التأمين على مخاطر البناء

يعتبر التأمين أفضل وسيلة لمواجهة المخاطر التي قد يتعرض لها الإنسان في كيانه أو أمواله أثناء فترة حياته، في سبيل التخفيف من وطأتها. و لعل جوهر هذه الوسيلة هو التعاون، الذي يتحقق باشتراك الأشخاص المعرضين لذات الخطر، من أجل مواجهة الآثار التي قد تنجم حالة تحققه- أي الخطر-، و ذلك بدفع كل منهما لاشتراكات و الأقساط الواجبة، حيث تجمع المبالغ المحصل عليها، ثم توزع على من تحل بهم الكارثة.

وغني عن البيان أن أهم وظيفة يقوم بها التأمين، هي بعث الثقة و الطمأنينة في نفس المؤمن له، ففي التأمين، نجد المؤمن له يؤمن ضد خطر معين، قد يهدده في ماله أو في جسمه، كالتأمين من الإصابات، و التأمين ضد السرقة أو التأمين من الحريق.

و من المعلوم أن كلمة تأمين مشتقة من الأمان، و هو عنصر يتحقق في كافة أنواع التأمين، سواء تعلق الأمر بالتأمين على الأشخاص أو التأمين من الأضرار

 جدير بالتنبيه إلى أن كل محاولة تعريف عقد التأمين، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار جانبين اثنين، الجانب القانوني ثم الجانب الفني، و عدم اغفال أحدهما و إلا كان تعريفا ناقصا و غير كامل.

إن الجانب القانوني يعتمد على العلاقة القائمة بين المؤمن و المؤمن له من أجل تأمين خطر أ و حادث معين يخشى وقوعه، حيث يلتزم المؤمن بدفع قسط مالي مقابل التزام المؤمن بتعويضه عن الضرر الحاصل عند تحقق الخطر المؤمن منه.

أما الجانب الفني، فإنه يعتمد على الأسس الفنية و العلمية، التي تجعل من عقد التأمين عملية منظمة تقوم على الإحصاء الدقيق بعد أن كانت تعتبر  عملية مقامرة أو رهان.

و عليه، يمكن تعريف التأمين بأنه الاتفاق الحاصل بين طرفين بمقتضاه يتعهد الطرف الأول- المؤمن- بأن يدفع إلى شخص ما أو إلى المؤمن له مبلغا من المال في حالة تحقق الخطر المؤمن منه خلال مدة معينة، مقابل دفع الطرف الثاني- المؤمن له- قسط التأمين.

 إلا أنه و بالرجوع إلى التشريع المغربي نجده قد عرف التأمين بأنه اتفاق بين المؤمن و المكتتب من أجل تغطية خطر ما. و يحدد هذا الاتفاق التزاماتهما المتبادلة.

و تجدر الإشارة إلى أن عقد التامين يتميز بمجموعة من الخصائص، تتأرجح بين الخصائص العامة و الخصائص الخاصة. و لعل من بين الخصائص العامة نجد أنه؛ عقد ملزم لجانبين، عقد معاوضة ثم عقد زمني. أما المميزات الخاصة لعقد التأمين، فتتمثل في كونه من عقود الإذعان، إلى جانب أنه عقد احتمالي.

ويتخذ التأمين عدة أشكال و أنواع، فمن حيث الشكل ينقسم التأمين إلى نوعين؛ تأمين تعاوني و تأمين بالأقساط الثابتة. و من حيث الموضوع، فإنه ينقسم إلى تأمين اجتماعي و تأمين خاص. ثم تأمين بري، تأمين جوي و تأمين بحري. فضلا عن ذلك هناك التأمين عن الأضرار الذي يتضمن بدوره صنفين اثنين؛ التأمين على الأشياء و التأمين عن المسؤولية. و التأمين عن الأشخاص، و يضم التأمين عن الحياة إلى جانب التأمين عن الإصابات.

 ترتيبا على ما سبق، و ارتباطا بموضوع عرضنا- التأمين على مخاطر البناء- الذي يصنف ضمن التأمين على الأشياء، يمكن القول أنه يكتسي أهمية بالغة في وقتنا الراهن، الذي كثرت فيه المخاطر الناتجة عن البناء، نشير هنا على سبيل المثال لا الحصر إلى المخاطر الناتجة عن انهيار الأبنية سواء في طور تشييدها أو بعد انتهاء الأشغال، و نستحضر في هذا السياق حادث انهيار عمارة في طور البناء بمشروع المركب الصناعي التجاري" المنال" بالقنيطرة سنة 2008، فضلا عن انهيار ثلاث عمارات بحي بركون بالدار البيضاء.

ونحن بصدد دراسة الموضوع السالف الذكر، يدفعنا الفضول العلمي إلى بسط الإشكالية التالية: ماهي خصوصية الـتأمين على مخاطر البناء؟ 

وتتفرع عن هذه الإشكالية جملة من المشاكل القانونية الفرعية المتمثلة أساسا في؛ نطاق تطبيق التأمين على مخاطر البناء؟ ما هو الأساس القانوني للتأمين على المسؤولية المدنية العشرية؟ 

 و لأجل مقاربة هذا الموضوع، و محاولة الإلمام بمختلف بمشاكل القانونية المطروحة آنفا، ارتأينا اعتماد التصميم  أدناه:


     

       المبحث الأول: الطبيعة القانونية  للتأمين على مخاطر البناء.

       المبحث الثاني: بواليص التأمين على مخاطر البناء.
















التأمين على مخاطر البناء
التأمين على مخاطر البناء

المبحث الأول: الطبيعة القانونية للتأمين على مخاطر البناء

يقتضي البحث في الطبيعة القانونية للتأمين على مخاطر البناء، الوقوف على الإطار التشريعي المنظم له (المطلب الأول) ثم بعد ذلك خصوصيات هذا النوع من أنواع التأمين (المطلب الثاني).


المطلب الأول: الإطار التشريعي المنظم للتأمين على مخاطر البناء

الفقرة الأولى: في التشريع المقارن

بالرجوع إلى التشريعات المقارنة في مادة التأمين، وعلى وجه التدقيق كل من فرنسا، تونس، الجزائر ومصر، نجد أنها قد نظمت هذا النوع من أنواع التأمين في تشريعاتها.

ففي فرنسا، يعتبر التأمين على مخاطر البناء منظم بموجب المواد من     1-242 إلى 9-243 من مدونة التأمينات الفرنسية.

أما بالنسبة لتونس، فقد نظم المشرع التونسي هذا النوع من التأمينات بموجب المواد من 95 إلى 100 من مدونة التأمينات التونسية، غير أن هذه المواد المتدرجة ضمن الباب الثالث من المدونة، بل هذا الباب كلُّه، قم تمت إضافته بمقتضى القانون رقم 10-94 الصادر في 31 دجنبر 1994.

وإذا ما عرجنا على التشريع الجزائري، سنجد أنه هو الآخر قد نظم التأمين على مخاطر البناء بمقتضى قانون التأمين الجزائري الجديد الصادر في 9 من غشت من العام 1980، فضلا عن القانون رقم 16 لسنة 1976، المعدل بالقانون رقم 2 الصادر سنة 1982.

ولم يحد المشرع المصري عن هذا الاتجاه، إذ عمد كذلك على تنظيم التأمين على مخاطر البناء بمقتضى قانون التأمين الاجتماعي المصرية رقم 79 لسنة 1975.

الفقرة الثانية: في التشريع المغربي

بتتبع مقتضيات القانون رقم 17.99 المتعلق بمدونة التأمينات، كما تم تعديله وتتميمه بموجب القانون رقم 03.07 المتعلق بالتأمين الإجباري الأساسي عن المرض لبعض فئات مهني القطاع الخاص، نجد أن المشرع المغربي لم ينظم التأمين على مخاطر البناء، الأمر الذي يسوغ معه القول بإمكانية اللجوء إلى القواعد العامة المنظمة لكيفية إبرام عقد التأمين، إجراءاته والآثار المترتبة عنه.


المطلب الثاني: خصوصية التأمين على مخاطر البناء ونطاق تطبيقه

الفقرة الأولى: التأمين على مخاطر البناء بين الإجبارية والاختيارية

إذا كان المشرع المغربي لم ينظم التأمين على مخاطر البناء وأحال على القواعد العامة المنظمة للتأمين، فهذه القواعد العامة تجعل من التأمين عقدا، والعقد يحكمه مبدأ الحرية التعاقدية، هذه الحرية هي التي، إما أن تجعله يبرم العقد أم لا. وعلى ذلك فالتأمين على مخاطر البناء بالمغرب هو تأمين اختياري وليس إجباري، اللهم إلا في الأبنية التي يتم إنجازها لفائدة الدولة والمؤسسات التابعة لها حيث يكون التأمين ضد مخاطرها مضمونا من لدن الدولة.

وحتى باستقراء المادتين 618.3 مكرر و618.9 من القانون رقم 44.00 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز المعدل والمتمم بالقانون رقم 107.12، نجد أن المشرع المغربي ولئن ألزم البائع بكفالة حق المشتري في استرجاع الأقساط المدفوعة في حالة عدم تنفيذ العقد، وذلك بموجب ضمانة بنكية أو أي ضمانة أخرى مماثلة أو التأمين تحت طائلة بطلان العقد، فهذا المقتضى:

  1.  وارد فقط أثناء تشييد المبنى ولا يضمن ما قد يترتب عن مخاطر بعد تسليم العقار.

  2.  لا يلزم إبرام التأمين على وجه التدقيق، بل يمنح مجموعة من إمكانيات الضمان التي لا يعتبر فيها التأمين سوى إمكانية منها.

وعلى ذلك، فالتأمين حتى في بيع العقار في طور الإنجاز لا يلزم إبرام التأمين على المخاطر التي قد تعيب البناء.

وإذا كان التأمين على مخاطر البناء بالمغرب اختياري، فهو في فرنسا، تونس، الجزائر ومصر إجباري.

غير أنه في فرنسا، لم يصبح إجباريا إلا بموجب تقرير «Spinetta» في سنة 1976 الذي دخل حيز النفاذ كقانون بتاريخ 4 يناير 1978، والذي توالت عليه جملة من التعديلات أولها بتاريخ 1 يناير 1979، ثم بعد ذلك القانون الصادر بتاريخ 30 يناير 1982 ومرسوم 30 دجنبر 1982، وصولا إلى الأمر «Ordonnance» الصادر عن الحكومة الفرنسية بتاريخ 8 يونيو 2005 الذي عدل نطاق تطبيق هذا التأمين، فضلا عن قانون 30 دجنبر 2006، مرسوم 22 دجنبر 2008 وكذلك قرار 19 نونبر 2009 المعدل للشروط النموذجية المطبقة على عقود تأمين المسؤولية والأضرار الضرورية والمنشئة لشرط نموذجي لعقد التأمين الجماعي على المسؤولية العشرية.

ومع ذلك، فهذه الإجباري لا تعني بأن التأمين ينصب على جميع المخاطر التي قد تلحق البناء، بل البعض منها كما سيأتي بيانه لاحقا.

الفقرة الثانية: نطاق تطبيق التأمين على مخاطر البناء

أولا: نطاق تطبيق التأمين على مخاطر البناء من حيث الأشخاص

أ- المؤمِّن L’assureur

عرف المشرع المغربي المؤمن بموجب المادة الأولى من مدونة التأمينات  إلى جانب مجموعة من المصطلحات التي قد تخلق صعوبة على المواطن المغربي في إيجاد معناها، حيث يجري سياق هذه المادة على ما يلي: 

"يراد بما يلي في مدلول هذا القانون:

-

-

-

- مؤمن: مقاولة معتمدة للقيام بعمليات التأمين.

- ...... ."

ويشترط لاعتماد مقاولة بغرض القيام بعمليات التأمين:

  1.  استطلاع رأي اللجنة الاستشارية للتأمينات.

  2.  اتخاذ شكل:

  1. شركة مساهمة، ويصلح على ما تقوم به هذه الشركات من نشاط: التأمين ذي الأقساط الثابتة.

  2. شركات تعاضدية للتأمين، ويصطلح على ما تقوم به من نشاط: التأمين ذي الأقساط المتغيرة.


  1. ويشترط لاعتماد شركة المساهمة حتى يتأتى لها القيام بالتأمين على مخاطر البناء، ألا يقل رأس مالها عن 50.000.000 درهم. ويمكن للإدارة أن تفرض على المقاولة، اعتبارا للعمليات التي تعتزم مزاولتها وتوقعات التزاماتها، بتكوين رأسمال يفوق هذا المبلغ، وذلك استثناء من أحكام المادة 6 من القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة.

كما يتوجب أن يحرر رأس المال بكامله نقدا عند اكتتاب وأن تكون كل الأسهم اسمية، دون إمكانية تحويلها إلى أسهم لحملها طيلة مدة الشركة.

ب- أما فيما يتعلق بالشركات التعاضدية للتأمين، فتطبق عليها الأحكام الوارد التنصيص عليها في المواد 144، 173، 174 و176 من مدونة التأمينات، نذكر من بينها، وجوب أن:

  • لا يكون الهدف من تكوينها تحقيق الربح.

  • تتوفر على رأس مال لا يقل عن 50.000.000 درهم عند التأسيس، ويمكن للإدارة اعتبارا للعمليات التي تعتزم الشركات التعاضدية القيام بها وتوقعات التزاماتها، أن ترفع هذا المبلغ، هذا علاوة على ضرورة إثبات توفرها على عدد من الشركاء لا يقل عددهم عن 10.000 شخص باستثناء الشركات العادية التي تلتزم بموجب نظامها الأساسي على الانخراط في اتحاد التعاضديات.

  • تضمن لأعضائها، مقابل أداء اشتراك ثابت أو متغير، الوفاء الكامل لالتزاماتها في حالة وقوع الأخطار التي تعهدت بتحملها.

وبخلاف ما عليه الأمر في المغرب، وخاصة في فرنسا، يكون المؤمن ملزما التزام يصطلح عليه ب:" الالتزام بالتأمين" «L’obligation d’assurer».


ب- المؤمن له L’assuré

عرف المشرع المغربي المؤمن له بمقتضى المادة الأولى من مدونة التأمينات أنه: "شخص طبيعي أو معنوي يرتكز التأمين عليه أو على مصالحه".

وعلى ذلك، فالمؤمن له هو ذلك الشخص الذي يتهدد الخطر في شخصه   أو في الخطر المؤمن منه، أو الذي تم إبرام عقد التأمين لحمايته أو لحماية مصالحه.

وعلى خلاف المشرع المغربي، فإن المؤمن له ملزم بناء على ما يطلق عليه إطلاق: "الالتزام بالتأمُّن «L’obligation de s’assurer»، طبقا للتشريعات المقارنة الأخرى التي أنف بيانها.

ولكن السؤال الذي يتوجب طرحه في هذا المقام هو: "من هو المؤمن له الذي يتوجب عليه التأمين على مخاطر البناء؟". أهو المنعش العقاري؟        Le promoteur immobilier أم المقاولL’entrepreneur؟           أم المهندس المعماري L’architecte؟ أم المهندس الطبوغرافي         Le géomètre؟ أم صاحب العمل Le maître d’ouvrage ؟

تستوجب الإشارة في هذا المقام إلى أن عقد البناء                        Le contrat\l’acte de construction ، هو من العقود المركبة contrat complexe، يتضمن مجموعة من العقود، فهناك عقد إجارة الصنعة بين صاحب العمل والمنع، وبين هذا الأخير والمهندس المعماري والطبوغرافي والمقاول، اللهم إلا إذا كان المقاول هو المنعش وكذلك عقود توريد مواد البناء بين المنعش والموردين هذه العقود تفرض، طبقا لمقتضيات التشريع المقارن في مادة التأمين، على المتعاقدين أن يلتزموا بالتأمين على مخاطر البناء، وهؤلاء المتعاقدين هم كل من سبقت الإشارة إليهم، من منعش عقاري، مهندس معماري، مهندس طبوغرافي، مقاول وصاحب العمل، أي المكمل، كل متعاقد في عقد البناء، وذلك طبقا للمخاطر التي يُستوجب التأمين عليها.


ثانيا: نطاق تطبيق التأمين على مخاطر البناء من حيث الموضوع أو المحل

لا شك في أن التأمين على مخاطر البناء، يقع على مخاطر البناء، وهذا هو محل أو وضوع هذا النوع من أنواع التأمين. وعلى ذلك، يستوجب الأمر البحث في مفهوم الخطر وأنواعه (أ)، ثم بعد ذلك مفهوم البناء (ب)



أ- مفهوم مخاطر البناء وأنواعها 

1- مفهوم مخاطر البناء

لم يعرف المشرع المغربي الخطر في مدونة التأمينات. وهو بهذا يساير كل من التشريع الفرنسي، اللبناني، الأردني والتونسي.

وبناء عليه، تعددت التعريفات التي منحته له من لدن كل من الفقه والقضاء. وتأسيسا على هذه التعريفات، يسوغ القول بأن الخطر هو عنصر من عناصر عقد التأمين، وفي الآن عينه محل الالتزام الذي ينشئه هذا العقد، إذ هو الحدث الذي يريد المؤمن له أن يحتاط منه في حالة حدوثه وتسببه بأضرار له، لشخص  أو لشيء يهمه.

وهو يختلف بذلك عن الكارثة Le sinistre، الذي يراد به تحقق الخطر  La réalisation du risque، كما يعنى به في حقل التأمين على المسؤولية تحقق الضرر Le réalisation du dommage المصابة به الضحية من قبل المؤمن له المسؤول والمدين بالتعويض

ولا يمكن أن يعتبر الخطر محلا للالتزام الذي ينشئ عقد التأمين، اللهم إلا إذا كان:

  1. احتمالا، أي مستقبلا، ممكنا وغير محقق الوقوع.

  2. خارجا عن إرادة أحد المتعاقدين.

  3. مشروعا، بمعنى ألا يكون مخالفا للنظام العام في مفهومه الواسع الذي يشمل الآداب والأخلاق الحميدة باعتبارها من النظام العام الديني الأخلاقي.

وانطلاقا مما تقدم، فمخاطر البناء هو الحدث الذي يتحوط منه صاحب العمل والمتدخلون في عقد البناء من حدوثه فيتسبب للبناء بضرر أو أضرار تعيبه      أو تعدمه.

2- أنواع مخاطر البناء

إذا كان عقد البناء ينصب على تشييد البناء لصاحب العمل من قبل جميع المتدخلين فيه، من منعش عقاري، مقاول البناء، مهندس معماري وطبوغرافي وغيرهم، فإن هذا البناء يبقى معرضا لمجموعة من المخاطر ابتداء من مرحلة التشييد (1-2) إلى حين انتهاء التشييد وصولا إلى تسلم البناء (2-2).


1-2- المخاطر السابقة على عملية تسليم البناء

يمكن إجمال هذه المخاطر في مخاطر مادية (1-1-2) وأخرى لا مادية (2-1-2)

1-1-2- المخاطر المادية

وتتمثل فيما يلي:

  1. التهدم الكلي أو الجزئي بفعل الكوارث الطبيعية كالزلازل والفيضانات أثناء التشييد.

  2. التهدم الكلي أو الجزئي نتيجة خطأ في التشييد.

  3. السرقة.

  4. الحريق L’incendie، أثناء التشييد.

  5. انهيار L’effondrement البناء خلال مرحلة التشييد. 

  6. عدم استكمال التشييد بفعل انتحال أحد المتدخلين شخصية منعش عقاري إصدار حكم بالحجز على الأرض المشيدة عليها البناء أو حكم بالصفقة القضائية.

2-1-2- المخاطر اللامادية

ويطلق عليها كذلك اسم المخاطر الاقتصادية                     Risques économiques، وتتعلق خاصة ب:

  1. عدم كفاية الموارد التمويلية لمشروع البناء.

  2. الأضرار غير المتوقعة، كما هو الشأن بالنسبة لتحرك الأرض على عمق كبير.

  3. إلغاء رخصة البناء لسبب من الأسباب القانونية المنصوص عليها في القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير والقانون رقم 25.90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات كأن تمنح الرخصة لإقامة تجزئة دون أن تكون الأرض محفظة. عموما، عدم مطابقة البناء لقواعد البناء المنصوص عليها في القانونين الآنفين.

ومما تتعين الإشارة إليه بخصوص المخاطر المتعلقة بالمرحلة السابقة عن التسليم، أنها مخاطر لا تلزم إبرام عقد التأمين بشأن ضمانها، إذ يعتبر التأمين عليها اختياريا Facultative Assurance.

وحيث إن التأمين على هذه المخاطر هو اختياري لا في التشريع الفرنسي خاصة ولا المغربي، فالجميع المتدخلين في عقد البناء اختيار إبرامه. لكن حقيقة يتعين عليهم التأمين عليها، إذ طبقا لمقتضيات المسؤولية المدنية عن حراسة الأشياء، ما دام المنعش العقاري حارس للبناء المملوك لصاحب العمل، والمقاول والمهندس المعماري كذلك، اللهم إلا إذا كانا تابعين للمنعش، فهم مسؤولون تجاه الضحية عن الأضرار التي أحدثتها تلك المخاطر، وليس من العدل تركهم يتحملون من الأداء فالضحية لن يفيدها دخول هؤلاء إلى السجن إذا ما صرحوا بإعسارهم، زد على ذلك أن حتى هؤلاء المتدخلين هم متضررون


2-2- المخاطر اللاحقة على عملية تسليم البناء

وهي بدورها تنقسم إلى مخاطر مادية (1-2-2) وأخرى لا مادية (2-2-2).

1-2-2- المخاطر المادية

وتتجلى أساسا في: 

  1. الأضرار ذات الطبيعة العشرية، أي تلك التي قد تظهر طيلة العشر سنوات من تاريخ تسليم البناء، كالأضرار الناجمة عن ترسبات المياه، التهدم كذلك وغيرها.

  2. غياب عناصر أساسية لاستعمال البناء.

  3. العيوب الخفية والظاهرة.

  4. القدم La vétusté.

  5. الأضرار التي قد تصيب الموجودات Dommages aux existants،  غير إن القضاء الفرنسي، وخاصة محكمة النقض الفرنسية، لا يعتبرها مخاطر توجب التأمين على المسؤولية العشرية  La responsabilité décennal، اللهم إلا إذا كان من غير الممكن تجزئة هذه الموجودات عن البناء المشيدة.

وتعتبر هذه المخاطر، في التشريع التونسي والفرنسي خاصة، هي محل التأمين الإجباري، فهي ليس لا تمنح إمكانية إبرام العقد، بل تلزم المؤمن له بإبرامه على خلاف المخاطر اللامادية الناشئة عن المرحلة اللاحقة عن تسليم البناء المشيد.

كما يلاحظ أنها وثيقة الصلة بما يسمى بالمسؤولية المدنية العشرية، وهذا ما أدى بالمشرع الفرنسي إلى تنظيمها في بوليصتين اثنتين هما: 

بوليصة أضرار البناء Dommages Ouvrages، وبوليصة المسؤولية العشرية La responsabilité décennale.

وحيث إن التأمين على هذه المخاطر هو إجباري.

وحيث إن مسؤولية المتدخلين في عقد البناء هي عقدية لوجود عقد.

فإن الملزم بإبرامه عقد التأمين، طبقا لمقتضيات مدونة التأمينات الفرنسية، هو: مالك أو صاحب البناء، سواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا، وكيله، مدير الأموال L’administrateur des biens، وكيل اتحاد الملاك أو كما يسمى بالسنديك، بائع البناء مما يبعد من نطاق تطبيق هذا التأمين بائع العقار في طور الإنجاز المكتري كراء تمويليا من أجل البناء، المكتري بموجب كراء ن أجل البناء فضلا عن الدولة حينما تبني لفائدة الغير وذلك فيما يخص التأمين على أضرار البناء. أما فيما يتعلق بالتأمين على المسؤولية العشرية، فيخضع لها كل شخص معنوي أو ذاتي يمكن أن تقوم في حقه المسؤولية العشرية، وهم المهندس المعماري،

 المراقب التقني، بائع العقار المعد أو المجهز للبناء                 vendeur d’immeuble à construire، بائع العقار بعد انتهاء الإنجاز après achèvement، وكيل صاحب العمل أو صاحب البناء، المنعش العقاري.

أما بالنسبة المشرع التونسي، فقد نظم التأمين على المسؤولية فقط، وقصرها بموجب المادة 95 من مدونة التأمينات التونسية على صاحب البناء فقط، مستثنيا باقي المتدخلين.

وإذا كان المشرع الفرنسي قد استثنى بائع العقار في طور الإنجاز من إجبارية التأمين، فالمشرع المغربي كذلك سلك هذا النهج بموجب المواد 618.3 و618.9 من القانون 107.12 السالف الذكر، حينما جعل التأمين إمكانية من ضمن إمكانيات ضمان عدم تنفيذ العقد الابتدائي كما سبقت الإشارة. 

2-2-2- المخاطر اللامادية

وتتجلى أساسا في:

  1. عدم كفاية مردودية البناء المعد لإكرائه من قبل المستثمر صاحب العمل، فإذا لم يكن البناء المشيد قد أدى إلى حصول إقبال من لدن المكترين، ففي هذه الحالة تقوم شركة التأمين بضمان هذه الخسائر لفائدة المستثمر على حساب المنعش العقاري. وتحدد مدة هذا الأداء، طبقا للقانون الفرنسي، في 12 شهرا إلى 24 شهرا حسب الحالات.

  2. الأضرار اللامادية كالضرر التجاري أو فقدان الاستغلال، والأضرار المتتالية التي تصيب المنقول. فهذه المخاطر لا توجب التأمين اللهم إلا إذا تم تضمين ذلك في العقد.




ب- مفهوم البناء

البناء في اللغة، جمع: أبنية، وأبنيات جمع الجمع، هو البيت الذي يسكنه العرب في الصحراء، فمنها الطِّراف والخِباء والبناء والقُبَّةُ والمِضرَبُ. وعن ابن منظور في حديث سليمان عليه السلام: من هدم بناء ربه تبارك وتعالى فهو ملعون، يعني من قتل نفسا بغير حق لأن الجسم بُنيان خلقه الله وركَّبه.

ويقصد بالبناء كذلك الجسم والنطع.

أما في الاصطلاح، فقد عرفه المرحوم السنهوري أنه: " مجموعة من المواد مهما كان نوعها، خشب أو جيرار أو جبسا أو تحديدا أو كل هذا معا أو شيئا غير هذا، شيدها يد إنسان لتصل بالأرض اتصال قرار. ويساوي أن يكون البناء معدا السكنى إنسان أو لإيواء حيوان أو إيداع أشياء. فالبيوت والزرابي والمخازن تعتبر بناء. بل قد لا يكون البناء معدا لشيء من ذلك. فالحائط المقام بين حدين بناء، والعود التذكارية بناء وما إليها من تماثيل مبنية على سطح الأرض بناء، وكذلك القناطر والخزانات والسدود والجسور وكل ما أشيد في باطن الأرض بناء، كالأنفاق والمصارف والمجاري وأنابيب المياه والغاز. ولا يعتبر العقار بالتخصيص كالمصاعد. وكذلك الأرض لا تعتبر بناء."

غير إن هذا التعريف منحه بقصد تحديد نطاق تطبيق المسؤولية على تهدم البناء، فهل هو فعلا البناء الذي تطالبه المخاطر الوجبة للتأمين؟

بالرجوع إلى الفصل 243.1 من مدونة التأمينات الفرنسية نجد أنها قد حددت على سبيل الحصر، المنشآت غير الخاضعة للتأمين الإجباري على أضرار البناء والمسؤولية المدنية العشرية، وعبرت عنه بلفظ، Ouvrage، والأمر سيان بالنسبة للفصل 1792 من القانون المدني الفرنسي الذي يرتب المسؤولية على عاتق الباني في حالة تسبب بنايته بأضرار لصاحب العمل أو المشتري. كما إنه لا يعنى به دائما بناية bâtiment، بل يحتمل مثلا، كما جاء في قرار لمحكمة النقض الفرنسية، أعمال تقوية الطرقات التي يقوم بها المهندس المدني.

فمعنى هذا اللفظ واسع، إذ يراد به "العمل" أو كما ترجمه المشرع المغربي ب "الصنعة"، كما يتم اعتماد مصطلح آخر يدل على عقد إدارة الصنعة، وهو عقد المقاولة «Contrat d’entreprise»، والمقصود بالمقاولة في اللغة هي "المشروع" و "المنشأة"، كما يدل لفظ Ouvrage على "المنشأة" كذلك و "المبنى".     لكن بالرجوع إلى الفصل 242.1 من مدونة التأمينات الفرنسية في إطار تحديدها للأشخاص الخاضعين للتأمين الإجباري على الأضرار، عبرت بلفظ    (… ou de mandataire propriétaire de l’ouvrage, fait réaliser des « travaux de construction »)، وهذا المقتضى الأخير، أشغال البناء هو الذي حل محل لفظ أشغال المبنى travaux de bâtiment، بموجب الأمر الصادر عن الحكومة الفرنسية بتاريخ 8 يونيو 2005 السالف ذكره

وتأسيسا على هذه المقتضيات، يسوغ القول مبدئيا بأن كل ما يخرج عن الأشياء المسطرة في هذا الفصل يعتبر بناء، ومن ثم، فالأمر يتعلق ب  Ouvrage Immobilier.

هذا من جهة، من جهة أخرى، التأمين ينصب على مخاطر البناء، التي يعبر عنها ب Risques de construction. فلفظ construction الذي يحتمل أكثر من معنى في اللغة، إذ يراد به عملية التشييد وكذلك كل ما هو مشيد.

وعلى ذلك، يظهر مشكل تحديد مفهوم البناء في التأمين على مخاطر البناء، فهل يعنى به البناية، أي المنزل الكبير ذو عدة طبقات، أم عملية التشييد. 

وبناء عليه، فالسؤال الواجب طرحه حتى يتسنى لنا إيجاد مفهوم البناء هو: هل العبرة في تحديد مفهوم هذا الأخير بالمرحلة السابقة على تسليم المنشأة، أي أثناء مرحلة التشييد، أم بعد أن تكتمل المنشأة بانتهاء أشغال التشييد.

إذا ما ركزنا على أنواع المخاطر الموجبة للتأمين عليها في التشريع الفرنسي، وكذلك التي ورددت في التشريع التونسي، سنجد أن هذه الإلزامية لا تفرض إلا على المرحلة السابقة لأشغال التشييد، أي بعد أن يكتمل تشييد العقار. وعلى أساس ذلك، يسوغ القول بأن المقصود بالبناء في مفهوم هذا النوع من أنواع التأمين، هو مجموع أشغال تشييد عقار بالطبيعة بكيفية أفقية أو عمودية، متصل بالأرض اتصال قرار، لا يمكن فصله عنها، وكل شيء متصل بهذا العقار المشيد اتصالا لا يمكن فصله عنه إلا بحدوث تلف فيه.

وبناء على ما أنف، سنعتمد لفظ المشروع لأنه واسع كفاية ليتوافق مع المعنى الواسع للبناء كما سبق بيانه.  


المبحث الثاني: بواليص التأمين على مخاطر البناء


يتعلق الأمر خاصة بوليصة التأمين على أضرار المشروع «Police d’assurance   Dommage-Ouvrage» (المطلب الأول)، وبوليصة التأمين على المسؤولية المدنية العشرية «Police d’assurances de responsabilité civile décennale» (المطلب الثاني).


المطلب الأول: بوليصة التأمين على أضرار المشروع
Dommages-Ouvrage»  «Police d’assurance


الفقرة الأولى: الأساس القانوني للتأمين على أضرار المشروع 


إذا كان الأصل في التأمين طبقا لمدونة التأمينات المغربية أنه قد ينصب إما على الأضرار إذا تعلق الأمر بالذمة المالية المؤمن له، أو على الأشخاص إذا كان الخطر يهدد نفس المؤمن له، فمن خلال تسمية هذه البوليصة، فإنها تدخل في زمرة التأمينات المنصبة على الأضرار، وعلى وجه التدقيق الأضرار التي يمكن أن تصيب المشروع المزمع تشييده، باعتباره الجانب الإيجابي للذمة المالية لصاحبه، ومن ثم، ساغ القول تبعا لذلك أنه تأمين على الشيء .

وإذا كانت هذه البوليصة تؤمن الأضرار التي قد تلحق المنشأة، فهل هذا التأمين يظل دائما أي مدى الحياة أم له مدة محددة يرتب آثاره ابتداء منها وينتهي بعد مرور مدة معينة؟

بالرجوع إلى مدونة التأمينات المغربية نجد أنها جاءت خَلوا من أي تنظيم لهذا المقتضى، إذ يتطلب الأمر اتباع القواعد العامة الوارد التنصيص بمقتضاها في فصولها، وخاصة مقتضيات القسم الثاني من الكتاب الأول من المدونة. لكن باستقراء مقتضيات المادة 1-4-1792 من القانون المدني الفرنسي والمادة     1-242 من مدونة التأمينات الفرنسية، نجد أن هذه البوليصة لا تبتدئ آثارها إلا بعد سنة من تسلم المشروع، أي بعد انتهاء مدة الضمان الوظيفي أو ضمان الإنجاز المثالي للمشروع Le parfait achèvement de l’ouvrage، ويستمر هذا آثار هذا الضمان أي بوليصة التأمين على أضرار المشروع سارية بعد مرور 10 سنوات ابتداء من تاريخ انتهاء تلك السنة السالفة الذكر.

وإذا كانت هذه هي مدد سريان آثار هذه البوليصة، فما هي إذن هذه الآثار؟


الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن إبرام بوليصة التأمين على أضرار المشروع

أولا: بالنسبة للمؤمن

من أهم الالتزامات الملقاة على عاتق المؤمن، هو الالتزام بضمان الخسائر الناجمة عن تحقق هذه الأضرار، والتي تعتبر من مخاطر البناء. ويتجلى هذا الضمان في تغطية هذه الخسائر بدفع مبلغ من المال يحدد طبقا للمقتضيات تحديد تعويض التأمين المدفوع من قبل المؤمن واستنادا إلى مبالغ الأقساط المدفوعة من قبل المؤمن له، الذي هو صاحب هذا المشروع والمنعش العقاري، هذا إذا لم يكن هذا الأخير هو صاحب المشروع كما هو الحال في الواقع العملي.

ومع ذلك، فالمؤمن لا يتحمل النقائص والتخفيضات والخسائر التي يتعرض لها الشيء المؤمن عليه بسبب عيب خاص فيه ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك، وذلك طبقا بمقتضيات المادة 44 من مدونة التأمينات المغربية، وهذا على خلاف ما تم تنظيمه بموجب مدونة التأمينات الفرنسية التي تدخلت خصيصا من أجل ضمان هذه العيوب وألزمت الأشخاص السالف ذكرهم بالتأمين على هذه الأضرار.

وإذا كان المؤمن هو الذي يدفع تعويض التأمين، فهو يحل محل المؤمن له في حقوقه ودعاويه ضد الأغيار الذين تسببوا في الضرر الناجم عنه ضمان المؤمن وذلك في حدود مبلغ التعويض. وفي حالة عدم تمكن المؤمن من الحلول محل المؤمن له بفعل هذا الأخير، يمكن أن يعفى المؤمن كليا أو جزئيا من الضمان تجاهه.


ثانيا: بالنسبة المؤمن له

إذا كان الاقتصاد المغربي هو اقتصاد ليبرالي فرداني حر، فمن المبادئ التي تحكم الالتزامات بالمغرب هو مبدأ سلطان الإرادة، وخاصة مبدأ الحرية التعاقدية.

وإذا كان هذا هو الأصل المعمول به في مدونة التأمينات المغربية، ففي التأمين على أضرار المشروع يكون المؤمن له ملزما بموجب مدونة التأمينات الفرنسية بإبرام بوليصة التأمين على أضرار المشروع.

وإذا كانت القاعدة العامة تقضي بأن حقوق أحد أطراف العلاقة التعاقدية تعتبر بمثابة التزامات الطرف الآخر والعكس بالعكس، فإنه إذا كانت من ضمن حقوق المؤمن الحصول على أقساط التأمين، فالمؤمن له ملزم بدفع هذه الأقساط خلال مدة محددة يتضمنها العقد. وفي مقابل ذلك، يحصل المؤمن له أو الشخص المتضرر على تعويض التأمين نتيجة تحقق تلك الأضرار، فتبرأ ذمة المؤمن له تجاه هذا الطرف المتضرر.

وحتى يقوم المؤمن بتسديد مبلغ تعويض التأمين لتغطية الخسائر التي تسببت بها تلك الأضرار، يتوجب بتصريح عبارة نص المادة 20 من مدونة التأمينات المغربية يكون المؤمن له ملزما بأن يصرح عند إبرام العقد بكل الظروف التي من شأنها أن تمكن المؤمن من تقدير الأخطار التي تهدد المشروع والتي يتحملها Déclaration de sinistre.

هذا علاوة على وجوب إشعار المؤمن له للمؤمن طبقا لنفس المادة بكل حادث من شأنه أن يؤدي إلى إثارة ضمان المؤمن وذلك بمجرد علمه به وعلى أبعد تقدير خلال الخمسة أيام الموالية لوقوعه. على خلاف المشرع الفرنسي الذي قضى فيه بلفظ «Quand le sinistre est survenu»، بمعنى متى ظهر الحادث، فهل يخول للمتعاقدين تحديد ذلك؟ ذهب بعض الباحثين الفرنسيين وفسر هذا المقتضى بأنه يصعب القول لا بإجازة ذلك ولا بمنعه في ظل سكوت الشروط النموذجية الوارد التخصيص بموجبها في مدونة التأمينات الفرنسية.

وبالرجوع إلى المشرع المغربي، نجده قد رتب جزاء عن عدم احترام هذه الآجال، وهو سقوط حق المؤمن له في التعويض عن الأضرار اللهم إلا إذا كان السبب وراء عدم التصريح داخل الآجال المحددة يعزى إلى حادث فجائي أو قوة قاهرة، فإن لم يكن السبب ويعزى إليها، فلا يمكن المؤمن له الاحتجاج أمام المؤمن بإلزامية دفع تعويض التأمين على أضرار المشروع. 

وبمناسبة الحديث عن المشروع باعتباره الشيء المؤمن عليه، قضت المادة 49 من نفس مدونة التأمينات المغربية بعدم تخويل المؤمن له إمكانية التخلي عنه، ما لم يقض الاتفاق بخلاف ذلك.



المطلب الثاني: بوليصة التأمين على المسؤولية المدنية العشرية
«Police d’assurance de responsabilité civile décennale»


الفقرة الأولى: الأساس القانوني للتأمين على المسؤولية المدنية العشرية

إذا كان أساس التأمين على أضرار المشروع يعتبر تأمينا على الأضرار، وعلى وجه التدقيق تأمين على مخاطر تضر الجانب الإيجابي الذمة المالية للمؤمن له، فالتأمين على المسؤولية المدنية العشرية يصنف هو الآخر ضمن خانة المسؤولية على الأضرار طبقا الباب الرابع المعنون بتأمينات المسؤولية من القسم الثاني المعنون بتأمينات الأضرار، ومن ثم، فهو الآخر تأمين على المخاطر التي قد تضر بالجانب السلبي للذمة المالية للمؤمن له، الذي كل شخص مرتبط مع صاحب المشروع بعقد إجارة الصنعة «Contrat de louage d’ouvrage ou d’entreprise»، فالمنعش العقاري إذا لم يكن هو ذاته صاحب المشروع، المجزئ، المقاول، المهندس المعماري والمهندس الطبوغرافي وكل شخص تجمعه رابطة شخصية مع صاحب المشروع مصدرها عقد إجارة الصنعة يعتبر       مؤمن له. فالهدف من هذا التأمين هو إيقاء المؤمن له من خطر الزيادة في الجانب السلبي لذمته المالية بفعل دين مترتب عن مسؤوليته المدنية العشرية.

هذا بالنسبة للتشريع الفرنسي، أما التشريع المغربي، وخاصة الفصل 769 من قانون الالتزامات والعقود المغربي، فيحصر دائرة الملزمين بالضمان العشري في المقاول والمهندس المعماري.

أساس المسؤولية العشرية هو التزام ملقى على البائع، يتمثل في ضمان العيوب الخفية طبقا بمقتضيات قانون الالتزامات والعقود المغربي، غير إن هذا الضمان الذي يتحمله أولئك الأشخاص المؤمن لهم السابق ذكرهم يستمر مدة 10 سنوات ابتداء من تاريخ تسلم الشيء المبيع، وهذا الأجل هو الذي يضمن بموجبه المؤمن مسؤولية المؤمن له طبقا للمقتضيات مدونة التأمينات الفرنسية والقانون المدني الفرنسي اللذين يجعلان من هذا التأمين إجباري على خلاف مدونة التأمينات المغربية التي تعتبره تأمينا اختياريا، وحتى في حالت إبرام العقد، لا يكون المؤمن بموجب الفصل 61 من المدونة ملزما إلا إذا قدم الغير المتضرر بعد وقوع الفعل المحدث للضرر المنصوص عليه في العقد، طلبا وديا أو قضائيا إلى المؤمن له أو المؤمن.









الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن إبرام بوليصة التأمين على المسؤولية المدنية العشرية

أولا: بالنسبة للمؤمن

علاوة على الالتزامات الملقاة على عاتق المؤمن كقاعدة عامة والمتمثلة في دفع مبلغ التعويض عن الدين الملقى على عاتق المؤمن له بسداد نتيجة مسؤوليته العشرية عن العيوب الخفية التي مست بالمشروع بعد أن اكتمل بناؤه وأصبح مبنى.

مبلغ التعويض هذا، لا يؤديه المؤمن إلا للطرف المتضرر أو ذوي حقوقه، وذلك في حدود الضمان المنصوص عليه في العقد طبقا لمقتضيات الفصل 62 من مدونة التأمينات المغربية. وفي المقابل، إذا كان أحد الأشخاص غير المتضرر وذوي حقوقه قد تضرر ماليا عن العيب وتم تعويضه بناء على حكم قضائي، فيتوجب على المؤمن أن يدفع له مبلغ التعويض ضمن حدود المبلغ الذي حدد له بموجب هذا الحكم.

كما يتحمل المؤمن المصاريف المترتبة عن كل متابعة بالمسؤولية موجهة ضد المؤمن له، كما هو الحال بالنسبة للصوائر القضائية، اللهم إلا إذا وقع الاتفاق على غير ذلك.

ويحق للمؤمن أن يعفى من الاحتجاج عليه بأي اعتراف للمسؤولية أو بأي صلح تم بدون علمه شريطة تضمين ذلك في العقد.


ثانيا: بالنسبة للمؤمن له


ما يمكن أن يقال عن الآثار المترتبة عن التأمين على أضرار المشروع بالنسبة للمؤمن له يقال عن الآثار المترتبة عن التأمين على المسؤولية المدنية الشعرية بالنسبة لهذا الأخير.

فهو ملزم بالتأمين طبقا لمقتضيات الفصل 241.1 من مدونة التأمينات الفرنسية، أما المشرع المغربي فيجعله اختياريا، وكذلك ملزما بسداد القساطل المحددة في العقد فضلا عن التصريح بالخطر داخل تلك الآجال السالفة ذكرها تحت طائلة نفس الجزاء، أما المشرع الفرنسي فقد ألزمه بالتصريح بكل حدث قد يترتب عنه تطبيق العقد داخل أجل 5 أيام من اكتشاف الحدث تحت طائلة سقوط الحقوق المسنة في العقد والموجبة على المؤمن بسداد مبلغ التعويض.





     



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-