الشفعة الممارسة من طرف الدولة

 المبحث الأول : الطبيعة القانونية لشفعة الدولة 


استحدث المشرع المغربي حقا خاصا لفائدة الدولة ، سماه بحق الشفعة ؛ تمارسه متى توافرت شروطه ، إذ خول للدولة ممارسة هذا الحق في مجموعة من النصوص القانونية ، ومع تعدد حالات تدخل الدولة في ممارسة هذا الحق فقد أدى ذلك إلى اختلاف فقهي من حيث تكييفه ( الفرع الأول ) ، الأمر الذي يحتم أيضا تمييز هذا الحق عن مجموعة من الأنظمة والمفاهيم المشتبهة له ( الفرع الثاني ) .

الشفعة الممارسة من طرف الدولة
الشفعة الممارسة من طرف الدولة



 الفرع الأول : الاطار القانوني لشفعة الدولة وتكييفها 


مع تعدد المجالات التي يمكن فيها للدولة ممارسة حقها في الشفعة استنادا إلى نصوص متفرقة ومتعددة تتشابه وتتقارب في نقط كثيرة في غياب نظرية عامة ومحددة تضع إطارا موحدا لمختلف محاولات تدخل الدولة عن طريق ممارسة الشفعة ( الفقرة الأولى ) ، ما أدى إلى اختلاف آراء الفقهاء في تحديد الطبيعة القانونية لحق شفعة الدولة ( الفقرة الثانية ) . 


 الفقرة الأولى : الإطار القانوني لشفعة الدولة 


بدأت البوادر الأولى لتأسيس حق الدولة في الشفعة خلال فترة الحماية ، وتحديدا سنة 1946 ، بحيث تم إعداد مشروع ظهير لتأسيس حق الشفعة والذي نص أنه " بصرف النظر عن دعوى الخبرة والمخولة بظهير 11 مارس 1915 ( 24 ربيع الثاني 1333 ) المتعلق بالتسجيل ، إدارة المالية يمكنهـا فـي ثلاثة أشهر التالية لتسجيل البيـوع العقارية والحقوق العقارية ، الأصول التجارية أو الزبناء ، أن تمارس لفائدة الدولة حق الشفعة على الأموال والحقوق المنقولة 


هذا الحق يمارس بالتعبير عن الارادة للمفوت له ، بالشفعة مع عرض الآراء لأصحاب الحقوق ، الثمن المبين في البيع أو التصريحات المسجلة بالإضافة إلى 10 % وكذلك مبلغ المصاريف "


 وقد ظل هذا المقتضى كمشروع إلى غاية سنة 1973 فتم النص عليه في الفصل 32 من قانون المالية لسنة 21973 والذي جاء فيه كالآتي : " بصرف النظر عن المطابقة بإجراء التقويم المنصوص عليها في الفصل 12 من الكتاب الأول الملحـق بالمرسوم رقم 2/85/1151 الصادر في 12 جمادي الثانية 1378 ( 24 دجنبر 1958 ) بتدوين النصوص المتعلقة بالتسجيل والتنبـر فإنـه يجـوز المالية أو الشخص في العقارات والحقوق العينية العقارية التي تم بشأنها نقل ملكية ، اختياري بين الأحياء بعوض أو بالمجان استثناء ، الهبات للأقارب المباشرين إذا ظهر له مبلغ ثمن البيع المصرح به أو القيمة التجارية المثبتة غير كاف وأن دفع الأداءات المفروضة يتقدير من مصلحة التسجيل لم يتيسر إنجازه بالمرضاة " .


من المجالات الأخرى التي تعطي الحق للدولة في ممارسة حق الشفعة ، نجد القانون رقم 322.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية ، ومن الايجابيات التي قدمها هذا القانون حيث كان هدفه حماية الارث الثقافي الوطني وذلك بالزام العقارات والمنقولات المسجلة بتيسير الاطلاع عليها ودراستها من طرف الباحثين ، والتعويض عن أشغال الترميم ، ومنع تصدير التحف الفنية والعاديات المنقولة ، إضافة إلى تحويل الدولة حق الشفعة كل عقار أو منقول مرتب في الآثار الفنية والتاريخية الحضارية للبلاد " .


الفقرة الثانية : التكييف القانوني لشفعة الدولة


 استأثر موضوع التكييف القانوني لحق الشفعة الدولة باهتمام كبير من الفقهاء والباحثين ، حيث اختلفت الآراء وتباينت حول تحديد الطبيعة القانونية لهذا الحق ، فقد ذهب بعض الفقه - عبد العلي حفيظ - إلى أن استعمال مصطلح الشفعة في هذه الحالة هو من قبيل التجاوز أو القياس الاصطلاحي ، خاصة وأن الشفعة تقوم على تحقق الشيوع وهذا الأمر غير قائم في الحالات القانونية التي تخول للدولة لممارسة تلك الصلاحية ، لذلك فإن الشفعة في هذه الحالات تخضع للأحكام العامة للشفعة  ، كما ذهب أحد الباحثين - عبد الالاه الفقير ـ في نفس التوجه إلى أن ما يسمى بحق الشفعة لفائدة الدولة ليس بشفعة وإنما حق أفضلية من نوع خاص وحلول جبري للدولة محل المفوت إليه بعيدا عن القواعد العامة للشفعة ، وبذلك يكون أقرب إلى النزع الجبري للملكية رغم الفوارق الموجودة بين نزع الملكية والشفعة المخولة للدولة .


 أما بالنسبة للرأي الثاني ، فيرى أن مجرد تغيير الاصطلاح القانوني لا أثر له على مضمون الحق في هذه الحالة ، فعند استعمال عبارة الاولوية أو الأفضلية فإنه يتم تحديد الكيان القانوني لهذه العملية ، لأن الدولة تحل محل المشتري في اقتناء الملك قبل أن يؤول إليه وليس بعد ذلك  . 


وبالرجوع لوقف القضاء ، نجـده سـاير النصوص التشريعية حيث درج في قراراته وأحكامه على استعمال عبارة حق الشفعة ، هكذا فقد جاء في قرار صادر عن المحكمة الادارية بوجدة " ..حيث يهدف الطلب بشكل أساسي إلى المنازعة في قرار الشفعة الصادر عن وزير الاقتصاد والمالية . "  ، أيضا في قرار آخر ذهب إلى أنه " طعن المستأنف في عدم كفاية الأجل الممنوح لـه دون أن يقرنه بإثبات وقوع الأداء ... طعن غير مؤسس .. إلغاء مقرر الشفعة " 4 أما الشفعة في الفقه الاسلامي ، فقد شرعت لإزالة ضرر الشركة عن الشركاء ومن المصلحة العمل على رفع هذا الضرر بوسيلة لا ضرر فيها ، وانسب هذه الوسائل إعطاء الحق للشريك في أن يشفع ما باعه شريكه للغير ، إذ بهذه الوسيلة يتم رفع ضرر الشركة وتجنب أضرار قسمة ذلك المال 5.



الفرع الثاني : تمييز شفعة الدولة عن المفاهيم المشابهة 


بالرغم من استقلال حق الشفعة المحول للدولة بمميزات وعناصر ينقر بها عن غيره من الحقوق ، إلا أن هناك الكثير من الحقوق التي تتضمن بعض هذه العناصر ، الأمر الذي يفرض علينا التمييز بين حق الدولة في الشقعة عما يشتبه به كنزع الملكية ( الفقرة الأولى ) ، إلى جانب تمييزه عن حق الأولوية ( الفقرة الثالية ) . 


الفقرة الأولى : شفعة الدولة ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة


 حسب الفصل 35 من الدستور المغربي حق الملكية حق مضمون إلا أنه لتحقيق المنفعة العامة يتم اللجوء إلى نزعها وتقليص نطاقها وهذا ما أكدته المادة 23 من مح.ع . 


والمقصود بنزع الملكية الأجل المنفعة العامة " قيام السلطة الإدارية بحرمان المالك من عماره لتخصيصه للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل ، والتعويض عن نزع الملكية يجب أن يكون يقدر قيمة العقار.


 وقد عرفها بعض الفقه بكونها عملية يتم بمقتضاها نقل ملكية عقار مملوك لأحد الأفراد إلى شخص عام بقصد المنفعة العامة وذلك نظير تعريض عادل


 وبالتالي فنزع الملكية هي وسيلة تمكن الدولة من تلك أموال عقارية ، نفس المقتضى يمكن تطبيقه على الشفعة الممارسة من قبل الدولة فهي بدورها تمكن الدولة من الحصول على أموال عقارية ، إضافة إلى كون النظامين يشتركان في كونهما قيد على الحق في الملكية


 إذن كلا المؤسستين تتوفران على خصائص وعناصر متشابهة ، فحق شفعة الدولة يقترب من نزع الملكية من حيث المنفعة العامة ، وكلاهما يمثلان أمام المحاكم عمل السلطة العمومية ، ولعل هذا التشابه في بعض المقتضيات دفع بعض الفقه إلى اعتبار الشفعة الممارسة من قبل الدولة أقرب إلى نزع الملكية 


لكن الحقيقة ، أن حق شفعة الدولة يختل من نزع الملكية في جوانب عدة 

 طبقا لما ورد في المادة 143 من المدونة العامة للضرائب ، فإن حق ممارسة الشفعة يحول اللوزير المكلف بالمالية أو الشخص الذي يفرض إليه تلك ، في حين أن نزع الملكية مغول الدولية والجماعات المحلية وذلك إلى الأشخاص المطلوبين والطبيعيين بناء على تفويض مع ملاحظة أن الاختلاف صحيح فقط في المغرب ، وإلا فاله في فرنسا على سبيل المقارنة فإن الجماعات المحلية تمارس هذا الحق في مجال التعمير 


 إن اللجوء إلى حق الشفعة لا يتأتى إلا إذا ظهر أن مبلغ ثمن البيع المصرح به أو القيمة التجارية المثبتة غير كافيين ، وأن دفع الأداء المفروض بتقدير من مصلحة التسجيل لم يتيسر إنجازه بالمراضاة ، وبالتالي يمكن للمعني بالأمر في حالة قبوله تقدير الإدارة الحيلولة دون تطبيق هذا الحق ، أما في موضوع نزع الملكية فإن صاحب الحق تنزع ملكيته في جميع الحالات


 يمارس حق نزع الملكية لأجل المنفعة العامة حتى ولو لم يكن المالك راغبا في نقل الملكية ، بخلاف شفعة الدولة التي تمارس بعد أن يتم إبرام عقد ناقل للملكية " ويترتب عن هذا أن المتضرر هو المالك المنزوع ملكيته في حالة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة ، أما في حالة شمعة الدولة ، فإن الملكية تتفرع من المشتري . 


 نزع الملكية الأجل المنفعة العامة يتطلب تحديد تعويض عادل ومسبق من طرف القضاء ، وغالبا ما يصدر بقدر قيمة العمارة ، أما شفعة الدولة فقد حدد القانون في حالة ممارسة الدولة لها ، مبلغ التعويض بتفصيل وبصورة مضبوطة فهو يتضمن مبلغ الثمن المصرح به أو القيمة التجارية المشت بالإضافة إلى حقوق التسجيل المؤداة والحقوق التي يكون قد تم دفعها إلى المحافظة على الأملاك العقارية ومبلغ 5 % من النسر المصرح به أو القيمة التجارية ويمثل بصفة إجمالية تكاليف العدد الصحيحة والمصاريف ، لكن يبقى لمطلق سلطة الإدارة دون تدخل القضاء.


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-