الأحكام العامة للطعون في المادة المدنية

الأحكام العامة للطعون في المادة المدنية
الأحكام العامة للطعون في المادة المدنية


من إعداد الطلبة : 

بلال الهواري 

أنيس العكشيوي

حکیم سبيع 

عادل بالمرابط 

يونس أطويلي 

فؤاد لكحل 

رشيد امحمدي 


يلتجئ الأفراد في سبيل اقتضاء حقوقهم وحمايتها والمحافظة عليها إلى مؤسسة القضاء، حيث ينص الفصل 117 من الدستورعلى أنه: "يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون".

 ويعتبر القضاء السلطة المكلفة برعاية حقوق المتقاضين وحماية كل حق مغتصب، إضافة إلى تحقيق العدالة والإنصاف، فهو الضامن للبث في المنازعات المثارة بين الأطراف.

وغني عن البيان أن الأحكام والقرارات القضائية الصادرة عن المحاكم في سبيل إعطاء الحل القانوني المناسب للنزاعات المثارة أمامها قد يشوبها الخطأ، فاحتمال الوقوع في الخطأ والنسيان وقصور الفهم وارد في حق القاضي، لكونه إنسانا، والإنسان غير معصوم من الخطأ. و هذا الخطأ يمكن أن يؤثر على حقوق الأفراد، لذلك وجب أن تتاح للخصم الذي خسر الدعوى أو لم تلبى كل طلباته، فرصة لطلب إصلاح العيب أو العيوب التي تتضمنها لتفادي المساوئ التي تترتب عن التمسك بحكم غير عادل، لذلك اهتدى الفكر القانوني إلى ابتكار طرقا للطعن في الأحكام. 

وتنقسم طرق الطعن هذه إلى قسمين، طرق عادية تتمثل في التعرض والاستئناف وطرق غير عادية تتمثل في الطعن بالنقض، والطعن بإعادة النظر، وتعرض الغير الخارج عن الخصومة.

وجدير بالذكر أن الأحكام في المملكة المغربية لم تكن قابلة للطعن بالطرق العادية أو الغير العادية، على اعتبار أن المغرب لم يعرف مبدأ التقاضي على درجتين إلا خلال مرحلة الحماية ، وقد تم إقرار هذا المبدأ مباشرة بعد الاستقلال عبر مجموعة من الظهائر والقوانين أبرزها ظهير 15 يوليوز 1974، وقد تم تعميم هذا المبدأ في القانون رقم   34.10  الصادر سنة2011 .

وتكمن أهمية الموضوع في كون أن تحقيق مبادئ العدالة والإنصاف يقتضي تمكين المتقاضين من ضمانات أكثر للوصول إلى حقوقهم، ولما كانت مؤسسة الطعن في الأحكام من أهم هذه الضمانات، فإنه من الازم على المشرع الإحاطة بالأحكام العامة لهذه المؤسسة التي بدونها لا يمكن ممارسة هذه الحقوق أمام القضاء.

و من هنا تظهر الإشكالية الرئيسية للعرض في التساؤل التالي:

إلى أي حد وفق المشرع المغربي في تنظيمه للأحكام العامة للطعن في الأحكام القضائية ؟

وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية:

▪ ما هو مفهوم الطعن ؟ 

▪ ما هي المبادئ العامة للطعون؟

▪ هل تشترك جميع الطعون في نفس المساطر؟

هذا ما سنعمل على توضيحه في هذا الموضوع، من خلال اعتماد المنهجين الوصفي و التحليلي الاستقرائي وفق التقسيم التالي:

المبحث الأول: النظرية العامة للطعن في الأحكام

المبحث الثاني: طرق الطعن و تصنيفاتها العامة في المادة المدنية

المبحث الأول: النظرية العامة للطعن في الأحكام

في محاولة لبناء تصور عام يحيط بالنظرية العامة للطعون، ارتأينا تحليله انطلاقا من تحديد مفهوم الطعون وكذا أهدافها وأحكامها العامة وذلك من خلال مطلبين، بحيث نتطرق في المطلب الأول لماهية الطعون ومبادئها العامة ثم ننتقل للحديث عن القواعد العامة للطعون في المطلب الثاني.

       المطلب الأول: ماهية الطعون و مبادئها العامة

خص المشرع المغربي لمؤسسة الطعون تنظيما خاصا، و أحكام صارمة وعيا منه بأهميتها ووظيفتها بين الواقع والقانون. و قبل الخوض في أحكامها العامة، وجب التطرق أولا لمفهوم الطعون(الفقرة الأولى)، ثم إلى بعض مبادئها العامة(الفقرة الثانية).

      الفقرة الأولى: تعريف مفهوم الطعن

سنحاول من خلال هذه الفقرة تعريف الطعن في الأحكام في بعده الفقهي والشرعي (أولا)   ثم تحديد مدلوله الخاص في المادة المدنية(ثانيا).

     أولا: تعريف الطعن

     الطعن لغة هو الاعتراض على حكم قضائي وطلب تبديله.

وفي الفقه، فهناك جانب يعتبر الطعن القضائي هو الذي يقدم إلى سلطة قضائية للمطالبة بحق مغتصب، وتفيد لفظة طعن الالتجاء إلى سلطة إدارية أو قضائية للحصول على إلغاء قرار أو حكم أو تعديله أو تفسيره وتفيد أيضا طلب إعادة بحث النزاع المحكوم فيه، وهناك جانب أخر من الفقه عرفه بالوسيلة التي يقرها القانون لأطراف الدعوى لاستظهار عيوب الحكم الصادر فيها والمطالبة لدى القضاء المختص بإلغائه أو تعديله على الوجه الذي يزيل عنه عيوبه.  

أما شرعا، فقد أجاز الفقه الإسلامي مراجعة الأحكام من سلطة أعلى من القاضي الذي أصدرها أيا كان مستند تلك الأحكام سواء أدلة نقلية أو عقلية ويمكن معرفة ذلك من خلال التطبيقات القضائية التي أوردها بعض الفقهاء المسلمين، ومنها القضية المعروفة بالزبية التي حكم فيها الإمام علي (ر.ع) ولكن المتخاصمين رفضوا القبول بالتراضي وأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الحج فقصوا عليه ما حدث فأجاز قضاء الإمام علي وقال: "هو ما قضى بينكم."

وقد اتفق فقهاء الشريعة على أن الحكم ينقض متى كان مخالفا للكتاب أو السنة أو الإجماع، ولأي من القضاة نقضه متى ما رفع إليه.

و كما ذكر من كتاب الخليفة عمر بن الخطاب (ر.ع) إلى موسى الأشعري للتأكد من صحة ما سبق بيانه إذ يقول "ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس ثم راجعت فيه نفسك وهديت فيه إلى رشدك أن ترجع عنه" أو "أن ترجع إلى الحق فإن الحق قديم لا يبطله شيء والرجوع إليه خير من التمادي في الباطل". و بذلك نجد أن الشريعة الإسلامية قد أجازت الطعن في الأحكام أمام القاضي الذي أصدرها أو أمام قاض أخر أو أمام سلطة أعلى كولي الأمر.

  ثانيا: مفهوم الطعن في المادة المدنية   

      أ-التمييز بين الطعون في مختلف المواد القانونية

       إن الطعون في المواد الزجرية ينطبق عليها قانون المسطرة الجنائية ولذلك فهي تختلف في شكلياتها وآجالها وأطرافها وآثارها عن الطعون في المادة المدنية، كاستئناف الحكم الجنحي من طرف النيابة العامة مثلا.

      والطعون في المادة الإدارية في أغلب الأمور تكون ضد قرارات إدارية، وهي بذلك تختلف أيضا عن الطعون في المادة الزجرية من جهة، وعن الطعون في المادة المدنية من جهة أخرى، سواء في شكلياتها أو في آجالها أو أطرافها أو آثارها كالطعن بالنقض في القرارات الإدارية للشطط في استعمال السلطة مثلا، والطعن في قرارات المحافظ العقاري بسبب رفض تقييد حق عيني أو التشطيب عليه, وأيضا الطعن في مقررات الهيئات المهنية, كما هو الشأن بالنسبة لقرارات نقيب هيئة المحامين.   

      أما الطعون في المادة المدنية، وهو الموضوع الذي يهمنا في هذه الدراسة، فيكون في غالب الأحيان ضد الأحكام والقرارات القضائية الصادرة في المادة المدنية، وهذا يعني أننا سنخرج من دراستنا هذه جميع الطعون المثارة أثناء سير الدعوى كالطعن في شهادة الشهود والطعن بالزور الفرعي مثلا، لتعلقها بوسيلة من وسائل الإثبات وليس بحكم أو قرار قضائي.

    ب-مفهوم طرق الطعن في الأحكام

       طرق الطعن أعمال إجرائية رسمها القانون سبيلا للخصوم، لمراجعة أحكام القضاء مراجعة تستهدف تصحيحها، وذلك بتعديلها أو بإلغائها، وهذه الطرق قد وردت على سبيل الحصر لأن تقريرها قد جاء على خلاف الأصل، ذلك أن الأصل في الأحكام الصحة والغرض أنها عنوان الحقيقة، ومع هذا فقد يصيبها أحيانا الخطأ، سواء في الوقائع أو خطأ في القانون، أو خطأ في القانون والوقائع معا. والإصرار على تنفيذها في كل الأحوال يعد نوعا من الاستبداد، ومن هنا التمس المشرع في شأنها حلا وسطا، فلم يعتد على إطلاقها ولم يهدرها في جميع الحالات، بل أعطى للخصم رخصة الطعن فيها .

       و يقصد بطرق الطعن، تلك الوسائل التي يضعها المشرع في متناول الأطراف في النزاع أو في متناول الأغيار للتظلم من حكم أضر بحقوقهم أو بمصالحهم وذلك ابتغاء إزالة أو تخفيف الضرر الذي ألحقه بهم الحكم المطعون فيه. وطرق الطعن هذه قد توجه إلى الحكم ذاته لعلة تشوبه ,وقد توجه إلى الإجراءات التي سبقت صدوره.

      الفقرة الثانية: المبادئ العامة للطعون

       سوف نتطرق في هذه الفقرة لبعض المبادئ العامة لمؤسسة الطعون، كمبدأ التقاضي على درجتين(أولا) ومبدأ استيفاء الطعون العادية ثم الاستثنائية (ثانيا)، ومبدأ أسبقية البث(ثالثا)، ثم مبدأ لا يضار أحد بطعنه(رابعا).

      أولا: مبدأ التقاضي على درجتين:

      يعتبر مبدأ التقاضي على درجتين ضمانة هامة للوصول للحقيقة القضائية، فهو يجد أساسه في فكرة العدالة، و هو يدعمها ويؤكدها من خلال إعادة النظر في الأحكام، حيث يمكن للمتقاضين تصحيح الأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى التي قد تأتي معيبة لقصور في البحث، أو غموض في طلب الحقيقة التي لم تتهيأ الفرصة الكاملة لاستجلائها، أو صعوبة في استظهار القاعدة القانونية الواجبة التطبيق أو ميل أو هوى لم تسلم منهما نفس من أصدر الحكم. فكثيرا ما يحدث أن الخصم لا يتمكن من الإدلاء أمام المحكمة الأولى بكل دفوعاته أو يخطئ في رسم السير في قضيته ولا ينتبه لهذا الخطأ أو ذلك النقص إلا بعد صدور الحكم عليه، وإنه من العدل تمكينه من وسيلة يستدرك بها خطأه وفرصة يستكمل فيها ما نقص من دفاعه، وذلك باستئناف النزاع مرة أخرى.

       ويعتبر مبدأ التقاضي على درجتين من المبادئ التي عرفت تكريسا تشريعيا بفرنسا منذ القرن الثامن عشر، وإن  كانت بوادره ترجع إلى قرون قبل هذا التاريخ بكثير، وقد تم إقرار هذا المبدأ كرد فعل على عدم الاهتمام بالاستئناف كطريق من طرق الطعن.

      وفضلا عن الأسباب التاريخية التي كانت وراء ظهور مبدأ التقاضي على درجتين في فرنسا، ثمة  اعتبارات أخرى فرضت إقراره، نذكر منها أن التقاضي على درجتين اقتضته العدالة والإنصاف، ذلك أن النظر في النزاع مرتين ضمانة قوية لتحقيق عدالة جيدة تقرب الحقيقة القضائية من الحقيقة الواقعية، فالاستئناف الذي يعد وجها للتقاضي على درجتين يقدم خدمتين للمعنيين به، أولاهما تتمثل في أن الاستئناف مناسبة لتعديل القرارات القضائية غير العادلة سواء كانت متعمدة أو غير متعمدة. وثانيتهما، أنه ينبه قاضي الدرجة الأولى الى المزيد من الحيطة والحذر وهو يصدر أحكامه، لأن حكمه هذا سيكون محل مراجعة من قاض آخر أعلى منه درجة وأكثر خبرة وتجربة

       وبالرغم من كون مبدأ التقاضي على درجتين يستند على اعتبارات قوية، إلا أنه يواجه انتقادات شديدة ببروز اتجاهين فقهيين، الاتجاه الأول يقول أن مبدأ التقاضي على درجتين مبدأ مطلق لا يمكن المساس به ،و الاتجاه الثاني يقول أن هذا المبدأ يتسع و يضيق حسب رؤية المشرع وإرادته.  وهكذا نجد أن هذا المبدأ الذي يعد من المبادئ الأساسية لكل نظام قضائي محكم، ومن الضمانات التي لا يمكن الاستغناء عنها، قد أخدت به معظم الدول خاصة في الطعن بالاستئناف ،مع  إيراده بعض الاستثناءات التي تتناسب و طبيعة النظام القضائي المعمول به في كل دولة على حدى.

      و هذا ما ينطبق على النظام القضائي المغربي الذي يقوم مبدئيا على درجتين،إلا أن المشرع خرج عن هذا المبدأ لاعتبارات خاصة، وألغى بمقتضاها الدرجة الثانية لبعض القضايا ،حيث لم يجز الطعن في الحكم الصادر فيها بالاستئناف، بل جعل الفصل فيها من طرف محكمة الدرجة الأولى نهائيا.

      و هناك حالات عدة لم يسمح فيها القانون باستئناف الأحكام الصادرة عن المحكمة الابتدائية (كحالة الغرامة التهديدية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 21 من ق.م.م). ويقرر المشرع هذا الاستثناء خلافا لمبدأ التقاضي على درجتين لاعتبارات تتصل إما بخصوصية موضوع الدعوى، أو تتصل بخصوصية ونوعية بعض الأحكام والأوامر الصادرة عن المحكمة.

     ثانيا: مبدأ استيفاء الطعون العادية ثم الاستثنائية

      هذا المبدأ يعني أنه إذا كان الحكم قابلا للطعن بإحدى الطرق العادية كالتعرض والاستئناف، فلا يمكن الطعن فيه بأحد الطرق الغير العادية كالنقض و إعادة النظر وتعرض الغير الخارج عن الخصومة. يعني أيضا أن الأحكام الابتدائية مثلا، و التي لم يمارس فيها صاحب المصلحة الطعن بالاستئناف حتى فوات أجله، فإنه لا يحق له الطعن فيها بالنقض، لأن القاعدة تقضي باحترام جميع مراحل التقاضي ولا يمكن خرق المراحل وبالتالي عرض النزاع مثلا على المحكمة الابتدائية و مباشرة يطعن في حكمها أمام محكمة النقض.

      فهل ترد على هذا المبدأ استثناءات من قبيل إمكانية  المتقاضي ممارسة إحدى الطرق غير العادية للطعن إذا لم يستوف ممارسة الطعن بالطرق العادية؟

 من خلال استقصاء قواعد المسطرة المدنية ،لا نجدها تتضمن هذا الأمر كمبدأ عام مطلق، فالغير الأجنبي في التعرض الخارج عن الخصومة، عندما يتعرض على حكم أضر بمصالحه، لا يقبل منه أن يمارس طعنا عاديا ضد نفس الحكم، فهل يرد طعنه غير العادي بناء على أنه لم يستنفذ الطعون العادية؟ 

       وبالنسبة للطعن بالنقض، فقانون المسطرة المدنية في الفصل 353 ينص على أن ممارسة الطعن بالنقض يكون ضد الأحكام الانتهائية الصادرة عن جميع محاكم المملكة، أي تلك الأحكام التي لا تقبل الاستئناف. و لا يندرج في هذا المفهوم ،أن تكون غير قابلة للتعرض، بما أن محاكم الاستئناف نفسها عندما تصدر قرارا غيابيا، فقرارها هذا في جميع الأحوال يكون نهائيا أو انتهائيا. و بالتالي، فهو يقبل النقض رغم قابليته للتعرض بناء على الفصل 352 من ق م م. و نفس التوجه سار فيه المشرع في الفصل 358 من نفس القانون، حيث حسب الفقرة الثانية منه، فالقرارات الغيابية لا يبتدئ فيها الأجل إلا من اليوم الذي يصبح فيه التعرض غير مقبول .

      فيما يخص الطعن بإعادة النظر، نجد أن الفصل 402 من ق.م.م ينص صراحة، على أن الأحكام التي لا تقبل الطعن بالطرق العادية هي التي تكون موضوع إعادة النظر و قد حدد المشرع حصريا الأحوال التي تستدعي استعمال هذا السبيل دون عداه من السبل الأخرى للطعن. 

      إذن، فإذا  كان دور محكمة النقض يتمثل في مراقبة مدى احترام الاحكام الصادرة من المحاكم أقل درجة للقانون، فإن الأمور المرتبطة بالواقع  تخرج من مجال الرقابة التي تمارسها  هذه المحكمة، وبالتالي فلا يمكن الطعن في الموضوع أمامها، هذا ما يجعل أنه لابد من استيفاء درجات الطعن أمام محاكم الموضوع قبل الطعن لدى محكمة القانون. وعلى الرغم من أن أسباب الطعن بالنقض تبدو مختلفة من حيث ظاهرها إلا أن هناك قاسم مشترك يجمع بينهما وهو خرق القانون، وبالنظر لطبيعة محكمة النقض كمحكمة قانون فإن الأسباب المرتبطة بالواقع لا يمكن إثارتها أمامها.  

     ثالثا: مبدأ أسبقية البث( لا يمارس الطعن إلا مرة واحدة):

     بالرغم من أن المشرع المغربي في ق.م.م أورد نصا يتيما يتعلق بممارسة الطعون مرة واحدة، وهو الفصل133 الذي ينص على عدم قبول تعرض جديد من الشخص المتعرض الذي حكم عليه غيابيا مرة ثانية، إلا أن هذه القاعدة تتسع دائرتها نوعا ما فيما يتعلق بقانون المسطرة الجنائية بحيث ورد النص على هذه القاعدة في مجال الطعن بالتعرض، حيث نصت الفقرة الخامسة من المادة 394 منه، على أنه لا يقبل التعرض على الحكم بناء على تعرض سابق، و كذلك وردت القاعدة بشأن الطعن بالنقض في المادة 531 من نفس القانون حيث جاء فيها أنه لا يمكن لأي سبب ولا بناء على أية وسيلة للطرف الذي سبق رفض طلبه الرامي إلى النقض، أن يطلب من جديد نقض نفس القرار.

      وقد كرس القضاء هذه القاعدة بالنسبة لمختلف طرق الطعن العادية والاستثنائية في قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 01/06/2010 جاء فيه "...فإن القرار المطلوب إعادة النظر فيه على ما قضى به بأن الطعن بالنقض لا يمارس ضد نفس القرار إلا مرة واحدة  وأن تشطيب المجلس الأعلى  على  القضية بعلة أن مقال النقض ضد نفس القرار الاستثنائي مرة أخرى لا يوجد أي نص قانوني يخول للطاعنين الذين شطب المجلس الأعلى على قضيتهما أن يعيدا الطعن بالنقض ضد نفس القرار فكان  القرار لذلك معللا طالما أن الطعون ضد القرارات القضائية لا تمارس إلا مرة واحدة من نفس الطرف..."

      رابعا: عدم تضرر الطاعن من طعنه(الطعن لا يسيئ مركز الطاعن) 

      معنى هذه العبارة أن الطاعن من خلال ممارسته لأي طعن، لا يمكن أن يحكم عليه بأكثر مما حكم به عليه الحكم المطعون فيه، وأن المحكمة، وهي تنظر في هذا الطعن، لا يمكن لها، أخذا بذلك، إلا أن تؤيد الحكم المطعون فيه، أو أن تلغيه أو تعدله لصالح الطاعن.

      لكن بالرجوع الى نصوص المسطرة المدنية لا نجد نصا يثبت أن استقرار مركز الطاعن قاعدة قانونية، وبما أن هذه القاعدة لا أساس لها في ق.م.م فما هو أساسها القانوني إذن؟

      إن مقولة عدم تضرر المستأنف من استئنافه بالنسبة للقضاء المدني ليست مبدأ قانونيا قائما بذاته، وليس فكرة حقيقية ثابتة، وإنما هي نتيجة تتحقق بمراعاتنا لفكرة أخرى تشكل أصلا ومبدآ، وهي أن محكمة الدرجة الثانية لا تنظر إلا فيما عرض عليها بمقتضى مقال الاستئناف، وهي حتى وإن عدلت الحكم الابتدائي لصالح المستأنف بتناول جزء من الدعوى لم يعرض عليها، فهذا لا يعني أن حكمها سليم، مادام المستأنف لم يتضرر من استئنافه، بل حكمها مخالف للقانون، لكونها بثت في أمر لم يعرض عليها بواسطة الطعن بالاستئناف. 

      و بما أن المشرع ينص في الفصل 3 من ق.م.م على أنه" يتعين على القاضي أن يبت في حدود طلبات الأطراف، ولا يسوغ له أن يغير تلقائيا موضوع أو سبب هذه الطلبات"، فلا يتصور في جميع الحالات أن يتضرر الطاعن بطعنه ما دامت المحكمة تحكم في حدود طلباته، باستثناء حالة كون الحكم المطعون فيه مخالفا لقاعدة من قواعد النظام العام.

     وهكذا، يتضح أنه فيما يخص الطعن في الأحكام المدنية، لا توجد ضرورة تدعو إلى وضع قاعدة قانونية تقضي بأن المستأنف لا يتضرر من استئنافه، لأن آثار هذا الاستئناف، فيما يتعلق بنطاق إعادة نشر الدعوى، محددة مسبقا بمضمون مقال الطعن.

    المطلب الثاني : القواعد العامة و المشتركة لطرق الطعن  

      تخضع طرق الطعن، على غرار الأحكام القضائية، لمجموعة من القواعد العامة التي تعتبر بمثابة نظرية عامة للطعن في الأحكام،وهذه القواعد تنقسم بدورها الى قسمين:  قسم يشمل قواعد عامة تخضع لها جميع طرق الطعن بدون استثناء، و قسم آخر يجمع قواعد تطبق على سائر وسائل الطعن ماعدا تعرض الغير الخارج عن الخصومة.

      و يرجع السبب لهذا التقسيم، لكون تعرض الغير الخارج عن الخصومة و هو نوع من أنواع الطعن الاستثنائية، لا يخضع لبعض هذه القواعد العامة وذلك لأنه يقدم من طرف شخص متضرر من حكم لم يكن طرفا فيه، في حين أن كل طرق الطعن الأخرى تباشر من طرف أطراف الحكم المطعون فيه أنفسهم.

     و لذلك، فطبيعة هذا المطلب تقتضي تقسيمه إلى فقرتين: نعالج في الأولى القواعد العامة لجميع طرق الطعن، وفي الفقرة الثانية سنتطرق فيها للأحكام التي تخضع لها طرق الطعن باستثناء تعرض الغير الخارج عن الخصومة.

     الفقرة الأولى: القواعد العامة الخاضعة لها جميع طرق الطعن

     تجري على جميع طرق الطعن عدة قواعد عامة مشتركة يمكن إجمالها في ثلاث قواعد أساسية وهي: ضرورة توافر شروط التقاضي من أهلية و صفة و مصلحة (أولا)، وقاعدة نسبية أثر الطعن (ثانيا)، وعدم التنازل المسبق عن الطعن (ثالثا).

     أولا- شروط التقاضي

      يقصد بشروط التقاضي تلك المنصوص عليها في الفصل الأول من ق.م.م، حيث لا يصح التقاضي بدون توفرها، وهي الأهلية و الصفة و المصلحة. 

       وهذه الشروط لها مساس بالنظام العام، ولذلك، فإنه يجب على القاضي أن يثير عدم تحققها تلقائيا، وهذا ما أكد عليه المشرع المغربي بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل الأول من ق.م.م. التي جاء فيها "يثير القاضي تلقائيا انعدام الصفة أو الأهلية..."

      أ-الأهلية في الطعن

      تعرف الأهلية قانونا بأنها القدرة على اكتساب الحقوق والوفاء بالإلتزامات،وتنقسم إلى صنفين : أهلية وجوب و أهلية أداء، الصنف الأول يقصد به صلاحية الشخص لثبوت الحقوق و الإلتزامات له وعليه، ويراد بالثاني صلاحية الشخص لممارسة التصرفات و الحقوق و التحمل بالإلتزامات على وجه يعتد به قانونا.

    و تجدر الإشارة هنا، أن حق الولوج إلى القضاء، يستدعي التوفر على الصنف الثاني من الأهلية، لأن هذا الصنف هو المقصود به في الفصل الأول من ق.م.م.

    وقد حدد المشرع المغربي سن الأهلية في ثمانية عشر سنة بمقتضى المادة 209 من مدونة الأسرة، حيث جاء فيها ما يلي : سن الرشد القانوني 18 سنة شمسية كاملة، فكل من بلغ هذا السن، يمكنه كقاعدة عامة الولوج للقضاء، ما لم يكن هناك طبعا عارض من عوارض الأهلية كالجنون والسفه.

     وفي حالة نقصان الأهلية أو فقدانها على غرار الأشخاص القاصرين والسفهاء، فإن التقاضي يكون لنائبهم الشرعي أو القانوني.

    ب-الصفة في الطعن

      يقصد بالصفة في الطعن في الحكم، الحق الذي يمنحه القانون لأشخاص معينين لطرق باب القضاء من أجل التظلم من الأحكام التي تضر بمصالحهم.  وتعتبر حسب عموم الفقه، بمثابة ولاية مباشرة الدعوى أو سلطة مباشرة الدعوى أمام القضاء، و تقديرها يتم وقت تقديم الطلب، مما يعني أن الدعوى أو الطعن يعدان بمثابة السند القانوني الذي يمكن شخصا معينا من ممارسة حق التقاضي.

       و یشترط لقبول الطعن  ، توافر الصفة في كل من الطاعن والمطعون ضده. ويعني ذلك أن یكون كل من الطاعن والمطعون ضده طرفان في الخصومة التي صدر فيها الحكم، سواء كان مدعیا أم مدعى عليه، متدخلا أو مدخلا.  فالطاعن مثلا، يجب أن يكون ذا صفة، ويكون كذلك إذا كان طرفا في الخصومة التي انتهت بالحكم المطعون فيه، سواء كان مدعيا أو مدعى عليه أو مدخلا في الخصومة أو متدخلا فيها.

      وتبقى الصفة في الطعن متوافرة ما دام أن الطرف بقي متشبثا بحقه في الخصومة إلى حين صدور الحكم المطعون فيه، فإذا تخلى عن حقه في المنازعة قبل صدور الحكم، فإنه يفقد الصفة في الطعن ولو كان خصما حقيقيا قبل ذلك. و صفة الطعن هذه، تثبت للطرف في الخصومة باعتبار درجة التقاضي سواء كانت ابتدائية أو استئنافية، فالطرف في المرحلة الابتدائية تثبت له الصفة للطعن باستئناف الحكم الصادر فيها، والطرف في مرحلة الاستئناف تثبت له الصفة للطعن بالنقض أو بإعادة النظر في القرار الاستئنافي.

     وتجدر الإشارة هنا، أن المشرع المغربي قد أجاز في بعض الحالات، للشخص الذي لم يكن طرفا في الحكم أن يطعن فيه في المرحلة الاستئنافية عبر وسيلة التعرض من خارج الخصومة، و بذلك يصبح طرفا في الخصومة و تثبت له الصفة تبعا لذلك الطعن في الحكم الصادر في الخصومة بالنقض أو بإعادة النظر. 

     ج- المصلحة

     تعتبر المصلحة من أسس التقاضي حسب الفصل الأول من ق.م.م، و هي مناط الدعوى وجوهرها. و كما أن المصلحة هي شرط للدعوى، فهي كذلك شرط للطعن في الأحكام، حيث لا طعن بدون مصلحة.

       و يجد مفهوم المصلحة  تطبيقه العملي في مجال الطعون ،أكثر مما نجده عند مباشرة الدعوى الابتدائية، فلا يقبل الاستئناف أو التعرض إلا من قبل الطرف الذي تضرر من الحكم الابتدائي، فالمدعي الذي يحكم له ابتدائيا بجميع طلباته لا يقبل استئنافه للحكم المذكور لعدم مصلحته في ذلك، و المدعى عليه الذي حكم له برفض الدعوى المقامة ضده لا يقبل استئنافه هو الآخر لانعدام مصلحته في ذلك.

     و يقصد بالمصلحة الفائدة الفعلية التي تعود على المدعي من عرض ادعائه على القضاء، فالمحاكم ليست دار للفتاوى أو لمعرفة حكم القانون في قضايا معينة، وإنما لرفع الضرر والتهديد الذي تتعرض له الحقوق والمراكز القانونية.

    ولكي تكون المصلحة صحيحة يجب أن تستوفي ثلاث شروط وهي:

- أن تكون المصلحة قانونية:

    حتى تتحقق المصلحة ينبغي أن تكون قانونية أي أن تكون مصلحة المتقاضي مستمدة من حق أو من وضع قانوني، ومن ثم فإن المصلحة القانونية هي التي تعتمد القانون أساسا لها وتكون متصلة بحق معين.

      ولتحقيق قانونية المصلحة كذلك، يجب أن يكون الحكم قابلا للطعن، لذلك يشترط أن تكون طرق الطعن في الحكم محل اعتبار فيما إذا كانت هذه الأحكام ابتدائية أو انتهائية، فإذا كانت ابتدائية يتم الطعن فيها بطرق الطعن العادية، أما إذا كانت انتهائية فيتم الطعن فيها بطرق الطعن الاستثنائية. كما ينبغي أن تكون أسباب الطعن منتجة قانونا، فلا يقبل مثلا الطعن بالنقض على أساس الخطأ في تقدير الوقائع كما يجب على الطاعن ألا يتجاوز في طلباته حدود سلطة محكمة الطعن بأن يطلب مثلا الحكم في طلبات موضوعية لم يفصل فيها الحكم المطعون فيه قبل ذلك.

     -أن تكون قائمة وحالة:

      ويقصد بالشرط المذكور أن تكون المصلحة موجودة وقت رفع الدعوى، فإذا طالب دائن بدين له على المدين دون أن يكون هذا الدين معلقا على شرط ولا مقترنا بأجل، كانت المصلحة قائمة وحالة.

     -أن تكون المصلحة شخصية ومباشرة:

     تكون المصلحة شخصية في الدعوى إذا كانت الميزة أو المنفعة تعود على المدعي، في حين تكون المصلحة مباشرة إذا كانت الميزة أو المنفعة تعود على المدعي من 

الحكم له في الدعوى وليس عن طريق شخص آخر.

    وتنعت كذلك بأنها شخصية عندما يكون بإمكان الدعوى التي تمت مباشرتها أن تمنح للمدعي بصفة شخصية فائدة مادية أو معنوية، ويترتب على ذلك عدم قبول الدعاوى التي تهدف إلى الدفاع عن مصالح الغير أو مجموعة من الأشخاص ما لم يتوفر المدعي على توكيل صريح بذلك.

    و يهدف اشتراط الطابع المباشر للمصلحة، إلى التحديد الحصري للأشخاص الذين يحق لهم رفع دعوى معينة أمام القضاء استنادا على نفس الادعاء، فلا علاقة القرابة التي تربط بين المدعي وذي المصلحة، ولا انتماء ذي المصلحة لهيئة معينة تتوفر على شخصية معنوية يسمحان باللجوء إلى القضاء.

     ثانيا: نسبية آثار الطعن

     تعني قاعدة نسبية آثار الطعن أن الطعن لا يستفيد منه إلا من قدمه و لا يسري إلا على من وجه ضده. و تجد هذه القاعدة مجالا لتطبيقها عند تعدد الأطراف ،أي المدعين و المدعى عليهم في الحكم الصادر بحقهم، بحيث إذا طعن أحد هؤلاء المدعين أو المدعى عليهم في الحكم الصادر بحقهم، فإن هذا الطعن لا يستفيد منه سوى الطاعن وحده، ويبقى الحكم حائزا لقوة الأمر المقضي به بالنسبة للمحكوم عليهم الذين تبلغوا الحكم بصورة قانونية ولم يطعنوا فيه. ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا الحالة التي يكون فيها الحكم المطعون فيه صدر في موضوع لا يقبل التجزئة .

   ثالثا: عدم جواز التنازل المسبق عن الطعن

    إن التنازل المسبق عن حق الطعن هو ذلك الذي يتم قبل مباشرة الدعوى أو صدور الحكم فيها، ويذهب الرأي الراجح في الفقه إلى أن التنازل المسبق عن ممارسة حق الطعن في الأحكام غير جائز و يعتبر تنازلا باطلا إذا تم، ويقصد بالتنازل المسبق ذلك الذي يتم قبل مباشرة الدعوى أو صدور الحكم فيها، و يتضمن نزولا من الطاعن عن حقه في الطعن و تركا للخصومة.

     أما التنازل اللاحق الذي يقع بعد الفصل في الدعوى و صدور الحكم، فهو مجمع عليه فقها و قضاء أنه تنازل صحيح و ملزم سواء جاء التنازل بصورة صريحة أو ضمنية.

     و يكون التنازل صريحا عندما يقبل المحكوم عليه صراحة الحكم الصادر بحقه دون اشتراط شكل معين لهذا القبول سواء بسند عرفي أو رسمي، كما يكون التنازل ضمنيا في حالة إذا بادر المحكوم عليه إلى تنفيد الحكم تنفيذا رضائيا دون تحفظ.

    الفقرة الثانية: قواعد عامة تخضع لها جميع الطعون باستثناء تعرض الغير الخارج عن الخصومة

     إن طرق الطعن لا تخضع جميعها لنفس القواعد  العامة و إنما تعرض الغير الخارج عن الخصومة لا يخضع لبعض هاته القواعد، و ذلك لأنه يصدر عن شخص لم يكن طرفا في الدعوى و من بين هاته القواعد نجد آجال الطعون (أولا) و طبيعة هاته الآجال (ثانيا) و كذا أسباب وقف ميعاد الطعن (ثالثا).

       أولا: آجال الطعن هي آجال كاملة

       ومعنى ذلك أنه لا يحتسب فيها اليوم الأول الذي يتم فيه التبليغ ولا اليوم الأخير الذي ينتهي فيه الأجل، و أما إذا صادف اليوم الأخير عطلة رسمية، مدد هذا الأجل إلى اليوم الذي بعده، و هذا ما نصت المادة 512 من ق.م.م التي جاء فيها : "تكون جميع الآجال المنصوص عليها في هذا القانون كاملة فلا يحسب اليوم الذي يتم فيه تسليم الاستدعاء أو التبليغ أو الإنذار أو أي إجراء آخر للشخص نفسه أو لموطنه و لا اليوم الأخير الذي تنتهي فيه. إذا كان اليوم الأخير يوم عطلة امتد الأجل إلى أول يوم عمل بعده".

     وعليه فإنه ينبغي ممارسة الطعون القضائية ضمن الآجال التي حددها القانون و إلا سقط الحق في ممارستها إذا انقضت هذه الآجال.

      وأوجبت المسطرة المدنية ممارسة التعرض أو الاستئناف أو إعادة النظر خلال المدة التي حددها المشرع لكل طعن من هذه الطعون، و إذا لم يقدم الطعن خلال المدة المحددة له قانونا فإن الطاعن يفقد حقه في الطعن ، و ذلك ما نص عليه الفصل 511 من ق.م.م الذي جاء فيه : "تحترم جميع الآجال المحددة بمقتضى هذا القانون لممارسة أحد الحقوق و إلا سقط الحق". 

      و تسري أحكام هذه المادة على جميع أنواع طرق الطعن العادية منها و الغير العادية باستثناء تعرض الغير الخارج عن الخصومة.

     أما تعرض الغير الخارج عن الخصومة، فلم يحدد المشرع لممارسته مدة خاصة. و عليه و عملا بالمبادئ العامة، يبقى للغير الحق في التعرض على الحكم ما لم يسقط حقه بالتقادم. و لما كانت مدة التقادم المسقط في التشريع المغربي هي خمس عشرة سنة بمقتضى المادة 387 من قانون الالتزامات والعقود، فإن تعرض الغير الخارج عن الخصومة يمكن وقوعه خلال خمس عشرة سنة من تاريخ صدور الحكم موضوع التعرض.

         ثانيا: طبيعة الآجال لها مساس بالنظام العام

       إن الآجال و المدد التي حددها المشرع لممارسة التعرض أو الاستئناف أو إعادة النظر، أو النقض هي مدد تتعلق بالنظام العام، و يترتب عن ذلك أنه لا يجوز للأطراف الاتفاق على مخالفة هذه الآجال، كما يمنع على القاضي تمديدها بقبول طعن وقع خارج الأجل. كما أنه يجوز التمسك بعدم مراعاتها في أي مرحلة من مراحل الدعوى ، و لو للمرة الأولى أمام محكمة النقض، كما يحق للقاضي أن يثير من تلقاء نفسه عدم احترام الطاعن لهذه الآجال. و يجب على المحكمة أن تبين في حكمها تاريخ صدور الحكم المطعون فيه و تاريخ تبليغه، لتمكين محكمة النقض من مراقبة ذلك .

          أما مدة الطعن في تعرض الغير الخارج عن الخصومة، فلا مساس لها بالنظام العام. و عليه فإن كان يجوز للخصم التمسك بعدم مراعاتها و لو بعد الدفاع في الجوهر و في أي مرحلة من مراحل الدعوى بداية و استئنافا، فإنه يمنع عليه ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض كما يمتنع على القاضي أن يثير الموضوع من تلقاء نفسه، بل لابد أن يتمسك به ذو المصلحة من الخصوم. و هذا ما نص عليه الفصل 372 من ق.ل.ع الذي جاء فيه : "التقادم لا يسقط الدعوى بقوة القانون، بل لابد لمن له مصلحة فيه أن يحتج به. و ليس للقاضي أن يستند إلى التقادم من تلقاء نفسه".

فمن خلال نص هذا الفصل يتبين أن المشرع منع على القاضي أن يستند إلى التقادم دون طلب من الخصوم، و بما أن مدة تعرض الغير الخارج عن الخصومة هي من قبيل مدد التقادم، إذن فلا يحق للقاضي أن يثير من تلقاء نفسه عدم احترام الطاعن لهذه الآجال في هذا النوع من الطعون.

ثالثا: وقف ميعاد الطعن

الأصل في الأجل أنه لا ينقطع و لا يوقف وأنه يسري في حق الكافة، غير أن اعتبارات العدالة سمحت بإمكانية وقفه لصالح المحكوم عليه، الذي يستحيل عليه الإجراء في الوقت المحدد له.و بذلك، يمكن وقف ميعاد الطعن بوفاة أحد الأطراف و كذلك بتغير أهلية أحد الأطراف و أثناء طلب المساعدة القضائية و كذلك إذا كان التبليغ غير قانوني بالإضافة إلى حالة حدوث قوة قاهرة.

أ-وفاة أحد الأطراف

توقف وفاة أحد الأطراف آجال الاستئناف لصالح ورثته ولا تقع مواصلتها من جديد إلا بعد مرور 15 يوما التالية لتبليغ الحكم للورثة بموطن الشخص المتوفى، و ذلك طبقا للفصل 137 من ق.م.م . وليس من الضروري عند وفاة المحكوم عليه تبليغ الحكم إلى كل وريث على حدة بل إن المشرع أجاز من باب التسهيل ،وقوع التبليغ للورثة جماعيا من دون التنصيص على أسمائهم و صفاتهم و هذا ما جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل 137 من ق.م.م.

و الحكمة التي حملت المشرع على تقرير وقف ميعاد الاستئناف بموت المحكوم عليه هي احتمال جهل الورثة أمر الحكم الصادر بحق مورثهم، و ضرورة حمايتهم من سقوط حقهم بالاستئناف إذا ما سارت مهلته بدون علم منهم .

ب‌-تغير أهلية أحد الأطراف

 إذا وقع أثناء أجل الاستئناف تغير في أهلية أحد الأطراف، أوقف هذا الأجل و لا يبتدئ سريانه من جديد إلا بعد خمسة عشر يوماً من تبليغ الحكم لمن لهم الصفة في تسلم هذا التبليغ، و هذا ما نص عليه الفصل 139 من ق.م.م ، و نفس الأمر ينطبق على طالب إعادة النظر إذا وقع في نفس الأمر.

وأسباب تغير أهلية أحد الأطراف المعتبرة من العوارض المؤدية إلى تعليق الآجال، لا تنحصر فقط في حالتي فقدان الأهلية أو نقصانها، بل تشمل أيضا حالة استردادها، أي الحالة التي يغدو فيها القاصر راشدا أو يرفع فيها الحجر عن ناقص الأهلية، أو تنتهي فيها عقوبة.  

ج-طلب المساعدة القضائية أمام محكمة النقض

    هذا ما جاءت به الفقرة الثالثة من الفصل 358 من ق.م.م التي نصت على أنه: "يوقف أجل الطعن ابتداء من إيداع المساعدة القضائية بكتابة ضبط محكمة النقض و يسري هذا الأجل من جديد من يوم تبليغ مقرر مكتب المساعدة القضائية للوكيل المعين تلقائيا و من يوم تبليغ قرار الرفض للطرف عند اتخاذه".

د‌-التبليغ بطريقة غير قانونية

      التبليغ لكي يكون قانونيا يجب أن يكون وفق ما هو منصوص عليه في الفصول  36و37و 38 من ق.م.م، و يجب أيضا بيان تاريخ التبليغ لاحتساب مدة التقادم ،كما يجب أن يتم التبليغ لأطراف الدعوى و إلا اعتبر تبليغا غير صحيحا، ولا يرتب أي آثار، كما يجب التنصيص في وثيقة الاستدعاء على أجال سقوط الحق في الطعن.

ذ‌-حالة القوة القاهرة

     تعتبر القوة القاهرة أيضا من أسباب وقف ميعاد الطعن، و قد عرفها المشرع المغربي في الفصل 269 من ق.ل.ع، الذي جاء فيه:

 "القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه كالظواهر الطبيعية (الفيضانات و الجفاف، و العواصف و الحرائق و الجراد) و غارات العدو وفعل السلطة، و يكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا. ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه على نفسه.و كذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين".

    أما فيما يخص تعرض الغير الخارج عن الخصومة، فما دامت مدة ممارسة هذا الطعن هي من قبيل التقادم المسقط فإنها تخضع لما ينطبق عليها من أسباب الانقطاع و التوقف المنصوص عليها في الفصول من 379 إلى 382 من ق.ل.ع.


المبحث الثاني: طرق الطعن و تصنيفاتها في المادة المدنية

تعد الطعون القضائية من الضمانات التي أوجدها المشرع المغربي لحماية الأفراد ولتحقيق العدالة والانصاف، ذلك أنها من الوسائل التي تخول للمتقاضين الحق المطالبة بمراجعة الأحكام الصادرة عن المحاكم الدنيا أمام المحاكم الأعلى درجة أو بمراجعة نفس المحاكم للأحكام التي أصدرتها ضدهم. وتنقسم الطعون إلى نوعين عادية وغير عادية.

وارتكازا على هذا التقسيم سوف نفصل في هذا المبحث عبر مطلبين، حيث سنتطرق لطرق الطعن العادية في المطلب الأول على أن نتطرق إلى طرق الطعن غير العادية في المطلب الثاني.

     المطلب الأول: طرق الطعن العادية

تتميز طرق الطعن العادية بإمكانية الاستناد فيها إلى أي سبب للتظلم من الحكم وطلب تصحيح ما شابه من أخطاء واقعية وقانونية، فمن الجائز الطعن في الحكم و ذلك استنادا إلى الخطأ الذي ارتكبته المحكمة في استخلاصها للوقائع أو تكييفها، أو إلى الخطأ في تطبيق النصوص القانونية على الوقائع، أو إلى الاجراءات التي سبقت صدور الحكم إذا  كانت باطلة أو غير ذلك من الأسباب.

      وطرق الطعن العادية في التشريع المغربي هي التعرض والاستئناف، لهذا فإن بحثنا في هذا المطلب يقتضي تقسيمه إلى فقرتين، حيث تخصص الأولى للتعرض والثانية للاستئناف.

   الفقرة الأولى: التعرض

التعرض هي وسيلة الطعن التي يسلكها الطاعن عندما يصدر الحكم في حقه بالصورة الغيابية، والعبرة في اعتبار الحكم غيابيا قابلا للطعن بالتعرض ليست للوصف التي تعطيه له المحكمة التي أصدرته، بل لقواعد المسطرة التي تحدد متى يصدر الحكم غيابيا ومتى يكون حضوريا. ورغم إقرار المشرع المغربي للطعن بالتعرض على خلاف بعض القوانين التي ألغته من قوانينها الإجرائية كالقانون السوري مثلا ، فإن المشرع المغربي قلص إلى حد كبير من إمكانية ممارسة هذا الطعن سواء بتلقيه لفرص صدور أحكام غيابية عن طريق سن قواعد تلزم الخصوم بحضور جلسات الدعوى، أو بمنعه صراحة لممارسة هذا الطعن ضد بعض الأحكام، كالأحكام الاستعجالية.

ومع ذلك تبقى بعض أحكام المحاكم الابتدائية الصادرة غيابيا، وكذا القرارات الغيابية الصادرة عن محاكم الاستئناف قابلة للطعن بالتعرض.

    أولا: الأحكام القابلة للتعرض

     هي الأحكام الابتدائية والاستئنافية الصادرة غيابيا في حق المدعى عليه، وترتبط صفة الحكم الغيابي بنوع المسطرة الكتابية أو الشفوية، حيث يكون الحكم غيابيا إذا لم يحضر المدعى عليه رغم استدعائه طبقا للقانون أمام المحكمة في حالة المسطرة الشفوية، أو لم يقدم مستنتجاته الكتابية لها في الحالات التي تطبق فيها المسطرة الكتابية.

     على أن الاحكام الغيابية القابلة للتعرض هي الأحكام الانتهائية، طبقا لما نص عليه المشرع في الفصل 130 من ق.م.م التي ورد فيها أنه "يجوز التعرض على الأحكام الغيابية الصادرة عن المحاكم الابتدائية إذا لم تكن قابلة للاستئناف". ويترتب على هذه القاعدة أنه يمنع الجمع بين الطعنين، التعرض والاستئناف وأنه كلما كان الحكم قابلا للاستئناف امتنع التعرض عليه ووجب استئنافه، أما قرارات محاكم الاستئناف فهي دائما قابلة للتعرض عندما تصدر غيابيا، لأنها أصلا قرارات انتهائية.

        ومن جهة أخرى فقد منع المشرع التعرض على بعض الأحكام بنصوص قاطعة في ق.م.م وفي نصوص أخرى ومنها:

1ـ الأوامر الاستعجالية طبقا للفصل 153 من ق.م.م

2ـ أوامر الأداء الفصل 158 من ق.م.م

3ـ القرارات الصادرة غيابيا عن مكمة النقض (الفصل 378 من ق.م.م)

4ـ أحكام المحكمين (الفصل 319 من ق.م.م)

5ـ الاحكام الصادرة عن محكمة الاستئناف في النزاعات المتعلقة بالتحفيظ العقاري (الفصل 45 من ظهير 12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري المعدل و المتمم بالقانون 14.07)

      ثانيا: أثار التعرض

       تنتج ممارسة التعرض نوعين من الأثر، يترتب عن النوع الأول إيقاف تنفيذ المقرر القضائي المطعون فيه، وينتج عن الثاني نشر النزاع برمته أمام المحكمة التي تنظر في التعرض، وعلى العكس من ذلك لا يترتب عن سلوك هذه الطريق من طرق الطعن إلغاء المقرر الصادر في النزاع، كما لا يترتب عنه عكس المراكز القانونية للأطراف، إذ يبقى المدعي مدعيا والمدعى عليه مدعى عليه.

      أـ الأثر الواقف

      يترتب عن إمكانية الطعن بالتعرض وممارسته، بل وحتى سريان الأجل القانوني المخصص له أثر واقف، ويعني ذلك عدم إمكانية مباشرة تنفيذ المقرر القضائي الذي لا يزال يقبل الطعن بالتعرض، كما أنه يمكن للمتقاضي الذي سلك هذا الطريق من طرق الطعن، إذا كان المقرر الذي يهمه التعرض مشمولا بالنفاذ المعجل، أن يتقدم  بطلب يرمي إلى إيقاف التنفيذ أمام المحكمة التي تنظر في النزاع، وتبت المحكمة المذكورة في هذا الطلب في غرفة المشورة.

     ب ـ الأثر الناقل

        يترتب عن ممارسة التعرض إعادة نشر النزاع برمته من جديد أمام المحكمة التي تنظر فيه، ويمكن هذا الأثر المحكمة المذكورة من بسط سلطتها على المسائل المرتبطة بالقانون وتلك المرتبطة بالواقع على حد سواء، ولا يحد من سلطتها إلا النقط التي أثارها المتعرض في المقال الذي تقدم به.

    ج ـ احتفاظ الأطراف بمكانتهم الأولى

     المحكمة التي يرجع لها الاختصاص للبث في التعرض هي نفسها التي سبق لها البث فيه، ولا تؤدي ممارسة هذه الطريق من طرق الطعن إلى عكس مكانة الأطراف في النزاع، إذ تبقى لمن تقدم بالمقال الأولي صفة مدعي ويحمل المتعرض صفة المدعى عليه، فيحاول الأول إثبات جدية الطلبات التي تقدم بها، فيما يقوم الثاني بإثارة كافة الدفوع الضرورية لدحض ادعاءات خصمه.

     د ـ عدم إلغاء المقرر المطعون فيه

      على عكس ما هو عليه الحال في المادة الجنائية، فإن التعرض في المادة المدنية لا ينتج عنه إلغاء المقرر القضائي المطعون فيه واعتباره كأن لم يكن، فالمقرر السابق الذكر يبقى صحيحا على رغم من عدم إمكانية تنفيذه بالنظر للأثر الواقف للطعن الذي مورس في مواجهته، مالم يتم شموله بالنفاذ المعجل.

      ويترتب عن ذلك أن ما قضت به المحكمة غيابيا يستمر وجوده، ويتعين على الاطراف مناقشته كما يمكنهم الاستعانة به، فالمدعي بإمكانه أن يستند لحيثياته وبالمقابل، يتعين على المدعى عليه إثبات ما يعيبه عليه، فغياب هذا الاثر له أهمية كبيرة على الأقل على مستوى طبيعة ونوعية المناقشة التي تتم بين طرفي الدعوى.

        ثالثا:  إجراءات التعرض

       يخضع التعرض من حيث إجراءات تقديمه للقواعد المتعلقة بتقديم الدعوى المنصوص عليها في الفصل 31 من ق.م.م ،حيث يقدم بتصريح شفوي أو كتابي أمام المحكمة الابتدائية حسب نوعية المسطرة المطبقة، الشفوية أو الكتابية وبمقال كتابي دائما في حالة التعرض على قرار صادر من محكمة الاستئناف ويجب أن يتضمن مقال التعرض موضوع التعرض، والحكم المتعرض عليه، وبيان وسائل التعرض، وفي حالة تعدد الاطراف المتعرض عليهم، وجب وضع المقال في عدد من النسخ مساو لعدد الخصوم، ومع أداء الرسوم القضائية الواجبة قانونا. أما أجل التعرض فقد حدده المشرع في عشرة أيام تبتدأ من تاريخ تبليغ الحكم الغيابي للطاعن تبليغا صحيحا وفقا لمقتضيات الفصل 54 من ق.م.م خاصة ضرورة إشعاره في وثيقة التبليغ إلى حرمانه من ممارسة هذا الطعن في حالة انقضاء  الاجل المذكور، ويعتبر هذا التنبيه من متعلقات النظام العام ويؤدي الاخلال به إلى بطلان التبليغ.

       الفقرة الثانية: الاستئناف

       الإستئناف طريق عادي للطعن يعيد به الطاعن طرح النزاع على محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه. وتملك محكمة الاستئناف جميع السلطات التي تكون لقاضي أول درجة حيث تفحص النزاع من جوانبه الواقعية والقانونية، ولا تقف صلاحياتها عند مراقبة صحة الحكم المستأنف من حيث القانون.

       ويجسد الطعن بالاستئناف مبدأ التقاضي على درجتين، موفرا بذلك ضمانة هامة من ضمانات التقاضي، حيث يسمح بتدارك ما قد يقع فيه قضاة المحاكم الأدنى من تصور، ويتيح للخصوم استدراك ما فاتهم تقديمه من دفوع وأدلة أمام محكمة أول درجة، لذلك قيل في الطعن بالاستئناف أنه طريق إصلاح القضاء الصادر من أول درجة.

      أولا: الأحكام القابلة للطعن بالاستئناف

       الاستئناف طريق من طرق الطعن العادية؛ وهو مفتوح في مواجهة كافة الاحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى بمختلف أنواعها وأيا كانت قيمتها ، غير أن المشرع ربط تحديد المحكمة المختصة بنظر النزاع بقيمة هذا الاخير فاستئناف الاحكام الصادرة في نزاع تقل قيمته المالية عن عشرون ألف درهم يعود إلى غرفة الاستئناف لدى المحكمة الابتدائية التي تبث في النزاع، أما استئناف الأحكام الصادرة في نزاع تفوق قيمته المبلغ المذكور أو في النزاعات غير محددة القيمة فإنها تدخل ضمن اختصاصات محكمة الاستئناف. ويتم احتساب قيمة النزاع بالنظر للطلبات التي تقدم بها أطراف الدعوى وليس بما قضت به المحكمة، كما أن قيمته في حالة تعدد الطلبات تساوي مجموع كل الطلبات التي تقدم بها الاطراف

    وتقبل الاوامر التي يصدرها رؤساء محاكم الموضوع بكاملها الاستئناف، سواء أكانت صادرة بناء على طلب أو استعجالية أو أوامر بالأداء، ولم يستثني المشرع من مجال الاستئناف إلا الأوامر الصادرة بناء على طلب بالموافقة.

    ثانيا: مسطرة الاستئناف

    كما هو عليه الحال عند تقديم مقال افتتاحي للدعوى، فإن الاستئناف طريق من طرق الطعن التي لا يمكن ممارستها إلا من قبل الطرف الذي له المصلحة في ذلك، والذي تضرر من الحكم الصادر عن محكمة الدرجة الأولى، كما لا يمكن توجيهها إلا ضد من كان طرفا خلال المرحلة ذاتها ، ويتعين في حالة وفاة المستأنف أن تقوم محكمة الاستئناف بإشعار ذوي حقوقه قصد مواصلة الدعوى .

      وحدد المشرع الأجل الذي يتعين ممارسة الاستئناف فيه في ثلاثين يوما، ويبتدأ احتساب هذا الاجل من تاريخ التوصل بالتبليغ، إلا أنه إذا تمت ممارسة هذا الطعن من قبل طالب تنفيذ الحكم الابتدائي فإن الأجل المذكور يبتدأ من تاريخ الذي تقدم به هذا الاخير بالطلب الرامي إلى تبليغ الحكم لخصمه، ويستفيد المتقاضي الذي يتوفر على محل إقامة خارج المغرب من أجل مضاعف ثلاث مرات.

       ويتعين الاشارة في هذا صدد إلى أن الاجل المذكور يشكل القاعدة ويطبق في مواجهة الاحكام الصادرة عن المحاكم العادية وهي تبث في الموضوع الدعوى، أما بخصوص الأحكام الصادرة عن غيرها من المحاكم فإن تطبيقه رهين بغياب مقتضيات خاصة تنص على أجل مختلف وقد حدد المشرع آجالا أخرى أقصر في العديد من المجالات، فاستئناف الاوامر الاستعجالية أو تلك الصادرة بناء على طلب أو تلك المتعلقة بقضايا الأسرة يجب أن يتم داخل أجل خمسة عشر يوما، كما أن استئناف الاحكام الصادرة عن المحاكم التجارية يجب أن يتم داخل الأجل نفسه تفعيلا لمقتضيات الخاصة للقانون المحدث لها، أما الاحكام الصادرة عن المحاكم الادارية فإنه يخضع لنفس الأجل العادي بالنظر لغياب مقتضى مخالف في القانون المحدث لها.

       أما الاستئناف الفرعي فيمكن التقدم به في كل وقت حتى بعد انصراف أجل الاستئناف القانوني. ويستفيد من هذا النوع من الاستئناف الطرف الذي وجه ضده استئناف أصلي، و لم يتمكن من ممارسة حقه داخل الأجل المنصوص عليه قانونا، ويرجح أن يكون هذا التخاذل ناتجا عن اعتقاده بأن الحكم لن يتم استئنافه من قبل خصمه.

     وتتم ممارسة الطعن بالاستئناف عن طريق مقال مكتوب يتم إيداعه لدى كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت الحكم الابتدائي المطعون فيه، ويتعين على كاتب الضبط الذي يتسلم المقال الاستئنافي أن يسلم للمستأنف توصيلا يثبت إلى جانب أداء الرسوم القضائية تاريخ ممارسة هذا الطعن.

     ويتعين أن يتضمن المقال الاستئنافي مجموعة من البيانات المنصوص عليها في الفصل 142 من ق.م.م، إذ يجب أن تتم الإشارة فيه إلى جانب أسماء الأطراف وعناوينهم، إلى ملخص لوقائع النزاع بغية تمكين محكمة الدرجة الثانية من استيعاب معطياته وفهمه بسهولة، كما يجب أن يحدد المستأنف في مقاله الاستئنافي الوسائل التي يستند عليها وتحدد كل وسيلة بدقة ما يعيبه المستأنف على الحكم الابتدائي المطعون فيه. والهدف المتوخى من وراء هذه الشكلية هو تمكين محكمة الاستئناف من استيعاب خيوط النزاع والنقطة الفيصل فيه من خلال المقال الاستئنافي.

        وتسري هذه المقتضيات التي تهم شكليات المقال الاستئنافي على الطعن بالاستئناف الممارس في مواجهة كل المقررات القضائية، دونما تمييز بينهما على أساس نوع المقرر والمحكمة التي أصدرته.

      ثالثا: الأثار المترتبة عن الطعن بالاستئناف

      يترتب عن الطعن بالإستئناف أثاران:

    

      أـ الاثر الموقف

       ينص الفصل 134 من قانون المسطرة المدنية على أنه: "يوقف أجل الاستئناف، والاستئناف نفسه داخل الاجل القانوني التنفيذ عدا إذا أمر بالتنفيذ المعجل ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل 147"

        ويبدأ هذا الاثر الموقف من تاريخ إيداع المقال الاستئنافي بكتابة ضبط المحكمة إلى حين بث المحكمة الاستئنافية في القضية، فإذا أيدت الحكم الابتدائي استعاد قوته التنفيذية من جديد أما إذا قامت بإلغائه أصبح عديم المفعول .

       إلا انه يمكن القول أن الأثر الموقف لا يسري على الحكم المشمول بالنفاذ المعجل القانوني أو القضائي. ويمكن القول في هذا الصدد أن الأثر الموقف يمتد على مجموع منطوق الحكم بشرط أن يستأنف مع الحكم الفاصل في النزاع.

       ب ـ الأثر الناقل:

        يقصد بهذا الأثر أن النزاع ينقل من المحكمة الابتدائية إلى محكمة الاستئناف، وبالتالي فإن قضاة المحكمة الابتدائية يفقدون اختصاص النظر في النزاع المستأنف ،وبالتالي فإن هذا الاثر يتجلى وبشكل صريح في نشر الدعوى أمام محكمة الاستئناف التي تصبح لها صلاحية النظر في هذا الموضوع حسب ما ورد في الفصل 146 من ق.م.م الذي نص صراحة على أنه "إذا أبطلت أو ألغت غرفة الاستئنافات بالمحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف الحكم المطعون فيه وجب عليها أن تتصدى للحكم في الجوهر إذا كانت الدعوى جاهزة للبث فيها".

    المطلب الثاني: طرق الطعن الغير العادية

     على عكس طرق الطعن العادية، فإن طرق الطعن الغير العادية لا يمكن ممارستها إلا إذا توفرت إحدى الاسباب المبررة لذلك، والمنصوص عليها على سبيل الحصر من طرف المشرع، كما أنه لا يمكن لأي متقاض أن يمارس إحدى هذه الطرق إذا كان بإمكانه ممارسة طريق من طرق الطعن العادية.

     الفقرة الأولى: تعرض الغير الخارج عن الخصومة

     بناء على الفصل 303 من ق.م.م، فإن تعرض الغير الخارج عن الخصومة هو طريق غير عادي للطعن في الأحكام وضعه القانون في متناول كل شخص لم يستدعى هو أو من ينوب عنه في الدعوى، ليستطيع بمقتضاه أن يدفع أثر الحكم الصادر فيها إذا كان الحكم المذكور يمس بحقوقه أو يضر بمصالحه.

    وتجدر الاشارة إلى أن بعض الفقه يرى أن تعرض الغير الخارج عن الخصومة لا يدخل ضمن طرق الطعن لأنه مقرر لمصلحة شخص لم يكن طرفا في الخصومة التي انتهت بصدور الحكم المطعون فيه، في حين أن القاعدة هي أن الطعن في الحكم لا يجوز إلا ممن كان طرفا في الخصومة.

      وسنحاول في هذه الفقرة التعرف على شروط هذا الطعن (أولا) والمقررات القابلة لتعرض الغير الخارج عن الخصومة(ثانيا) ثم ميعاد وإجراءات ممارسته(ثالثا) وأخيرا آثاره(رابعا).

      أولا: شروط تعرض الغير الخارج عن الخصومة

       يستفاد من نص الفصل 303 من ق.م.م أنه من أجل سلوك طريق تعرض الغير الخارج عن الخصومة للطعن في الأحكام لابد من توفر الشروط التالية:  

▪ يجب أن يكون الحكم المطعون فيه قد مس بحقوق الغير المتعرض، وليس هذا الشرط سوى تطبيق لمبدأ "لا دعوى حيث لا مصلحة"، اذا فالمصلحة هي التي دفعت المتضرر من الحكم الى التعرض عليه، غير أن ثبوت الضرر متوقف على السلطة التقديرية للمحكمة، فهي التي لها أن تقرر مدى مساس الحكم بحقوق الغير.

▪ألا يكون الغير المتعرض قد تم استدعائه شخصيا أو بواسطة نائبه، فمن خلال استقراء الفصل 303 من ق.م.م، نجده يعرف الغير بأنه الشخص الذي لم يستدعى هو أو من ينوب عنه في الدعوى، بمعنى ألا يكون طرفا في الدعوى أو ممثلا فيها.

       ثانيا: المقررات القابلة لتعرض الغير الخارج عن الخصومة

     تعرض الغير الخارج عن الخصومة باعتباره طريقا من طرق الطعن غير العادية لا يمكن أن يمارسه إلا المتقاضي الذي لا يتوفر على إمكانية ممارسة إحدى طرق الطعن العادية، وبناء عليه فإن القرارات القابلة لتعرض الغير الخارج عن الخصومة هي القرارات الصادرة على حد سواء من محاكم الدرجة الثانية ومحكمة النقض.

       ثالثا: إجراءات وميعاد ممارسته

      أ-الإجراءات

      حسب الفصل 304 من ق.م.م ،يقدم تعرض الغير الخارج عن الخصومة وفقا للقواعد المقررة للمقالات الافتتاحية للدعوى، إذ يكون في شكل مقال مكتوب يوقع عليه المدعي أو من يمثله، أو في صورة تصريح يدلي به المدعي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط محضرا يوقع من طرف المدعي أو يشار في المحضر إلى عدم إمكانية توقيعه.

       ويجب أن يتضمن المقال أو المحضر الأسماء العائلية والشخصية وصفة أو مهنة  وموطن أو محل إقامة المدعى عليه والمدعي، وعند الاقتضاء يجب أن يتضمن أسماء وصفات وموطن وكيل المدعي ويتعين أن يشمل المقال أو المحضر ولو بإيجاز موضوع التعرض والوقائع والوسائل التي يستند إليها المتعرض .

      ويتعرض لعدم القبول كل تعرض خارج عن الخصومة إذا لم يرفق بوصل يثبت إيداعه بكتابة ضبط المحكمة مبلغا مساويا للغرامة في حدها الاقصى والتي يمكن الحكم بها تطبيقا للفصل 304 من ق.م.م.

       ووفقا للفصل 305 من ق.م.م: "يحكم على الطرف الذي لا يقبل تعرضه بغرامة لا تتجاوز مائة درهم بالنسبة للمحاكم الابتدائية و ثلاثمائة درهم بالنسبة للمحاكم الاستئناف و خمسمائة درهم بالنسبة لمحكمة النقض دون مساس بتعويض الطرف الأخر عند الاقتضاء".

      ب-أجل تعرض الغير الخارج عن الخصومة

     إن ما يثير التساؤل هو عدم تحديد المشرع المغربي للمدة المخصصة لممارسة تعرض الغير الخارج عن الخصومة ، حيث يبقى للغير ذي المصلحة التعرض على الحكم الذي أضر به في أي وقت شاء، مالم يكن صدر عنه ما يفيد صراحة أو ضمنا إقراره للحكم والقبول بما قضى به ولاسيما إذا كان قد نفذ الحكم رضاء أو أعلن أنه لن يتعرض عليه.

       لذلك وتطبيقا للمبادئ العامة يبقى للغير الحق في التعرض على الحكم مالم يسقط حقه بالتقادم، ولما كانت مدة التقادم المسقط في القانون المغربي هي 15 سنة حسب المادة 387 من ق.ل.ع، فإن تعرض الغير الخارج عن الخصومة يمكن التمسك به من خلال الخمسة عشر سنة من تاريخ صدور الحكم موضوع التعرض .

       ويرى الاستاذ محمد السماحي أنه مادامت قابلية الأحكام تمتد لثلاثين سنة من تاريخ صدورها حسب الفصل 428 من ق.م.م، فإن هذا الغير يظل باستطاعته الوقوف في وجهها طيلة هذه المدة كلها .

    رابعا: الأثار المترتبة عن تعرض الغير الخارج عن الخصومة

    إن تعرض الغير الخارج عن الخصومة تترتب عليه  بعض الأثار، منها أن المحكمة المطعون أمامها تعدل عن الحكم المتعرض عليه في حدود ما يتعلق بحقوق الغير فقط، أما بالنسبة لأطراف النزاع الأصليين فالحكم نافذ بحقهم ويتمتع من حيث المبدأ لقوة الشيء المقضي به .

     ويخضع الحكم الصادر نتيجة تعرض الغير الخارج عن الخصومة لطرق الطعن وفقا للقواعد العامة، فإذا صدر غيابيا أمكن الطعن فيه بالتعرض أما إذا صدر انتهائيا عن المحكمة الابتدائية فلا يقبل الطعن  بالطرق العادية وانما يقبل الطعن بالطرق غير العادية فقط، وإذا صدر ابتدائيا كان قابلا للاستئناف.

    وفي اعتقادنا يرتب التعرض بشكل عام أثرين أساسيين يتمثلان في توقيف البث في النزاع وإيقاف التنفيذ، وتجدر الاشارة إلى أن الاثرين المذكورين لا ينتجان بقوة القانون، وإنما يتوقفان على قناعة القاضي.

     فيمكن للقاضي بناء على ذلك أن يوقف البث في النزاع المعروض عليه، إلى حين الفصل في تعرض الغير الخارج عن الخصومة لئلا تتناقض الاحكام، ويجوز له كذلك إن كانت لديه قناعة تامة أن يوقف تنفيذ الحكم بحسب المسائل التي يرمي التعرض الخارج عن الخصومة إلى إصلاحها وتعديلها، أما إذا رفض تعرض الخارج عن الخصومة، فإن المتعرض يلتزم بأداء مبلغ الغرامة المفروضة قانونا، وبأن يعوض الطرف الأخر إذا كان لذلك موجب، هذا إلى جانب التزامه بأداء المصاريف والصوائر التي استلزمها التعرض.

    الفقرة الثانية: الطعن بإعادة النظر

     الطعن بإعادة النظر يقدمه أحد الخصوم للوصول إلى إلغاء حكم قضائي، حيث لم يعد قابلا للطعن بالطرق العادية كالتعرض والاستئناف ،وهو طعن يوجه إلى نفس المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه ، وذلك من أجل احترام مبادئ العدالة والانصاف.

    إذن فما هي الاجراءات والآجال الواجب احترامها(أولا) وما هي المقررات القابلة للطعن بإعادة النظر(ثانيا) وحالاته(ثالثا) ثم ماهي أثاره(رابعا)؟

     أولا: الإجراءات والآجال

    لكي تقبل المحكمة الطعن بإعادة النظر، يجب أن يقدم وفق الإجراءات و الآجال التي حددها القانون.

     أ- الاجراءات

     يقدم طلب إعادة النظر وفق الاجراءات المنصوص عليها بخصوص تقديم المقالات الافتتاحية للدعوى، حيث يرفع إلى نفس المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه بمقال مكتوب موقع عليه من طرف المدعي أو وكيله أو بتصريح يدلي به المدعي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط محضرا يوقع من قبل المدعي أو يشار في المحضر إلى عدم إمكانية توقيعه ، أما اذا رفع إلى محكمة الاستئناف فيتعين الالتزام بالمسطرة الكتابية وفقا للفصل 328 من ق.م.م. 

     أما في حالة تقديم طلب إعادة النظر أمام محكمة النقض فيجب أن يوقع طلب الطعن من طرف محام مقبول لديها ، ويشترط لقبول طلب الطعن بإعادة النظر أن يتضمن الأسماء العائلية والشخصية وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة المدعى عليه والمدعي، وكذا عند الاقتضاء إسم وصفة وموطن وكيل المدعي، مع توضيح وبيان موضوع الدعوى والوقائع والوسائل المثارة بإيجاز، وترفق بالطلب المستندات التي ينوي المدعي استعمالها عند الاقتضاء.

    و حسب الفصل403 من ق.م.م، يجب الإدلاء بتوصيل يثبت إيداع طالب إعادة النظر في كتابة ضبط المحكمة المصدرة للحكم أو للقرار المطعون فيه، مبلغ مواز للغرامة في حدها الأقصى التي يمكن أن يحكم بها على الطرف الذي يخسر طلب إعادة النظر. هذه الغرامة حددها المشرع في ألف درهم أمام المحكمة الابتدائية و ألفين و خمسمائة درهم أمام محكمة الاستئناف و خمسة آلاف درهم أمام محكمة النقض بدون مساس عند الاقتضاء بتعويضات الطرف الآخر.

      ب-الآجال

       ما يميز أجل الطعن بإعادة النظر اختلافه بحسب الأسباب التي ينبني عليها هذا الطعن. فالأصل أن ميعاد الطعن بإعادة النظر، حسب الفصل 403 من ق.م.م هو 30 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ الحكم المطعون فيه تحت طائلة سقوط الحق في ذلك، هذا مع مراعاة الآجال المنصوص عليها في الفصل 136 و 137 و139 من ق.م.م والتي هي على التوالي: 

 ▪ مضاعفة أجل 30 يوما ثلاث مرات لمصلحة الأطراف الذين ليس لهم موطن ولا محل إقامة بالمملكة. 

▪ توقف أجل الطعن عن السريان في حالة وفاة ذي المصلحة في طلب إعادة النظر لصالح ورثته ولا تقع مواصلته من جديد إلا بعد مرور 15 يوما التالية لتبليغ الحكم للورثة في موطن الشخص المتوفى وفق مقتضيات الفصل 54.

▪ إذا وقع أثناء الأجل تغيير في أهلية أحد الأطراف أوقف الأجل ولا يبتدئ سريانه من جديد إلا بعد 15 يوما من تبليغ الحكم لمن لهم المصلحة في تسلم التبليغ. 

لكن المشرع لاحظ أن من أسباب الالتماس ما قد لا يظهر إلا بعد إنقضاء الميعاد إذا احتسب طبقا للقاعدة العامة من يوم تبليغ الحكم المطعون فيه، فقرر حماية للمحكوم عليه بأن يبدأ الميعاد في مثل تلك الحالات من يوم ظهور سبب الالتماس. 

وهكذا، فإذا كانت أسباب إعادة النظر هي التزوير أو التدليس أو اكتشاف مستندات جديدة فلا يسري الأجل إلا من يوم الاعتراف بهذه الوقائع، بشرط أن يوجد بالنسبة للحالتين الأخيرتين دليل كتابي على هذا التاريخ، غير أنه إذا كانت الأفعال الاجرامية قد ثبت وجودها من طرف محكمة زجرية، فإن الأجل لا يسري إلا ابتداء من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم الصادر من المحكمة مكتسبا لقوة الشيء المحكوم به.

أما إذا كان السبب المثار من أجله طلب إعادة النظر هو تعارض الأحكام، فإن الأجل لا يسري إلا من تاريخ تبليغ الحكم الأخير .

ثانيا: المقررات القابلة للطعن بإعادة النظر    

تقبل الطعن بإعادة النظر، المقررات القضائية التي لا تقبل أي طريق من طرق الطعن العادية، ويجد هذا التوجه تبريره في كون أن طرق الطعن العادية تمكن من بلوغ نفس الهدف. وبالمقابل فإن كون المقرر القضائي لا زال يقبل الطعن بالنقض لا يترتب عنه اغلاق باب إعادة النظر، إذ يمكن استعمال كلا الطعنين، بل أكثر من ذلك فلا يوجد ما يمنع من ممارستها في نفس الوقت.

  ثالثا: حالات الطعن بإعادة النظر

حسب الفصل 402 من ق.م.م فإن الحالات التي يمكن الاستناد عليها لممارسة الطعن بإعادة النظر تنحصر فيما يلي:

1ـ إذا بث القاضي فيما لم يطلب منه أو حكم بأكثر مما طلب أو إذا أغفل البث في أحد الطلبات، 

2ـ إذا وقع تدليس أثناء تحقيق الدعوى 

3ـ إذا بني الحكم على مستندات اعترف أو صرح أنها مزورة بعد صدور الحكم 

4ـ إذا اكتشف بعد الحكم وثائق حاسمة كانت محتكرة لدى الطرف الاخر 

5ـ إذا وجد تناقض بين أجزاء نفس الحكم

6ـ إذا قضت نفس المحكمة بين نفس الأطراف واستنادا لنفس الوسائل بحكمين انتهائيين متناقضين وذلك لعلة عدم الاطلاع على حكم سابق أو لخطأ واقعي

7ـ إذا لم يقع الدفاع بصفة صحيحة على الحقوق إدارات عمومية أو حقوق قاصرين.

      رابعا: أثار الطعن بإعادة النظر

       تطرق ق.م.م لأثار إعادة النظر في الفصل 408 إذ جاء فيه:

     "إذا قبلت إعادة النظر وقع الرجوع في الحكم ورجع الاطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور هذا الحكم وردت المبالغ المودعة وكذا الاشياء التي قضى بها والتي قد يكون تم تسلمها بمقتضى الحكم المرجوع فيه".

       كما هو واضح، وخلافا للاستئناف والتعرض، ليس لإعادة النظر أي أثر موقف ولا ناقل في الحكم المطعون فيه، لذلك يبقى قابلا للتنفيذ.

       وما يميز التماس إعادة النظر عن غيره من طرق الطعن أنه في حالة قبوله شكلا ومضمونا، يرجع الأطراف الى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور الحكم، كما يرجع في الحكم نفسه، وترد المبالغ المودعة والاشياء التي قضى بها والتي يكون تسلمها المحكوم له بمقتضى الحكم المرجوع فيه.

       وفي حالة إعادة النظر بسبب تعارض الأحكام، فإن المحكمة تقرر إبطال الحكم الثاني وتنفيذ الحكم الأول بشكله ومضمونه كما تنص على ذلك المادة 409 من ق.م.م. أما في حالة إعادة النظر بسبب تناقض أجزاء منطوق الحكم، فإن المحكمة تستعيض عن الحكم المطعون فيه بحكم جديد بأن تفصل في القضية مرة أحرى على وجه الذي تراه .إلا أنه إذا أخفق طالب إعادة النظر ورفضت المحكمة طلبه حكمت عليه بالمصاريف وبالغرامة المشار إليها أعلاه. 

    الفقرة الثالثة: الطعن بالنقض

     الطعن بالنقض هو طريق غير عادي للطعن في الاحكام  النهائية التي تصدر عن جميع محاكم المملكة ويهدف من يلجأ إليه ،إلى رفع النزاع أمام  محكمة النقض التي تشكل محكمة وحيدة  في المملكة سواء من حيث نوع الاختصاص أو المسطرة المطبقة امامها .

سوف نبحث في هذه الفقرة إجراءات وأسباب الطعن بالنقض (أولا) و آثار الطعن بالنقض وآجاله( ثانيا)

    أولا: : إجراءات وأسباب الطعن بالنقض

     أ-أسباب الطعن بالنقض

     ينص الفصل 359 من ق.م.م على أنه يجب أن تكون طلبات نقض الأحكام المعروضة على محكمة النقض مبنية على  أحد الاسباب التالية:

- خرق القانون الداخلي

- خرق قاعدة  مسطريه بأحد أضر بأحد الاطراف

  -عدم الاختصاص

الشطط في استعمال السلطة

- عدم  ارتكاز الحكم على اساس قانوني أو انعدام التعليل

    ب- إجراءات الطعن بالنقض

     نظم المشرع المغربي إجراءات تقديم طلبات النقض في الفصل 354 من ق.م.م، حيث لقبول النقض لابد من تقديمه في شكل عريضة كتابية موقعة من طرف أحد المدافعين المقبولين للترافع أمامها ومن ثم يجوز للمحكمة  أن تشطب تلقائيا ومن غير استدعاء الطرف المعني إذا كانت العريضة موقعة من  طرف مدافع لا تتوفر فيه الشروط اللازمة للترافع  أمام محكمة النقض.

    ثانيا: أثار الطعن بالنقض وآجاله

    أ- آجال الطعن بالنقض  

   أجل النقض نص عليه المشرع في الفصل 358 من ق. م.م، و هو30 يوما من تاريخ تبليغ الحكم المطعون فيه إلى الشخص نفسه أو موطنه الحقيقي.

   ب-آثار النقض

   على خلاف طرق  الطعن العادية لا يترتب على تقديم  طلب النقض وقف تنفيذ الحكم  المطعون فيه وإنما يبقى التنفيذ قائما، غير أن المشرع المغربي استثنى من هذا المبدأ بعض المسائل الذي ينتج عن الطعن بالنقض فيها وقف التنفيذ وهكذا نص الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية على أنه لا يوقف الطعن محكمة النقض التنفيذ إلا في الحالات التالية:

- في الاحوال الشخصية 

 - في الزور الفرعي 

- التحفيظ العقاري

و يمكن علاوة على ذلك للمحكمة بطلب صريح من رافع الدعوى و بصفة استثنائية أن تأمر بإيقاف تنفيذ القرارات و الأحكام الصادرة في القضايا الإدارية و مقررات السلطات الإدارية التي وقع ضدها طلب الإلغاء.



خاتمة

       من خلال ما سبق يمكن القول أن الطعن في الأحكام يكتسي أهمية بالغة و ضمانة أساسية لإنصاف الطرف المتضرر من الحكم المطعون فيه، و هو الأمر الذي عمل المشرع المغربي جاهدا على تحقيقه، غير أنه لم يتوقف عند هذا الحد بل تعداه لحماية الأغيار ممن قد يمس بمصالحهم في حكم قضائي، و حدد آجال و طرق خاصة لممارسة هذا الحق، بحيث يسقط هذا الحق بانصرام الأجل المنصوص عليه. 

      و هكذا رغم ما يؤاخذ على التطبيق الفعلي لحق الطعن، و الذي يطرح مشاكل تجعل الكثير يشك في الجدوى منه، خاصة عندما يستعمل هذا الحق ضد مصلحة العدالة ليصير مسطرة كيدية يلجأ إليها بعض الأطراف للمماطلة و ربح الوقت، مما يضرب في جوهر و روح التقاضي المتمثل في تحقيق العدالة و الانصاف، لكن يبقى السبيل الأنجع و الأوحد لحماية المتضرر من حكم أضر به أو بمصالحه.

     وقد تبين لنا أن تعدد طرق الطعن ليس بالشيء السلبي أو الاعتباطي، بل الأمر تحكمه ضرورات و غايات فرضت هذا التنوع في طرق الطعن، منها ما لها علاقة بطبيعة الأحكام نفسها، ومنها ما يتعلق بتعدد الأخطاء القضائية و منها كذلك ما وجدت لحماية مصالح الغير المتضرر.

     والملاحظ كذلك، أن التشريع المغربي مازال يقر إمكانية صدور الأحكام بالصورة الغيابية, وبالتالي قابلية هذا الحكم للطعن عن طريق التعرض. و حبذا لو أن المشرع المغربي ينهج نهج التشريع الحديث و يبحث عن حلول تشريعية تغنيه في المستقبل، عن المحاكمة الغيابية وبذلك يستغني نهائيا عن التعرض كطريقة من طرق الطعن.

لائحة المراجع

الكتب:

- ادريس العلوي العبدلاوي، القانون القضائي الخاص، طرق الطعن في الاحكام، الجزء الثالث، طبعة 1984.

- الطيب بلمقدم، الطعون المدنية في التشريع المغربي، الجزء الأول، الطبعة 1996.

- جواد أمهلول، الوجيز في المسطرة المدنية، مطبعة الأمنية الرباط ، ط 2015.

- عبد العزيز إدزني، قانون المسطرة المدنية المغربي، الطبعة الأولى 2011 .

- عبد العزيز حضري، المسطرة المدنية، ط 2018 .

- عبد الكريم الطالب، الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية، المطبعة و الوراقة الوطنية، سنة 2013.

- عبد الكريم الطالب، مشروع رؤية جديدة لطرق الطعن في قانون المسطرة المدنية، الطبعة  الأولى 2020.

- مأمون الكزبري و إدريس العبدلاوي، شرح المسطرة المدنية في ضوء القانون المغربي، الجديد، الجزء الأول، طبعة 1973، مطبعة دار القلم بيروت.

- محمد السماحي، طرق الطعن في الاحكام المدنية و الإدارية، الطبعة الأولى 1995.

- نبيل إسماعيل عمر، الطعن بالاستئناف و إبراءاته، منشأة المعارف سنة 1980.

- نور الدين لبريس، نظرات في قانون المسطرة المدنية، مطبعة الأمنية طبعة 2012.

- نورالدين الناصيري، الموجز في قانون المسطرة المدنية، الطبعة الأولى 2019،

-الطيب الفصايلي، القانون القضائي الخاص، الجزء الثاني، الطبعة الثانية،1993 ، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء.

-عبد الرحمان الشرقاوي، قانون المسطرة المدنية، مطبعة المعارف، طبعة خامسة 2020

المحاضرات:

- عبد العزيز الحضري، محاضرات في قانون المسطرة المدنية.

- عبد الحميد أخريف، محاضرات في قانون المسطرة المدنية.

المقالات:

- إلهام أقشو باحثة في سلك الدكتوراه، مقال منشور في مجلة الوقائع القانونية الغدد 12 سنة 2021. 

القرارات:

- قرار عدد 171 تاريخ 23/03/2005 ، بمجلة "القصر" ع 21 ص 179.

- قرار محكمة النقض، ع 632 ، تاريخ 06/06/2007، في مجلة "قضاء المجلس الأعلى"، ع 60، ص 99.

- قرار محكمة النقض رقم 890 ، تاريخ 11/02/1998 ، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، عدد 52.

- قرار صادر بتاريخ 09/09/1990 ، عدد 1855 ، في الملف ، ع 86/138، منشور بمجلة الاشعاع عدد 4، صفحة 189 و ما يليها.

-  قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، رقم 981 بتاريخ 06/12/1985، ملف عدد 1207/82 بمجلة المحاكم المغربية، عدد 41/1986 ، ص 109.

- قرار محكمة النقض عدد 1085 الصادر بتاريخ 28 فبراير 2012 في الملف 2956/1/2/2011، منشور في مجلة الوقائع القانونية  العدد 12، 2021، ص17.

- قرار رقم 2325 الصادر في 29 يونيو 1994 ملف مدني عدد 1517. قرارات المجلس الأعلى ، منشورات المجلس الأعلى في ذكراه الأربعين ص 179. 

- قرار محكمة النقض رقم 2514/4 الصادر بتاريخ 01/06/2010، ملف عدد3089/1/4/2007 منشور في مجلة دفاتر محكمة النقض عدد 32،ص 48.

القوانين:

- قانون رقم 34.10 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.1.148 بتاريخ 16 رمضان 1437 (17 غشت 2011)، الجريدة الرسمية، عدد 5975 بتاريخ 06 شوال 1432.

-دستور 2011 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.1.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5964.













الفهرس

 

لائحة المختصرات    1

مقدمة    2

المبحث الأول: النظرية العامة للطعن في الأحكام    4

المطلب الأول: ماهية الطعون و مبادئها العامة    4

الفقرة الأولى: تعريف مفهوم الطعن    4

أولا: تعريف الطعن    4

ثانيا: مفهوم الطعن في المادة المدنية    5

الفقرة الثانية: المبادئ العامة للطعون    7

أولا: مبدأ التقاضي على درجتين:    7

ثانيا: مبدأ استيفاء الطعون العادية ثم الاستثنائية    8

ثالثا: مبدأ أسبقية البث( لا يمارس الطعن إلا مرة واحدة):    10

رابعا: عدم تضرر الطاعن من طعنه(الطعن لا يسيئ مركز الطاعن)    11

المطلب الثاني : القواعد العامة و المشتركة لطرق الطعن    12

الفقرة الأولى: القواعد العامة الخاضعة لها جميع طرق الطعن    12

أولا- شروط التقاضي    12

ثانيا: نسبية آثار الطعن    16

ثالثا: عدم جواز التنازل المسبق عن الطعن    16

الفقرة الثانية: قواعد عامة تخضع لها جميع الطعون باستثناء تعرض الغير الخارج عن الخصومة    17

أولا: آجال الطعن هي آجال كاملة    17

ثانيا: طبيعة الآجال لها مساس بالنظام العام    18

ثالثا: وقف ميعاد الطعن    19

المبحث الثاني: طرق الطعن و تصنيفاتها في المادة المدنية    22

المطلب الأول: طرق الطعن العادية    22

الفقرة الأولى: التعرض    22

أولا: الأحكام القابلة للتعرض    23

ثانيا: أثار التعرض    24

ثالثا:  إجراءات التعرض    25

الفقرة الثانية: الاستئناف    26

أولا: الأحكام القابلة للطعن بالاستئناف    26

ثانيا: مسطرة الاستئناف    27

ثالثا: الأثار المترتبة عن الطعن بالاستئناف    28

المطلب الثاني: طرق الطعن الغير العادية    29

الفقرة الأولى: تعرض الغير الخارج عن الخصومة    30

أولا: شروط تعرض الغير الخارج عن الخصومة    30

ثانيا: المقررات القابلة لتعرض الغير الخارج عن الخصومة    31

ثالثا: إجراءات وميعاد ممارسته    31

رابعا: الأثار المترتبة عن تعرض الغير الخارج عن الخصومة    32

الفقرة الثانية: الطعن بإعادة النظر    33

أولا: الإجراءات والآجال    33

ثانيا: المقررات القابلة للطعن بإعادة النظر    35

ثالثا: حالات الطعن بإعادة النظر    36

رابعا: أثار الطعن بإعادة النظر    36

الفقرة الثالثة: الطعن بالنقض    37

أولا: : إجراءات وأسباب الطعن بالنقض    37

ثانيا: أثار الطعن بالنقض وآجاله    38

خاتمة    39

لائحة المراجع    40

الفهرس    43



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-