة   

وهي اللفظ المفيد الدال على المقصود من الوصية، ولا يشترط فيها لفظ معين، فكل لفظ يدل عليها، كأوصيت لفلان بثلث أو ربع مالي فهو وصية، وكذلك إذا قال الموصي، وهبت لفلان كذا بعد موتي، أو أعطوا لفلان بعد موتي الربع، أو الخمس فإن الوصية تنعقد وتكون صحيحة عن طريق العبارة.

ثانيا : الإيجاب بالكتابة

المقصود بالكتابة كل تلفظ للموصي حرر كتابة، يعبر فيه عن إرادته في الوصية، والتعبير يكون صريحا وقد يكون غير ذلك، فالألفاظ الصريحة هي ما اشتهر استعمالها ومنها كلمة "أوصيت" حيث تنعقد الوصية بمجرد ذكرها، أما إذا كان ضمنيا مثل كلمة أعطيتك فلا يفهم ما هذه العطية هل هي هبة أو وصية، إلا إذا اقترنت بقرينة تفيد الوصية ومثال عليها أعطيتك بعد موتي مثلا.

ثالثا : الإيجاب بالإشارة المفهمة

كما تنعقد الوصية بالعبارة والكتابة حسب ما سبق تنعقد كذلك بالإشارة المفهمة من العاجز عن النطق، بالكتابة إذا كان يكتب وإلا بإشارته المفهمة،وهذا ما نصت عليه المادة 295 من مدونة الأسرة وأيضا المادة 29 من قانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة "يسوغ تلقي الإشهاد مباشرة من العاجز عن الكلام أو السمع بالكتابة، وإلا بالإشارة المفهمة مع التنصيص على ذلك في العقد" فمن خلال هاتين المادتين يشهد العدلان أو الموثق على الموصى بمقتضى إشارة تفهم مقصوده، وتعلم برضاه، وأما لو انعدمت فيه حتى الإشارة، كالأعمى والأصم فلا سبيل للوصية إلا إذا كتبها تحت رعاية حاجره

             الفقرة الثانية: صور الإيجاب

حسب المادة 284 من مدونة الأسرة "تنعقد الوصية بالإيجاب من جانب واحد وهو الموصي"، هذا العقد الذي ينشأ عن الإرادة الحرة لابد فيه من إيجاب يصدر عن الموصي في وصيته ولا تنعقد بدونه، والملاحظ هنا أن المدونة لم تتعرض للقبول الذي يقابل الإيجاب في مختلف العقود، لأن القبول في الوصية لا يكون إلا بعد وفاة الموصي، ويكون شرطا للاستحقاق دون الانعقاد.

والإيجاب قد يكون معلقا على شرط أو مقيدا به حسب المادة 285 بقولها "يصح تعليق الوصية بالشرط وتقييدها به إن كان الشرط صحيحا والشرط الصحيح ما كان فيه مصلحة للموصي أو للموصى له أو لغيرهما ولم يكن مخالفا للمقاصد الشرعية".

أولا : الإيجاب المعلق على شرط

يتضح من المادة السابق ذكرها أن التعليق هو غير التقييد، فالتعليق على شرط المقصود به ترتيب وجود العقد على وجود الشرط وربطه به ويستعمل فيه لفظ أداة الشرط كإن وإذا ... ، وانعقاد الحكم فيه يتوقف على حصول الشرط ، مثل إن مت من مرضي هذا فوصيتي لفلان.

فتعليق الوصية بالشرط لا مانع منه إذا كان الشرط صحيحا غير مخالف لمقاصد الشرع، والشرط الصحيح ما كان فيه مصلحة للموصي، كاشتراط توليه في الكبر وإسعافه عند المرض، وتظل الوصية صحيحة ولو لم يلتزم الموصى له بذلك مادام الموصي لم يتراجع في وصيته، لما يكون الشرط في مصلحة الموصى له كاشتراط أداء صائر الوصية من التركة، ويحسب دوما من الوصية حتى لا يتعدى الثلث، ويكون الشرط كذلك في مصلحة الغير، كاشتراط عدم إفراغ المكتري من العين الموصى بها أو انتفاع الغير بجزء منها لمدة معلومة.

ثانيا :  الإيجاب المقيد بشرط

إن التقييد بالشرط هو اقتران تنفيذ العقد بشروط معينة ويسمى الاقتران بالشرط ومثال على ذلك أن يوصي لفلان بكذا على أن يدفع ضرائب الدولة المستحقة، أو على أن يقوم بالإشراف على أولاده الصغار 

وهنا قد يطرح تساؤل إذا كان الشرط مخالف لمقاصد الشرع، هل تصح الوصية ويبطل الشرط ؟ أم تبطل الوصية ببطلان الشرط؟، في هذا الإطار يذهب الأستاذ عبد الرحمان بلعكيد إلى القول ببطلان الشرط وصحة الوصية، لأن من أحكام الوصية التي وصى الموصي في ضوئها أن الشرط يعمل به ما لم يخالف مقاصد الشرع انسجاما مع المادة 285 أعلاه، وأيضا تماشيا مع مقتضيات المادة 278 من مدونة الأسرة "يشترط في صحة عقد الوصية خلوه من التناقض والتخليط مع سلامته مما منع شرعا".

المطلب الثاني: الإشهاد بالوصية

إن الإشهاد شرط في صحة التبرعات من حيث هي، وفي كل ما كان من غير عوض، كالتوكيل والضمان ونحوهم، والوصية لا تخرج عن هذا الإطار حيث نصت المادة 296 من مدونة الأسرة أنه: " يشترط في صحة الوصية أن يصدر بها إشهاد عدلي أو إشهاد أي جهة رسمية مكلفة بالتوثيق، أو يحررها الموصي بخط يده مع إمضائه. فإذا عرضت ضرورة ملحة تعذر معها الإشهاد أو الكتابة قبل إشهاد الموصي على وصيته من اتفق حضورهم من الشهود، ..."

يخلص من هذا النص أن الوصية يمكن أن تتخذ أحد الأشكال الثلاثة:
1 – تحرر بها ورقة رسمية.
2 – تحرر بها ورقة عرفية مكتوبة جميعها بخط يد الموصي وموقع عليها بإمضائه.
3 – وصية لفظية في حالة الضرورة.
وبناء عليه سنبحث شكل الوصية في نوعين: وصية كتابية (الفقرة الأولى)، ووصية لفظية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : الوصية الكتابية.

إن الوصية الكتابية إما أن تتم بمقتضى إشهاد رسمي (أولا)، وإما أن يحرر بها عقد عرفي بخط يد الموصى مع توقيعه (ثانيا).

أولا: الكتابة الرسمية

يشترط في صحة الوصية أن يصدر بها إشهاد عدلي، أو إشهاد أي جهة رسمية مكلفة بالتوثيق، والمقصود بهذه الجهة هم الموثقون، ولذلك فالعدول والموثقون هم من لديهم صلاحية الإشهاد على الوصية، والوثيقة الصادرة عنهم وثيقة رسمية تأتي في قمة هرم الإثبات، وهي حجة قاطعة على الغير سواء بالنسبة للوقائع الثابتة فيها أو ما يشهد به العدل أو الموثق فيما يصل إلى علمه إذا ذكر كيفية وصولها لمعرفتها. ويترتب على حجيتها القطعية عدم جواز الطعن فيها إلا بالزور، إلا أنه إذا وقع الطعن فيها بسبب إكراه أو احتيال أو تدليس أو صورية أو خطأ مادي فإنه يمكن إثبات ذلك بواسطة الشهود أو بواسطة القرائن القوية المنضبطة المتلائمة دون الاحتياج إلى القيام بدعوى الزور، وإذا فقدت الوثيقة الرسمية شكلها كوثيقة رسمية لعدم الاختصاص أو عدم أهلية العدل أو الموثق، فإنها تصلح كوثيقة عرفية، إذا كان موقع عليها من طرف الموصي.

ثانيا: الكتابة العرفية.

بالإضافة إلى الإشهاد الرسمي بالوصية، فإنها تصح أيضا إذا حررها الموصي بخط يده مع توقيعه، وهذا يشكل استثناء مما نصت عليه المادة الرابعة من القانون 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية من أنه: "يجب أن تحرر – تحت طائلة البطلان – جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها، بموجب محرر رسمي أو محرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لم ينص قانون خاص على خلاف ذلك." على اعتبار أن مدونة الأسرة هي قانون خاص.

ويلاحظ أن المشرع اقتصر في المحرر العرفي على الكتابة بخط يد الموصي وإمضائه حوطا ودفعا لسلبيات هذا النوع من الكتابة، واستثنى تلك المكتوبة بخط الغير وتوقيع الموصي أو بالآلة وتوقيع الموصي، ويرى أحد الباحثين أن الوصية المخطوطة في المضمون والإمضاء إثبات قوي الدلالة لكنه لا يسلم من الطعن من وجهين: الأول: تقليد الخطأ. الثاني: عدم اشتراط تصحيح الإمضاء. 

ما يلاحظ أيضا من خلال صياغة المادة 296 من م س أن الوصي له الخيار بين اللجوء إلى المحرر الرسمي الذي يحرره العدلان أو الموثق، أو كتابة الوصية بخط يده وتوقيعها. ولم يقيد اللجوء إلى الحالة الثانية  بتعذر تلقي الإشهاد لسبب من الأسباب، هذا على خلاف الوقف، إذ نص بتعبير صريح من المادة 25 من مدونة الأوقاف  أنه إذا تعذر تلقى هذا الإشهاد (الرسمي العدلي)، اكتفي استثناء بوثيقة الوقف الموقعة من قبل الواقف مصادق على صحة توقيعها طبقا للقانون. هنا نتساءل عن سبب هذا الاختلاف الذي لا نرى له من داع موضوعي، كما أن هذا التقييد يشكك في القواعد العامة للإثبات كما هي واردة في ق ل ع، هذا مع العلم أن المادة 192 من مدونة الأحوال الشخصية الملغاة كانت تشترط فقط توقيع الموصي بإمضائه.

والوصية والوقف عقود تبرعية، على غرار الهبة والصدقة والعمرى...، وبالرجوع إلى م ح ع نجد المشرع جعل الإشهاد على هذه العقود الأخيرة ،استثناء مما نصت عليه المادة الرابعة، يقع – تحت طائلة البطلان – في محرر رسمي. فما هي هذه الاعتبارات التي استند عليها المشرع في إعداد هذه المدونة وغابت عنه في مدونة الأسرة ومدونة الأوقاف؟ ألم يكن من اللازم إعادة النظر في المادة 296 من م س و المادة 25 من مدونة الأوقاف لتنسجما مع ما جاءت به م ح ع فيما يتعلق بالعقود التبرعية خاصة إذا كان الأمر يتعلق بعقار؟

 لكن، كما يقال إذا ظهر السبب بطل العجب. والسبب في ذلك أن المشرع المغربي ليست له رؤية شمولية في صناعة التشريع، إذ كل قطاع يشرع بمعزل عن القطاعات الأخرى.

ونعتقد أن على المشرع توحيد القواعد القانونية المتعلقة بالتوثيق، وجعل الإشهاد على العقود التبرعية يتم في محررات رسمية لأن الورقة الرسمية تشكل حماية للمتبرع وخلفه وللمتبرع له.

وتجدر الإشارة أنه طبقا للمادة 297 م س: " يجب أن يصرح في عقد الوصية المنعقدة بخط يد الموصي بما يفيد الإذن بتنفيذها " لأن الكتابة وحدها لا تفيد أنه كان عازم على تنفيذها، إذ يكون قد كتبها للتروي وما زال يفكر في أمرها وقد يكون تراجع عنها. و التصريح بهذا الشرط يكون بكل تعبير يفيد التنفيذ و الإنجاز.

و الكتابة الإلكترونية بتوقيع مؤمن و المختومة زمنيا، ألا يعد في حكم  الكتابة بخط اليد؟ لا يرى أحد الباحثين في ذلك من مانع في هذا العصر،على شرط أن يكون الموصي هو الذي مرر هذه الكتابة بيده، وقانون05 -53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية ، أضفى على هذه الوثيقة نفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق و اعتبرها في حكم الوثيقة المصادق على صحة توقيعها و المذيلة بتاريخ ثابت.

ونعتقد أن الأمر خلاف ذلك، على اعتبار أن المادة 296 م س، تشترط الكتابة بخط يد الموصي مع توقيعه، واستثنت حتى الكتابة بالآلة ، وأن تمرير الكتابة على دعامة الكترونية من طرف الموصى لا تعد كتابة بيد الخط، مما يعني أن الكتابة الإلكترونية لا يعتد بها لإثبات الوصية.

الفقرة الثانية: الوصية اللفظية.

تنص الفقرة الثانية من المادة 296 من م س. "أنه إذا عرضت ضرورة ملحة تعذر الإشهاد أو الكتابة قبل إشهاد الموصي على وصيته من اتفق حضورهم من الشهود، شريطة أن لا يسفر البحث والتحقيق عن ريبة في شهادتهم، وأن تؤدى هذه الشهادة يوم التمكن من أدائها أمام القاضي، الذي يصدر الإذن بتوثيقها، ويحضر الورثة فورا ويتضمن الإخطار مقتضيات هذه الفقرة". 

يتضح من خلال هذه الفقرة أن الوصية قد تكون بالشهادة عند الضرورة القاهرة التي يتعذر معها الإشهاد الرسمي و الكتابة بخط اليد، ويمثل لها بمن تحضره الوفاة وهو في مدشر ناء لا يوجد به عدول  منتصبون والحال أنه لا يعرف القراءة والكتابة حتى يحرر وصيته  بخط يده ويمضيها بتوقيعه  أو يعرف ذلك لكنه لا يستطيع التحرير والتوقيع، أو بمن تحضره الوفاة في وقت ليلي متأخر يتعذر معه إحضار عدلين منتصبين أو غيرهما فيشهد الموصي على وصيته من اتفق حضورهم أمامهم من أهل الحي والجيران، وقبل طلوع الفجر يرحل الموصي إلى الدار الآخرة... وغيرها من الحالات التطبيقية لهذه الوصية.

والمقصود بالشهود في هذه الحالة هم شهود اللفيف إذا بلغ عددهم  اثني عشر رجلا، أو شهود التلقية فيما إذا كان عددهم يقل عن ذلك، وبناء عليه يبدو أن الجهة المختصة بتوثيق هذا النوع من الشهادات العدول وحدهم دون غيرهم.

ومن الواضح أن الأصل في الإشهاد على الوصية هو الكتابة، والشهادة مجرد استثناء من الأصل، والاستثناء يفسر دوما تفسيرا ضيقا، ويضبط بشروط، ونجمل هذه الشروط كالآتي:

  • أن تكون هناك قوة قاهرة أو ضرورة ملحة، تعذر معها إشهاد الموصي على وصيته جهة رسمية مكلفة بالتوثيق، و تعذر عليه تحريرها بخط يده مع إمضائه، ووفاة الموصي بعدها لأن بقاء الموصي حيا يبطل الشهادة ويردّ إلى الأصل "الكتابة".

  • أن يكون الشهود ممن تقبل شهادتهم.

  • إشهاد الموصي على وصيته من اتفق حضورهم من الشهود، فإن تلفظ بشيء أمامهم دون أن يشهدهم عليه، وشهد الشهود فلا يقبل منهم ذلك. 

  • أداء الشهادة أمام القاضي من يوم التمكن من أدائها من دون تأخير.

وفي هذا يرى الأستاذ بلعكيد أن هذا اليوم هو نفس يوم سماعها أو بعده على أبعد تقدير لأن السمع بما حصل، وقاضي التوثيق تبعا لمهنته حاضر جاهز دوما، فآفة الشهادة النسيان وشياطين الإنس والجن. لكن نعتقد إن العبرة ليست بعدد الأيام التي تلي إشهاد الموصي الشهود على وصيته وموته، بل العبرة بارتفاع العذر عنهم، فقد تكون الثلوج مثلا هي التي حالة دون أن يتمكن الموصي من الإشهاد بالكتابة على وصيته ويستمر نفس هذا العذر في منع الشهود من أداء تلك الشهادة. هذا وينبغي عليهم أن يسرعوا إلى أداء شهادتهم بها حالما يرتفع عنهم ذلك العذر، ولا ينتظرون إلى وقوع الخصومة بشأنها، لأن تحريرها بمناسبة الخصومة يجعلها دون أية قيمة، وفي هذا صدر قرار لمحكمة النقض ورد فيه: "عندما يضطر الموصي لحالة القوة القاهرة لأن يلجأ إلى وصية لفظية إما من اتفق حضورهم لها ممن تقبل شهادتهم وهم غير منتصبين، وحال ذلك دون كتابتها. صحت هذه الوصية إن أديت من يوم التمكن من الأداء...، ولهذا تكون المحكمة قد صادفت الصواب عندما لم تمنح أية قيمة لشهادة لفيفية محررة بمناسبة الخصومة وبعد وفاة الموصي المزعوم بعشرات السنين"

  • ألا تكون في شهادتهم ريبة ظاهرة بعد البحث في شأنها والتحقيق في أمرها. 

  • إصدار الإذن بتوقيعها من طرف القاضي الذي أديت أمامه.

  • تبليغ القاضي الورثة فورا بعد توثيق الشهادة.

وفيما يتعلق بالبحث والتحقيق في شأن ثبوت الوصية أو عدمه، هل من اختصاص القاضي المكلف بالتوثيق أم قاضي الحكم؟، يرى بعض الفقه، "أن الشهادة تؤدى أمام قاضي التوثيق الذي يتولى البحث والتحري بمكتبه وخارجه عند الاقتضاء، للتأكد من سلامة الشهادة من الريبة والخلط والتناقض، مع الشهود والموصى له والورثة والغير، وله إعادة سماع الشهود ومواجهة بعضهم لبعض أو للأطراف الأخرى". ويورد الأستاذ العلمي الحراق مبررات لهذا الرأي منها: أن شرط أداء الشهادة من يوم التمكن من أدائها لا يتأتى تحقيقه عمليا وفي كل الأحوال لدى قاض الموضوع، الذي لا ينظر في القضية إلا بحصول النزاع وعرض الأمر عليه للفصل فيه، أما قبل ذلك فليس له أن يفعل شيئا في هذه الشهادة، ولو تمكن الشهود من أداء شهادتهم بالوصية اللفظية في أقرب وقت ممكن، يضاف إلى ذلك أن المادة 296 من المواد الواردة في الباب المتعلق بشكل الوصية وإثباتها وثبوتها وهو شأن توثيقي محض وهو من مهام القاضي المكلف بالتوثيق لا غيره، كما يضيف أن كل هذا لا يمنع قاضي الحكم من النظر فيها بعد ذلك بالبحث والتحقيق مع الشهود لأن الوثيقة العدلية مهما كانت قوية في حجيتها الإثباتية فإنها لا تتعدى نطاق الإثبات ولا ترقى إلى إن تكتسب حجية الشيء المقضي به.














خاتمة :

بعد التطرق من خلال ثنايا هذا العرض، لماهية الوصية وبيان  شروطها الموضوعية والشكلية، خلصنا لمجموعة من الملاحظات والتوصيات :

بالنسبة للملاحظات :

  • غياب انسجام على مستوى النصوص القانونية المتعلقة بتوثيق التصرفات التبرعية سواء بين الوقف والوصية أو بينها وبين العمرى والصدقة والهبة

  • الأخذ بالشهادة لإثبات الوصية كتصرف قانوني هو خروج عن الأصل  لأن التصرفات القانونية تثبت بالكتابة

  • عدم التنصيص بشكل صريح على صفة "العدوان" في نص المادة 283 من مدونة الأسرة خلافا لما جاء في المادة 179 من مدونة الأحوال الشخصية

  • المصطلحات المستعملة في نصوص هذه المدونة مستمدة من الفقه لذلك ينبغي فهمها في إطارها الفقهي

  • خالف المشرع المذهب المالكي، وهذا أمر محمود، في بعض المسائل منها :

  • اشتراط الرشد في الموصي، 

  • منع الوصية بالقتل ...

  • استعمال عبارة فضفاضة بالنسبة للمادة  296  تتجلي في أداء الشهادة من يوم التمكن دون تحديد وقت محدد في غير حالة الضرورة والقوة القاهرة

التوصيات :

  • إعادة النظر في النصوص القانونية المنظمة لتوثيق عقد الوصية لتنسجم مع جاءت به مدونة الحقوق العينية فما يخص توثيق التصرفات التبرعية

  • النص بشكل صريح أن المقصود بالقاضي المكلف بالبحث والتحقيق في شهادة الشهود هو القاضي المكلف بالتوثيق وذلك لإزالة الغموض واللبس عن هذه المادة (المادة296)

  • التنصيص الصريح على صفة العدوان في نص المادة 283 .


المصادر والمراجع المعتمدة

حسب ترتيبها في العرض

  • _ابن منظور: لسان العرب، المجلد الخامس عشر، طبعة جديدة محققة، الطبعة الأولى 2000، مطبعة دار صادر للطباعة و النشر، بيروت. 

  • _أبي عبد الله محمد الأنصاري الرصاع: شرح حدود ابن عرفة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1993.

  • موطأ الإمام مالك، برواية يحي بن يحي الليثي : كتاب الوصية، باب الوصية في الثلث لا تتعدى،  مطبعة مؤسسة الرسالة ناشرون، طبعة 2013

  • _العلمي الحراق: الوصية الواجبة و تطبيقاتها الإرثية وفق مدونة الأسرة، مطبعة CANA PRINT الطبعة الأولى، سنة 2012.

  • _عبد الله السوسي الثناني، شرح مدونة الأسرة في إطار المذهب المالكي وأدلته، دراسة تأصيلية مقارنة على ضوء المذاهب الأربعة، الجزء الخامس، الوصية، مطبعة النجاح، طبعة 2011. 

  • أستاذنا محمد المهدي: نظام الإرث في ضوء مدونة الأسرة و العمل القضائي(قواعد و تطبيقات) مطبعة الأورو المتوسطية للمغرب – فاس- الطبعة الثالثة 2016.

  • _عبد الرحمان بلعكيد: علم الفرائض: الميراث والوصايا، مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الخامسة 2006. 

  • _ محمد التاويل: فقه الوصايا والتنزيل في الفقه الإسلامي.

  • _موطأ الأمام مالك: "باب جواز وصية الصغير والضعيف والمصاب والسفيه" من كتاب الأقضية، بدون ذكر المطبعة والسنة .

  • _محمد شهبون :الشافي في شرح مدونة الأسرة، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2006

  • محمد بفقير: مدونة الأسرة والعمل القضائي المغربي، منشورات دراسات قضائية سلسلة القانون والعمل القضائي المغربيين، العدد الأول ، طبعة ثانية  سنة 2011

  • شهاب الدين أحمد بن ادريس القرافي: "الدخيرة"، الجزء السابع، مطبعة دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1994،

  • الإمام مالك بن أنس الأصحب:"المدونة الكبرى" ،الجزء الرابع ، دار الكتب العلمية، لبنان الطبعة الأولى 1994، 

  •  وزارة العدل : دليل عملي لمدونة الأسرة، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية، سلسلة الشروح والدلائل، العدد 1، 2004 الطبعة الثالثة، فبرابر 2007

  • أستاذنا محمد المهدي : الوجيز في نظرية العقد في ضوء القانون المدني المغربي، مطبعة أنفو برينت الطبعة الأولى 2005.

  • إدريس أجوبلل : الوصية الإرادية والواجبة فقها وقانونا، مقال منشور بكتاب "قضايا الأسرة من خلال اجتهادات المجلس الأعلى" مطبعة الأمنية الرباط 2007

  • العلمي الحراق: التوثيق العدلي بين الفقه المالكي والتقنين المغربي وتطبيقاته في مدونة الاسرة، مطبعة دار السلام، الرباط، الطبعة الثانية 2013

  • أورده محمد الشافعي: عقود التبرع بعد الوفاة: الوصية. سلسلة البحوث القانونية، المطبعة والورقة الوطنية، الطبعة الأولى 2016











الفهرس

مقدمة :    2

مبحث تمهيدي    3

المطلب الأول: ماهية الوصية الإرادية    3

الفقرة الأولى: تعريف الوصية الإرادية    3

الفقرة الثانية: خصائص عقد الوصية    4

المطلب الثاني: تمييز الوصية عن بعض الأنظمة المشابهة لها    5

الفقرة الأولى: تمييز الوصية الإرادية عن الوصية الواجبة والميراث    5

أولا: تمييز الوصية الإرادية عن الوصية الواجبة    6

ثانيا: تمييز الوصية الإرادية عن الميراث    6

الفقرة الثانية: تمييز الوصية الإرادية عن التنزيل    7

أولا: أوجه التشابه    7

ثانيا: أوجه الاختلاف    8

المبحث الأول:الشروط  الموضوعية للوصية الإرادية    8

المطلب الأول: أطراف الوصية    8

الفقرة الأولى : الموصي    8

أولا : أن يكون راشدا    9

ثانيا: أن يكون عاقلا    9

ثالثا : سلامة عيوب الإرادة من عيوب الرضاء    10

رابعا : أن يكون الباعث مشروعا    11

الفقرة الثانية : الموصى له    11

أولا : أن يكون موجودا أو منتظر الوجود    11

ثانيا : أن يكون أهلا للتملك والاستحقاق    12

ثالثا : ألا يكون قاتلا عمدا للموصي    13

رابعا : ألا يكون وارثا    14

المطلب الثاني : الموصى به    14

الفقرة الأولى : طبيعة الأموال الموصى بها    14

أولا : الوصية بعين المال    15

ثانيا :  الوصية بمنفعة المال    15

ثالثا : الوصية بالحقوق العينية :    16

الفقرة الثانية : شروط المال الموصى به    17

أولا : أن يكون قابلا للتملك في نفسه    17

ثانيا : أن لايتجاوز قيمة الموصى به ثلث التركة    18

المبحث الثاني : الشروط الشكلية    18

المطلب الأول: الصيغة    19

الفقرة الأولى: عناصر الإيجاب    19

أولا : الإيجاب بالعبارة    19

ثانيا : الإيجاب بالكتابة    19

ثالثا : الإيجاب بالإشارة المفهمة    19

الفقرة الثانية: صور الإيجاب    20

أولا : الإيجاب المعلق على شرط    20

ثانيا :  الإيجاب المقيد بشرط    21

المطلب الثاني: الإشهاد بالوصية    21

الفقرة الأولى : الوصية الكتابية.    22

أولا: الكتابة الرسمية    22

ثانيا: الكتابة العرفية.    22

الفقرة الثانية: الوصية اللفظية.    24

خاتمة :    28

المصادر والمراجع المعتمدة    29

الفهرس    31


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-